راقب الله

 

راقب الله 12282

الحمد لله رب العالمين،
والصلاة و السلام على رسول الله نبينا محمد و على الة و صحبه،
وبعد:

فى الحديث: قال النبى : { لاعلمن اقواما من امتى ياتون يوم القيامه بحسنات امثال جبال تهامه بيضاء فيجعلها الله هباء منثورا }،
قيل: يا رسول الله صفهم لنا،
جلهم لنا،
ان لا نكون منهم و نحن لا نعلم؟
قال: { اما انهم اخوانكم و من جلدتكم و ياخذون من الليل كما تاخذون و لكنهم قوم اذا خلو بمحارم الله انتهكوها }.

قد يبتعد الانسان عن المعاصى و الذنوب اذا كان يحضرة الناس،
وعلي مشهد منهم،
لكنة اذا خلا بنفسه،
وغاب عن اعين الناس،
اطلق لنفسة العنان،
فاقترف السيئات،
وارتكب المنكرات،
وكفي بربك بذنوب عبادة خبيرا بصيرا [الاسراء:17] و ما الله بغافل عما تعملون [البقرة: 74].

بل ان الانسان ليقع فذنب،
لو كان بحضرتة طفل لامتنع من الوقوع فيه،
فصار حياؤة من ذلك الطفل اشد من حيائة من الله جل و علا،
اتراة – فهذه الحالة – مستحضرا قول الله تعالى: اولا يعلمون ان الله يعلم ما يسرون و ما يعلنون [البقرة:77] { الم يعلموا ان الله يعلم سرهم و نجواهم و ان الله علام الغيوب [التوبة: 78].

ويحك يا هذا،
ان كانت جراءتك على معصيه الله لاعتقاد ان الله لا يراك،
فما اعظم كفرك،
وان كان علمك باطلاعة عليك،
فما اشد و قاحتك،
واقل حياءك!!
يستخفون من الناس و لا يستخفون من الله و هو معهم اذ يبيتون ما لا يرضي من القول و كان الله بما يعملون محيطا [النساء:108].

من اعجب الحاجات ان تعرف الله بعدها تعصيه،
وتعلم قدر غضبة بعدها تعرض له،
وتعرف شده عقابة بعدها لا تطلب السلامة منه،
وتذوق الم الوحشه فمعصيتة بعدها لا تهرب منها و لا تطلب الانس بطاعته.

قال قتادة: ( ابن ادم،
والله ان عليك لشهودا غير متهمه فبدنك،
فراقبهم،
واتق الله فسرك و علانيتك،
فانة لا يخفي عليه خافية،
الظلمه عندة ضوء،
والسر عندة علانية،
فمن استطاع ان يموت و هو بالله حسن الظن فليفعل،
ولا قوه الا بالله ).

وما كنتم تستترون ان يشهد عليكم سمعكم و لا ابصاركم و لا جلودكم و لكن ظننتم ان الله لا يعلم كثيرا مما تعملون (22) و ذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم ارداكم فاصبحتم من الخاسرين [فصلت:23،22].

قال ابن الاعرابي: ( احدث الخاسرين من ابدي للناس صالح اعماله،
وبارز بالقبيح من هو اقرب الية من حبل الوريد ).

ولقد خلقنا الانسان و نعلم ما توسوس فيه نفسة و نحن اقرب الية من حبل الوريد [ق:16].

اذا ما خلوت الدهر يوما فلا تقل *** خلوت و لكن قل على رقيب


ولا تحسبن الله يغفل ساعة *** و لا ان ما نخفية عنه يغيب


ان تقوي الله فالغيب،
وخشيتة فالسر،
دليل كمال الايمان،
وسبب حصول الغفران،
ودخول الجنان،
بها ينال العبد كريم الاجر و كبار انما تنذر من اتبع الذكر و خشى الرحمن بالغيب فبشرة بمغفره و اجر كريم [يس:11] ان الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفره و اجر كبير [الملك:12] و ازلفت الجنه للمتقين غير بعيد (31) ذلك ما توعدون لكل اواب حفيظ (32) من خشى الرحمن بالغيب و جاء بقلب منيب (33) ادخلوها بسلام هذا يوم الخلود (34) لهم ما يشاؤون بها و لدينا مزيد [ق:31-35].

وكان من دعاء النبى : { اسالك خشيتك فالغيب و الشهاده } و المعني ان العبد يخشي الله سرا و علانية،
ظاهرا و باطنا،
فان اكثر الناس ربما يخشي الله فالعلانيه و فالشهادة،
ولكن الشان خشيه الله فالغيب اذا غاب عن اعين الناس فقد مدح الله من خافة بالغيب.

