احلى مواضيع جديدة

قصص الف ليلة وليلة كاملة

 

قصص الف ليلة وليلة كاملة 18140

حكايات الملك شهريار واخيه الملك شاه زمان[عدل]
.. حكي والله اعلم انه كان فيما مضى من قديم الزمان وسالف العصر والاوان ملك
من ملوك ساسان بمغرب الهند والسند صاحب جند واعوان وخدم وحشم له ولدان احدهما كبير
والاخر صغير، وفي يوم من الايام اشتاق الكبير الى اخيه الصغير فامر وزيره ان يسافر
اليه ويحضر به فاجابه بالسمع والطاعة وسافر حتى وصل بالسلامة ودخل على اخيه وبلغه السلام
واعلمه ان اخاه مشتاق اليه وقصده ان يزوره فاجابه بالسمع والطاعة وتجهز واخرج خيامه وبغاله
وخدمه واعوانه واقام وزيره حاكما في بلاده وخرج طالبا بلاد اخيه. فلما كان في نصف
الليل تذكر حاجة نسيها في قصره فرجع ودخل قصره فوجد زوجته راقدة في فراشه معانقة
عبدا اسود من العبيد فلما راى هذا اسودت الدنيا في وجهه وقال في نفسه: اذا
كان هذا الامر قد وقع وانا ما فارقت المدينة فكيف حال هذه العاهرة اذا غبت
عند اخي مدة ثم انه سل سيفه وضرب الاثنين فقتلهما في الفراش ورجع من وقته
وساعته وسار الى ان وصل الى مدينة اخيه ففرح اخوه بقدومه ثم خرج اليه ولاقاه
وسلم عليه والاخر صغير وكانا بطلين وكان الكبير افرس من الصغير وقد ملك البلاد وحكم
بالعدل بين العباد واحبه اهل بلاده ومملكته وكان اسمه الملك شهريار وكان اخوه الصغير اسمه
الملك شاه زمان وكان ملك سمرقند العجم ولم يزل الامر مستقيما في بلادهما وكل واحد
منهما في مملكته حاكم عادل في رعيته مدة عشرين سنة وهم في غاية البسط والانشراح.
لم يزالا على هذه الحالة الى ان اففرح به غاية الفرح وزين له المدينة وجلس
معه يتحدث بانشراح فتذكر الملك شاه زمان ما كان من امر زوجته فحصل عنده غم
زائد واصفر لونه وضعف جسمه فلما راه اخوه على هذه الحالة ظن في نفسه ان
ذلك بسبب مفارقته بلاده وملكه فترك سبيله ولم يسال عن ذلك. ثم انه قال له
في بعض الايام: يا اخي انا في باطني جرح ولم يخبره بما راى من زوجته
فقال: اني اريد ان تسافر معي الى الصيد والقنص لعله ينشرح صدرك فابى ذلك فسافر
اخوه وحده الى الصيد. وكان في قصر الملك شبابيك تطل على بستان اخيه فنظروا واذا
بباب القصر قد فتح وخرج منه عشرون جارية وعشرون عبدا وامراة اخيه تمشي بينهم وهي
غاية في الحسن والجمال حتى وصلوا الى فسقية وخلعوا ثيابهم وجلسوا مع بعضهم واذا بامراة
الملك قالت: يا مسعود فجاءها عبد اسود فعانقها وعانقته وواقعها وكذلك باقي العبيد فعلوا بالجواري
ولم يزالوا في بوس وعناق ونحو ذلك حتى ولى النهار. فلما راى اخو الملك فقال:
والله ان بليتي اخف من هذه البلية وقد هان ما عنده من القهر والغم وقال:
هذا اعظم مما جرى لي ولم يزل في اكل وشرب. وبعد هذا جاء اخوه من
السفر فسلما على بعضهما ونظر الملك شهريار الى اخيه الملك شاه زمان وقد رد لونه
واحمر وجهه وصار ياكل بشهية بعدما كان قليل الاكل فتعجب من ذلك وقال: يا اخي
كنت اراك مصفر الوجه والان قد رد اليك لونك فاخبرني بحالك فقال له: اما تغير
لوني فاذكره لك واعف عني اخبارك برد لوني فقال له: اخبرني اولا بتغير لونك وضعفك
حتى اسمعه. فقال له: يا اخي انك لما ارسلت وزيرك الي يطلبني للحضور بين يديك
جهزت حالي وقد بررت من مدينتي ثم اني تذكرت الخرزة التي اعطيتها لك في قصري
فرجعت فوجدت زوجتي معها عبد اسود وهو نائم في فراشي فقتلتهما وجئت عليك وانا متفكر
في هذا الامر فهذا سبب تغير لوني وضعفي واما رد لوني فاعف عني من ان
اذكره لك. فلما سمع اخوه كلامه قال له: اقسمت عليك بالله ان تخبرني بسبب رد
لونك فاعاد عليه جميع ما راه فقال شهريار لاخيه شاه زمان: اجعل انك مسافر للصيد
والقنص واختف عندي وانت تشاهد ذلك وتحققه عيناك فنادى الملك من ساعته بالسفر فخرجت العساكر
والخيام الى ظاهر المدينة وخرج الملك ثم انه جلس في الخيام وقال لغلمانه لا يدخل
علي احد ثم انه تنكر وخرج مختفيا الى القصر الذي فيه اخوه وجلس في الشباك
المطل على البستان ساعة من الزمان واذا بالجواري وسيدتهم دخلوا مع العبيد وفعلوا كما قال
اخوه واستمروا كذلك الى العصر. فلما راى الملك شهريار ذلك الامر طار عقله من راسه
وقال لاخيه شاه زمان: قم بنا نسافر الى حال سبيلنا وليس لنا حاجة بالملك حتى
ننظر هل جرى لاحد مثلنا او لا فيكون موتنا خير من حياتنا فاجابه لذلك. ثم
انهما خرجا من باب سري في القصر ولم يزالا مسافرين اياما وليالي الى ان وصلا
الى شجرة في وسط مرج عندها عين بجانب البحر المالح فشربا من تلك العين وجلسا
يستريحان. فلما كان بعد ساعة مضت من النهار واذا هم بالبحر قد هاج وطلع منه
عمود اسود صاعد الى السماء وهو قاصد تلك المرجة. فلما رايا ذلك خافا وطلعا الى
اعلى الشجرة وكانت عالية وصارا ينظران ماذا يكون الخبر واذا بجني طويل القامة عريض الهامة
واسع الصدر على راسه صندوق فطلع الى البر واتى الشجرة التي هما فوقها وجلس تحتها
وفتح الصندوق واخرج منه علبة ثم فتحها فخرجت منها صبية بهية كانها الشمس المضيئة كما
قال الشاعر:

اشرقت في الدجى فلاح النهار واستنارت بنورها الاسحار
تسجد الكائنات بين يديها حين تبدو وتهتك الاستار

واذا اومضت بروق حماها هطلت بالمدامع الامطار
قال: فلما نظر اليها الجني قال: يا سيدة الحرائر التي قد اختطفتك ليلة عرسك اريد
ان انام قليلا ثم ان الجني وضع راسه على ركبتيها ونام فرفعت راسها الى اعلى
الشجرة فرات الملكين وهما فوق تلك الشجرة فرفعت راس الجني من فوق ركبتيها ووضعته على
الارض ووقفت تحت الشجرة وقالت لهما بالاشارة انزلا ولا تخافا من هذا العفريت فقالا لها:
بالله عليك ان تسامحينا من هذا الامر فقالت لهما بالله عليكما ان تنزلا والا نبهت
عليكما العفريت فيقتلكما شر قتلة فخافا ونزلا اليها فقامت لهما وقالت ارصعا رصعا عنيفا والا
انبه عليكما العفريت فمن خوفهما قال الملك شهريار لاخيه الملك شاه زمان: يا اخي افعل
ما امرتك به فقال: لا افعل حتى تفعل انت قبلي واخذا يتغامزان على نكاحها فقالت
لهما ما اراكما تتغامزان فان لم تتقدما وتفعلا والا نبهت عليكما العفريت فمن خوفهما من
الجني فعلا ما امرتهما به فلما فرغا قالت لهما اقفا واخرجت لهما من جيبها كيسا
واخرجت لهما منه عقدا فيه خمسمائة وسبعون خاتما فقالت لهما: اتدرون ما هذه فقالا لها:
لا ندري فقالت لهما اصحاب هذه الخواتم كلهم كانوا يفعلون بي على غفلة قرن هذا
العفريت فاعطياني خاتميكما انتما الاثنان الاخران فاعطاها من يديهما خاتمين فقالت لهما ان هذا العفريت
قد اختطفني ليلة عرسي ثم انه وضعني في علبة وجعل العلبة داخل الصندوق ورمى على
الصندوق سبعة اقفال وجعلني في قاع البحر العجاج المتلاطم بالامواج ويعلم ان المراة منا اذا
ارادت امر لم يغلبها شيء كما قال بعضهم:

لا تامنن الى النساء ولا تثق بعهودهن
فرضاؤهن وسخطهن معلق بفروجهن

يبدين ودا كاذبا والغدر حشو ثيابهن

بحديث يوسف فاعتبر متحذرا من كيدهن

او ما ترى ابليس اخرج ادما من اجلهن
فلما سمعا منها هذا الكلام تعجبا غاية العجب وقالا لبعضهما: اذا كان هذا عفريتا وجرى
له اعظم مما جرى لنا فهذا شيء يسلينا. ثم انهما انصرفا من ساعتهما ورجعا الى
مدينة الملك شهريار ودخلا قصره. ثم انه رمى عنق زوجته وكذلك اعناق الجواري والعبيد وصار
الملك شهريار كلما ياخذ بنتا بكرا يزيل بكارتها ويقتلها من ليلتها ولم يزل على ذلك
مدة ثلاث سنوات فضجت الناس وهربت ببناتها ولم يبق في تلك المدينة بنت تتحمل الوطء.
ثم ان الملك امر الوزير ان ياتيه بنت على جري عادته فخرج الوزير وفتش فلم
يجد بنتا فتوجه الى منزله وهو غضبان مقهور خائف على نفسه من الملك.

وكان الوزير له بنتان ذاتا حسن وجمال وبهاء وقد واعتدال الكبيرة اسمها شهرزاد والصغيرة اسمها
دنيازاد وكانت الكبيرة قد قرات الكتب والتواريخ وسير الملوك المتقدمين واخبار الامم الماضيين. قيل انها
جمعت الف كتاب من كتب التواريخ المتعلقة بالامم السالفة والملوك الخالية والشعراء فقالت لابيها: مالي
اراك متغيرا حامل الهم والاحزان وقد قال بعضهم في المعنى شعرا:

قل لمن يحمل هما ان هما لا يدوم

مثل ما يفنى السرور هكذا تفنى الهموم
فلما سمع الوزير من ابنته هذا الكلام حكى لها ما جرى له من الاول الى
الاخر مع الملك فقالت له: بالله يا ابت زوجني هذا الملك فاما ان اعيش واما
ان اكون فداء لبنات المسلمين وسببا لخلاصهن من بين يديه فقال لها: بالله عليك لا
تخاطري بنفسك ابدا فقالت له: لا بد من ذلك فقال: اخشى عليك ان يحصل لك
ما حصل للحمار والثور مع صاحب الزرع فقالت له: وما الذي جرى لهما يا ابت؟

حكاية الحمار والثور مع صاحب الزرع[عدل]
قال: اعلمي يا ابنتي انه كان لاحد التجاراموال ومواش وكان له زوجة واولاد وكان الله
تعالى اعطاه معرفة السن الحيوانات والطير وكان مسكن ذلك التاجر الارياف وكان عنده في داره
حمار وثور فاتى يوما الثور الى مكان الحمار فوجده مكنوسا مرشوشا وفي معلفه شعير مغربل
وتبن مغربل وهو راقد مستريح وفي بعض الاوقات ركبه صاحبه لحاجة تعرض له ويرجع على
حاله فلما كان في بعض الايام سمع التاجر الثور وهو يقول للحمار: هنيئا لك ذلك
انا تعبان وانت مستريح تاكل الشعير مغربلا ويخدمونك وفي بعض الاوقات يركبك صاحبك ويرجع وانا
دائما للحرث. فقال له الحمار: اذا خرجت الى الغيط ووضعوا على رقبتك الناف فارقد ولا
تقم ولو ضربوك فان قمت فارقد ثانيا فاذا رجعوا بك ووضعوا لك الفول فلا تاكله
كانك ضعيف وامتنع عن الاكل والشرب يوما او يومين او ثلاثة فانك تستريح من التعب
والجهد وكان التاجر يسمع كلامهما فلما جاء السواق الى الثور بعلفه اكل منه شيئا يسيرا
فاصبح السواق ياخذ الثور الى الحرث فوجده ضعيفا فقال له التاجر: خذ الحمار وحرثه مكانه
اليوم كله فلما رجع اخر النهار شكره الثور على تفضلاته حين اراحه من التعب في
ذلك اليوم فلم يرد عليه الحمار جوابا وندم اشد الندامة فلما رجع كان ثاني يوم
جاء المزارع واخذ الحمار وحرثه الى اخر النهار فلم يرجع الا مسلوخ الرقبة شديد الضعف
فتامله الثور وشكره ومجده فقال له الحمار: اعلم اني لك ناصح وقد سمعت صاحبنا يقول:
ان لم يقم الثور من موضعه فاعطوه للجزار ليذبحه ويعمل جلده قطعا وانا خائف عليك
ونصحتك والسلام. فلما سمع الثور كلام الحمار شكره وقال في غد اسرح معهم ثم ان
الثور اكل علفه بتمامه حتى لحس المذود بلسانه كل ذلك وصاحبهما يسمع كلامهما فلما طلع
النهار وخرج التاجر وزوجه الى دار البقر وجلسا فجاء السواق واخذ الثور وخرج فلما راى
الثور صاحبه حرك ذنبه وظرط وبرطع فضحك التاجر حتى استلقى على قفاه. فقالت له زوجته:
من اي شيء تضحك فقال لها: شيء رايته وسمعته ولا اقدر ان ابيح به فاموت
فقالت له: لا بد ان تخبرني بذلك وما سبب ضحكك ولو كنت تموت فقال لها:
ما اقدر ان ابوح به خوفا من الموت فقالت له: انت لم تضحك الا علي.
ثم انها لم تزل تلح عليه وتلح في الكلام الى ان غلبت عليه فتحير احضر
اولاده وارسل احضر القاضي والشهود واراد ان يوصي ثم يبوح لها بالسر ويموت لانه كان
يحبها محبة عظيمة لانها بنت عمه وام اولاده وكان ثم انه ارسل واحضر جميع اهلها
واهل جارته وقال لهم حكايته وانه متى قال لاحد على سره مات فقال لها جميع
الناس ممن حضر: بالله عليك اتركي هذا الامر لئلا يموت زوجك ابو اولادك فقالت لهم:
لا ارجع عنه حتى يقول لي ولو يموت. فسكتوا عنها. ثم ان التاجر قام من
عندهم وتوجه الى دار الدواب ليتوضا ثم يرجع يقول لهم ويموت. وكان عنده ديك تحته
خمسون دجاجة وكان عنده كلب فسمع التاجر الكلب وهو ينادي الديك ويسبه ويقول له: انت
فرحان وصاحبنا رايح يموت فقال الديك للكلب: وكيف ذلك الامر فاعاد الكلب عليه القصة فقال
له الديك: والله ان صاحبنا قليل العقل. انا لي خمسون زوجة ارضي هذه واغضب هذه
وهو ما له الا زوجة واحدة ولا يعرف صلاح امره معها فما له لا ياخذ
لها بعضا من عيدان التوت ثم يدخل الى حجرتها ويضربها حتى تموت او تتوب ولا
تعود تساله عن شيء. قال: فلما سمع التاجر كلام الديك وهو يخاطب الكلب رجع الى
عقله وعزم على ضربها ثم قال الوزير لابنته شهرزاد ربما فعل بك مثل ما فعل
التاجر بزوجته فقالت له: ما فعل قال: دخل عليها الحجرة بعدما قطع لها عيدان التوت
وخباها داخل الحجرة وقال لها: تعالي داخل الحجرة حتى اقول لك ولا ينظرني احد ثم
اموت فدخلت معه ثم انه قفل باب الحجرة عليهما ونزل عليها بالضرب الى ان اغمي
عليها فقالت له: تبت ثم انها قبلت يديه ورجليه وتابت وخرجت واياه وفرح الجماعة واهلها
وقعدوا في اسر الاحوال الى الممات. فلما سمعت ابنة الوزير مقالة ابيها قالت له: لا
بد من ذلك فجهزها وطلع الى الملك شهريار وكانت قد اوصت اختها الصغيرة وقالت لها:
اذا توجهت الى الملك ارسلت اطلبك فاذا جئت عندي ورايت الملك قضى حاجته مني قولي
يا اختي حدثينا حديثا غريبا نقطع به السهر وانا احدثك حديثا يكون فيه الخلاص ان
شاء الله. ثم ان اباها الوزير طلع بها الى الملك فلما راه فرح وقال: اتيت
بحاجتي فقال: نعم فلما اراد ان يدخل عليها بكت فقال لها: ما بك فقالت: ايها
الملك ان لي اختا صغيرة اريد ان اودعها فارسلها الملك اليها فجاءت الى اختها وعانقتها
وجلست تحت السرير فقام الملك واخذ بكارتها ثم جلسوا يتحدثون فقالت لها اختها الصغيرة: بالله
عليك يا اختي حدثينا حديثا نقطع به سهر ليلتنا فقالت: حبا وكرامة ان اذن الملك
المهذب فلما سمع ذلك الكلام وكان به قلق ففرح بسماع الحديث.

