عنترة بن شداد بن قراد العبسي (525 م – 608 م) هو احد اشهر شعراء
العرب في فترة ما قبل الاسلام، اشتهر بشعر الفروسية، وله معلقة مشهورة. وهو اشهر فرسان
العرب واشعرهم وشاعر المعلقات والمعروف بشعره الجميل وغزله العفيف بعبلة.
اسمه
اشتقاق اسم عنترة من ضرب الذباب يقال له العنتر وان كانت النون فيه زائدة فهو
من العتر والعتر الذبح والعنترة ايضا هو السلوك في الشدائد والشجاعة في الحرب. وان كان
الاقدمون لا يعرفون بايهما كان يدعى: بعنتر ام بعنترة فقد اختلفوا ايضا في كونه اسما
له او لقبا. كان عنترة يلقب بالفلحاء من الفلح اي شق في شفته السفلى وكان
يكنى بابي الفوارس لفروسيتة ويكنى بابي المعايش وابي اوفى وابي المغلس لجراته في الغلس او
لسواده الذي هو كالغلس، وقد ورث ذاك السواد من امه زبيبة، اذ كانت امه حبشية
وبسبب هذا السواد الكثيف عده القدماء من اغرب العرب.
درج بعض الرواه على تسمية عنترة باسم عنتر احيانا، ولربما استنادا الى ماسمعوه من قوله:
يدعون عنتر والرماح كانها — اشطان بئر في لبان الادهم
وقوله في موضع ثان:
ولقد شفى نفسي وابرا سقمها — قيل الفوارس ويك عنتر اقدم
وقد شرح الخطيب التبريزي البيت الاول بقوله: “ويروى عنتر-اي بالضم- فمن رواه بفتح الراء فانه
رخم عنترة وترك ماقبل المحذوف على حاله مفتوحا، ومن روى عنتر وضم الراء احتمل الوجهين:
احدهما ان يكون قد جعل مابقي اسما على حاله الا انه قد صار طرفا كحرف
الاعراب، والثاني مارواه المبرد عن بعضهم انه كان يسمى “عنترا”، فعلى هذا الوجه لا يجوز
الا الضم، هكذا ذكره النحاس، ويجوز ان يكون عنتر على هذا الوجه منصوبا ب”يدعون” “.
ويذكر شارح القاموس انه “قد يكون اسمه عنترا كما ذهب اليه سيبويه”. على ان المتواتر
في الكتب المعتمدة وماعليه الكثيرون هو ان اسمه “عنترة” لا “عنتر” والعنترة السلوك في الشدائد
والشجاعة في الحرب، وهذا اقرب الى مسمى فارس بني عبس.[1]
مولده ونشاته
ولد عنترة في الربع الاول من القرن السادس الميلادي [2] في ما يسمى الان بلدة
قصيباء بمنطقة القصيم، وبالاستناد الى اخباره، واشتراكه في حرب داحس والغبراء فقد حدد ميلاده في
سنة 525م. تعزز هذه الارقام تواتر الاخبار المتعلقة بمعاصرته لكل من عمرو بن معدي كرب
والحطيئة وكلاهما ادرك الاسلام[3].
امه كانت اميرة حبشية يقال لها زبيبة ررغر، اسرت في هجمة على قافلتها و اعجب
بها شداد فانجب منها عنترة، وكان لعنترة اخوة من امه عبيد هم جرير وشيبوب. وكان
هو عبدا ايضا لان العرب كانت لا تعترف ببني الاماء الا اذا امتازوا على اكفائهم
ببطولة او شاعرية او سوى ذلك[4].
نسبه
- هو: عنترة بن عمرو بن شداد بن معاوية بن قراد بن مخزوم بن ربيعة وقيل
عوف بن مالك بن غالب بن قطيعة بن عبس بن بغيض بن ريث بن غطفان
بن سعد بن قيس عيلان بن مضر.[5]
صفاته
ولد عنترة لاب سامي عربي اصيل، ولام حامية حبشية كريمة، فجاء مختلفا عن بقية اقرانه
في ضخامة خلقته وعبوس وجهه وتلفلف شعره وكبر شدقيه وصلابة عظامه وشدة منكبيه،وطول قامته، وشبه
خلقته لابيه شداد.[6]
حياته في العبودية
ذاق عنترة مرارة الحرمان وشظف العيش ومهانة الدار لان اباه لم يستلحقه بنسبه، فقد كان
ابوه هو سيده، يعاقبه اشد العقاب على مايقترفه من هنات، وكانت سمية زوجة ابيه تدس
له عند ابيه وتحوك له المكائد، ومن ذلك انها حرشت عليه اباه مرة، وقالت له:
“ان عنترة يراودني عن نفسي”. فغضب ابوه غضبا شديدا وعصفت براسه حميته، فضربه ضربا مبرحا
بالعصا واتبعها بالسيف، ولكن سمية ادركتها الرحمة في النهاية فارتمت عليه باكية تمنع ضربات ابيه،
فرق ابوه وكف عنه. فاعتبر عنترة بشعر يقول فيه[7]:
امن سمية دمع العين تذريف | لو ان ذا منك قبل اليوم معروف |
كانها يوم صدت ماتكلمني | ظبي بعسفان ساجي الطرف مطروف |
تجللتني اذ اهوى العصا قبلي | كانها صنم يعتاد معكوف |
المال مالكم والعبد عبدكم | فهل عذابك عني اليوم مصروف |
تنسى بلائي اذا ماغارة لقحت | تخرمنها الطوالات السراعيف |
يخرجن منها وقد بلت رحائلها | بالماء يركضها المرد الغطاريف |
قد اطعن الطعنة النجلاء عن عرض | تصفر كف اخيها وهو منزوف |
لا شك للمرء ان الدهر ذو خلف | فيه تفرق ذو الف ومالوف |
استلحاقه بنسب ابيه
ذلك ان قبيلة طيء اغارت على عبس في ثار لها، اذ سبق لقبيلة عبس ان
غزتها واستاقت ابلها، وكان عنترة مع بني قومه في حومة النزال، ولكنه اشترك مدافعا لا
مهاجما، وسبب ذلك ما روي انه شارك من قبل في غزو طيء، ولكنهم بخسوه حقه
في الغنائم، اذ فرضوا له نصيب العبد منها وهو النصف فابى، ومن ثم تقاعس عن
الخوض في المعركة. واشتد الخطب على بني عبس حتى كادت ان تسلب خيراتها وتدور عليها
الدوائر، وحينئذ صاح بعنترة ابوه قائلا: “كر ياعنترة!”، فاجاب عنترة على النداء: “العبد لا يحسن
الكر, انما يحسن الحلاب والصر”. وفي تلك اللحظة لم يجد ابوه بدلا من ان يمنحه
اعتباره فصاح به: “كر وانت حر”. فكر عنترة وراح يهاجم وهو ينشد:
انا الهجين عنترة | كل امرئ يحمي حره |
اسوده واحمره | والشعرات المشعره |
الواردات مشفره |
وكان النصر لبني عبس فاحتفلت القبيلة بعنترة وكرمته[2].