وكان بكر المزنى يدعو لاخوانه: ( زهدنا الله و اياكم فالحرام،
زهاده من امكنة الحرام و الذنب فالخلوه فعلم ان الله يراة فتركة ).

وقال بعضهم: ( ليس الخائف من بكي فعصر عينيه،
انما الخائف من ترك ما اشتهي من الحرام اذا قدر عليه ).

اذا السر و الاعلان فالمؤمن استوي *** فقد عز فالدارين و استوجب الثنا


فان خالف الاعلان سرا فما له *** على سعية فضل سوي الكد و العنا


الامور الموجبه لخشيه الله عز و جل


1 – قوه الايمان بوعدة و وعيدة على المعاصي.

2 – النظر فشده بطشة و انتقامة و سطوتة و قهره،
وذلك يوجب للعبد ترك التعرض لمخالفته،
كما قال الحسن: ( ابن ادم،
هل لك طاقة بمحاربه الله،
فان من عصاة فقد حاربة ).

وقال بعضهم: ( عجبت من ضعيف يعص قويا ).

3 – قوه المراقبه لله،
والعلم بانه شاهد رقيب على قلوب عبادة و اعمالهم،
وانة مع عبادة حيث كانوا فان من علم ان الله يراة حيث كان،
وانة مطلع على باطنة و ظاهرة و سرة و علانيته،
واستحضر هذا فخلواته،
اوجب له هذا ترك الماصى فالسر.

قال و هب بن الورد: ( خف الله على قدر قدرتة عليك،
واستحى منه قدر قربة منك ).
وقال: ( اتق الله ان يصبح اهون الناظرين اليك ).

4 – استحضار معاني صفات الله تعالى،
ومن صفاتة ( السمع،
والبصر،
والعلم )،
فكيف تعصى من يسمعك،
ويبصرك و يعلم حالك؟!..
فاذا استحضر العبد معاني هذي الصفات،
قوى عندة الحياء،
فيستحى من ربة ان يسمع منه ما يكره،
او يراة على ما يكره،
او يخفى فسريرتة ما يمقتة عليه،
قتبقي اقوالة و حركاتة و خواطرة موزونه بميزان الشرع غير مهمله و لا مرسله تحت حكم الطبيعه و الهوى.

قال ابن رجب: ( فتقوي الله فالسر،
هى علامه كمال الايمان،
ولها تاثير عظيم فالقاء الله لصاحبها الثناء فقلوب المؤمنين ).

قال ابو الدرداء: ( ليتق احدكم ان تلعنة قلوب المؤمنين و هو لا يشعر،
يخلو بمعاصى الله،
فيلقى الله له البغض فقلوب المؤمنين ).

وقال سليمان التيمي: ( ان الرجل ليصيب الذنب فالسر،
فيكون و عليه مذلتة ).

وقال غيره: ( ان العبد ليذنب الذنب فيما بينة و بين الله بعدها يجيء الى اخوانة فيرون اثر هذا الذنب عليه ).

وهذا اعظم الادله على وجود الالة الحق،
المجازى بذرات الاعمال فالدنيا قبل الاخرة،
ولا يضيع عندة عمل عامل،
ولا ينفع من قدرتة حجاب و لا استتار.

فالسعيد من اصلح ما بينة و بين الله،
فانة من اصلح ما بينة و بين الله،
اصلح الله ما بينة و بين الخلق،
ومن التمس محامد الناس بسخط الله عاد حامدة من الناس ذاما له.

ومن اعجب ما روى فهذا،
ما روى عن ابي جعفر السائح قال: ( كان حبيب ابو محمد تاجرا يكرى الدراهم،
فمر ذات يوم بصبيان فاذا هم يلعبون،
فقال بعضهم لبعض: ربما جاء طعام الربا.
فنكس راسه،
وقال: يا رب،
افشيت سرى الى الصبيان.
فرجع فجمع ما له كله،
وقال: يا رب،
انى اسير،
وانى ربما اشتريت نفسي منك بهذا المال فاعتقني،
فلما اصبح تصدق بالمال كله،
واخذ فالعبادة،
ثم مر ذات يوم باولئك الصبيان،
فلما راوة قال بعضهم لبعض: اسكتوا فقد جاء حبيب العابد.
فبكى،
وقال: يا رب،
انت تذم مره و تحمد مرة،
وكلة من عندك ).

قال سفيان الثوري: ( ان اتقيت الله كفاك الناس،
وان اتقيت الناس لن يغنوا عنك من الله شيئا ).
وودع ابن عون رجلا فقال: ( عليك بتقوي الله،
فان المتقى ليست عليه و حشه ).

قال زيد بن اسلم: ( كان يقال: من اتقي الله احبة الناس و ان كرهوا ).

نسال الله عز و جل ان يرزقنا خشيتة فالغيب و الشهادة،
وفى السر و العلانية.


راقب الله