حكاية التاجر مع العفريت[عدل]
ففي الليلة الاولى قالت: بلغني ايها الملك السعيد انه كان تاجر من التجار كثير المال
والمعاملات في البلاد قد ركب يوما وخرج يطالب في بعض البلاد فاشتد عليه الحر فجلس
تحت شجرة وحط يده في خرجه واكل كسرة كانت معه وتمرة فلما فرغ من اكل
التمرة رمى النواة واذا هو بعفريت طويل القامة وبيده سيف فدنا من ذلك التاجر وقال
له: قم حتى اقتلك مثل ما قتلت ولدي فقال له التاجر: كيف قتلت ولدك قال
له: لما اكلت التمرة ورميت نواتها جاءت النواة في صدر ولدي فقضي عليه ومات من
ساعته فقال التاجر للعفريت: اعلم ايها العفريت اني على دين ولي مال كثير واولاد وزوجة
وعندي رهون فدعني اذهب الى بيتي واعطي كل ذي حق حقه ثم اعود اليك ولك
علي عهد وميثاق اني اعود اليك فتفعل بي ما تريد والله على ما اقول وكيل.
فاستوثق منه الجني واطلقه فرجع الى بلده وقضى جميع تعلقاته واوصل الحقوق الى اهلها واعلم
زوجته واولاده بما جرى له فبكوا وكذلك جميع اهله ونساءه واولاده واوصى وقعد عندهم الى
تمام السنة ثم توجه واخذ كفنه تحت ابطه وودع اهله وجيرانه وجميع اهله وخرج رغما
عن انفه واقيم عليه العياط والصراخ فمشى الى ان وصل الى ذلك البستان وكان ذلك
اليوم اول السنة الجديدة فبينما هو جالس يبكي على ما يحصل له واذا بشيخ كبير
قد اقبل عليه ومعه غزالة مسلسلة فسلم على هذا التاجر وحياه وقال له: ما سبب
جلوسك في هذا المكان وانت منفرد وهو ماوى الجن فاخبره التاجر بما جرى له مع
ذلك العفريت وبسبب قعوده في هذا المكان فتعجب الشيخ صاحب الغزالة وقال: والله يا اخي
ما دينك الا دين عظيم وحكايتك حكاية عجيبة لو كتبت بالابر على افاق البصر لكانت
عبرة لمن اعتبر ثم انه جلس بجانبه وقال والله يا اخي لا ابرح من عندك
حتى انظر ما يجري لك مع ذلك العفريت ثم انه جلس عنده يتحدث معه فغشي
على ذلك التاجر وحصل له الخوف والفزع والغم الشديد والفكر المزيد وصاحب الغزالة بجانبه فاذا
بشيخ ثان قد اقبل عليهما ومعه كلبتان سلاقيتان من الكلاب السود. فسالهما بعد السلام عليهما
عن سبب جلوسهما في هذا المكان وهو ماوى الجان فاخبراه بالقصة من اولها الى اخرها
فلم يستقر به الجلوس حتى اقبل عليهم شيخ ثالث ومعه بغلة زرزورية فسلم عليهم وسالهم
عن سبب جلوسهم في هذا المكان فاخبروه بالقصة من اولها الى اخرها وبينما كذلك اذا
بغبرة هاجت وزوبعة عظيمة قد اقبلت من وسط تلك البرية فانكشفت الغبرة واذا بذلك الجني
وبيده سيف مسلول وعيونه ترمي بالشرر فاتاهم وجذب ذلك التاجر من بينهم وقال له: قم
اقتلك مثل ما قتلت ولدي وحشاشة كبدي فانتحب ذلك التاجر وبكى واعلن الثلاثة شيوخ بالبكاء
والعويل والنحيب فانتبه منهم الشيخ الاول وهو صاحب الغزالة وقبل يد ذلك العفريت وقال له:
يا ايها الجني وتاج ملوك الجان اذا حكيت لك حكايتي مع هذه الغزالة ورايتها عجيبة
اتهب لي ثلث دم هذا التاجر قال: نعم. يا ايها الشيخ اذا انت حكيت لي
الحكاية ورايتها عجيبة وهبت لك ثلث دمه فقال ذلك الشيخ الاول: اعلم يا ايها العفريت
ان هذه الغزالة هي بنت عمي ومن لحمي ودمي وكنت تزوجت بها وهي صغيرة السن
واقمت معها نحو ثلاثين سنة فلم ارزق منها بولد فاخذت لي سرية فرزقت منها بولد
ذكر كانه البدر اذا بدا بعينين مليحتين وحاجبين مزججين واعضاء كاملة فكبر شيئا فشيئا الى
ان صار ابن خمس عشرة سنة فطرات لي سفرة الى بعض المدائن فسافرت بمتجر عظيم
وكانت بنت عمي هذه الغزالة تعلمت السحر والكهانة من صغرها فسحرت ذلك الولد عجلا وسحرت
الجارية امه بقرة وسلمتها الى الراعي ثم جئت انا بعد مدة طويلة من السفر فسالت
عن ولدي وعن امه فقالت لي جاريتك ماتت وابنك هرب ولم اعلم اين راح فجلست
مدة سنة وانا حزين القلب باكي العين الى ان جاء عيد الضحية فارسلت الى الراعي
ان يخصني ببقرة سمينة وهي سريتي التي سحرتها تلك الغزالة فشمرت ثيابي واخذت السكين بيدي
وتهيات لذبحها فصاحت وبكت بكاء شديدا فقمت عنها وامرت ذلك الراعي فذبحها وسلخها فلم يجد
فيها شحما ولا لحما غير جلد وعظم فندمت على ذبحها حيث لا ينفعني الندم واعطيتها
للراعي وقلت له: ائتني بعجل سمين فاتاني بولدي المسحور عجلا فلما راني ذلك العجل قطع
حبله وجاءني وتمرغ علي وولول وبكى فاخذتني الرافة عليه وقلت للراعي ائتني ببقرة ودع هذا.
وادرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح. فقالت لها اختها: ما اطيب حديثك والطفه والذه
واعذبه فقالت: واين هذا مما احدثكم به الليلة القابلة ان عشت وابقاني الملك فقال الملك
في نفسه: والله ما اقتلها حتى اسمع بقية حديثها ثم انهم باتوا تلك الليلة الى
الصباح متعانقين فخرج الملك الى محل حكمه وطلع الوزير بالكفن تحت ابطه ثم حكم الملك
وولي وعزل الى اخر النهار ولم يخبر الوزير بشيء من ذلك فتعجب الوزير غاية العجب
ثم انفض الديوان ودخل الملك شهريار قصره.

و في الليلة الثانية قالت دنيازاد لاختها شهرزاد: يا اختي اتممي لنا حديثك الذي هو
حديث التاجر والجني. قالت حبا وكرامة ان اذن لي الملك في ذلك فقال لها الملك:
احكي فقالت: بلغني ايها الملك السعيد ذو الراي الرشيد انه لما راى بكاء العجل حن
قلبه اليه وقال للراعي: ابق هذا العجل بين البهائم. كل ذلك والجني يتعجب من حكاية
ذلك الكلام العجيب ثم قال صاحب الغزالة: يا سيد ملوك الجان كل ذلك جرى وابنة
عمي هذه الغزالة تنظر وترى وتقول اذبح هذا العجل فانه سمين فلم يهن علي ان
اذبحه وامرت الراعي ان ياخذه وتوجه به ففي ثاني يوم وانا جالس واذا بالراعي اقبل
علي وقال: يا سيدي اني اقول شيئا تسر به ولي البشارة. فقلت: نعم فقال: ايها
التاجر ان لي بنتا كانت تعلمت السحر في صغرها من امراة عجوز كانت عندنا فلما
كنا بالامس واعطيتني العجل دخلت به عليها فنظرت اليه ابنتي وغطت وجهها وبكت ثم انها
ضحكت وقالت: يا ابي قد خس قدري عندك حتى تدخل علي الرجال الاجانب. فقلت لها:
واين الرجال الاجانب ولماذا بكيت وضحكت فقالت لي ان هذا العجل الذي معك ابن سيدي
التاجر ولكنه مسحور وسحرته زوجة ابيه هو وامه فهذا سبب ضحكي واما سبب بكائي فمن
اجل امه حيث ذبحها ابوه فتعجبت من ذلك غاية العجب وما صدقت بطلوع الصباح حتى
جئت اليك لاعلمك فلما سمعت ايها الجني كلام هذا الراعي خرجت معه وانا سكران من
غير مدام من كثرة الفرح والسرور والذي حصل لي الى ان اتيت الى داره فرحبت
بي ابنة الراعي وقبلت يدي ثم ان العجل جاء الي وتمرغ علي فقلت لابنة الراعي:
احق ما تقولينه عن ذلك العجل فقالت: نعم يا سيدي ايه ابنك وحشاشة كبدك فقلت
لها: ايها الصبية ان انت خلصتيه فلك عندي ما تحت يد ابيك من المواشي والاموال
فتبسمت وقالت: يا سيدي ليس لي رغبة في المال الا بشرطين: الاول: ان تزوجني به
والثاني: ان اسر من سحرته واحبسها والا فلست امن مكرها فلما سمعت ايها الجني كلام
بنت الراعي قلت : ولك فوق جميع ما تحت يد ابيك من الاموال زيادة واما
بنت عمي فدمها لك مباح. فلما سمعت كلامي اخذت طاسة وملاتها ماء ثم انها عزمت
عليها ورشت بها العجل وقالت: ان كان الله خلقك عجلا فدم على هذه الصفة ولا
تتغير وان كنت مسحورا فعد الى خلقتك الاولى باذن الله تعالى واذا به انتفض ثم
صار انسانا فوقعت عليه وقلت له: بالله عليك احك لي جميع ما صنعت بك وبامك
بنت عمي فحكى لي جميع ما جرى لهما فقلت: يا ولدي قد قيض الله لك
من خلصك وخلص حقك ثم اني ايها الجني زوجته ابنة الراعي ثم انها سحرت ابنة
عمي هذه الغزالة وجئت الى هنا فرايت هؤلاء الجماعة فسالتهم عن حالهم فاخبروني بما جرى
لهذا التاجر فجلست لانظر ما يكون وهذا حديثي فقال الجني: هذا حديث عجيب وقد وهبت
لك ثلث دمه فعند ذلك تقدم الشيخ صاحب الكلبتين السلاقيتين وقال له: اعلم يا سيد
ملوك الجان ان هاتين الكلبتين اخوتي وانا ثالثهم ومات والدي وخلف لنا ثلاثة الاف دينار
ففتحت دكانا ابيع فيه واشتري وسافر اخي بتجارته وغاب عنا مدة سنة مع القوافل ثم
اتى وما معه شيء فقلت له: يا اخي اما اشرت عليك بعدم السفر فبكى وقال:
يا اخي قدر الله عز وجل علي بهذا ولم يبق لهذا الكلام فائدة ولست املك
شيئا فاخذته وطلعت به الى الدكان ثم ذهبت به الى الحمام والبسته حلة من الملابس
الفاخرة واكلت انا واياه وقلت له: يا اخي اني احسب ربح دكاني من السنة الى
السنة ثم اقسمه دون راس المال بيني وبينك ثم اني عملت حساب الدكان من بربح
مالي فوجدته الفي دينار فحمدت الله عز وجل وفرحت غاية الفرح وقسمت الربح بيني وبينه
شطرين واقمنا مع بعضنا اياما ثم ان اخوتي طلبوا السفر ايضا وارادوا ان اسافر معهم
فلم ارض وقلت لهم: اي شيء كسبتم من سفركم حتى اكسب انا فالحوا علي ولم
اطعهم بل اقمنا في دكاكيننا نبيع ونشتري سنة كاملة وهم يعرضون علي السفر وانا لم
ارض حتى مضت ست سنوات كوامل.

