تفسير الاستعاذه
، الحمد لله الذي من اسمائه الرحمن خالق الانسان ومنزل القران ومردفه بالبيان على لسان
نبيه العدنان، الحافظ له بفهم الاعلام صحابة خير الانام عليه وعلى اله الصلاة والسلام.
وبعد:
فقد اتفق المفسرون ان (الاستعاذة) ليست من القران، واشهر صيغها الواردة في السنة: “اعوذ بالله
من الشيطان الرجيم”، “اعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم”، وزيد عليهما في بعض الروايات
“من همزه ونفثه ونفخه”، وقد اشتق البعض من القران: “اعوذ بالرحمن” و”اعوذ بربي من همزات
الشياطين واعوذ به ان يحضرون”.
ويجوز فيها السر والجهر على المشهور، وقد اختلف العلماء في موضع قراءتها على ثلاثة اقوال:
القول الاول: انها قبل القراءة؛ لان العلة منها طرد وساوس الشيطان عند القراءة، وقدروا فعلا:
فاذا اردت ان تقرا القران، “فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم”.
القول الثاني: يحكى عن ابي هريرة وبعض العلماء انها تكون بعد القراءة لطرد عجب النفس
والسمعة وعملا بظاهر الاية: ﴿ فاذا قرات القران فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم ﴾ [النحل:
98].
القول الثالث: ذهب بعض المفسرين الى مشروعيتها قبل القراءة وبعدها عملا بالوجهين، والمشهور القول الاول،
وقد اختلفوا في حكمها، فذهبت طائفة من اهل العلم الى وجوبها؛ لان الامر يفيد الوجوب
ما لم تصرفه القرينة، والصحيح – والله تعالى اعلم – ان الامر مصروف الى الاستحباب
لقرينة انه صلى الله عليه وسلم استدل ببعض الايات من غير ان يستعيذ، فقد روى
الترمذي عن ابي امامة الباهلي رضي الله عنه انه صلى الله عليه وسلم قال: ((ما
ضل قوم بعد هدى كانوا عليه، الا اوتوا الجدل، ثم قرا: ﴿ ما ضربوه لك
الا جدلا بل هم قوم خصمون ﴾ [الزخرف: 58])).
اعوذ بالله من الشيطان الرجيم؛ اي: التجئ واعتصم واتحصن بالله من اذى الشيطان الرجيم، و”اعوذ”
فعل مضارع يفيد الاستمرار عكس الفعل الماضي الذي يفيد الانقطاع، والمعنى كان الله تعالى يامرنا
بالمداومة على الاستعاذة؛ لان الشيطان عدو مبين لا يمل ولا يكل من سعيه لاضلال الانسان؛
قال سبحانه: ﴿ انه لكم عدو مبين ﴾ [البقرة: 168]، وقال على لسانه: ﴿ قال
فبما اغويتني لاقعدن لهم صراطك المستقيم * ثم لاتينهم من بين ايديهم ومن خلفهم وعن
ايمانهم وعن شمائلهم ولا تجد اكثرهم شاكرين ﴾ [الاعراف: 16، 17]، وفي الحديث: ((ان الشيطان
يبعث في الصباح سراياه فيقول من يضل اليوم مسلما البسه التاج)).
وقد بدئ الفعل المضارع بهمزة المضارعة لفائدتين – والله تعالى اعلم -:
الفائدة الاولى: استدعاء حضور القلب عند القراءة؛ لان الهمزة تفيد الحضور.
الفائدة الثانية: استشعار التواضع والتبرؤ من الكبر الذي اضل الشيطان، لان الهمزة تفيد الافراد، ولو
كانت بدلها النون لافادت الاحساس بالتعظيم.
الله: اصل الاسماء الحسنى واعظمها، وهو المعبود الذي يتقرب اليه العباد بشتى الطاعات حبا وتعظيما،
مشتق من اله ياله الهة؛ اي: عبد يعبد عبادة؛ ففي قراءة ابن عباس: ﴿ ويذرك
والهتك ﴾، وقيل: الذي حير العقول، مشتق من الوله؛ اي: الحيرة وهو بعيد، وقيل: غير
مشتق، والصحيح المشهور: القول الاول.
واما الشيطان فهو الكافر الجني او الانسي المحارب للاسلام مشتق من شطن؛ اي: بعد، وقيل:
الشياط، والمقصود في هذا السياق شيطان الجن.
الرجيم: وصف له، وهو مفعول في معناه على وزن فعيل، قيل: سمي بالرجيم لانه اتى
ابراهيم عليه السلام وهاجر واسماعيل في منى، فاستعطف ابراهيم حتى لا يذبح ولده، فقال: اعوذ
بالله منك فرجمه، ثم استعطف هاجر على ولدها فقالت: اعوذ بالله منك فرجمته، ثم استعطف
اسماعيل عليه السلام على نفسه، فقال: اعوذ بالله منك فرجمه”، فصار الرجم من مناسك الحج
الى يوم القيامة،
وقيل: سمي بالرجيم؛ لانه يسترق السمع في السماء فترجمه الملائكة؛ قال سبحانه: ﴿ الا من
استرق السمع فاتبعه شهاب مبين ﴾ [الحجر: 18]، وقيل: وصف بذلك لان اتباعه يرجمونه في
النار.
السميع: اسم من اسماء الله الحسنى، ومعناه الذي لا يخفى عليه صوت مهما خفت، وينقسم
الى سمع عام وهو الذي عرفناه، وسمع خاص ومعناه: الذي يستجيب دعاء عباده.
واما العليم: فهو من اسماء الله الحسنى، ومن اسمائه ايضا: العالم والعلام والاعلم والخبير، ومعناه:
صاحب العلم الواسع المطلق؛ بحيث لا يخفى عليه شيء.
واما الهمز والنفث والنفخ، فالهمز: جنس من الجنون يقال له: الموتة، والنفث: الشعر القبيح، والنفخ:
الكبر، فعن ابن جبير بن مطعم، عن ابيه، انه راى رسول الله صلى الله عليه
وسلم يصلي صلاة، قال عمرو: لا ادرى اي صلاة هي، فقال: ((الله اكبر كبيرا، الله
اكبر كبيرا، الله اكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، والحمد لله كثيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان
الله بكرة واصيلا)) ثلاثا، ((اعوذ بالله من الشيطان من نفخه، ونفثه، وهمزه))، قال: نفثه: الشعر،
ونفخه: الكبر، وهمزه: الموتة؛ اخرجه ابو داود (1 / 615) (ح: 760)، وابن ماجه (ص:164)
(ح: 807)، واحمد (7 / 302) (ح: 16739) وغيرهم.
نسال الله تعالى ان يوفقنا الى العمل بكتابه الكريم وان يتقبل عملنا ويستر عيوبنا، انه
جواد كريم، واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين.