قارئ القصر الملكى الشيخ مصطفى اسماعيل
هو نبوءة الشيخ محمد رفعت …بلغت شهرته وذيوع صيته ما سبب له الكثير من المتاعب
فقد عين قارئا للسورة بالجامع الازهر قبل اعتماده بالاذاعة فكانت اول سابقة بل واخرها فى
تاريخ وزارة الاوقاف وذلك بامر من القصر الملكى .
وهو من مواليد قرية ميت غزال مركز طنطا محافظة الغربية فى 17 / 6 /
1905 م .. كان ابوه فلاحا وقد الحقه بكتاب القرية عندما بلغ خمس سنوات و
قد استرعى انتباه شيخه و محفظه الشيخ عبدالرحمن النجار بسرعة حفظه للقرءان مع حلاوة التلاوة
فى هذه السن المبكرة الا ان الطفل مصطفى اسماعيل كان كثير الهرب من الكتاب، حيث
يلتقى بالطفل ابراهيم الشال زميله بالكتاب ايضا ويهربا سويا ويهبا الى قرية دفرة التى تبعد
عن قرية ميت غزال بحوالى سبعة كيلومترات حتى لا يراهما احد من اهل القرية، الا
ان حظهما كان دائما عثرا وبخاصة ان الطفل مصطفى اسماعيل يعرفه كل ابناء القرية لما
تتمتع به عائلته من اصالة وعراقة ولان قرية دفرة كانت قريبة من قريتهما فقد كان
اهل قرية ميت غزال يهبون لقضاء حاجياتهم وكان الناس يهبون بالطفل مصطفى اسماعيل الى شيخه
بالكتاب ويقصون عليه ما راوه من لعبه مع زميله ابراهيم الشال فكان شيخهما يضربهما ضربا
مبرحا وبخاصة الطفل مصطفى اسماعيل وياخذه ويذهب به الى جده الحاج اسماعيل عميد العائلة وصاحب
الكلمة الاولى والاخيرة فيها فيضربه هو الاخر الى ان تاب عن الهروب من الكتاب مرة
اخرى وبدا يلتزم فى الحفظ خشية العقاب من جده حتى اتم حفظ القرءان قبل ان
يتجاوز الثانية عشرة من عمره، وبينما كان الطفل مصطفى اسماعيل يقرا القرءان بالكتاب اذ استمع
اليه مصادفة احد المشايخ الكبار فى علوم القرءان وكان فى زيارة لقريب له بالقرية فانبهر
بادائه وعذوبه صوته وسال شيخه ومحفظه عنه وعن عائلته فذهب الى جده واخبره بان حفيده
سيكون له شان عظيم اذا نال قدرا كافيا من التعليم لاحكام القرءان ونصحه بان يذهب
به الى المسجد الاحمدى بمدينة طنطا ليزداد علما باحكام الترتيل والتجويد والقراءات .
• المهندس وحيد مصطفى اسماعيل ..كان لقاء الشيخ مصطفى اسماعيل بالشيخ محمد رفعت فاتحة خير
عليه ..كيف كان هذا اللقاء ؟ ومتى ؟
كان الشيخ مصطفى اسماعيل قد ذاع صيته فى محافظة الغربية واشتهر بعذوبة الاداء وانه صاحب
مدرسة جديدة فى الاسلوب لم يسبقه اليها احد وكان له صديق يكبره سنا يحب الاستماع
اليه ويشجعه يسمى القصبى بك وفى عام 1922 م علم الشيخ مصطفى اسماعيل بوفاة القصبى
بك فقرر ان يشارك فى ماتمه فوجد ان اهله قد استدعوا الشيخ محمد رفعت لاحياء
تلك الليلة فجلس ضيفا على دكة الشيخ رفعت والذى لم يكن يعرفه من قبل فلما
انتهى الشيخ رفعت من وصلته ترك مكانه لهذا القارئ الشاب ليقرا فانبهر الشيخ رفعت به
وبقراءته واعجب بادائه وصوته فارسل اليه يطلب منه ان يستمر فى التلاوة ولا يتوقف حتى
ياذن له هو بذلك مما زاد من ثقة الشيخ مصطفى اسماعيل بنفسه فظل يقرا مدة
تزيد على الساعة ونصف الساعة وسط تجاوب الحاضرين واعجابهم حتى ان الناس خرجوا عن شعورهم
وبداوا يحيونه بصوت مرتفع ويطلبون منه الزيادة والاعادة الى ان اذن له الشيخ رفعت بختم
وصلته ففعل فقبله وهناه وقال له: اسمع يا بنى انا حاقولك على نصيحة اذا عملت
بها فستكون اعظم من قرا القرءان فى مصر فانت صاحب مدرسة جديدة ولم تقلد احدا
وحباك الله بموهبة حلاوة الصوت والفن التلقائى الموسيقى دون ان تدرس فى معهد موسيقى وانت
مازلت صغيرا فى السن ولكن ينقصك ان تثبت حفظك بان تعيد قراءة القرءان على شيخ
كبير من مشايخ المسجد الاحمدى ..فاخذ الشيخ مصطفى اسماعيل على نفسه عهدا بان يذهب الى
المسجد الاحمدى بمدينة طنطا ليتعلم ويستزيد كما طلب منه الشيخ رفعت فالتحق بالمعهد الاحمدى وعمره
لم يتجاوز الثامنة عشرة بعد .