ثم وافقتهم على السفر وقلت لهم: يا اخوتي اننا نحسب ما عندنا من المال فحسبناه
فاذا هو ستة الاف دينار فقلت: ندفن نصفها تحت الارض لينفعا اذا اصابنا امر وياخذ
كل واحد منا الف دينار ونتسبب فيها قالوا: نعم الراي فاخذت المال وقسمته نصفين ودفنت
ثلاثة الاف دينار. واما الثلاثة الاف الاخرى فاعطيت كل واحد منهم الف دينار وجهزنا بضائع
واكترينا مركبا ونقلنا فيها حوائجنا وسافرنا مدة شهر كامل الى ان دخلنا مدينة وبعنا بضائعنا
فربحنا في الدينار عشرة دنانير ثم اردنا السفر فوجدنا على شاطئ البحر جارية عليها خلق
مقطع فقبلت يدي وقالت: يا سيدي هل عندك احسان ومعروف اجازيك عليهما قلت: نعم ان
عندي الاحسان والمعروف ولو لم تجازيني فقالت: يا سيدي تزوجني وخذني الى بلادك فاني قد
وهبتك نفسي فافعل معي معروفا لاني ممن يصنع معه المعروف والاحسان ويجازي عليهما ولا يغرنك
حالي. فلما سمعت كلامها حن قلبي اليها لامر يريده الله عز وجل فاخذتها وكسوتها وفرشت
لها في المركب فرشا حسنا واقبلت عليها واكرمتها ثم سافرنا وقد احبها قلبي محبة عظيمة
وصرت لا افارقها ليلا ولا نهارا او اشتغلت بها عن اخوتي فغاروا مني وحسدوني على
مالي وكثرت بضاعتي وطمحت عيونهم في المال جميعه وتحدثوا بقتلي واخذ مالي وقالوا: نقتل اخانا
ويصير المال جميعه لنا وزين لهم الشيطان اعمالهم فجاؤوني وانا نائم بجانب زوجتي ورموني في
البحر فلما استيقظت زوجتي انتفضت فصارت عفريتة وحملتني واطلعتني على جزيرة وغابت عني قليلا وعادت
الي عند الصباح وقالت لي: انا زوجتك التي حملتك ونجيتك من القتل باذن الله تعالى
واعلم اني جنية رايتك فحبك قلبي وانا مؤمنة بالله ورسوله فجئتك بالحال الذي رايتني فيه
فتزوجت بي وها انا قد نجيتك من الغرق وقد غضبت على اخوتك ولا بد ان
اقتلهم. فلما سمعت حكايتها تعجبت وشكرتها على فعلها وقلت لها اما هلاك اخوتي فلا ينبغي
ثم حكيت لها ما جرى لي معهم من اول الزمان الى اخره. فلما سمعت كلامي
قالت: انا في هذه الليلة اطير اليهم واغرق مراكبهم واهلكهم فقلت لها: بالله لا تفعلي
فان صاحب المثل يقول: يا محسنا لمن اساء كفي المسيء فعله وهم اخوتي على كل
حال قالت لا بد من قتلهم فاستعطفتها ثم انها حملتني وطارت فوضعتني على سطح داري
ففتحت الابواب واخرجت الذي خباته تحت الارض وفتحت دكاني بعد ما سلمت على الناس واشتريت
بضائع فلما كان الليل دخلت داري فوجدت هاتين الكلبتين مربوطتين فيها فلما راياني قاما الي
وبكيا وتعلقا بي فلم اشعر الا وزوجتي قالت هؤلاء اخوتك فقلت من فعل بهم هذا
الفعل قالت انا ارسلت الى اختي ففعلت بهم ذلك وما يتخلصون الا بعد عشر سنوات
فجئت وانا سائر اليها تخلصهم بعد اقامتهم عشر سنوات في هذا الحال فرايت هذا الفتى
قال الجني: انها حكاية عجيبة وقد وهبت لك ثلث دمه في جنايته فعند ذلك تقدم
الشيخ الثالث صاحب البغلة وقال للجني انا احكي لك حكاية اعجب من حكاية الاثنين وتهب
لي باقي دمه وجنايته فقال الجني نعم فقال الشيخ ايها السلطان ورئيس الجان ان هذه
البغلة كانت زوجتي سافرت وغبت عنها سنة كاملة ثم قضيت سفري وجئت اليها في الليل
فرايت عبد اسود راقد معها في الفراش وهما في كلام وغنج وضحك وتقبيل وهراش فلما
راتني عجلت وقامت الي بكوز فيه ماء فتكلمت عليه ورشتني وقالت اخرج من هذه الصورة
الى صورة كلب فصرت في الحال كلبا فطردتني من البيت فخرجت من الباب ولم ازل
سائرا حتى وصلت دكان جزار فتقدمت وصرت اكل من العظام. فلما راني صاحب الدكان اخذني
ودخل بي بيته فلما راتني بنت الجزار غطت وجهها مني فقالت اتجيء لنا برجل وتدخل
علينا به فقال ابوها اين الرجل قالت ان هذا الكلب سحرته امراة وانا اقدر على
تخليصه فلما سمع ابوها كلامها قال: بالله عليك يا بنتي خلصيه فاخذت كوزا فيه ماء
وتكلمت عليه ورشت علي منه قليلا وقالت: اخرج من هذه الصورة الى صورتك الاولى فصرت
الى صورتي الاولى فقبلت يدها وقلت لها: اريد ان تسحري زوجتي كما سحرتني فاعطتني قليلا
من الماء وقالت اذا رايتها نائمة فرش هذا الماء عليها فانها تصير كما انت طالب
فوجدتها نائمة فرششت عليها الماء وقلت اخرجي من هذه الصورة الى صورة بغلة فصارت في
الحال بغلة وهي هذه التي تنظرها بعينك ايها السلطان ورئيس ملوك الجان ثم التفت اليها
وقال: اصحيح هذا فهزت راسها وقالت بالاشارة نعم هذا صحيح فلما فرغ من حديثه اهتز
الجني من الطرب ووهب له باقي دمه وادرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح. فقالت
لها اختها: يا اختي ما احلى حديثك واطيبه والذه واعذبه فقالت: اين هذا مما احدثكم
به الليلة القابلة ان عشت وابقاني الملك فقال الملك: والله لا اقتلها حتى اسمع بقية
حديثها لانه عجيب ثم باتوا تلك الليلة متعانقين الى الصباح فخرج الملك الى محل حكمه
ودخل عليه الوزير والعسكر واحتبك الديوان فحكم الملك وولى وعزل ونهى وامر الى اخر النهار
ثم انفض الديوان ودخل الملك شهريار الى قصره.

‘وفي الليلة الثالثة قالت لها اختها دنيا زاد : يا اختي اتمي لنا حديثك فقالت
حبا وكرامة بلغني ايها الملك السعيد ان التاجر اقبل على الشيوخ وشكرهم هنوه بالسلامة ورجع
كل واحد الى بلده وما هذه باعجب من حكاية الصياد فقال لها الملك: وما حكاية
الصياد؟

حكاية الصياد مع العفريت[عدل]
قالت: بلغني ايها الملك السعيد انه كان رجل صياد وكان طاعنا في السن وله زوجة
وثلاثة اولاد وهو فقير الحال وكان من عادته انه يرمي شبكته كل يوم اربع مرات
لا غير ثم انه خرج يوما من الايام في وقت الظهر الى شاطئ البحر وحط
معطفه وطرح شبكته وصبر الى ان استقرت في الماء ثم جمع خيطانها فوجدها ثقيلة فجذبها
فلم يقدر على ذلك فذهب بالطرف الى البر ودق وتدا وربطها فيه ثم عرى وغطس
في الماء حول الشبكة وما زال يعالج حتى اطلعها ولبس ثيابه واتى الى الشبكة فوجد
فيها حمارا ميتا فلما راى ذلك حزن وقال لا حول ولا قوة الا بالله العلي
العظيم ثم قال ان هذا الرزق عجيب وانشد يقول:

يا خائضا في ظلام الله والهلكة…….اقصر عنك فليس الرزق بالحركة

ثم ان الصياد لما راى الحمار ميت خلصه من الشبكة وعصرها، فلما فرغ من عصرها
نشرها وبعد ذلك نزل البحر، وقال بسم الله وطرحها فيه وصبر عليها حتى استقرت ثم
جذبها فثقلت ورسخت اكثر من الاول فظن انه سمك فربط الشبكة وتعرى ونزل وغطس، ثم
عالج الى ان خلصها واطلعها الى البر فوجد فيها زيرا كبيرا، وهو ملان برمل وطين
فلما راى ذلك تاسف وانشد قول الشاعر:

ياحرقة الدهر كفي ان لم تكفي فعفي فلا يحظى اعطي
ولا يصنعه كفي خرجت اطلب رزقي وجدت رزقي توفي

كم جاهل في ظهور وعالم متخفي
ثم انه رمى الزير وعصر شبكته ونظفها واستغفر الله وعاد الى البحر ثالث مرة ورمى
الشبكة وصبر عليها حتى استقرت وجذبها فوجد فيها شفافة وقوارير فانشد قول الشاعر: هو الرزق
لا حل لديك ولا ربط ولا قلم يجدي عليك ولا خط.

ثم انه رفع راسه الى السماء وقال اللهم انك تعلم اني لم ارم شبكتي غير
اربع مرات وقد رميت ثلاثا، ثم انه سمى الله ورمى الشبكة في البحر وصبر الى
ان استقرت وجذبها فلم يطق جذبها واذا بها اشتبكت في الارض فقال: لا حول ولا
قوة الا بالله فتعرى وغطس عليها وصار يعالج فيها الى ان طلعت على البحر وفتحها
فوجد فيها قمقما من نحاس اصفر ملان وفمه مختوم برصاص عليه طبع خاتم سيدنا سليمان.

فلما راه الصياد فرح وقال هذا ابيعه في سوق النحاس فانه يساوي عشرة دنانير ذهبا
ثم انه حركه فوجده ثقيلا فقال: لا بد اني افتحه وانظر ما فيه وادخره في
الخرج ثم ابيعه في سوق النخاس ثم انه اخرج سكينا، وعالج في الرصاص الى ان
فكه من القمقم وحطه على الارض وهزه لينكت ما فيه فلم ينزل منه شيء ولكن
خرج من ذلك القمقم دخان صعد الى السماء ومشى على وجه الارض فتعجب غاية العجب
وبعد ذلك تكامل الدخان، واجتمع ثم انتفض فصار عفريتا راسه في السحاب ورجلاه في التراب
براس كالقبة وايدي كالمداري ورجلين كالصواري، وفم كالمغارة، واسنان كالحجارة، ومناخير كالابريق، وعينين كالسراجين، اشعث
اغبر.

فلما راى الصياد ذلك العفريت ارتعدت فرائصه وتشبكت اسنانه، ونشف ريقه وعمي عن طريقه فلما
راه العفريت قال لا اله الا الله سليمان نبي الله، ثم قال العفريت: يا نبي
الله لا تقتلني فاني لا عدت اخالف لك قولا واعصي لك امرا، فقال له الصياد:
ايها المارد اتقول سليمان نبي الله، وسليمان مات من مدة الف وثمانمائة سنة، ونحن في
اخر الزمان فما قصتك، وما حديثك وما سبب دخولك الى هذا القمقم.

فلما سمع المارد كلام الصياد قال: لا اله الا الله ابشر يا صياد، فقال الصياد:
بماذا تبشرني فقال بقتلك في هذه الساعة اشر القتلات قال الصياد: تستحق على هذه البشارة
يا قيم العفاريت زوال الستر عنك، يا بعيد لاي شيء تقتلني واي شيء يوجب قتلي
وقد خلصتك من القمقم ونجيتك من قرار البحر، واطلعتك الى البر فقال العفريت: تمن علي
اي موتة تموتها، واي قتلة تقتلها فقال الصياد ما ذنبي حتى يكون هذا جزائي منك.

فقال العفريت اسمع حكايتي يا صياد، قال الصياد: قل واوجز في الكلام فان روحي وصلت
الى قدمي. قال اعلم اني من الجن المارقين، وقد عصيت سليمان بن داود وانا صخر
الجني فارسل لي وزيره اصف ابن برخيا فاتى بي مكرها وقادني اليه وانا ذليل على
رغم انفي واوقفني بين يديه فلما راني سليمان استعاذ مني وعرض علي الايمان والدخول تحت
طاعته فابيت فطلب هذا القمقم وحبسني فيه وختم علي بالرصاص وطبعه بالاسم الاعظم، وامر الجن
فاحتملوني والقوني في وسط البحر فاقمت مائة عام وقلت في قلبي كل من خلصني اغنيته
الى الابد فمرت المائة عام ولم يخلصني احد، ودخلت مائة اخرى فقلت كل من خلصني
فتحت له كنوز الارض، فلم يخلصني احد فمرت علي اربعمائة عام اخرى فقلت كل من
خلصني اقضي له ثلاث حاجات فلم يخلصني احد فغضبت غضبا شديدا وقلت في نفسي كل
من خلصني في هذه الساعة قتلته ومنيته كيف يموت وها انك قد خلصتني ومنيتك كيف
تموت.

فلما سمع الصياد كلام العفريت قال: يا الله العجب انا ما جئت اخلصك الا في
هذه الايام، ثم قال الصياد للعفريت، اعف عن قتلي يعف الله عنك، ولا تهلكني، يسلط
الله عليك، من يهلكك. فقال لا بد من قتلك، فتمن علي اي موتة تموتها فلما
تحقق ذلك منه الصياد راجع العفريت وقال اعف عني اكراما لما اعتقتك، فقال العفريت: وانا
ما اقتلك الا لاجل ما خلصتني، فقال الصياد: يا شيخ العفاريت هل اصنع معك مليح،
فتقابلني بالقبيح ولكن لم يكذب المثل حيث قال: فعلنا جميلا قابلونا بضده وهذا لعمري من
فعال الفواجر

ومن يفعل المعروف مع غير اهله يجازى كما جوزي مجير ام عامر

فلما سمع العفريت كلامه قال لا تطمع فلا بد من موتك، فقال الصياد هذا جني،
وانا انسي وقد اعطاني الله عقلا كاملا وها انا ادبر امرا في هلاكه، بحيلتي وعقلي
وهو يدبر بمكره وخبثه، ثم قال للعفريت: هل صممت على قتلي قال نعم، فقال له
بالاسم الاعظم المنقوش على خاتم سليمان اسالك عن شيء وتصدقني فيه، قال نعم، ثم ان
العفريت لما سمع ذكر الاسم الاعظم اضطرب واهتز وقال: اسال واوجز، فقال له: كيف كنت
في هذا القمقم، والقمقم لا يسع يدك ولا رجلك فكيف يسعك كلك، فقال له العفريت:
وهل انت لا تصدق انني كنت فيه فقال الصياد لا اصدق ابدا حتى انظرك فيه
بعيني، وادرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة الرابعة قالت: بلغني ايها الملك السعيد ان الصياد لما قال للعفريت لا اصدقك
ابدا حتى انظرك بعيني في القمقم فانتفض العفريت وصار دخانا صاعدا الى الجو، ثم اجتمع
ودخل في القمقم قليلا، حتى استكمل الدخان داخل القمقم واذا بالصياد اسرع واخذ سدادة الرصاص
المختومة وسد بها فم القمقم ونادى العفريت، وقال له: تمن علي اي موتة تموتها لارميك
في هذا البحر وابني لي هنا بيتا وكل من اتى هنا امنعه ان يصطاد واقول
له هنا عفريت وكل من اطلعه يبين له انواع الموت يخبره بينها.

فلما سمع العفريت كلام الصياد اراد الخروج فلم يقدر وراى نفسه محبوسا وراى عليه طابع
خاتم سليمان وعلم ان الصياد سجنه وسجن احقر العفاريت واقذرها واصغرها، ثم ان الصياد ذهب
بالقمقم الى جهة البحر، فقال له العفريت لا، لا فقال الصياد: لا بد لا بد
فلطف المارد كلامه وخضع وقال ما تريد ان تصنع بي يا صياد، قال: القيك في
البحر ان كنت اقمت فيه الفا وثمانمائة عام فانا اجعلك تمكث الى ان تقوم الساعة،
اما قلت لك ابقيني يبقيك الله ولا تقتلني يقتلك الله فابيت قولي وما اردت الا
غدري فالقاك الله في يدي فغدرت بك، فقال العفريت افتح لي حتى احسن اليك فقال
له الصياد تكذب يا ملعون، انا مثلي ومثلك مثل وزير الملك يونان والحكيم رويان، فقال
العفريت: وما شان وزير الملك يونان والحكيم رويان وما قصتهما.

حكاية الملك يونان والحكيم رويان[عدل]
قال الصياد: اعلم ايها العفريت، انه كان في قديم الزمان وسالف العصر والاوان في مدينة
الفرس وارض رومان ملك يقال له الملك يونان وكان ذا مال وجنود وباس واعوان من
سائر الاجناس، وكان في جسده برص قد عجزت فيه الاطباء والحكماء ولم ينفعه منه شرب
ادوية ولا سفوف ولا دهان ولم يقدر احد من الاطباء ان يداويه.

وكان قد دخل مدينة الملك يونان حكيم كبير طاعن في السن يقال له الحكيم رويان
وكان عارفا بالكتب اليونانية والفارسية والرومية والعربية والسريانية وعلم الطب والنجوم وعالما باصول حكمتها وقواعد
امورها من منفعتها ومضرتها. عالما بخواص النباتات والحشائش والاعشاب المضرة والنافعة فقد عرف علم الفلاسفة
وجاز جميع العلوم الطبية وغيرها، ثم ان الحكيم لما دخل المدينة واقام بها ايام قلائل
سمع خبر الملك وما جرى له في بدنه من البرص الذي ابتلاه الله به وقد
عجزت عن مداواته الاطباء واهل العلوم.

فلما بلغ ذلك الحكيم بات مشغولا، فلما اصبح الصباح لبس افخر ثيابه ودخل على الملك
يونان وقبل الارض ودعا له بدوام العز والنعم واحسن ما به تكلم واعلمه بنفسه فقال:
ايها الملك: بلغني ما اعتراك من هذا الذي في جسدك وان كثيرا من الاطباء لم
يعرفوا الحيلة في زواله وها انا اداويك ايها الملك ولا اسقيك دواء ولا ادهنك بدهن.

فلما سمع الملك يونان كلامه تعجب وقال له: كيف تفعل، فو الله لو براتني اغنيك
لولد الولد وانعم عليك، ما تتمناه فهو لك وتكون نديمي وحبيبي. ثم انه خلع عليه
واحسن اليه وقال له ابرئني من هذا المرض بلا دواء ولا دهان؟ قال نعم ابرئك
بلا مشقة في جسدك. فتعجب الملك غاية العجب ثم قال له: ايها الحكيم الذي ذكرته
لي يكون في اي الاوقات وفي اي الايام، فاسرع يا ولدي؛ قال له سمعا وطاعة،
ثم نزل من عند الملك واكترى له بيتا حط فيه كتبه وادويته وعقاقيره ثم استخرج
الادوية والعقاقير وجعل منها صولجانا وجوفه وعمل له قصبة وصنع له كرة بمعرفته.

فلما صنع الجميع وفرغ منها طلع الى الملك في اليوم الثاني ودخل عليه وقبل الارض
بين يديه وامره ان يركب الى الميدان وان يلعب بالكرة والصولجان وكان معه الامراء والحجاب
والوزراء وارباب الدولة، فما استقر بين الجلوس في الميدان حتى دخل عليه الحكيم رويان وناوله
الصولجان وقال له: خذ هذا الصولجان واقبض عليه مثل هذه القبضة وامش في الميدان واضرب
به الكرة بقوتك حتى يعرق كفك وجسدك فينفذ الدواء من كفك فيسري في سائر جسدك
فاذا عرقت واثر الدواء فيك فارجع الى قصرك وادخل الحمام واغتسل ونم فقد برئت والسلام.

فعند ذلك اخذ الملك يونان ذلك الصولجان من الحكيم ومسكه بيده وركب الجواد وركب الكرة
بين يديه وساق خلفها حتى لحقها وضربها بقوة وهو قابض بكفه على قصبة الصولجان، وما
زال يضرب به الكرة حتى عرق كفه وسائر بدنه وسرى له الدواء من القبضة.

وعرف الحكيم رويان ان الدواء سرى في جسده فامره بالرجوع الى قصره وان يدخل الحمام
من ساعته، فرجع الملك يونان من وقته وامر ان يخلو له الحمام فاخلوه له، وتسارعت
الفراشون وتسابقت المماليك واعدوا للملك قماشه ودخل الحمام واغتسل غسيلا جيدا ولبس ثيابه داخل الحمام
ثم خرج منه وركب الى قصره ونام فيه.

هذا ما كان من امر الملك يونان، واما ما كان من امر الحكيم رويان فانه
رجع الى داره وبات، فلما اصبح الصباح طلع الى الملك واستاذن عليه فاذن له في
الدخول فدخل وقبل الارض بين يديه واشار الى الملك بهذه الابيات:

زهت الفصاحة اذا ادعيت لها ابا واذا دعت يوما سواك لها ابى
يا صاحب الوجه الذي انواره تمحوا من الخطب الكريه غياهبا

ما زال وجهك مشرقا متهللا فلا ترى وجه الزمان مقطبا

اوليتني من فضلك المنن التي فعلت بنا فعل السحاب مع الربا

وصرفت جل الملا في طلب العلا حتى بلغت من الزمان ماربا
فلما فرغ من شعره نهض الملك قائما على قدميه وعانقه واجلسه بجانبه وخلع لعيه الخلع
السنية.

ولما خرج الملك من الحمام نظر الى جسده فلم يجد فيه شيئا من البرص وصار
جسده نقيا مثل الفضة البيضاء ففرح بذلك غاية الفرح واتسع صدره وانشرح، فلما اصبح الصباح
دخل الديوان وجلس على سرير ملكه ودخلت عليه الحجاب واكابر الدولة ودخل عليه الحكيم رويان،
فلما راه قام اليه مسرعا واجلسه بجانبه واذا بموائد الطعام قد مدت فاكل صحبته وما
زال عنده ينادمه طول نهاره.

فلما اقبل الليل اعطى الحكيم الفي دينار غير الخلع والهدايا واركبه جواده وانصرف الى داره
والملك يونان يتعجب من صنعه ويقول: هذا داواني من ظاهر جسدي ولم يدهنني بدهان، فو
الله ما هذه الا حكمة بالغة، فيجب علي لهذا الرجل الانعام والاكرام وان اتخذه جليسا
وانيسا مدى الزمان. وبات الملك يونان مسرورا فرحا بصحة جسمه وخلاصه من مرضه.

فلما اصبح الملك وجلس على كرسيه ووقفت ارباب دولته وجلست الامراء والوزراء على يمينه ويساره
ثم طلب الحكيم رويان فدخل عليه وقبل الارض بين يديه فقام الملك واجلسه بجانبه واكل
معه وحياه وخلع عليه واعطاه، ولم يزل يتحدث معه الى ان اقبل الليل فرسم له
بخمس خلع والف دينار، ثم انصرف الحكيم الى داره وهو شاكر للملك.

فلما اصبح الصباح خرج الملك الى الديوان وقد احدقت به الامراء والوزراء والحجاب، وكان له
وزير من وزرائه بشع المنظر نحس الطالع لئيم بخيل حسود مجبول على الحسد والمقت. فلما
راى ذلك الوزير ان الملك قرب الحكيم رويان واعطاه هذه الانعام حسده عليه واضمر له
الشر كما قيل في المعنى: ما خلا جسد من حسد. وقيل في المعنى: الظلم كمين
في النفس القوة تظهره والعجز يخفيه. ثم ان الوزير تقدم الى الملك يونان وقبل الارض
بين يديه وقال له: يا ملك العصر والاوان: انت الذي شمل الناس احسانك ولك عندي
نصيحة عظيمة فان اخفيتها عنك اكون ولد زنا، فان امرتني ان ابديها ابديتها لك.

فقال الملك وقد ازعجه كلام الوزير: وما نصيحتك؟ فقال: ايها الملك الجليل: قد قالت القدماء
من لم ينظر في العواقب فما الدهر له بصاحب، وقد رايت الملك على غير صواب
حيث انعم على عدوه وعلى من يطلب زوال ملكه وقد احسن اليه واكرمه غاية الاكرام
وقربه غاية القرب، وانا اخشى على الملك من ذلك.

فانزعج الملك وتغير لونه وقال له: من الذي تزعم انه عدوي واحسنت اليه؟ فقال له:
ايها الملك ان كنت نائما فاستيقظ فانا اشير الى الحكيم رويان. فقال له الملك: ان
هذا صديقي وهو اعز الناس عندي لانه داواني بشيء قبضته بيدي وابراني من مرضي الذي
عجز فيه الاطباء وهو لا يوجد مثله في هذا الزمان في الدنيا غربا وشرقا، فكيف
انت تقول عليه هذا المقال وانا من هذا اليوم ارتب له الجوامك والجرايات واعمل له
في كل شهر الف دينار ولو قاسمته في ملكي وان كان قليلا عليه. وما اظن
انك تقول ذلك الا حسدا كما بلغني عن الملك يونان ذكر والله اعلم.

وادرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح، فقالت لها اختها: يا اختي ما احلى حديثك
واطيبه والذه واعذبه فقالت لها: واين هذا مما احدثكم به الليلة المقبلة ان عشت وابقاني
الملك. فقال الملك في نفسه: والله لا اقتلها حتى اسمع بقية حديثها لانه حديث عجيب.
ثم انهم باتوا تلك الليلة متعانقين الى الصباح. ثم خرج الملك الى محل حكمه واحتبك
الديوان فحجم وولى وامر ونهى الى اخر النهار، ثم انفض الديوان فدخل الملك عصره واقبل
الليل وقضى حاجته من بنت الوزير شهرزاد.

وفي الليلة الخامسة قالت: بلغني ايها الملك السعيد ان الملك يونان قال لوزيره انت داخلك
الحسد من اجل هذا الحكيم فتريد ان اقتله وبعد ذلك اندم كما ندم السندباد على
قتل البازي. فقال الوزير: وكيف كان ذلك؟ فقال الملك: ذكر انه كان ملك ملوك الفرس
يحب الفرجة والتنزه والصيد والقنص وكان له بازي رباه ولا يفارقه ليلا ولا نهارا ويبيت
طوال الليل حامله على يده واذا طلع الى الصيد ياخذه معه وهو عامل له طاسة
من الذهب معلقة في رقبته يسقيه منها.

فبينما الملك جالس واذا بالوكيل على طير الصيد يقول: يا ملك الزمان هذا اوان الخروج
الى الصيد، فاستعد الملك للخروج واخذ البازي على يده وساروا الى ان وصلوا الى واد
ونصبوا شبكة الصيد اذا بغزالة وقعت في تلك الشبكة فقال الملك: كل من فاتت الغزالة
من جهته قتلته، فضيقوا عليها حلقة الصيد واذا بالغزالة اقبلت على الملك وشبت على رجليها
وحطت يديها على صدرها كانها تقبل الارض للملك فطاطا الملك للغزالة ففرت من فوق دماغه
وراحت الى البر.

فالتفت الملك الى المعسكر فراهم يتغامزون عليه، فقال: يا وزيري ماذا يقول العساكر فقال: يقولون
انك قلت كل من فاتت الغزالة من جهته يقتل فقال الملك: وحياة راسي لاتبعنها حتى
اجيء بها، ثم طلع الملك في اثر الغزالة ولم يزل وراءها وصار البازي يلطشها على
عينها الى ان اعماها ودوخها فسحب الملك دبوسا وضربها فقلبها ونزل فذبحها وسلخها وعلقها في
قربوس السرج. وكانت ساعة حر وكان المكان قفرا لم يوجد فيه ماء فعطش الملك وعطش
الحصان.

فالتفت الملك فراى شجرة ينزل منها ماء مثل السمن، وكان الملك لابسا في كفه جلدا
فاخذ الطاسة في قبة البازي وملاها من ذلك الماء ووضع الماء قدامه واذا بالبازي لطش
الطاسة فقلبها، فاخذ الملك الطاسة ثانيا، وملاها وظن ان البازي عطشان فوضعها قدامه فلطشها ثانيا
وقلبها فغضب الملك من البازي واخذ الطاسة ثالثا وقدمها للحصان فقلبها البازي بجناحه فقال الملك
الله يخيبك يا اشام الطيور واحرمتني من الشرب واحرمت نفسك واحرمت الحصان ثم ضرب البازي
بالسيف فرمى اجنحته.

فصار البازي يقيم راسه ويقول بالاشارة انظر الذي فوق الشجرة فرفع الملك عينه فراى فوق
الشجرة حية والذي يسيل سمها فندم الملك على قص اجنحة البازي ثم قام وركب حصانه
وسار ومعه الغزالة حتى وصل الملك على الكرسي والبازي على يده فشهق البازي ومات فصاح
الملك حزنا واسفا على قتل البازي، حيث خلصه من الهلاك، هذا ما كان من حديث
الملك السندباد.

فلما سمع الوزير كلام الملك يونان قال له: ايها الملك العظيم الشان وما الذي فعلته
من الضرورة ورايت منه سوء انما فعل معك هذا شفقة عليك وستعلم صحة ذلك فان
قبلت مني نجوت والا هلكت كما هلك وزير كان احتال على ابن ملك من الملوك،
وكان لذلك الملك ولد مولع بالصيد والقنص وكان له وزيرا، فامر الملك ذلك الوزير ان
يكون مع ابنه اينما توجه فخرج يوما من الايام، الى الصيد والقنص وخرج معه وزير
ابيه فسارا جميعا فنظر الى وحش كبير فقال الوزير لابن الملك دونك هذا الوحش فاطلبه
فقصده ابن الملك، حتى غاب عن العين وغاب عنه الوحش في البرية، وتحير ابن الملك
فلم يعرف اين يذهب واذا بجارية على راس الطريق وهي تبكي فقال لها ابن الملك
من انت: قال بنت ملك من ملوك الهند وكنت في البرية فادركني النعاس، فوقعت من
فوق الدابة ولم اعلم بنفسي فصرت حائرة.

فلما سمع ابن الملك كلامها رق لحالها وحملها على ظهر جابته واردفها وسار حتى مر
بجزيرة فقالت له الجارية: يا سيد اريد ان ازيل ضرورة فانزلها الى الجزيرة ثم تعوقت
فاستبطاها فدخل خلفها وهي لا تعلم به، فاذا هي غولة وهي تقول لاولادها يا اولادي
قد اتيتكم اليوم بغلام سمين فقالوا لها اتينا به يا امنا ناكله في بطوننا.

فلما سمع ابن الملك كلامهم ايقن بالهلاك وارتعد فرائضه وخشي على نفسه ورجع فخرجت الغولة
فراته كالخائف الوجل وهو يرتعد فقالت له: ما بالك خائفا، فقال لها ان لي عدوا،
وانا خائف منه فقالت الغولة انك تقول انا ابن الملك قال لها نعم، قالت له
مالك لا تعطي عدوك شيئا من المال، فترضيه به، فقال لها انه لا يرضى بمال
ولا يرضى الا بالروح وانا خائف منه، وانا رجل مظلوم فقالت له: ان كنت مظلوما
كما تزعم فاستعن بالله عليه بانه يكفيك شره وشر جميع ما تخافه.

فرفع ابن الملك راسه الى السماء وقال: يا من يجيب دعوة المضطر، اذا دعاه ويكشف
السوء انصرني على عدوي واصرفه عني، انك على ما تشاء قدير فلما سمعت الغولة دعاءه،
انصرفت عنه وانصرف ابن الملك الى ابيه، وحدثه بحديث الوزير وانت ايها الملك متى امنت
لهذا الحكيم قتلك اقبح القتلات، وان كنت احسنت اليه وقربته منك فانه يدبر في هلاكك،
اما ترى انه ابراك من المرض من ظاهر الجسد بشيء امسكته بيدك، فلا تامن ان
يهلكك بشيء تمسكه ايضا.

فقال الملك يونان: صدقت فقد يكون كما ذكرت ايها الوزير الناصح، فلعل هذا الحكيم اتى
جاسوسا في طلب هلاكي، واذا كان ابراني بشيء امسكته بيدي فانه يقدر ان يهلكني بشيء
اشمه، ثم ان الملك يونان قال لوزيره: ايها الوزير كيف العمل فيه، فقال له الوزير:
ارسل اليه في هذا الوقت واطلبه، فان حضر فاضرب عنقه فتكفي شره وتستريح منه واغدر
به قبل ان يغدر بك، فقال الملك يونان صدقت ايها الوزير ثم ان الملك ارسل
الى الحكيم، فحضر وهو فرحان ولا يعلم ما قدره الرحمن كما قال بعضهم في المعنى:

يا خائفا من دهره كن امنا وكل الامور الى الذي بسط الثرى ان المقدر كان
لا يمحى ولك الامان من الذي ما قدرا
وانشد الحكيم مخاطبا قول الشاعر:

اذا لم اقم يوما لحقك بالشكر فقل لي ان اعددت نظمي معا لنثر
لقد جددت لي قبل السؤال بانعم اتتني بلا مطل لديك ولا عذر

فمالي لا اعطي ثناءك حقه واثني على علياك السر والجهر

ساشكر ما اوليتني من صنائع يخف لها فمي وان اثقلت ظهري
فلما حضر الحكيم رويان قال له الملك: اتعلم لماذا احضرتك، فقال الحكيم: لا يعلم الغيب
الا الله تعالى، فقال له الملك: احضرتك لاقتلك واعدمك روحك، فتعجب الحكيم رويان من تلك
المقالة غاية العجب، وقال ايها الملك لماذا تقتلني؟ واي ذنب بدا مني فقال له الملك:
قد قيل لي انك جاسوس وقد اتيت لتقتلني وها انا اقتلك قبل ان تقتلني ثم
ان الملك صاح على السياف، وقال له اضرب رقبة هذا الغدار، وارحنا من شره، فقال
الحكيم ابقني يبقيك الله ولا تقتلني يقتلك الله، ثم انه كرر عليه القول مثلما قلت
لك ايها العفريت وانت لا تدعي بل تريد قتلي فقال الملك يونان للحكيم رويان، اني
لا امن الا ان اقتلك فانك براتني بشيء امسكته بيدي فلا امن ان تقتلني بشيء
اشمه او غير ذلك فقال الحكيم ايها الملك اهذا جزائي منك، تقابل المليح بالقبيح فقال
الملك: لا بد من قتلك من غير مهلة فلما تحقق الحكيم ان الملك قاتله لا
محالة بكى وتاسف على ما صنع من الجميل مع غير اهله، كما قيل في المعنى:

ميمونة من سمات العقل عارية لكن ابوها من الالباب قد خلقا لم يمش من يابس
يوما ولا وحل الا بنور هداه تقى الزلقا
بعد ذلك تقدم السياف وغمي عينيه وشهر سيفه وقال ائذن والحكيم يبكي ويقول للملك: ابقني
يبقيك الله ولا تقتلني يقتلك الله، وانشد قول الشاعر:

نصحت فلم افلح وغشوا فافلحوا فاوقعني نصحي بدار هوان فان عشت فلم انصح وان مت
فانع لي ذوي النصح من بعدي بك لسان
ثم ان الحكيم قال للملك ايكون هذا جزائي منك، فتجازيني مجازاة التمساح قال الملك: وما
حكاية التمساح، فقال الحكيم لا يمكنني ان اقولها، وانا في هذا الحال فبالله عليك ابقني
يبقيك الله، ثم ان الحكيم بكى بكاء شديدا فقام بعض خواص الملك وقال ايها الملك
هب لنا دم هذا الحكيم، لاننا ما رايناه فعل معك ذنبا الا ابراك من مرضك
الذي اعيا الاطباء والحكماء.

فقال لهم الملك لم تعرفوا سبب قتلي لهذا الحكيم وذلك لاني ان ابقيته فانا هالك
لا محالة ومن ابراني من المرض الذي كان بي بشيء امسكته بيدي فيمكنه ان يقتلني
بشيء اشمه، فانا اخاف ان يقتلني وياخذ علي جعالة لانه ربما كان جاسوسا وما جاء
الا ليقتلني فلا بد من قتله وبعد ذلك امن على نفسي فقال الحكيم ابقني يبقيك
الله ولا تقتلني يقتلك الله.

فلما تحقق الحكيم ايها العفريت ان الملك قاتله لا محالة قال له ايها الملك ان
كان ولا بد من قتلي فامهلني حتى انزل الى داري فاخلص نفسي واوصي اهلي وجيراني
ان يدفنوني واهب كتب الطب وعندي كتاب خاص الخاص اهبه لك هدية تدخره في خزانتك،
فقال الملك للحكيم وما هذا الكتاب قال: فيه شيء لا يحصى واقل ما فيه من
الاسرار اذا قطعت راسي وفتحته وعددت ثلاث ورقات ثم تقرا ثلاث اسطر من الصحيفة التي
على يسارك فان الراس تكلمك وتجاوبك عن جميع ما سالتها عنه.

فتعجب الملك غاية العجب واهتز من الطرب وقال له ايها الحكيم: وهل اذا قطعت راسك
تكلمت فقال نعم ايها الملك وهذا امر عجيب، ثم ان الملك ارسله مع المحافظة عليه،
فنزل الحكيم الى داره وقضى اشغاله في ذلك اليوم وفي اليوم الثاني طلع الحكيم الى
الديوان وطلعت الامراء والوزراء والحجاب والنواب وارباب الدولة جميعا وصار الديوان كزهر البستان واذا بالحكيم
دخل الديوان، ووقف قدام الملك ومعه كتاب عتيق ومكحلة فيها ذرور، وجلس وقال ائتوني بطبق،
فاتوه بطبق وكتب فيه الذرور وفرشه وقال: ايها الملك خذ هذا الكتاب ولا تعمل به،
حتى تقطع راسي فاذا قطعتها فاجعلها في ذلك الطبق وامر بكبسها على ذلك الذرور فاذا
فعلت ذلك فان دمها ينقطع، ثم افتح الكتاب ففتحه الملك فوجده ملصوقا فحط اصبعه في
فمه وبله بريقه وفتح اول ورقة والثانية والثالثة والورق ما ينفتح الا بجهد، ففتح الملك
ست ورقات ونظر فيها فلم يجد كتابة فقال الملك: ايها الحكيم ما فيه شيء مكتوب
فقال الحكيم قلب زيادة على ذلك فقلب فيه زيادة فلم يكن الا قليلا من الزمان
حتى سرى فيه السم لوقته وساعته فان الكتاب كان مسموما فعند ذلك تزحزح الملك وصاح
وقد قال: سرى في السم، فانشد الحكيم رويان يقول:

تحكموا فاستطالوا في حكومتهم وعن قليل كان الحكم لم يكن
لو انصفوا انصفوا لكن بغوا فبغى عليهم الدهر بالافات والمحن

واصبحوا ولسان الحال يشدهم هذا بذاك ولا عتب على الزمن
فلما فرغ رويان الحكيم من كلامه سقط الملك ميتا لوقته، فاعلم ايها العفريت ان الملك
يونان لو ابقى الحكيم رويان لابقاه الله، ولكن ابى وطلب قتله فقتله الله وانت ايها
العفريت لو ابقيتني لابقاك الله. وادرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح، فقالت لها اختها
دنيازاد: ما احلى حديثك فقالت: واين هذا مما احدثكم به الليلة القابلة ان عشت وابقاني
الملك، وباتوا الليلة في نعيم وسرور الى الصباح، ثم اطلع الملك الى الديوان ولما انفض
الديوان دخل قصره واجتمع باهله.

ففي الليلة السادسة قالت: بلغني ايها الملك السعيد ان الصياد لما قال للعفريت لو ابقيتني
كنت ابقيتك، لكن ما اردت الا قتلي فانا اقتلك محبوسا في هذا القمقم، والقيك في
هذا البحر ثم صرخ المارد وقال بالله عليك ايها الصياد لا تفعل وابقني كرما ولا
تؤاخذني بعملي، فاذا كنت انا مسيئا كن انت محسنا، وفي الامثال السائرة يا محسنا لمن
اساء كفي المسيء فعله ولا تعمل عمل امامة مع عاتكة.

قال الصياد وما شانهما، فقال العفريت ما هذا وقت حديث وانا في السجن حتى تطلعني
منه وانا احدثك بشانهما فقال الصياد لا بد من القائك في البحر ولا سبيل الى
اخراجك منه فاني كنت استعطفك واتضرع اليك وانت لا تريد الا قتلي من غير ذنب
استوجبته منك، ولا فعلت معك سوءا قط ولم افعل معك الا خيرا، لكوني اخرجتك من
السجن، فلما فعلت معي ذلك، علمت انك رديء الاصل، واعلم انني ما رميتك في هذا
البحر، الا لاجل ان كل من اطلعك اخبره بخبرك، واحذره منك فيرميك فيه، ثانيا فنقيم
في هذا البحر الى اخر الزمان حتى ترى انواع العذاب.

فقال العفريت: اطلقني فهذا وقت المروءات وانا اعاهدك اني لم اسؤك ابدا بل انفعك بشيء
يغنيك دائما، فاخذ الصياد عليه العهد انه اذا اطلقه لا يؤذيه ابدا بل يعمل معه
الجميل فلما استوثق منه بالايمان والعهود وحلفه باسم الله الاعظم فتح له الصياد فتصاعد الدخان
حتى خرج وتكامل فصار عفريتا مشوه الخلقة ورفس القمقم في البحر.

فلما راى الصياد انه رمى القمقم في البحر ايقن بالهلاك وبال في ثيابه، وقال هذه
ليست علامة خير، ثم انه قوى قلبه وقال: ايها العفريت قال الله تعالى: واوفوا العهد،
ان العهد كان مسؤولا وانت قد عاهدتني وحلفت انك لا تغدر بي فان غدرت بي
يجرك الله فانه غيور يمهل ولا يهمل، وانا قلت لك مثل ما قاله الحكيم رويان
للملك يونان ابقني يبقيك الله.

فضحك العفريت ومشى قدامه، وقال ايها الصياد اتبعني فمشى الصياد وراءه وهو لم يصدق بالنجاة
الى ان خرجا من ظاهر المدينة وطلعا على جبل ونزلا الى برية متسعة واذا في
وسطها بركة ماء، فوقف العفريت عليها وامر الصياد ان يطرح الشبكة ويصطاد، فنظر الصياد الى
البركة، واذا بهذا السمك الوانا، الابيض والاحمر والازرق والاصفر، فتعجب الصياد من ذلك ثم انه
طرح شبكته وجذبها فوجد فيها اربع سمكات، كل سمكة بلون، فلما راها الصياد فرح.

فقال له العفريت ادخل بها الى السلطان وقدمها اليه، فانه يعطيك ما يغنيك وبالله اقبل
عذري فانني في هذا الوقت لم اعرف طريقا وانا في هذا البحر مدة الف وثمانمائة
عام، ما رايت ظاهر الدنيا الا في هذه الساعة ولا تصطد منها كل يوم الا
مرة واحدة واستودعتك الله، ثم دق الارض بقدميه فانشقت وابتلعته ومضى الصياد الى المدينة متعجب
مما جرى له مع هذا العفريت ثم اخذ السمك ودخل به منزله واتى بماجور ثم
ملاه ماء وحط فيه السمك فاختبط السمك من داخل الماجور في الماء ثم حمل الماجور
فوق راسه وقصد به قصر الملك كما امره العفريت.

فلما طلع الصياد الى الملك وقدم له السمك تعجب الملك غاية العجب من ذلك السمك
الذي قدمه اليه الصياد لانه لم ير في عمره مثله صفة ولا شكلا، فقال: القوا
هذا السمك للجارية الطباخة، وكانت هذه الجارية قد اهداها له ملك الروم منذ ثلاثة ايام
وهو لم يجربها في طبيخ فامرها الوزير ان تقليه، وقال لها يا جارية ان الملك
يقول لك ما ادخرت دمعتي الا لشدتي ففرجينا اليوم على طهيك وحسن طبيخك فان السلطان
جاء اليه واحد بهدية ثم رجع الوزير بعدما اوصاها فامره الملك ان يعطي الصياد اربعمائة
دينار فاعطاه الوزير اياها فاعطاها فاخذها الوزير في حجره وتوجه الى منزله لزوجته، وهو فرحان
مسرور ثم اشترى لعياله ما يحتاجون اليه هذا ما كان من امر الصياد.

واما ما كان من امر الجارية فانها اخذت السمك ونظفته ورصته، في الطاجن ثم انها
تركت السمك حتى استوى وجهه وقلبته على الوجه الثاني، واذا بحائط المطبخ قد انشقت وخرجت
منها صبية رشيقة القد اسيلة الخد كاملة الوصف كحيلة الطرف بوجه مليح وقد رجيح لابسة
كوفية من خز ازرق وفي اذنيها حلق وفي معاصمها اساور وفي اصابعها خواتيم بالفصوص المثمنة
وفي يدها قضيب من الخيزران فغرزت القضيب في الطاجن وقالت: يا سمك يا سمك هل
انت على العهد القديم مقيم، فلما رات الجارية هذا غشي عليها وقد اعادت الصبية القول
ثانيا وثالثا فرفع السمك راسه في الطاجن وقال: نعم، نعم ثم قال جميعه هذا البيت:

ان عدت عدنا وان وافيت وافينا وان هجرت فانا قد تكافينا
فعند ذلك قلبت الصبية الطاجن وخرجت من الموضع الذي دخلت منه والتحمت حائط المطبخ ثم
اقامت الجارية فرات الاربع سمكات محروقة مثل الفحم الاسود، فقالت تلك الجارية من اول غزوته
حصل كسر عصبته فبينما هي تعاتب نفسها، واذا بالوزير واقف على راسها، وقال لها هاتي
السمك للسلطان فبكت الجارية واعلمت الوزير بالحال انه ارسل الى الصياد فاتوا به اليه، فقال
له ايها الصياد لا بد ان تجيب لنا باربع سمكات مثل التي جئت بها اولا.

فخرج الصياد الى البركة وطرح شبكته ثم جذبها واذا باربع سمكات، فاخذها وجاء بها الى
الوزير، فدخل بها الوزير الى الجارية وقال لها قومي اقليها قدامي، حتى ارى هذه القضية
فقامت الجارية اصلحت السمك، ووضعته في الطاجن على النار فما استقر الا قليلا واذا بالحائط
قد انشقت، والصبية قد ظهرت وهي لابسة ملبسها وفي يدها القضيب فغرزته في الطاجن وقالت:
يا سمك هل انت على العهد القديم مقيم، فرفعت السمكات رؤوسها وانشدت هذا البيت:

ان عدت عدنا وان وافيت وافينا وان هجرت فانا قد تكافينا
وفي الليلة السابعة قالت: بلغني ايها الملك السعيد انه لما تكلم السمك قلبت الصبية الطاجن
بالقضيب وخرجت من الموضع الذي جاءت منه والتحم الحائط، فعند ذلك قام الوزير وقال: هذا
امر لا يمكن اخفاؤه عن الملك، ثم انه تقدم الى الملك واخبره بما جرى قدامه
فقال: لا بد ان انظر بعين، فارسل الى الصياد وامره ان ياتي باربع سمكات مثل
الاول وامهله ثلاثة ايام. فذهب الصياد الى البركة واتاه بالسمك في الحال. فامر الملك ان
يعطوه اربعمائة دينار. ثم التفت الملك الى الوزير وقال له: سو انت السمك ههنا قدامي
فقال الوزير سمعا وطاعة، فاحضر الطاجن ورمى فيه السمك بعد ان نظفه ثم قلبه واذا
بالحائط قد انشق وخرج منه عبد اسود كانه ثور من الثيران او من قوم عاد
وفي يده قرع من شجرة خضراء وقال بكلام فصيح مزعج: يا سمك يا سمك هل
انت على العهد القديم مقيم؟ فرفع السمك راسه من الطاجن وقال: نعم وانشد هذا البيت:

ان عدت عدنا وان وافيت وافينا وان هجرت فانا قد تكافينا
ثم اقبل العبد على الطاجن وقلبه بالفرع الى ان صار فحما اسود، ثم ذهب العبد
من حيث اتى، فلما غاب العبد عن اعينهم قال الملك: هذا امر لا يمكن السكوت
عنه، ولا بد ان هذا السمك له شان غريب، فامر باحضار الصياد، فلما حضر قال
له: من اين هذا السمك فقال له من بركة بين اربع جبال وراء هذا الجبل
الذي بظاهر مدينتك، فالتفت الملك الى الصياد وقال له: مسيرة كم يوم، قال له يا
مولاننا السلطان مسيرة نصف ساعة.

فتعجب السلطان وامر بخروج العسكر من وقته مع الصياد فصار الصياد يلعن العفريت وساروا الى
ان طلعوا الجبل ونزلوا منه الى برية متسعة لم يروها مدة اعمارهم والسلطان وجميع العسكر
يتعجبون من تلك البرية التي نظروها بين اربع جبال والسمك فيها على اربعة الوان ابيض
واحمر واصفر وازرق.

فوقف الملك متعجبا وقال للعسكر ولمن حضر: هل احد منكم راى هذه البركة في هذا
المكان، فقالوا كلهم لا، فقال الملك: والله لا ادخل مدينتي ولا اجلس على تخت ملكي
حتى اعرف حقيقة هذه البركة وسمكها.

ثم امر الناس بالنزول حول هذه الجبال فنزلوا، ثم دعا بالوزير وكان وزيرا عاقلا عالما
بالامور، فلما حضر بين يديه قال له: اني اردت ان اعمل شيئا فاخبرك به وذلك
انه خطر ببالي ان انفرد بنفسي في هذه الليلة وابحث عن خبر هذه البركة وسمكها،
فاجلس على باب خيمتي وقل للامراء والوزراء والحجاب ان السلطان متشوش وامرني ان لا اؤذن
لاحد في الدخول عليه ولا تعلم احد بقصدي، فلم يقدر الوزير على مخالفته.

ثم ان الملك غير حالته وتقلد سيفه وانسل من بينهم ومشى بقية ليله الى الصباح،
فلم يزل سائرا حتى اشتد عليه الحر فاستراح ثم مشى بقية يومه وليلته الثانية الى
الصباح فلاح له سواد من بعد ففرح وقال: لعلي اجد من يخبرني بقضية البركة وسمكها،
فلما قرب من السواد وجده قصرا مبنيا بالحجارة السود مصفحا بالحديد واحد شقي بابه مفتوح
والاخر مغلق.

ففرح الملك ووقف على الباب ودق دقا لطيفا فلم يسمع جوابا، فدق ثانيا وثالثا فلم
يسمع جوابا، فدق رابعا دقا مزعجا فلم يجبه احد، فقال لا بد انه خال، فشجع
نفسه ودخل من باب القصر الى دهليز ثم صرخ وقال: يا اهل القصر اني رجل
غريب وعابر سبيل، هل عندكم شيء من الزاد؟ واعاد القول ثانيا وثالثا فلم يسمع جوابا،
فقوي قلبه وثبت نفسه ودخل من الدهليز الى وسط القصر فلم يجد فيه احد، غير
انه مفروش وفي وسطه فسقية عليها اربع سباع من الذهب تلقي الماء من افواهها كالدر
والجواهر وفي دائره طيور وعلى ذلك القصر شبكة تمنعها من الطلوع، فتعجب من ذاك وتاسف
حيث لم ير فيه احد يستخبر منه عن تلك البركة والسمك والجبال والقصر، ثم جلس
بين الابواب يتفكر واذا هو بالين من كبد حزين فسمعه يترنم بهذا الشعر:

لما خفيت ضنى ووجدي قد ظهر والنوم من عيني تبدل بالسهر ناديت وجدا قد تزايد
بي الفكر يا وجد لا تبقى علي ولا تذر
ها مهجتي بين المشقة والخطر

فلما سمع السلطان ذلك الانين نهض قائما وقصد جهته فوجد سترا مسبولا على باب مجلس
فرفعه فراى خلف الستر شابا جالسا على سرير مرتفع عن الارض مقدار ذراع، وهو شاب
مليح بقد رجيح ولسان فصيح وجبين ازهر وخدا احمر وشامة على كرسي خده كترس من
عنبر كما قال الشاعر:

ومهفهف من شعره وجبينه مشت الورى في ظلمة وضياء
ما ابصرت عيناك احسن منظر فيما يرى من سائر الاشياء

كالشامة الخضراء فوق الوجنة الحمراء تحت المقلة السوداء
ففرح به الملك وسلم عليه والصبي جالس وعليه قباء حرير بطراز من ذهب لكن عليه
اثر الحزن، فرد السلام على الملك وقال له: يا سيدي اعذرني عن عدم القيام، فقال
الملك: ايها الشاب اخبرني عن هذه البركة وعن سمكها الملون وعن هذا القصر وسبب وحدتك
فيه وما سبب بكائك؟ فلما سمع الشاب هذا الكلام نزلت دموعه على خده وبكى بكاء
شديدا، فتعجب الملك وقال: ما يبكيك ايها الشاب؟ فقال كيف لا ابكي وهذه حالتي، ومد
يده الى اذياله فاذا نصفه التحتاني الى قدميه حجر ومن صرته الى شعر راسه بشر.

ثم قال الشاب: اعلم ايها الملك ان لهذا امرا عجيبا لو كتب بالابر على افاق
البصر لكان عبرة لمن اعتبر، وذلك يا سيدي انه كان والدي ملك هذه المدينة وكان
اسمع محمود الجزائر السود وصاحب هذه الجبال الاربعة اقام في الملك سبعين عاما ثم توفي
والدي وتسلطنت بعده وتزوجت بابنة عمي وكانت تحبني محبة عظيمة بحيث اذا غبت عنها لا
تاكل ولا تشرب حتى تراني، فمكثت في عصمتي خمس سنين الى ان ذهبت يوما الى
الحمام فامرت الطباخ ان يجهز لنا طعاما لاجل العشاء، ثم دخلت هذا القصر ونمت في
الموضع الذي انا فيه وامرت جاريتين ان يروحا على وجهي فجلست واحدة عند راسي والاخرى
عند رجلي وقد قلقت لغيابها ولم ياخذني نوم غير ان عيني مغمضة ونفسي يقظانة.

فسمعت التي عند راسي تقول للتي عند رجلي يا مسعودة ان سيدنا مسكين شبابه ويا
خسارته مع سيدتنا الخبيثة الخاطئة. فقالت الاخرى: لعن الله النساء الزانيات ولكن مثل سيدنا واخلاقه
لا يصلح لهذه الزانية التي كل ليلة تبيت في غير فراشه.

فقالت التي عند راسي: ان سيدنا مغفل حيث لم يسال عنها. فقالت الاخرى ويلك وهل
عند سيدنا علم بحالها او هي تخليه باختياره بل تعمل له عملا في قدح الشراب
الذي يشربه كل ليلة قبل المنام فتضع فيه البنج فينام ولم يشعر بما يجري ولم
يعلم اين تذهب ولا بما تصنع لانها بعدما تسقيه الشراب تلبس ثيابها وتخرج من عنده
فتغيب الى الفجر وتاتي اليه وتبخره عند انفه بشيء فيستيقظ من منامه.

فلما سمعت كلام الجواري صار الضيا في وجهي ظلاما وما صدقت ان الليل اقبل وجاءت
بنت عمي من الحمام فمدا السماط واكلنا وجلسنا ساعة زمنية نتنادم كالعادة ثم دعوت بالشراب
الذي اشربه عند المنام فناولتني الكاس فراوغت عنه وجعلت اشربه مثل عادتي ودلقته في عبي
ورقدت في الوقت والساعة واذا بها قالت: نم ليتك لم تقم، والله كرهتك وكرهت صورتك
وملت نفسي من عشرتك. ثم قامت ولبست اخفر ثيابها وتبخرت وتقلدت سيفا وفتحت باب القصر
وخرجت.

فقمت وتبعتها حتى خرجت وشقت في اسواق المدينة الى ان انتهت الى ابواب المدينة فتكلمت
بكلام لا افهمه فتساقطت الاقفال وانفتحت الابواب وخرجت وانا خلفها وهي لا تشعر حتى انتهت
الى ما بين الكيمان واتت حصنا فيه قبة مبنية بطين لها باب فدخلته هي وصعدت
انا على سطح القبة واشرفت عليها اذا بها قد دخلت على عبد اسود احدى شفتيه
غطاء وشفته الثانية وطاء وشفاهه تلقط الرمل من الحصى وهي مبتلي وراقد على قليل من
قش القصب فقبلت الارض بين يديه.

فرفع ذلك العبد راسه اليها وقال لها: ويلك ما سبب قعودك الى هذه الساعة كان
عندنا السودان وشربوا الشراب وصار كل واحد بعشيقته وانا ما رضيت ان اشرب من شانك،
فقالت: يا سيدي وحبيب قلبي اما تعلم اني متزوجة بابن عمي وانا اكره النظر في
صورته وابغض نفسي في صحبته، ولولا اني اخشى على خاطرك لكنت جعلت المدينة خرابا يصبح
فيها البوم والغراب وانقل حجارتها الى جبل قاف.

فقال العبد: تكذبين يا عاهرة وانا احلف وحق فتوة السودان والا تكون مروءتنا مروءة البيضان.
ان بقيت تقعدي الى هذا الوقت من هذا اليوم لا اصاحبك ولا اضع جسدي على
جسدك، يا خائنة تغيبين علي من اجل شهوتك يا منتنة يا اخت البيضان.

قال الملك: فلما سمعت كلامها وانا انظر بعيني ما جرى بينهما صارت الدنيا في وجهي
ظلاما ولم اعرف روحي في اي موضع وصارت بنت عمي واقفة تبكي اليه وتتدلل بين
يديه وتقول له: يا حبيبي وثمرة فؤادي ما احد غيرك بقي لي فان طردتني يا
ويلي يا حبيبي يا نور عيني. وما زالت تبكي وتضرع له حتى رضي عليها ففرحت
قامت وقلعت ثياب ولباسها وقالت له: يا سيدي هل عندك ما تاكله جاريتك، فقال لها
اكشفي اللقان فان تحتها عظام فيران مطبوخة فكليها ومرمشيها وقومي لهذه القوارة تجدين فيها بوظة
فاشربيها.

فقامت واكلت وشربت وغسلت يديها، وجاءت فرقدت مع العبد على قش القصب وتعرت ودخلت معه
تحت الهدمة والشرايط فلما نظرت هذه الفعال التي فعلتها بنت عمي وهممت ان اقتل الاثنين
فضربت العبد اولا على رقبته فظننت انه قضي عليه.

وادرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح، فلما اصبح الصباح دخل الملك الى محل الحكم
واحتبك الديوان الى اخر النهار، ثم طلع الملك قصره فقالت لها اختها دنيازاد: تممي لنا
حديثك، قالت: حبا وكرامة.

وفي الليلة الثامنة قالت: بلغني ايها الملك السعيد، ان الشاب المسحور قال للملك: لما ضربت
العبد لاقطع راسه قطعت الحلقوم والجلد واللحم فظننت اني قتلته فشخر شخيرا عاليا فتحركت بنت
عمي وقامت بعد ذهابي فاخذت السيف وردته الى موضعه واتت المدينة ودخلت القصر ورقدت في
فراشي الى الصباح، ورايت بنت عمي في ذلك اليوم قد قطعت شعرها ولبست ثياب الحزن
وقالت: يا ابن عمي لا تلمني فيما افعله، فانه بلغني ان والدتي توفيت وان والدي
قتل في الجهاد، وان اخوي احدهما مات ملسوعا والاخر رديما فيحق لي ان ابكي واحزن،
فلما سمعت كلامها سكت عنها وقلت لها: افعلي ما بدا لك فاني لا اخالفك، فمكثت
في حزن وبكاء وعددي سنة كاملة من الحول الى الحول، وبعد السنة قالت لي اريد
ان ابني في قصرك مدفنا مثل القبة وانفرد فيه بالاحزان اسميه بيت الاحزان.

فقلت لهاك افعلي ما بدا لك فبنت لها بيتا للحزن في وسطه قبة ومدفنا مثل
الضريح ثم نقلت العبد وانزلته فيه وهو ضعيف جدا لا ينفعها بنافعة لكنه يشرب الشراب،
ومن اليوم الذي جرحته فيه ما تكلم الا انه حي لان اجله لم يفرغ فصارت
كل يوم تدخل عليه القبة بكرة وعشيا وتبكي عنده، وتعدد عليه وتسقيه الشراب والمساليق ولم
تزل على هذه الحالة صباحا ومساء الى ثاني سنة وانا اطول بالي عليها الى ان
دخلت عليها يوما من الايام، على غفلة فوجدتها تبكي وتلطم وجهها وتقول هذه الابيات:

عدمت وجودي في الورى بعد بعدكم فان فؤادي لا يحب سواكم
خذوا كرما جسمي الى اين ترتموا واين حللتم فادفنوني حداكم

وان تذكروا اسمي عند قبري يجيبكم انين عظامي عند صوت نداكم
فلما فرغت من شعرها قلت لها وسيفي مسلول في يدي: هذا كلام الخائنات اللاتي يسكرن
المعشره، ولا يحفظن الصحة واردت ان اضربها فرفعت يدي في الهواء فقامت وقد علمت اني
انا الذي جرح العبد ثم وقعت على قدميها وتكلمت بكلام لا افهمه، وقالت جعل الله
بسحري نصفك حجرا ونصفك الاخر بشرا، فصرت كما ترى وبقيت لا اقوم ولا اقعد ولا
انا ميت ولا انا حي.

فلما صرت هكذا سحرت المدينة وما فيها من الاسواق والغبطان وكانت مدينتنا اربعة اصناف مسلمين
ونصارى ويهود ومجوس فسحرتهم سمكا، فالابيض مسلمون والاحمر مجوس والازرق نصارى والاصفر يهود وسحرت الجزائر
الاربعة جبال واحاطتها بالبركة، ثم انها كل يوم تعذبني، وتضربني بسوط من الجلد مائة ضربة
حتى يسيل الدم ثم تلبسني من تحت هذه الثياب ثوبا من الشعر على نصفي الفوقاني
ثم ان الشاب بكى وانشد:

صبرا لحكمك يا اله القضا انا صابر ان كان فيه لك الرضا قد ضقت بالاسر
الذي قد نابني فوسيلني ال النبي المرتضى
فعند ذلك التفت الملك الى الشاب وقال له: ايها الشاب زدتني هما على همي، ثم
قال له: واين تلك المراة قال في المدفن الذي فيه العبد راقد في القبة وهي
تجيء له كل يوم مرة وعند مجيئها تجيء الى وتجردني من ثيابي وتضربني بالسوط مئة
ضربة وانا ابكي واصيح ولم يكن في حركة حتى ادفعها عن نفسي ثم بعد ان
تعاقبني تذهب الى العبد بالشراب والمسلوقة بكرة النهار. قال الملك: والله يا فتى لافعلن معك
معروفا اذكر به وجميلا يؤرخونه سيرا من بعدي، ثم جلس الملك يتحدث معه الى ان
اقبل الليل ثم قام الملك وصبر الى ان جاء وقت السحر فتجرد من ثيابه وتقلد
سيفه ونهض الى المحل الذي فيه العبد فنظر الى الشمع والقناديل وراى البخور والادهان ثم
قصد العبد وضربه فقتله ثم حمله على ظهره ورماه في بئر كانت في القصر، ثم
نزل ولبس ثياب العبد وهو داخل القبة والسيف معه مسلول في طوله، فبعد ساعة اتت
العاهرة الساحرة وعند دخولها جردت ابن عمها من ثيابه واخذت سوطا، وضربته فقال اه يكفيني
ما انا فيه فارحميني فقالت: هل كنت انت رحمتني وابقيت لي معشوق، ثم البسته اللباس
الشعر والقماش من فوقه ثم نزلت الى العبد ومعها قدح الشراب وطاسة المسلوقة ودخلت عليه
القبة وبكت وولولت وقالت: يا سيدي كلمني يا سيدي حدثني وانشدت تقول:

فالى متى هذا التجنب والجفا ان الذي فعل الغرام لقد كفى كم قد تطيل الهجر
لي معتمدا ان كان قصدك حاسدي فقد اشتفى
ثم انها بكت وقالت: يا سيدي كلمني وحدثني فخفض صوته، وعوج لسانه وتكلم بكلام السودان
وقال: اه لا حول ولا قوة الا بالله فلما سمعت كلامه صرخت من الفرح وغشي
عليها ثم انها استفاقت وقالت لعل سيدي صحيح، فخفض صوته بضعف وقال: يا عاهرة انت
لا تستحقي ان اكلمك، قالت ما سبب ذلك، قال سببه انك طول النهار تعاقبين زوجك
وهو يصرخ ويستغيث حتى احرمتيني النوم من العشاء الى الصباح، ولم يزل زوجك يتضرع ويدعو
عليك حتى اقلقني صوته ولولا هذا لكنت تعافيت فهذا الذي منعني عن جوابك، فقالت عن
اذنك اخلصه مما هو فيه، فقال لها: خلصيه واريحينا فقالت: سمعا وطاعة.

ثم قامت وخرجت من القبة الى القصر واخذت طاسة ملاتها ماء ثم تكلمت عليها فصار
الماء يغلي بالقدر ثم رشته منها وقالت: بحق ما تلوته ان تخرج من هذه الصورة
الى صورتك الاولى: فانتفض الشاب وقام على قدميه، وفرح بخلاصه وقال: اشهد ان لا اله
الا الله وان محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قالت له: اخرج ولا
ترجع الى هنا والا قتلتك وصرخت في وجهه.

فخرج من بين يديها وعادت الى القبة ونزلت وقالت: يا سيدي اخرج الي حتى انظرك،
فقال لها بكلام ضعيف اي شيء فعلتيه، ارحتيني من الفرع ولم تريحيني من الاصل، فقالت
يا حبيبي وما هو الاصل قال: اهل هذه المدينة والاربع جزائر كل ليلة، اذا انتصف
الليل يرفع السمك راسه ويدعو علي وعليك فهو سبب منع العافية عن جسمي، فخلصيهم وتعالي
خذي بيدي، واقيميني، فقد توجهت الى العافية فلما سمعت كلام الملك وهي تظنه العبد، قالت
له وهي فرحة يا سيدي على راسي وعيني بسم الله، ثم نهضت وقامت وهي مسرورة
تجري وخرجت الى البركة واخذت من مائها قليلا، وادرك شهريار الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

ففي الليلة التاسعة قالت: بلغني ايها الملك السعيد ان الصبية الساحرة، لما اخذت شيئا من
هذه البركة وتكلمت عليه بكلام لا يفهم تحرك السمك، ورفع راسه وصار ادميين في الحال،
وانفك السحر عن اهل المدينة واصبحت عامرة والاسواق منصوبة، وصار كل واحد في صناعته وانقلبت
الجبال جزائر، كما كانت ثم ان الصبية الساحرة رجعت الى الملك في الحال وهي تظن
انه العبد، وقالت يا حبيبي ناولني يدك الكريمة اقبلها.

فقال الملك بكلام خفي: تقربي مني، فدنت منه وقد اخذ صارمه وطعنها به في صدرها
حتى خرج من ظهرها ثم ضربها فشقها نصفين وخرج فوجد الشاب المسحور واقفا في انتظاره
فهناه بالسلامة وقبل الشاب يده وشكره فقال له الملك: تقعد مدينتك ان تجيء معي الى
مدينتي؟ فقال الشاب: يا ملك الزمان اتدري ما بينك وبين مدينتك؟ فقال يومان ونصف فعند
ذلك قال له الشاب: ان كنت نائما فاستيقظ ان بينك وبين مدينتك سنة للمجد وما
اتيت في يومين ونصف الا لان المدينة كانت مسحورة وانا ايها الملك لا افارقك لحظة
عين.

ففرح الملك بقوله ثم قال الحمد لله الذي من علي بك فانت ولدي لاني طول
عمري لم ارزق ولدا. ثم تعانقا وفرحا فرحا شديدا، ثم مشيا حتى وصلا الى القصر
واخبر الملك الذي كان مسحورا ارباب دولته انه مسافر الى الحج الشريف فهيئوا له جميع
ما يحتاج اليه ثم توجه هو والسلطان وقلب السلطان ملتهب على مدينته حيث غاب عنها
سنة. ثم سافر ومعه خمسون مملوكا ومعه الهدايا، ولم يزالا مسافرين ليلا ونهارا سنة كاملة
حتى اقبلا على مدينة السلطان.

فخرج الوزير والعساكر بعدما قطعوا الرجاء منه واقبلت العساكر وقبلت الارض بين يديه وهنؤه بالسلامة
فدخل وجلس على الكرسي ثم اقبل على الوزير واعلمه بكل ما جرى على الشاب، فلما
سمع الوزير ما جرى على الشاب هناه بالسلامة.

ولما استقر الحال انعم السلطان على اناس كثيرون، ثم قال للوزير علي بالصياد الذي اتى
بالسمك فارسل الى ذلك الصياد الذي كان سببا لخلاص اهل المدينة فاحضره وخلع عليه وساله
عن حاله وهل له اولاد فاخبره ان له ابنا وبنتين فتزوج الملك باحدى بنتيه وتزوج
الشاب بالاخرى،. واخذ الملك الابن عنده وجعله خازندارا، ثم ارسل الوزير الى مدينة الشاب التي
هي الجزائر السود وقلده سلطنتها وارسل معه الخمسين مملوكا الذين جاؤوا معه وكثيرا من الخلع
لسائر الامراء. فقبل الوزير يديه وخرج مسافرا واستقر السلطان والشاب. واما الصياد فانه قد صار
اغنى اهل زمانه وبناته زوجات الملوك الى ان اتاهم الممات، وما هذا باعجب مما جرى
للحمال.

حكاية الحمال مع البنات[عدل]
فانه كان انسان من مدينة بغداد وكان حمالا. فبينما هو في السوق يوما من الايام
متكئا على قفصه اذ وقفت عليه امراة ملتفة بازار موصلي من حرير مزركش بالذهب وحاشيتاه
من قصب فرفعت قناعها فبان من تحته عيون سوداء باهداب واجفان وهي ناعمة الاطراف كاملة
الاوصاف، وبعد ذلك قالت بحلاوة لفظها: هات قفصك واتبعني. فحمل الحمال القفص وتبعها الى ان
وقفت على باب دار فطرقت الباب فنزل له رجل نصراني، فاعطته دينارا واخذت منه مقدارا
من الزيتون ووضعته في القفص وقالت له: احمله واتبعني، فقال الحمال: هذا والله نهار مبارك.
ثم حمل القفص وتبعها فوقفت عند دكان فاكهاني واشترت منه تفاحا شاميا وسفرجلا عثمانيا وخوخا
عمانيا وياسمينا حلبيا وبنو فراده شقيا وخيارا نيليا وليمونا مصريا وتمر حنا وشقائق النعمان وبنفسجا
ووضعت الجميع في قفص الحمال وقالت له: احمل، فحمل وتبعها حتى وقفت على جزار وقالت
له: اقطع عشرة ارطال لحمة فقطع لها، ولفت اللحم في ورق موز ووضعته في القفص
وقالت له: احمل يا حمال فحمل وتبعها، ثم وقفت على النقلي واخذت من سائر النقل
وقالت للحمال: احمل واتبعني فحمل القفص وتبعها الى ان وقفت على دكان الحلواني واشترت طبقا
وملاته جميع ما عنده من مشبك وقطايف وميمونة وامشاط واصابع ولقيمات القاضي ووضعت جميع انواع
الحلاوة في الطبق ووضعته في القفص. فقال الحمال: لو اعلمتني لجئت معي ببغل تحمل عليه
هذه الاشياء، فتبسمت. ثم وقفت على العطار واشترت منه عشرة مياه ماء ورد وماء زهر
وخلافه واخذت قدرا من السكر واخذت ماء ورد ممسك وحصى لبان ذكر وعودا عنبر ومسكا
واخذت شمعا اسكندرانيا ووضعت الجميع في القفص وقالت للحمال: احمل قفصك واتبعني، فحمل القفص وتبعها
الى ان اتت دارا مليحة وقدامها رحبة فسيحة وهي عالية البنيان مشيدة الاركان بابها صنع
من الابنوس مصفح بصفائح الذهب الاحمر، فوقفت الصبية على الباب ودقت دقا لطيفا واذا بالباب
انفتح بشقتيه.

فنظر الحمال الى من فتح لها الباب فوجدها صبية رشيقة القد قاعدة النهد ذات حسن
وجمال وقد واعتدال وجبين كثغرة الهلال وعيون كعيون الغزلان وحواجب كهلال رمضان وخدود مثل شقائق
النعمان وفم كخاتم سليمان ووجه كالبدر في الاشراق ونهدين كرمانتين وبطن مطوي تحت الثياب كطي
السجل للكتاب. فلما نظر الحمال اليها سلبت عقله وكاد القفص ان يقع من فوق راسه،
ثم قال: ما رايت عمري ابرك من هذا النهار، فقالت الصبية البوابة للدلالة والحمال مرحبا
وهي من داخل الباب ومشوا حتى انتهوا الى قاعة فسيحة مزركشة مليحة ذات تراكيب وشاذر
واثاث ومصاطب وسدلات وخزائن عليها الستور مرخيات، وفي وسط القاعة سرير من المرمر مرصع بالدر
والجوهر منصوب عليه ناموسية من الاطلس الاحمر ومن داخله صبية بعيون بابلية وقامة الفية ووجه
يخجل الشمس المضيئة، فكانها بعض الكواكب الدرية او عقيلة عربية كما قال فيها الشاعر:

من قاس قدك بالغصن الرطيب فقد اضحى القياس به زورا وبهتانا الغصن احسن ما تلقاه
مكتسبا وانت احسن ما تلقاه عريانا
فنهضت الصبية الثالثة من فوق السرير وخطرت قليلا الى ان صارت في وسط القاعة عند
اختيها وقالت: ما وقوفهم، حطوا عن راس هذا الحمال المسكين، فجاءت الدلالة من قدامه والبوابة
من خلفه، وساعدتهما الثالثة وحططن عن الحمال وافرغن ما في القفص وصفوا كل شيء في
محله واعطين الحمال دينارين وقلن له: توجه يا حمال، فنظر الى البنات وما هن فيه
من الحسن والطبائع الحسان فلم ير احسن منهن ولكن ليس عندهن رجال. ونظر ما عندهن
من الشراب والفواكه والمشمومات وغير ذلك فتعجب غاية العجب ووقف عن الخروج، فقالت له الصبية:
ما بالك لا تروح؟ هل انت استقللت الاجرة، والتفتت الى اختها وقالت لها: اعطيه دينارا
اخر فقال الحمال: والله يا سيداتي ان اجرتي نصفان، وما استقللت الاجرة وانما اشتغل قلبي
وسري بكن وكيف حالكن وانتن وحدكن وما عندكن رجال ولا احد يؤانسكن وانتن تعرفن ان
المنارة لا تثبت الا على اربعة وليس لكن رابع، وما يكمل حظ النساء الا بالرجال
كما قال الشاعر:

انظر الى اربع عندي قد اجتمعت جنك وعود وقانون ومزمار
انتن ثلاثة فتفتقرن الى رابع يكون رجلا عاقلا لبيبا حاذقا وللاسرار كاتما فقلن له: نحن
بنات ونخاف ان نودع السر عند من لا يحفظه، وقد قرانا في الاخبار شعرا:

صن عن سواك السر لا تودعنه من اودع السر فقد ضيعه
فلما سمع الحمال كلامهن قال: وحياتكن اني رجل عاقل امين قرات الكتب وطالعت التواريخ، اظهر
الجميل واخفي القبيح واعمل بقول الشاعر:

لا يكتم السر الا كل ذي ثقة والسر عند خيار الناس مكتوم السر عندي في
بيت له غلق ضاعت الفاتحة والباب مختوم
فلما سمعت البنات الشعر والنظام وما ابداه من الكلام قلن له: انت تعلم اننا غرمنا
على هذا المقام جملة من المال فهل معك شيء تجازينا به، فنحن لا ندعك تجلس
عندنا حتى تغرم مبلغنا من المال لان خاطرك ان تجلس عندنا وتصير نديمنا وتطلع على
وجوهنا الصباح الملاح. فقالت صاحبة الدار: واذا كانت بغير المال محبة فلا تساوي وزن حبة،
وقالت البوابة ان يكن معك شيء رح بلا شيء فقالت الدلالة يا اختي نكف عنه
فوالله ما قصر اليوم معنا ولو كان غيره ما طول روحه علينا ومهما جاء عليه
اغرمه عنه. ففرح الحمال وقال والله ما استفتحت بالدراهم الا منكن، فقلن له اجلس على
الراس والعين وقامت الدلالة وشدت وسطها وصبت القناني وروقت المدام وعملت الخضرة على جانب البحر
واحضرت ما يحتاجون اليه ثم قدمت وجلست هي واختها وجلس الحمال بينهن وهو يظن انه
في المنام. ولم يزل الحمال معهن في عناق وتقبيل وهذه تكلمه وهذه تجذبه وهذه بالمشموم
تضربه وهو معهن حتى لعبت الخمرة بعقولهم. فلما تحكم الشراب معهم قامت البوابة وتجردت من
ثيابها وصارت عريانة ثم رمت نفسها في تلك البحيرة ولعبت في الماء واخذت الماء في
فمها وبخت الحمال ثم غسلت اعضاءها وما بين فخذيها ثم طلعت من الماء ورمت نفسها
في حجر الحمال وقالت له يا حبيبي ما اسم هذا واشارت الى فرجها.

فقال الحمال رحمك، فقالت يوه اما تستحي ومسكته من رقبته وصارت تصكه فقال فرجك، فقالت
غيره فقال: كسك، فقالت غيره فقال زنبورك، فلم تزل تصكه حتى ذاب قفاه ورقبته من
الصك، ثم قال لها وما اسمه فقالت له: حبق الجسور، فقال الحمد لله على السلامة
يا حبق الجسور. ثم انهم اداروا الكاس والطاس. فقامت الثانية وخلعت ثيابها ورمت نفسها في
تلك البحيرة وعملت مثل الاولى وطلعت ورمت نفسها في حجر الحمال، واشارت الى فرجها وقالت
له نور عيني ما اسم هذا قال فرجك، فقالت له: ما يقبح عليك هذا الكلام
وصكته كفا طن له سائر ما في القاعة فقال حبق الجسور، فقالت له: لا، والضرب
والصك من قفاه فقال لها وما اسمه فقالت له السمسم المقشور. ثم قامت الثالثة وخلعت
ثيابها ونزلت تلك البحيرة وفعلت مثل من قبلها ثم لبست ثيابها والقت نفسها في حجر
الحمال وقالت له ايضا ما اسم هذا واشارت الى فرجها، فصار يقول لها كذا وكذا
الى ان قال لها وهي تضربه وما اسمه فقالت خان ابي منصور. ثم بعد ساعة
قام الحمال ونزع ثيابه ونزل البحيرة وذكره يسبح في الماء وغسل مثل ما غسلن. ثم
طلع ورمى نفسه في حجر سيدتهن ورمى ذراعيه في حجر البوابة ورمى رجليه في حجر
الدلالة ثم اشار الى ايره، وقال: يا سيدتي ما اسم هذا فضحك الكل على كلامه
حتى انقلبن على ظهورهن وقلن زبك قال لا واخذ من كل واحدة عضة قلن ايرك
قال لا، واخذ من كل واحدة حضنا. وادرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

و في الليلة العاشرة قالت لها اختها دنيازاد: يا اختي اتمي لنا حديثك قالت حبا
وكرامة: قد بلغني ايها الملك السعيد انهن لم يزلن يقلن زبك، ايرك وهو يقبل ويعانق
وهن يتضاحكن الى ان قلن له وما اسمه قال: اسمه البغل الجسور الذي رعى حبق
الجسور ويلعق السمسم المقشور ويبيت في خان ابي منصور فضحكن حتى استلقين على ظهورهن ثم
عادوا الى منادمتهم ولم يزالوا كذلك الى ان اقبل الليل عليهم فقلن للحمال توجه وارنا
عرض اكتافك.

فقال الحمال والله خروج الروح اهون من الخروج من عندكن، دعونا نصل الليل بالنهار وكل
منا يروح في حال سبيله فقالت الدلالة بحياتي عندكن تدعنه ينام عندنا نضحك عليه فانه
خليع ظريف فقلن له: تبيت عندنا بشرط ان تدخل تحت الحكم ومهما رايته لا تسال
عنه ولا عن سببه، فقالت نعم، فقلن قم واقرا ما على الباب مكتوبا، فقام الى
الباب فوجد مكتوبا عليه بماء الذهب: لا تتكلم فيما لا يعنيك تسمع ما لا يرضيك.

فقال الحمال اشهدوا اني لا اتكلم فيما لا يعنيني، ثم قامت الدلالة وجهزت لهم ماكولا
ثم اوقدوا الشمع والعود وقعدوا في اكل وشرب واذا هم سمعوا دق الباب فلم يختل
نظامهم فقامت واحدة منهن الى الباب ثم عادت وقالت كمل صفاؤنا في هذه الليلة لاني
وجدت بالباب ثلاثة اعجام ذقونهم محلوقة وهم عور بالعين الشمال وهذا من اعجب الاتفاق، وهم
ناس غرباء قد حضروا من ارض الروم ولكل واحد منهم شكل وصورة مضحكة، فان دخلوا
نضحك عليهم. ولم تزل تتلطف بصاحبتيها حتى قالتا لها دعيهم يدخلون واشترطي عليهم ان لا
يتكلموا في ما لا يعنيهم فيسمعوا ما لا يرضيهم. ففرحت وزاحت ثم عادت ومعها الثلاثة
العور ذقونهم محلوقة وشواربهم مبرومة ممشوقة وهم صعاليك فسلموا فقام لهم البنات واقعدوهم فنظر الرجال
الثلاثة الى الحمال فوجدوه سكران فلما عاينوه ظنوا انه منهم وقالوا: هو صعلوك مثلنا يؤانسنا.

فلما سمع الحمال هذا الكلام قام وقلب عينيه وقال لهم: اقعدوا بلا فضول اما قراتم
ما على الباب فضحك البنات وقلن لبعضهن اننا نضحك على الصعاليك والحمال، ثم وضعن الاكل
للصعاليك فاكلوا ثم جلسوا يتنادمون والبوابة تسقيهم.

