ورد ذكر القصة في سورة الكهف الايات 83-98.
قال الله تعالى:(( ويسالونك عن ذي القرنين قل ساتلو عليكم منه ذكرا انا مكنا له
في الارض واتيناه من كل شيء سببا فاتبع سببا حتى اذا بلغ مغرب الشمس وجدها
تغرب في عين حمئة ووجد عندها قوما قلنا يا ذا القرنين اما ان تعذب واما
ان تتخذ فيهم حسنا قال اما من ظلم فسوف نعذبه ثم يرد الى ربه فيعذبه
عذابا نكرا واما من امن وعمل صالحا فله جزاء الحسنى وسنقول له من امرنا يسرا
ثم اتبع سببا حتى اذا بلغ مطلع الشمس وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم
من دونها سترا كذلك وقد احطنا بما لديه خبرا ثم اتبع سببا حتى اذا بلغ
بين السدين وجد من دونهما قوما لا يكادون يفقهون قولا قالوا يا ذا القرنين ان
ياجوج وماجوج مفسدون في الارض فهل نجعل لك خرجا على ان تجعل بيننا وبينهم سدا
قال ما مكني فيه ربي خير فاعينوني بقوة اجعل بينكم وبينهم ردما اتوني زبر الحديد
حتى اذا ساوى بين الصدفين قال انفخوا حتى اذا جعله نارا قال اتوني افرغ عليه
قطرا فما اسطاعوا ان يظهروه وما استطاعوا له نقبا قال هذا رحمة من ربي فاذا
جاء وعد ربي جعله دكاء وكان وعد ربي حقا ))
القصة:
ذو القرنين قصه وعبره د عمر عبد الكافي
لا نعلم قطعا من هو ذو القرنين. كل ما يخبرنا القران عنه انه ملك صالح،
امن بالله وبالبعث وبالحساب، فمكن الله له في الارض، وقوى ملكه، ويسر له فتوحاته.
بدا ذو القرنين التجوال بجيشه في الارض، داعيا الى الله. فاتجه غربا، حتى وصل للمكان
الذي تبدو فيه الشمس كانها تغيب من وراءه. وربما يكون هذا المكان هو شاطئ المحيط
الاطلسي، حيث كان يظن الناس الا يابسة وراءه. فالهمه الله – او اوحى اليه- انه
مالك امر القوم الذين يسكنون هذه الديار، فاما ان يعذهم او ان يحسن اليهم.
فما كان من الملك الصالح، الا ان وضح منهجه في الحكم. فاعلن انه سيعاقب المعتدين
الظالمين في الدنيا، ثم حسابهم على الله يوم القيامة. اما من امن، فسيكرمه ويحسن اليه.
بعد ان انتهى ذو القرنين من امر الغرب، توجه للشرق. فوصل لاول منطقة تطلع عليها
الشمس. وكانت ارضا مكشوفة لا اشجار فيها ولا مرتفات تحجب الشمس عن اهلها. فحكم ذو
القرنين في المشرق بنفس حكمه في المغرب، ثم انطلق.
وصل ذو القرنين في رحلته، لقوم يعيشون بين جبلين او سدين بينهما فجوة. وكانوا يتحدثون
بلغتهم التي يصعب فهمها. وعندما وجدوه ملكا قويا طلبوا منه ان يساعدهم في صد ياجوج
وماجوج بان يبني لهم سدا لهذه الفجوة، مقابل خراج من المال يدفعونه له.
فوافق الملك الصالح على بناء السد، لكنه زهد في مالهم، واكتفى بطلب مساعدتهم في العمل
على بناء السد وردم الفجوة بين الجبلين.
استخدم ذو القرنين وسيلة هندسية مميزة لبناء السد. فقام اولا بجمع قطع الحديد ووضعها في
الفتحة حتى تساوى الركام مع قمتي الجبلين. ثم اوقد النار على الحديد، وسكب عليه نحاسا
مذابا ليلتحم وتشتد صلابته. فسدت الفجوة، وانقطع الطريق على ياجوج وماجوج، فلم يتمكنوا من هدم
السد ولا تسوره. وامن القوم الضعفاء من شرهم.
بعد ان انتهى ذو القرنين من هذا العمل الجبار، نظر للسد، وحمد الله على نعمته،
ورد الفضل والتوفيق في هذا العمل لله سبحانه وتعالى، فلم تاخذه العزة، ولم يسكن الغرور
قلبه.
يقول سيد قطب رحمه الله: “وبذلك تنتهي هذه الحلقة من سيرة ذي القرنين. النموذج الطيب
للحاكم الصالح. يمكنه الله في الارض, وييسر له الاسباب; فيجتاح الارض شرقا وغربا; ولكنه لا
يتجبر ولا يتكبر, ولا يطغى ولا يتبطر, ولا يتخذ من الفتوح وسيلة للغنم المادي، واستغلال
الافراد والجماعات والاوطان, ولا يعامل البلاد المفتوحة معاملة الرقيق; ولا يسخر اهلها في اغراضه واطماعه..