• ترك الشيخ مصطفى اسماعيل الدراسة بالمعهد الاحمدى قبل ان ينتهى من اكماله تعلمه وترك
السكن الذى كان يعيش فيه مع بعض اقرانه من الدارسين معه بالمعهد دون علم جده
الذى كان يتابعه من وقت لاخر فلماذا ترك الدراسة بالمعهد ؟ وماذا فعل جده عند
علم بذلك ؟
كان الشيخ مصطفى اسماعيل نزيها يحب النظافة فى الماكل والملبس والمكان الذى ينام فيه فلما
التحق بالمعهد الاحمدى ليتعلم القراءات السبع واحكام التلاوة استاجر مسكنا مع بعض اقرانه الذين يدرسون
معه ولما كان صوت الشيخ مصطفى اسماعيل متميزا عنهم فقد حظى بشهرة واسعة دونهم حتى
ان الناس كانوا يطلبونه كثيرا لاحياء حفلاتهم وسهراتهم ويغدقون عليه بالمال الوفير فترك المسكن الذى
كان يقيم فيه واستاجر حجرة فى بنسيون الخواجايا بمدينة طنطا وترك الدراسة بالمعهد بعد ان
تجاوز ثلثى مدة الدراسة ففتح ذلك باب الحقد عليه من زملائه واقرانه الذين هبوا الى
جده واخبروه بان الشيخ مصطفى ترك الدراسة بالمعهد منصرفا الى القراءة بالماتم والسهرات والحفلات وترك
مسكنهم ليستقل بذاته فى بنسيون الخواجايا وكانت تديره سيده اجنبيه فذهب اليه جده ووجده كذلك
كما اخبره زملاؤه فضربه بعصا كانت معه معلنا غضبه وسخطه عليه اذا لم يرجع الى
ما كان عليه وخاصة دراسته بالمعهد وحاول الشيخ مصطفى اسماعيل ان يثنى جده عن رايه
فقال له : هل تحب الشيخ محمد رفعت ؟ فاجابه : نعم ..فقال : وهل
تحب ان اكون مثله ؟ فرد : نعم .. فقال : دعنى فى طريقى الذى
اخترته لنفسى وسوف احقق لك هذا الامل ان شاء الله وبينما هما يتحدثان اذ ببعض
الرجال يدخلون عليهما الغرفة يطلبون مقابلة الشيخ مصطفى اسماعيل للاتفاق معه على احياء سهرة لديهم
فاشترط الشيخ مصطفى اسماعيل عليهم بان يكون اجره فى تلك الليلة جنيها مصريا فوافقوا ففرح
جده كثيرا به وتاكد له ان لصوت حفيده عشاقا فعانقه وقبله فما كان من الشيخ
مصطفى اسماعيل الا ان اعطى جده ثلاثين جنيها وطلب منه ان يشترى له ارضا زراعية
” نصف فدان ” بقرية ميت غزال فشعر الشيخ مرسى ان حفيده اصبح رجلا يعتمد
عليه – اذ ان من عادة اهل القرى كما يقول المهندس وحيد مصطفى اسماعيل نجل
الشيخ ان من يشتر ارضا يعد من الرجال بحق – وبالفعل تركه جده وهو فخور
به راض عنه ..
• لعبت الصدفة .. والصدفة وحدها دورا كبيرا فى ذيوع صيت الشيخ مصطفى اسماعيل فى
مدينة القاهرة .. ولولا تغيب الشيخ عبد الفتاح الشعشاعى عن القراءة بمسجد الامام الحسين فى
حفل الاذاعة لتاخرت شهرته كثيرا.. اليس كذلك؟
قد تكون الصدفة دور فى معرفة الناس من اهل القاهرة بصوت الشيخ مصطفى اسماعيل ولكنه
كان سيفرض نفسه لا محالة فى اقرب فرصة تتاح له فصوته كان يغزو اسماع الناس
فى كل المحافظات التى كان يقرا فيها, اما عن معرفة الناس به فى القاهرة فتلك
مصادفة بالفعل.. فقد ذهب الى القاهرة لشراء بعض الاقمشة ليقوم بتفصيلها عند احد الخياطين المعروفين
هناك وبينما هو بالقاهرة تذكر نصيحة الشيخ محمود حشيش الذى كان يتعهده بالمعهد الاحمدى بمدينة
طنطا لما وجد فيه من صوت نقى صادق معبر بان يذهب للقاهرة ليشترك برابطة تضامن
القراء بحى سيدنا الحسين … وهناك التقى بالشيخ محمد الصيفى واخبره برغبته فى الانضمام للرابطة
فطلب منه الشيخ الصيفى مبلغ عشرة قروش قيمة الاشتراك فقال له الشيخ مصطفى انها لا
تكفى سارسل اليكم جنيها مع بداية كل شهر ولما ساله الشيخ الصيفى عن اسمه ..اخبره
… فقال له : انت اذن من تتحدث عنه المشايخ والقراء هنا فى مصر ؟
فقال : لا ادرى .. فطلب منه ان يقرا عليه بعض ايات من القرءان فقرا
فى سورة الفجر فاستعذب صوته وطلب منه ان ياتى اليه فى اليوم التالى ليتيح له
فرصة التعرف على كبار القراء .. فذهب اليه وكان فى ذلك اليوم ستنقل الاذاعة حفلا
على الهواء من مسجد الامام الحسين رضى الله عنه وسيحى الحفل القارئ الشيخ عبد الفتاح
الشعشاعى، الا انه تخلف فما كان من الشيخ الصيفى الا ان اجلس الشيخ مصطفى على
دكة القراءة ليقرا فرفض المسئولون لانه غير معتمد فى الاذاعة فقال لهم الشيخ الصيفى: دعوه
يقرا على مسئوليتى الخاصة ولان الشيخ الشعشاعى وضعهم فى مازق بتخلفه عن الحضور فقد استسلموا
لطلب الشيخ الصيفى فقرا الشيخ مصطفى فى سورة التحريم لمدة نصف ساعة بدات من الساعة
الثامنة حتى الثامنة والنصف وسط استجابة الجمهور وما ان انتهى من قراءته حتى اقبل عليه
الجمهور يقبله ويعانقه، وبينما هو يستعد لمغادرة المسجد اذ طلب منه الحاضرون بان يستمر فى
القراءة فظل يقرا بعد ذلك حتى انتصف الليل والناس يجلسون فى خشوع واجلال لايات الله
وكان ذلك بداية تعرف جمهور القاهرة على صوت الشيخ مصطفى اسماعيل مع بداية عام 1943
.
• عندما اراد الملك فاروق بان يكون الشيخ مصطفى اسماعيل قارئا للقصر الملكى انكر بعض
القراء معرفتهم بعنوانه وقالوا انه مقرئ مجهول .. من الذى اخبره بطلب الملك له؟ وكيف
تم الوصول اليه والى عنوانه؟
عن طريق الشيخ محمد الصيفى رئيس رابطة القراء وقد بدا هذا الامر عندما استمع الملك
فاروق لصوت الشيخ مصطفى اسماعيل فى الحفل الى نقلته الاذاعة من مسجد الامام الحسين فاعجب
به واصدر امرا ملكيا بتكليفه ليكون قارئا للقصر الملكى فحاول محمد باشا سالم السكرتير الخاص
للملك معرفة اية معلومات عن الشيخ مصطفى من الاذاعة فاخبره بعض القراء بانه قارئ مجهول
لا يعرفون عنه سوى اسمه فهب الى الشيخ محمد الصيفى الذى اخبره عن عنوانه وبينما
كان الشيخ يجلس بين اهله واولاده بقرية ميت غزال اذ به يفاجا بعمدة القرية ومامور
المركز يقتحمان عليه بيته ويساله مامور المركز باسلوب استفزازى قائلا: انت مصطفى اسماعيل؟ فقال: نعم
وقد ظن انه ارتكب جرما كبيرا دون ان يدرى فساله: ما الامر فقال:عليك ان تذهب
غدا الى القصر الملكى لمقابلة مراد باشا محسن ناظر الخاصة الملكية بقصر عابدين فساله الشيخ
: ولماذا؟ قال: لا ادرى وعليك ان تنفذ الاوامر.. فسافر الى القاهرة فى صبيحة اليوم
التالى والتقى بناظر الخاصة الملكية الذى هناه بتقدير الملك لصوته وموهبته واخبره بالامر الملكى بتكليفه
قارئا للقصر لاحياء ليلى رمضان بقصرى راس التين والمنتزه بمدينة الاسكندرية .
• بالرغم من ذيوع صيت الشيخ مصطفى اسماعيل فى انحاء مصر وخارجها، الا ان الشيخ
محمد رفعت كان يعترض احيانا على قراءته لكثرة اخطائه ونصحه بضرورة القراءة مرة اخرى على
الشيخ عبد الفتاح القاضى شيخ عموم المقارئ ومعلم القراءات فهل كان يغضب الشيخ مصطفى من
الشيخ محمد رفعت؟
لقد حكى لى والدى بالفعل عن لقاءاته بالشيخ محمد رفعت وكما ذكرت لك من قبل
ان الشيخ محمد رفعت عندما التقى والدى اول مرة نصحه بان يقرا على احد المشايخ
الكبار بالمسجد الاحمدى بمدينة طنطا وبالفعل فقد تعهده الشيخ محمود حشيش شيخ المحفظين والمعلمين لاحكام
القرءان فى ذلك الوقت، الا ان الشيخ مصطفى لم يستمر فى دراسته فى المعهد بل
تركه وتفرغ لاحياء السهرات والليال والماتم وانصرف عن الدراسة وعندما كانا يلتقيان هو والشيخ رفعت
كان يذكره دائما بانه اول من تنبا له بمستقبل عظيم فى خدمة القرءان بعذوبة صوته
قائلا: الحمد لله فقد اصبحت اليوم ذا شان عظيم واصبح صوتك هو الصوت المميز وصاحب
المدرسة الجديدة والفريدة ولكنى لازلت انصحك بان تراجع قراءتك على الشيخ عبد الفتاح القاضى فكان
الشيخ مصطفى يفرح كثيرا بل يسعد بتوجيهات الشيخ محمد رفعت ولا يعتبرها انتقاصا من قدره
او نقدا له , فهب الى الشيخ القاضى والذى كان قد سمع عنه واستمع اليه
فى الاذاعة فعشق صوته فاخذ يلازمه اينما ذهب ليبين له اوجه القصور فى قراءته فبدا
يحسن من ادائه حتى اطمان الشيخ القاضى على قراءته وطمانه عليها فشكر له وللشيخ محمد
رفعت حبهما وتقديرهما وغيرتهما عليه فكان لك من قبيل الحب فى الله بينهم جميعا .
• عينته وزارة الاوقاف قارئا لسورة الكهف بالجامع الازهر.. فاعترض القراء المقيدون بالاذاعة ..لماذا؟
كما ذكرت حضرتك فقد زادت غيرة القراء من شهرة الشيخ مصطفى واسلوبه الجديد الغير مقلد
وحب الناس له وثقة الملك فى موهبته واخيرا تعيينه قارئا للسورة يوم الجمعة بالجامع الازهر
لان الاذاعة كانت تنقل الصلاة من الجامع الازهر ولم يكن قد تم اعتماد الشيخ مصطفى
بالاذاعة بعد فقالوا: كيف تنقل له الاذاعة وهو غير مقيد بها وكثرت الشكاوى ضده وضد
وزارة الاوقاف والمسئولين عنها وتحيزهم له فكان الشيخ يندهش من تلك الحرب ويقول: اليست قراءتى
فى قصر الملك والذى تنقله الاذاعة تكفى ليكون ذلك بمثابة شهادة موثقة من المسئولين بالاذاعة
باهليتى للقراءة بها .. وكان حزينا لموقف القراء منه وخاصة القدامى منهم ..فما كان من
الاذاعة الا ان ارسلت اليه وتم تحديد ميعاد لامتحانه .. فاستمع اليه اعضاء اللجنة وكان
بينهم الشيخ الضباع والشيخ عبدالفتاح الشعشاعى واجازته اللجنة قارئا بالاذاعة .
• بعد ان اصبح الشيخ مصطفى قارئا للقصر الملكى اقام بفندق شبرد فهل كان للملك
علاقة باختياره لهذا السكن ؟
كان الشيخ مصطفى نزيها منذ ان عرف الدنيا وقبل ان ينال شهرته وقد ذكرت لحضرتك
انه بمجرد ان انتقل الى مدينة طنطا واصبح معه بعض المال ترك المسكن الذى كان
يعيش فيه مع بعض زملائه من اهل القرية واستاجر حجرة بمفرده فى بنسيون نظيف لانه
يعشق النظافة ولذا فبعد ان نال قدرا من الشهرة بمدينة طنطا كان يهب الى القاهرة
ليشترى ارقى الاقمشة ويذهب بها الى اشهر الخياطين ليكون قارئا نظيفا وجيها لا يهمه فقط
جمع المال بل يسعد نفسه بهذا المال كذلك ولذا فعندما استقر به المقام فى القاهرة
عام 1944 م نزل بفندق شبرد وكان الفندق فى ذلك الوقت لا يقيم فيه هذه
الاقامة شبه الدائمة الا الاثرياء او الاجانب ولم يكن الشيخ مصطفى اسماعيل من الاثرياء ولكنه
كان يتمتع بماله وكان ايجار الغرفة فى الليلة الواحدة اربعة جنيهات فى ذلك الوقت وهذا
المبلغ يكفى لاعاشة فردا واحدا لمدة شهر كامل ولم يكن للملك فاروق اى علاقة باختياره
هذا السكن ولكن استقرار الشيخ فى القاهرة والرغبة فى ان يحيا حياة رغدة هو الدافع
وراء ذلك .
• كيف بدات علاقته بالرئيس السادات ؟
الرئيس السادات كان يحبه كثيرا وكان يعشق صوته حتى انه كان يقلده فى اسلوب واداء
وطريقة قراءته عندما كان بالسجن وكان الرئيس السادات يتحدث عن ذلك مع والدى وقد صرح
اخيرا احد رفقاء الرئيس السادات فى السجن فى برنامج على الناصية للسيدة امال فهمى يما
ذكرت لحضرتك ولن اكون مغاليا اذا قلت ان الرئيس السادات وافق على تعيين القارئ الطبيب
احمد نعينع برئاسة الجمهورية عندما استمع اليه عن طريق الصدفة فوجده يقلد الشيخ مصطفى اسماعيل
فاحبه السادات وعينه قارئا لرئاسة الجمهورية .
• وماذا عن علاقته بالكاتب الصحفى انيس منصور ؟
فى بداية الستينيات كان الكاتب الصحفى انيس منصور يعد برنامجا للتلفزيون تقدمه المذيعة امانى ناشد
وقد طلب ان يعد حلقة خاصة عن حياة الشيخ مصطفى اسماعيل ..ولان الشيوعية كانت فى
هذه الفترة فى اوج انتشارها بمصر فقد طلب انيس منصور من الشيخ مصطفى ان يكذب
على الناس ويقول لهم انه تربى فى بيئة فقيرة وانه كافح فى حياته كفاحا مريرا
حتى يثبت وجوده وان ما به من نعمة الان انما جاء بعد جوع وحرمان شديدين
وعند بداية التسجيل سالته المذيعة عن بداية مشوار حياته ففاجاها بقولة : الحمد لله فقد
انعم الله على بالخير الوفير منذ نعومة اظافرى وبدايه حياتى مع القرءان ولم انم يوما
واحدا على الرصيف كما طلب منى انيس منصور ان اقول فحياتى كلها رغدة والحمد لله
ولم اشعر بالذل او الهوان يوما واحدا فاغتاظ انيس منصور من كلام الشيخ مصطفى اسماعيل,
ولكنه وللاسف لم يتحد معه فى هذا الشان طيلة حياته، الا انه وبعد وفاته بسبع
سنوات هاجمه فى الصحف وفى جريدة الاهرام ووصفة بانه كان يعيش عصر التسيد لان زوجته
واولاده يقبلون يده الا انه اعتذر بعد ذلك فى مقال اخر .