احب عنترة ابنة عمه عبلة بنت مالك اعظم الحب واشده، وكانت من اجمل نساء قومها
وابعدهم صيتا في اكتمال العقل ونضرة الصبا, ويقال انه كان من اقسى مايعيق هذا الحب
صلف ابيها مالك وانفة اخيها عمرو.
تقدم عنترة الى عمه مالك يخطب ابنته عبلة، ولكنه رفض ان يزوج ابنته من رجل
اسود. ويقال: انه طلب منه تعجيزا له وسدا للسبل في وجهه الف ناقة من نوق
النعمان المعروفة بالعصافير مهرا لابنته، ويقال: ان عنترة خرج في طلب عصافير النعمان حتى يظفر
بعبلة، وانه لقي في سبيلها اهوالا جساما، ووقع في الاسر، ثم تحقق حلمه في النهاية
وعاد الى قبيلته ومعه مهر عبلة الفا من عصافير الملك النعمان. ولكن عمه عاد يماطله
ويكلفه من امره شططا، ثم فكر في ان يتخلص منه، فعرض ابنته على فرسان القبائل
على ان يكون المهر راس عنترة.
ثم تكون النهاية التي اغفلتها المصادر القديمة وتركت الباحثين عنها يختلفون حولها، فمنهم من يرى
ان عنترة فاز بعبلة وتزوجها، ومنهم من يرى انه لم يتزوجها، وانما ظفر بها فارس
اخر من فرسان العرب[8].
وقد سكتت المصادر العربية عن ذكر عبلة الا في مجال تشبيب عنترة بها وحبه لها،
فلم تنوه عما اذا كان قد تزوج بها ام بقي حبه معلقا. ذهب البعض الى
القول بان عنترة لم يتزوج عبلة، بل تبتل في حبها، وان اباها واخاها منعاه زواجها،
وانها زوجت احد اشراف قومها على رغم عنترة. وقد قاس اصحاب هذا الراي قولهم هذا
قياسا على عادة العرب من منعها بناتها ان يزففن الى من يشبب بهن قبل الزواج.
ويميل البعض الى الراي القائل ان عنترة تزوج عبلة لعوامل واسباب، منها انه قد استحلق
بنسب ابيه فزالت عنه هجنة النسب واصبح ابن عم لعبلة، ثم انه كان من اشهر
فرسان قبيلة بني عبس بل فرسان العرب، وقوته وفروسيته مما لا يغفله من حسابه من
يريد زواج عبلة، اذ انه سيتعرض لانتقام عنترة وثاره لكرامته[7].
وفاته
انتهت حياة عنترة بعد ان بلغ من العمر 90 عاما تقريبا، فقد كانت حياته منحصرة
بين سنتي 525 و615 ميلادية، وذكر الزركلي في الاعلام ان وفاته كانت في عام 600
ميلادية، وهو مايوازي العام الثاني والعشرين قبل الهجرة[7].
وذكر في نهاية عنترة روايات عدة، على ان الرواية المتداولة والمرجحة هي رواية صاحب الاغاني
بقوله ان عنترة اغار على بني نبهان من طيء فطرد لهم طريدة وهو شيخ كبير،
فجعل يرتجز وهو يطردها ويقول: اثار ظلمان بقاع محرب.
قال: وكان زر (وقيل وزر) بن جابر النبهاني في فتوة، فرماه وقال: خذها وانا ابن
سلمى، فقطع مطاه (اي ظهره)، فتحامل بالرمية حتى اتى اهله، فقال وهو مجروح:
وان ابن سلمى عنده فاعلموا دمي | وهيهات لا يرجى ابن سلمى ولا دمي |
يحل باكناف الشعاب وينتمي | مكان الثريا ليس بالمتهضم |
رماني ولم يدهش بازرق لهذم | عشية حلوا بين نعف ومخرم |
قال ابن الكلبي: وكان الذي قتله يلقب بالاسد الرهيص الطائي.[9]
عنترة بن شداد في السينما والتلفزيون
جسدت شخصية عنترة بن شداد العبسي في ثلاث افلام سينمائية، الفيلم الاول قام ببطولته سراج
منير وكوكا، والفيلمين الاخيرين كانا من بطولة فريد شوقي وكوكا، كما تم انتاج مسلسل تلفزيوني
عن عنترة، من اخراج رامي حنا، بطولة الممثل الكويتي فيصل العميري والممثلة السورية كندة حنا.