اشعب والخليفة …………………
..
..
امضى اشعب يجول في طرقات جيئة وذهابا بحثا عن وليمة لكن دون جدوى فقد سدت
كل الابواب في وجهه وفي نهاية الامر جلس على راس الطريق مطرقا مطاطئ الراس وراح
يقول في نفسه:
– قاتل الله التطفل! يذل صاحبه ويجعله في اسوا حال
وبينما هو على هذه الحال سمع جلبة تاتي من خلفه فالتفت فراى عشرة رجال مجتمعين
فقال في نفسه:
– اخيرا ضحك الحظ لك يا اشعب جاءك الفرج.
ولم يلبث اشعب ان قام مسرعا وتسلل حتى اندس وسط هؤلاء وهو يقول في نفسه:
– اقسم ان هؤلاء ما اجتمعوا الا لوليمة او عرس فيه طعام لاحد الاثرياء..
ولم يمض كثير من الوقت حتى جاء رجل يقود هؤلاء الرجال ويمضي بهم في اتجاه
زورق قد اعد لهم فقال اشعب لنفسه:
– وليمة ونزهة في وقت واحد؟! احمدك يا رب..
ركب اشعب مع الرجال الزورق وانطلق بهم يمخر عباب البحر، وفي وسط البحر قام الرجل
الذي كان يقود هؤلاء الناس وقيدهم بالحديد وبالطبع فقد قيد معهم اشعب. لم يكد الرجل
يقيد اشعب بالحديد حتى ايقن انه وقع في شر اعماله وان هناك خطا قد حدث
ولم يمض وقت كثير حتى وجد اشعب نفسه في بغداد وجها لوجه امام الخليفة.
اخذ الخليفة يدعو الرجال باسمائهم واحدا بعد واحد فيامر بضرب اعناقهم على الفور فقد كانوا
من زعماء الفتنة في البلاد وفي الحال كان السياف يقطع الرقاب كما لو كان يقطف
وردا من بستان!
راى اشعب الرقاب وهي تطير من حوله فامتلا قلبه رعبا وادرك انه هالك لا محالة
بدون ذنب جناه.
اقترب الخليفة من اشعب ونظر اليه بامعان حيث لم يكن من المطلوبين للعدالة وقال في
دهشة:
– من هذا؟
فرد الجنود قائلين:
– و الله ما ندري غير انا وجدناه مع القوم فجئنا به!
ازدادت دهشة الخليفة والتفت الى اشعب وقال مستنكرا:
– من انت؟ وما هي حكايتك؟ تكلم قبل ان اطيح برقبتك!
لم يكد اشعب ينظر الى وجه الخليفة ويرى الشر يتطاير من عينيه حتى ارتعد من
الرعب وارتعشت ساقاه وقال متلعثما :
– والله يا امير المؤمنين انا لا اعلم عن هؤلاء الناس شيئا وليست بيني وبينهم
صلة!
نظر الخليفة بغضب الى اشعب وقال :
– اذا ما الذي جاء بك معهم؟ وكيف التقيت بهم؟
سالت الدموع من عيني اشعب وقال وهو يغالب دموعه :
– انني رجل طفيلي وقد رايت هؤلاء القوم مجتمعين فقلت لنفسي : ان هؤلاء ما
اجتمعوا الا لوليمة او عرس فيه طعام و انا منذ يومين لم اذق طعم الطعام!
لم يكد اشعب يتم كلماته تلك حتى صاح الخليفة قائلا :
– عذرك هذا غير مقبول
ثم صاح صيحة اشد في حراسه قائلا
– ايها الحراس اضربوا عنق هذا الطفيلي حتى يكون عبرة لكل طفيلي وليعلم كل انسان
ان من تدخل فيما لا يعنيه طارت رقبته ولم يبق جزء سليم فيه!
راى اشعب الجدية على وجه الخليفة فصاح من شدة الخوف قائلا:
– ايها الخليفة اعزك الله لي طلب وحيد قبل ان تنفذ في حكم الموت والاعدام!
قال الخليفة: ما هو؟
فاجاب اشعب وهو ينتحب:
– اذا كنت فعلا قد قررت قتلي فاضرب بطني بالسيف وليس عنقي!
اندهش الخليفة وقال:
– ولماذا يا رجل نضرب بطنك بالذات بالسيف؟
فاجاب اشعب:
– لان بطني هو الذي ورطني هذه الورطة ولذلك وجب الانتقام منه!
وما ان اتم اشعب كلامه حتى انفجر الخليفة بالضحك و ايقن ان هذا الرجل خفيف
الظل ليس من دعاة الفتنة فامر السياف ان يتركه وقال مخاطبا اشعب :
– كاد طمعك يوصلك الى حتفك لولا لطف الله وكرمه بك ثم اقبل الخليفة على
اشعب بوجه طلق بعد ان تاكد من براءته وربت على كتفه قائلا
– هل لك في (( ثريدة )) مغمورة بالزبد مشققة باللحم يا اشعب
فرد اشعب قائلا :
– و اضرب كم ؟
فكتم امير المؤمنين ضحكة وقال :
– بل تاكلها من غير ضرب.
فنظر اشعب الى الخليفة في ارتياب ثم قال :
– اخبروني- بالله عليكم كم الضرب حتى اتقدم على بصيرة ؟ ضحك الخليفة و احس
بالسعادة تغمره وراح يتبادل مع اشعب الحديث وكان لاحاديث اشعب ونوادره اكبر الاثر في التسرية
عن نفسه ثم سال الخليفة اشعب :
– سمعت عن طمعك فاحب ان اسمع منك بنفسي عن مقدار ما بلغته نفسك من
الطمع!
ضحك اشعب وقال :
– والله يا امير المؤمنين ما رايت اثنين يتساران فيما بينهما الا ظننت انهما يوصيان
لي بشيء!
ازدادت رغبة الخليفة في الحديث الى اشعب و احب ممازحته فاشار الى وزيره اشارة يفهمها
وعلى الفور اقترب الوزير من اشعب وقال :
– يا اشعب انك سترحل بعد قليل وقد احببتك و احببت ان تترك لي ذكرى
اذكرك بها ويستحسن ان تهديني خاتمك هذا!
اضطرب اشعب وقال في ثلعثم :
– الافضل ان تتذكرني بانني منعتك هذا الخاتم لان هذا ابلغ في الذكرى من اعطائك
اياه.
ابتسم الخليفة من فطنة اشعب واراد ان يستزيد من الضحك فقال في سخرية:
– ولكني سمعت انك مشغول بالموائد والولائم ولا شان لك بالعلم والتعلم على الرغم من
ان العلم نور!
رد اشعب في ثقة قائلا:
– لا تقل هذا يا مولاي فقد حفظت حكمتين عظيمتين تعلمتهما من ابي وفيهما فلاح
الانسان في الدنيا والاخرة
سال الخليفة في اهتمام:
– وما هما هاتان الحكمتان؟ شوقتني لمعرفتهما؟
شرد اشعب واخذ يجيل نظره في كل اتجاه ويعصر ذهنه كي يتذكر شيئا ذا قيمة
ولما راه الخليفة شارد الذهن صامتا ساله قائلا:
– ماهذا يا اشعب هل ستبقى ساكتا هكذا طويلا؟
رد اشعب في هدوء:
– معذرة يا مولاي فقد نسيت واحدة!
ابتسم الخليفة ضاحكا وقال:
– هذه واحدة نسيتها فما بال الثانية؟
وفي ابتسامة رد اشعب قائلا:
– اما الثانية فقد نسيها ابي.
لم يكد اشعب يتم كلامه حتى انفجر الخليفة بالضحك وامر لاشعب بجائزة كبيرة.
حمل اشعب الجوائز والعطايا عائدا الى بيته وهو يتفكر فيما حدث وانه كان سيفقد حياته
ويدفع عمره ثمنا لطمعه لولا لطف الله وعنايته فقال في نفسه:
– هذه اخر مرة اعرض فيها حياتي للخطر.
ثم ذرف دمعة سالت على خده ومضى في طريقه مسرعا حتى وصل الى بيته !
قص اشعب ما حدث على زوجته فحمدت الله على نجاته وعاتبته على فضوله وتطفله الذي
كان سيودي بحياته لكنه اكد لها انها كانت تجربة قاسية تعلم منها الا يتدخل فيما
لا يعنيه ولما انتهى اشعب من كلامه راى جماعة كبيرة من الناس تقف في صفوف
ويلبسون ازياء موحدة فجرى مسرعا نحوهم وهو يقول :
– والله ما خرج هؤلاء الا لحفل احد ابناء السلطان ! هرولت الزوجة خلف اشعب
الذي كان قد اختفى عن الانظار وتسلل بين الصفوف فقالت وهي تضرب كفا بكف :
– حقا ان الطمع افة كبيرة لكن اكبر افات الانسان النسيان