قيل ان عمال شركة غزل المحلة قاموا بحمل سيارة الشيخ مصطفى اسماعيل على اكتافهم وهو
بداخل سيارته …فهل هذا الكلام صحيحا ؟
كان ذلك عام 1958 م وكنت مصاحبا له فى تلك الليلة حيث طلب منه شابان
فقيران توفى والدهما الذى اوصاهما قبل وفاته ان يستدعيا الشيخ مصطفى اسماعيل ليقرا فى ماتمه
فاستجاب الشيخ لهما وبينما نحن على مشارف البلدة اذا بالاف العمال يقفون على الطريق وينتظرون
وصول سيارة الشيخ ودخلنا البلدة فى مظاهرة حب يفوق الوصف واثناء خروجنا من البلدة بعد
انتهاء السهرة اذ بعمال شركة غزل المحلة يرفعون السيارة التى كنا نستقلها فوق اكتافهم تكريما
للشيخ مصطفى وتعبيرا منهم عن خالص حبهم له وقد تنازل الشيخ عن اجره فى تلك
الليلة .
• كان الشيخ مصطفى اسماعيل يحرم الاجر الذى يتقاضاه من القراءة فى السهرات والماتم ..فلماذا
كان يتقاضى مقابلا لقراءته اذن ؟
فى الحقيقة لقد لمست حضرتك امرا مهما وحصلت على اقرار لم يصرح به سوى لى
عن عدم رضائه عن المال الذى يحصل عليه القارئ نظير قراءته فى الحفلات والسهرات فكان
يقول: ان قراءة القرءان بهذا الشكل وبهذا التغالى فى الاجور يجعل الله غير راض عن
تلاوتنا للقرءان ولكن ولان هذه المهنة دخل عليها من ليسوا لها فيجب فقط ان يحصلوا
على المقابل الذى يضمن الانفاق عليكم بما يضمن لكم حياة كريمة ولذا فانا مضطر لان
اطلب فقط هذه المبالغ حفاظا على كرامتى كقارئ له كيانه بالنسبة لباقى القراء الذين يطلبون
اكثر وهم ليسوا اهلا لذلك, والناس لا يقدرون قيمة القارئ الا اذا تغالى فى رفع
قيمة اجرة وهذه مصيبة كبيرة نخشى عواقبها .
• ماهو اخر اجر حصل عليه الشيخ مصطفى اسماعيل ؟
احب ان اوضح ان الشيخ مصطفى اسماعيل لم يتفق ابدا او يشترط مبلغا معينا الا
اذا طلب منه من يدعوه ان يوضح له ذلك اما بخلاف هذا فكان يقبل اى
مبلغ دون مناقشة وكان اخر اجر حصل عليه هو مبلغ الف وخمسمائة جنيه فى الليلة
.
• كان الشيخ مصطفى اسماعيل كثير السفر الى الاسكندرية ويقضى فيها معظم وقته ..فما سبب
ذلك ؟
كان يحب مدينة الاسكندرية ودائم التردد عليها ويذهب اليها كل اسبوع ليقضى بها يومين او
ثلاثة وكان ينزل بشقة العائلة مالم يكن هناك اى ارتباط اخر اما غير ذلك فيذهب
اليها حتى فى فصل الشتاء .
• ماهى البلاد التى زارها وقرا القرءان فيها؟
لقد دعى فى سوريا والسعودية ولبنان والعراق واندونيسيا وباكستان ورافق الرئيس السادات فى زيارته التاريخية
لمدينة القدس كما قرا فى مساجد ميونخ وباريس ولندن .