انما ينشر العدل في كل مكان يحل به, ويساعد المتخلفين, ويدرا عنهم العدوان دون مقابل;
ويستخدم القوة التي يسرها الله له في التعمير والاصلاح, ودفع العدوان واحقاق الحق. ثم يرجع
كل خير يحققه الله على يديه الى رحمة الله وفضل الله, ولا ينسى وهو في
ابان سطوته قدرة الله وجبروته, وانه راجع الى الله.” (في ظلال القران).
ياجوج وماجوج :
ياجوج وماجوج اسمان اعجميان ، وقيل : عربيان
وعلى هذا يكون اشتقاقهما من اجت النار اجيجا : اذا التهبت . او من الاجاج
: وهو الماء الشديد الملوحة ، المحرق من ملوحته ، وقيل عن الاج : وهو
سرعة العدو. وقيل : ماجوج من ماج اذا اضطرب،ويؤيد هذا الاشتقاق قوله تعالى ( وتركنا
بعضهم يومئذ يموج في بعض ) ، وهما على وزن يفعول في ( ياجوج )
، ومفعول في ( ماجوج ) او على وزن فاعول فيهما هذا اذا كان الاسمان
عربيان ، اما اذا كانا اعجميين فليس لهما اشتقاق ، لان الاعجمية لا تشتق واصل
ياجوج وماجوج من البشر من ذرية ادم وحواء عليهما السلام . وهما من ذرية يافث
ابي الترك ، ويافث من ولد نوح عليه السلام . والذي يدل على انهم من
ذرية ادم عليه السلام ما رواه البخاري عن ابي سعيد الخدري رضي الله عنه عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( يقول الله تعالى : يا ادم !
فيقول لبيك وسعديك ، والخير في يديك . فيقول اخرج بعث النار . قال :
وما بعث النار ؟ قال : من كل الف تسع مئة وتسعة وتسعين . فعنده
يشيب الصغير وتضع كل ذات حمل حملها، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ، ولكن
عذاب الله شديد ). قالوا : واينا ذلك الواحد ؟ قال : ( ابشروا فان
منكم رجلا ومن ياجوج وماجوج الف) رواه البخاري
وعن عبدالله بن عمرو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ان ياجوج وماجوج
من ولد ادم ، وانهم لو ارسلوا الى الناس لافسدوا عليهم معايشهم، ولن يموت منهم
احد الا ترك من ذريته الفا فصاعدا ) صفتهم هم يشبهون ابناء جنسهم من الترك
المغول، صغار العيون ، ذلف الانوف ، صهب الشعور، عراض الوجوه، كان وجوههم المجان المطرقة
، على اشكال الترك والوانهم . وروى الامام احمد : خطب رسول الله صلى الله
عليه وسلم وهو عاصب اصبعه من لدغة عقرب ، فقال ( انكم تقولون لا عدو
، وانكم لا تزالون تقاتلون عدوا حتى ياتي ياجوج وماجوج : عراض الوجوه ، صغار
العيون ، شهب الشعاف ( الشعور ) ، من كل حدب ينسلون ، كان وجوههم
المجان المطرقة) .
وقد ذكر ابن حجر بعض الاثار في صفتهم ولكنها كلها روايات ضعيفة ، ومما جاء
فيها انهم ثلاثة اصناف
صنف اجسادهم كالارز وهو شجر كبار جدا
وصنف اربعة اذرع في اربعة اذرع
وصنف يفترشون اذانهم ويلتحفون بالاخرى
وجاء ايضا ان طولهم شبر وشبرين ، واطولهم ثلاثة اشبار
والذي تدل عليه الروايات الصحيحة انهم رجال اقوياء ، لا طاقة لاحد بقتالهم، ويبعد ان
يكون طول احدهم شبر او شبرين. ففي حديث النواس بن سمعان ان الله تعالى يوحي
الى عيسى عليه السلام بخروج ياجوج وماجوج ، وانه لا يدان لاحد بقتالهم، ويامره بابعاد
المؤمنين من طريقهم ، فيقول لهم ( حرز عبادي الى الطور)
ادلة خروجهم
قال تعالى ( حتى اذا فتحت ياجوج وماجوج وهم من كل حدب ينسلون . واقترب
الوعد الحق فاذا هي شاخصة ابصار الذين كفروا يا ويلنا قد كنا في غفلة من
هذا بل كنا ظالمين ) الانبياء:96-97
وقال تعالى في قصة ذي القرنين ( ثم اتبع سببا . حتى اذا بلغ بين
السدين وجد من دونهما قوما لا يكادون يفقهون قولا. قالوا يا ذا القرنين ان ياجوج
وماجوج مفسدون في الارض فهل نجعل لك خرجا على ان تجعل بيننا وبينهم سدا .
قال ما مكني فيه ربي خير فاعينوني بقوة اجعل بينكم وبينهم ردما . اتوني زبر
الحديد حتى اذا ساوى بين الصدفين قال انفخوا حتى اذا جعله نارا قال اتوني افرغ
عليه قطرا . فما اسطاعوا ان يظهروه وما استطاعوا له نقبا. قال هذا رحمة من
ربي فاذا جاء وعد ربي جعله دكاء وكان وعد ربي حقا . وتركنا بعضهم يموج
في بعض ونفخ في الصور فجمعناهم جمعا ) الكهف : 92- 99
وهذه الايات تدل على خروجهم ، وان هذا علامة على قرب النفخ في الصور وخراب
الدنيا، وقيام الساعة
وعن ام حبيبة بنت ابي سفيان عن زينب بنت جحش ان رسول الله صلى الله
عليه وسلم دخل عليها يوما فزعا يقول ( لا اله الا الله ، ويل للعرب
من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم ياجوج وماجوج مثل هذه ( وحلق باصبعه
الابهام والتي تليها ) قالت زينب بنت جحش : فقلت يا رسول الله ! انهلك
وفينا الصالحون ؟ قال : ( نعم ، اذا كثر الخبث )
وجاء في حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه وفيه ( اذا اوحى الله على
عيسى اني قد اخرجت عبادا لي لا يدان لاحد بقتالهم ، فحرز عبادي الى الطور
، ويبعث الله ياجوج وماجوج ، وهم من كل حدب ينسلون ، فيمر اولئك على
بحيرة طبرية ، فيشربون ما فيها ، ويمر اخرهم فيقولون : لقد كان بهذه مرة
ماء ، ويحصر نبي الله عيسى واصحابه حتى يكون راس الثور لاحدهم خيرا من مئة
دينار لاحدكم اليوم ، فيرغب الى الله عيسى واصحابه ، فيرسل الله عليهم النغف( دود
يكون في انوف الابل والغنم ) في رقابهم فيصبحون فرسى ( اي قتلى ) كموت
نفس واحدة ، ثم يهبط نبي الله عيسى واصحابه الى الارض فلا يجدون موضع شبر
الا ملاه زهمهم ونتنهم فيرغب نبي الله عيسى واصحابه الى الله ، فيرسل الله طيرا
كاعناق البخت ، فتحملهم فتطرحهم حيث شاء الله ) رواه مسلم وزاد في رواية –
بعد قوله ( لقد كان بهذه مرة ماء ) – ( ثم يسيرون حتى ينتهوا
الى جبل الخمر ، وهو جبل بيت المقدس فيقولون : لقد قتلنا من في الارض
، هلم فلنقتل من في السماء ، فيرمون بنشابهم الى السماء فيرد الله عليهم نشابهم
مخضوبة دما )
وجاء في حديث حذيفة رضي الله عنه في ذكر اشراط الساعة فذكر منها ( ياجوج
وماجوج ) رواه مسلم
سد ياجوج وماجوج
بنى ذو القرنين سد ياجوج وماجوج ، ليحجز بينهم وبين جيرانهم الذين استغاثوا به منهم.
كما قال تعالى ( قالوا يا ذا القرنين ان ياجوج وماجوج مفسدون في الارض فهل
نجعل خرجا على ان تجعل بيننا وبينهم سدا. قال ما مكني فيه ربي خير فاعينوني
بقوة اجعل بينكم وبينهم ردما) الكهف
هذا ما جاء به الكلام على بناء السد ، اما مكانه ففي جهة المشرق لقوله
تعالى ( حتى اذا بلغ مطلع الشمس ) ولا يعرف مكان هذا السد بالتحديد
والذي تدل عليه الايات ان السد بني بين جبلين ، لقوله تعالى ( حتى اذا
بلغ بين السدين ) والسدان : هما جبلان متقابلان. ثم قال ( حتى اذا ساوى
بين الصدفين) ، اي : حاذى به رؤوس الجبلين وذلك بزبر الحديد، ثم افرغ عليه
نحاس مذابا ، فكان السد محكما
وهذا السد موجود الى ان ياتي الوقت المحدد لدك هذا السد ، وخروج ياجوج وماجوج،
وذلك عند دنو الساعة، كما قال تعالى ( قال هذا رحمة من ربي فاذا جاء
وعد ربي جعله دكاء وكان وعد ربي حقا . وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض
ونفخ في الصور فجمعناهم جمعا ) الكهف
والذي يدل على ان هذا السد موجود لم يندك ما روي عن ابي هريرة رضي
الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( يحفرونه كل يوم حتى اذا
كادوا يخرقونه، قال الذي عليهم: ارجعوا فستخرقونه غدا . قال : فيعيده الله عز وجل
كاشد ما كان ، حتى اذا بلغوا مدتهم، واراد الله تعالى ان يبعثهم على الناس
، قال الذي عليهم : ارجعوا فستخرقونه غدا ان شاء الله تعالى، واستثنى. قال :
فيرجعون وهو كهيئته حين تركوه ، فيخرقونه ويخرجون على الناس ، فيستقون المياه ، ويفر
الناس منهم ) رواه الترمذي وابن ماجه والحاكم