• ماهى الامنية التى توفى قبل تحقيقها؟
كان اغلى امانيه الا يلقى الله الا وهو يقرا القرءان وكان اخر ما دعى به
ربه قبل وفاته بثلاث شهور اللهم لاتحرمنى من التلاوة حتى القاك وقد تحقق له ما
اراد فكان اخر شىء فعله قبل وفاته هو تلاوة القرءان الكريم فى احدى السهرات الخارجية
بمدينة دمياط .
وكان يومه الاخيرفى الحياة هو يوم الجمعة 22 ديسمبر سنة 1978 م حيث سافر من
عزبته فى قرية ميت غزال الساعة التاسعة صباحا مودعا ابنته التى كانت تصطحبه هناك متجها
الى بلدة دمياط للقراءة فى افتتاح جامع البحر هناك فى ذلك اليوم وقبل ان يصل
الى دمياط كان يداعب سائقه كعادته وكان يقرا بعض القرءان فى السيارة ويقول السائق ان
الشيخ كان حائرا لانه كان ينسى بعض الايات القرءانية التى كان يرددها فيلتفت الى السائق
قائلا: والنبى قل لى يا محرم ايه الاية اللى بعد الاية دى ؟
وقرا الشيخ تلاوته الاخيرة وكانه يودع مستمعيه للابد وبعدها طلب من السائق الرجوع الى قريته
بجوار طنطا وعند مفترق الطريق بين طنطا والمحلة الكبرى طلب منه التوجه الى الاسكندرية وكان
مرحا جدا مع محرم ” السائق ” وعند دمنهور طلب من السائق التوقف لشراء بعض
سندوتشات فول واكلها مع سائقه وكانت اخر ما اكل الشيخ فى حياته .
توجهت السيارة الى داره بحى رشدى فى الاسكندرية وطلب من سائقه ان يضع المشمع فوق
السيارة فتعجب السائق لهذا الطلب لان الشيخ مصطفى كان يمنعه دائما من وضع هذا المشمع
فوق السيارة خشية ان يتلف لونها ويلزق فيها ولما ابدى السائق دهشته قال له بالحرف
الواحد ” انا مش طالع تانى يا سيدى “
دخل الشيخ منزله وطلب من خادمته وزوجها ان يجلسا معه فى الصالون وظن زوج الخادمة
ان الشيخ يريد طردهما من المنزل لانها كانت اول مرة يدخل فيها زوج الخادمة المنزل
وابدى الشيخ حبه للاثنين وطلب منهما الحفاظ على المنزل وان يشربا الشاى معه .
قالت فراشة المنزل :” وفجاة اعرب الشيخ عن سعادته وكان يقول انا جالس الان على
كرسى العرش والعالم كله يصفق لى ” وبدت الدهشة على وجه الخادمة والشيخ يهم بالوقوف
متجها الى الدور الاول، حيث توجد غرفة نومه وسالته ان كان يريد النوم الان وقال
لها ” انا ماشى فى دفنة فاطمة ( اسم زوجة فضيلة الشيخ ) لانها ماتت
” وتعجبت الخادمة (وكانت زوجته مازالت على قيد الحياة ) وعندما وصل الى حجرة نومه
جلس على السرير ينادى ابنته التى كانت معه فى طنطا وقالت له الخادمة انا اسمى
” سرارى ” فقال لها” تعالى يابنتى شوفى ايه اللى فى دماغى ” واخذ يدها
بيده وحاول ان يصل بها الى راسه – ووقعت اليدان الى اسفل . ظنت الخادمة
انه مرهق من السفر ويريد النوم وكان تنفسه طبيعيا ولم تعلم الخادمة بانه اصيب بانفجار
فى المخ وان الشلل قد تسلل الى جسده فتركته نائما فى غيبوبة الى اليوم التالى
حتى الساعة الثانية والنصف ظهرا وكانت تدخل عليه بين الحين والاخر وتلاحظ انه يتنفس عاديا
فتتركه نائما.
اتصل احد اصدقاء الشيخ تليفونيا بالمنزل وسمع بالواقعة واحضر معه الاطباء . ونقل الى المستشفى
بالاسكندرية فى غيبوبة تامة وفشل الطب فى انقاذه. عليه رحمة الله .