ولما دار الكاس بينهم قال الحمال للصعاليك يا اخواننا هل معكم حكاية او نادرة تسلوننا
بها فديت فيهم الحرارة وطلبوا الات اللهو فاحضرت لهم البوابة فلموصليا وعودا عراقيا وجنكا عجميا
فقام الصعاليك واقفين واخذ واحد منهم الدف، واخذ واحد العود، واخذ واحد الجنك وضربوا بها
وغنت البنات وصار لهم صوت عال. فبينما هم كذلك واذا بطارق يطرق الباب، فقامت البوابة
لتنظر من بالباب وكان السبب في دق الباب ان في تلك الليلة نزل هارون الرشيد
لينظر ويسمع ما يتجدد من الاخبار هو وجعفر وزيره وسياف نقمته، وكان من عادته ان
يتنكر في صفة التجار، فلما نزل تلك الليلة ومشى في المدينة جاءت طريقهم على تلك
الدار فسمعوا الات الملاهي فقال الخليفة جعفر هؤلاء قوم قد دخل السكر فيهم ونخشى ان
يصيبنا منهم شر، فقال لا بد من دخولنا واريد ان نتحيل حتى ندخل عليهم فقال
جعفر: سمعا وطاعة.

ثم تقدم جعفر وطرق الباب فخرجت البوابة وفتحت الباب، فقال لها: يا سيدتي نحن تجار
من طبرية ولنا في بغداد عشرة ايام ومعنا تجارة ونحن نازلون في خان التجار وعزم
علينا تاجر في هذه الليلة فدخلنا عنده وقدم لنا طعاما فاكلنا ثم تنادمنا عنده ساعة،
ثم اذن لنا بالانصراف فخرجنا بالليل ونحن غرباء فتهنا عن الخان الذي نحن فيه فنرجو
من مكارمكم ان تدخلونا هذه الليلة نبيت عندكم ولكم الثواب فنظرت البوابة اليهم فوجدتهم بهيئة
التجار وعليهم الوقار فدخلت لصاحبتيها وشاورتهما فقالتا لها ادخليهم.

فرجعت وفتحت لهم الباب فقالوا ندخل باذنك، قالت ادخلوا فدخل الخليفة وجعفر ومسرور فلما اتتهم
البنات قمن لهم وخدمنهم وقلن مرحبا واهلا وسهلا بضيوفنا، ولنا عليكم شرط ان لا تتكلموا
فيما لا يعنيكم فتسمعوا ما لا يرضيكم قالوا نعم. وبعد ذلك جلسوا للشراب والمنادمة فنظر
الخليفة الى الصعاليك الثلاثة فوجدهم عور العين الشمال فتعجب منهم ونظر الى البنات وما هم
فيه من الحسن والجمال فتحير وتعجب، واستمر في المنادمة والحديث واتين الخليفة بشراب فقال انا
حاج وانعزل عنهم.

فقامت البوابة وقدمت له سفرة مزركشة ووضعت عليها بمطية من الصيني وسكبت فيها ماء الخلاف
وارخت فيه قطعة من الثلج ومزجته بسكر فشكرها الخليفة وقال في نفسه لا بد ان
اجازيها في غد على فعلها من صنيع الخير، ثم اشتغلوا بمنادمتهم، فلما تحكم الشراب قامت
صاحبة البيت وخدمتهم، ثم اخذت بيد الدلالة وقالت: يا اختي قومي بمقتضى ديننا فقالت لها
نعم، فعند ذلك قامت البوابة واطلعت الصعاليك خلف الابواب قدامهن وذلك بعد ان اخلت وسط
القاعة ونادين الحمال وقلن له: ما اقل مودتك ما انت غريب بل انت من اهل
الدار.

فقام الحمال وشد اوسطه وقال: ما تردن فلن تقف مكانك، ثم قامت الدلالة وقالت للحمال
ساعدني، فراى كلبتين من الكلاب السود في رقبتيهما جنازير فاخذهما الحمال ودخل بهما الى وسط
القاعة فقامت صاحبة المنزل وشمرت عن معصميها واخذت سوطا وقالت للحمال قوم كلبة منهما فجرها
في الجنزير وقدمها والكلبة تبكي وتحرك راسها الى الصبية فنزلت عليها الصبية بالضرب على راسها
والكلبة تصرخ وما زالت تضربها حتى كلت سواعدها فرمت السوط من يدها ثم ضمت الكلبة
الى صدرها ومسحت دموعها وقبلت راسها ثم قالت للحمال ردها وهات التالية، فجاء بها وفعلت
بها مثل ما فعلت بالاولى.

فعند ذلك اشتعل قلب الخليفة وضاق صدره وغمز جعفر ان يسالها، فقال له بالاشارة اسكت،
ثم التفتت صاحبة البيت للبوابة وقالت لها: قومي لقضاء ما عليك قالت نعم. ثم ان
صاحبة البيت صعدت على سرير من المرمر مصفح بالذهب والفضة وقالت البوابة والدلالة ائتيا بما
عندكما، فاما البوابة فانها صعدت على سرير بجانبها واما الدلالة فانها دخلت مخدعا واخرجت منه
كيسا من الاطلس باهداب خضر ووقفت قدام الصبية صاحبة المنزل ونفضت الكيس واخرجت منه عودا
واصلحت اوتاره وانشدت هذه الابيات:

ردوا على جفني النوم الذي سلبا وخبروني بعقلي اية ذهبا
علمت لما رضيت الحب منزلة ان المنام على جفني قد غصبا

قالوا عهدناك من اهل الرشاد فما اغواك قلت اطلبوا من لحظة السببا

اني له عن دمي المسفوك معتذر اقول حملته في سفكه تعبا

القى بمراة فكري شمس صورته فعكسها شب في احشائي اللهبا

من صاغه الله من ماء الحياة وقد اجرى بقيته في ثغره شنبا

ماذا ترى في محب ما ذكرت له الا شكى او بكى او حن او اطربا

يرى خيالك في الماء الذلال اذا رام الشراب فيروى وهو ما شربا
وانشدت ايضا:

سكرت من لحظه لا من مدامته ومال بالنوم عن عيني تمايله
فما السلاف سلتني بل سوالفه وما الشمل شلتني بل شمائله

لوي بعزمي اصداع لوين له و غال عقلي بما نحوى غلائله
فلما سمعت الصبية ذلك، قالت طيبك الله، ثم شقت ثيابها ووقعت على الارض مغشيا عليها،
فلما نكشف جسدها راى الخليفة اثر ضرب المقارع والسياط فتعجب من ذلك غاية العجب فقامت
البوابة ورشت الماء على وجهها واتت اليها بحلة والبستها اياها، فقال الخليفة لجعفر اما تنظر
الى هذه المراة وما عليها من اثر الضرب، فانا لا اقدر ان اسكت على هذا
وما استريح الا ان وقفت على حقيقة خبر هذه الصبية وحقيقة خبر هاتين الكلبتين، فقال
جعفر: يا مولانا قد شرطوا علينا شرطا وهو ان لا نتكلم فيما لا يعنينا فنسمع
ما لا يرضينا، ثم قامت الدلالة فاخذت العود واسندته الى نهدها، وغمزته باناملها وانشدت تقول:

ان شكونا الهوى فماذا تقول او تلفنا شوقا فماذا السبيل
او بعثنا رسلا نترجم عنا ما يؤدي شكوى المحب رسول

او صبرنا فما لنا من بقاء بعد فقد الاحباب الا قليل

ليس الا تاسفا ثم حزنا ودموعا على الخدود تسيل

ايها الغائبون عن لمح عيني وعم في الفؤاد مني حلول

هل حفظتم لدى الهوى عهد صب ليس عنه مدى الزمان يحول

ام نسيتم على التباعد صبا شفه فبكم الضنى والنحول

واذا الحشر ضمنا اتمنى من لدن وبنا حسابا يطول
فلما سمعت المراة الثانية شعر الدلالة شقت ثيابها كما فعلت الاولى وصرخت ثم القت نفسها
على الارض مغشيا عليها، فقامت الدلالة والبستها حلة ثانية بعد ان رشت الماء على وجهها
ثم قامت المراة الثالثة وجلست على سرير وقالت للدلالة غني لي لا في ديني فما
بقي غير هذا الصوت فاصلحت الدلالة العود وانشدت هذه الابيات:

فالى متى هذا الصدود وذا الجفا فلقد جوى من ادمعي ما قد كفى
كم قد اطلت الهجر لي معتمدا ان كان قصدك حاسدي فقد اشتفى

لو انصف الدهر الخؤون لعاشق ما كان يوم العواذل منصفا

فلمن ابوح بصبوتي يا قاتلي يا خيبة الشاكي اذا فقد الوفا

ويزيد وجدي في هواك تلهفا فمتى وعدت ولا رايتك مخلفا

يا مسلمون خذوا بنار متيم الف الشهادة لديه طرف ما غفا

ايحل في شرع الغرام تذللي ويكون غيري بالوصال مشرفا

ولقد كلفت بحبكم متلذذا وغدا عذولي في الهوى متكلفا
فلما سمعت المراة الثالثة قصيدتها صرخت وشقت ثيابها والقت نفسها على الارض مغشيا عليها فلما
انكشف جسدها ظهر فيه ضرب المقارع، مثل من قبلها فقال الصعاليك ليتنا ما دخلنا هذه
الدار وكنا بتنا على الكيمان، فقد تكدر مبيتنا هنا بشيء يقطع الصلب فالتفت الخليفة اليهم
وقال لهم لم ذلك قالوا قد اشتغل سرنا بهذا الامر فقال الخليفة اما انتم من
هذا البيت، قالوا لا ولا ظننا هذا الموضع الا للرجل الذي عندكم. فقال الحمال والله
ما رايت هذا الموضع الا هذه الليلة وليتني بت على الكيمان ولم ابت فيه.

فقال الجميع نحن سبعة رجال وهن ثلاث نسوة وليس لهن رابعة فنسالهن عن حالهن فان
لم يجبننا طوعا اجبننا كرها واتفق الجميع على ذلك، فقال جعفر ما هذا راي سديد
دعوهن فنحن ضيوف عندهن وقد شرطن علينا، شرطا فنوفي به ولم يبق من الليل الا
القليل وكل منا يمضي الى حال سبيله، ثم انه غمز الخليفة وقال ما بقي غير
ساعة، وفي غد تحضرهن بين يديك، فتسالهن عن قصتهن فابى الخليفة وقال لم يبق لي
صبر عن خبرهن وقد كثر بينهن القيل والقال، ثم قالوا ومن يسالهن فقال بعضهم الحمال
ثم قال لهم النساء يا جماعة في اي شيء تتكلمون.

فقال الحمال لصاحبة البيت وقال لها يا سيدتي سالتك بالله واقسم عليك به ان تخبرينا
عن حال الكلبتين، واي سبب تعاقبيهما ثم تعودين تبكين، وتقبليهما وان تخبرينا عن سبب ضرب
اختك بالمقارع وهذا سؤالنا والسلام فقالت صاحبة المكان للجماعة ما يقوله عنكم فقال الجميع نعم،
الا جعفر فانه سكت.

فلما سمعت الصبية كلامهم قالت والله لقد اذيتمونا يا ضيوفنا، الاذية البالغة، وتقدم لنا اننا
شرطنا عليكم ان من تكلم فيما لا يعنيه، سمع ما لا يرضيه اما كفا اننا
ادخلناكم منزلنا واطعمناكم زادنا ولكن لا ذنب لكم وانما الذنب لمن اوصلكم الينا ثم شمرت
عن معصمها وضربت الارض ثلاث ضربات وقالت عجلوا.

واذا بباب خزانة قد فتح وخرج منها سبعة عبيد بايديهم سيوف مسلولة وقالت كتفوا هؤلاء
الذين كثر كلامهم واربطوا بعضهم ببعض ففعلوا وقالوا ايتها المخدرة ائذني لنا في ضرب رقابهم،
فقالت امهلوهم ساعة حتى اسالهم عن حالهم قبل ضرب رقابهم، فقال الحمال بالله يا سيدتي
لا تقتليني بذنب الغير فان الجميع اخطاوا، ودخلوا في الذنب، الا انا والله لقد كانت
ليلتنا طيبة لو سلمنا من هؤلاء الصعاليك الذين لو دخلوا مدينة عامرة لاخربوها، ثم انشد
يقول:

ما احسن الغفران من قادر لا سيما عن غير ذي ناصر بحرمة الود الذي بيننا
لا تقتلي الاول بالاخر
فلما فرغ الحمال من كلامه ضحكت الصبية، وادرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

والليلة الحادية عشرة قالت: بلغني ايها الملك السعيد ان الصبية لما ضحكت بعد غيظها، اقبلت
على الجماعة وقالت اخبروني بخبركم فما بقي من عمركم الا ساعة ولولا انتم اعزاء فقال
الخليفة ويلك يا جعفر عرفها بنا والا تقتلنا فقال جعفر من بعض ما نستحق، فقال
له الخليفة لا ينبغي الهزل في وقت الجد كل منهم له وقت ثم ان الصبية
اقبلت على الصعاليك، وقالت لهم هل انتم اخوة فقالوا لا والله ما نحن الا فقراء
الحجام.

فقالت لواحد منهم هل انت ولدت اعور فقال لا والله وانما جرى لي امر غريب
حيت تلفت عيني ولهذا الامر حكاية لو كتبت بالابر على اماق البصر لكانت عبرة لمن
اعتبر، فسالت الثاني والثالث فقالا لها مثل الاول ثم قالوا ان كل منا من بلد
وان حديثنا عجيب وامرنا غريب، فالتفتت الصبية لهم، وقالت كل واحد منكم يحكي حكايته وما
سبب مجيئه الى مكاننا ثم يملس على راسه ويروح الى حال سبيله فاول من تقدم
الحمال، فقال يا سيدتي انا رجل حمال حملتني هذه الدلالة واتت بي الى هنا وجرى
لي معكم ما جرى وهذا حديثي والسلام، فقالت له ملس على راسك وروح فقال والله
ما اروح حتى اسمع حديث رفقائي.

فتقدم الصعلوك الاول وقال لها يا سيدتي، ان سبب حلق ذقني وتلف عيني ان والدي
كان ملكا وله اخ وكان اخوه ملكا على مدينة اخرى واتفق ان امي ولدتني في
اليوم الذي ولد فيه ابن عمي، ثم مضت سنون واعوام، وايام حتى كبرنا وكنت ازور
عمي في بعض السنين واقعد عنده اشهر عديدة فزرته مرة فاكرمني غاية الاكرام وذبح لي
الاغنام وروق لي المدام وجلسنا للشراب فلما تحكم الشراب فينا قال ابن عمي: يا ابن
عمي ان لي عندك حاجة مهمة فاستوثق مني بالايمان العظام ونهض من وقته وساعته وغاب
قليلا، ثم عاد وخلفه امراة مزينة مطيبة وعليها من الحلل ما يساوي مبلغا عظيما.

فالتفت الي والمراة خلفه، وقال خذ هذه المراة واسبقني على الجبانة الفلانية ووصفها لي فعرفتها
وقال ادخل بها التربة وانتظرني هناك فلم يمكني المخالفة ولم اقدر على رد سؤاله لاجل
الذي خلفته فاخذت المراة وسرت الى ان دخلت التربة انا واياها فلما استقر بنا الجلوس
جاء ابن عمي ومعه طاسة فيها ماء وكيس فيه جبس وقدوم ثم انه اخذ القدوم
وجاء الى قبر في وسط التربة ففكه ونقض احجاره الى ناحية التربة، ثم حفر بالقدوم
في الارض، حتى كشف عن طابق قدر الباب الصغير فبان من تحت الطابق سلم معقود.

لم التفت الى المراة بالاشارة وقال لها دونك وما تختارين به فنزلت المراة على ذلك
السلم، ثم التفت الي وقال يا ابن عمي تمم المعروف اذا نزلت انا في ذلك
الموضع فرد الطابق ورد عليه التراب كما كان وهذا تمام المعروف وهذا الجبس الذي في
الكيس وهذا الماء الذي في الطاسة اعجن منه الجبس وجبس القبر في دائر الاحجار كما
كان اول حتى لا يعرفه احد ولا يقول هذا فتح جديد وتطيينه عتق لان لي
سنة كاملة، وانا اعمل فيه، وما يعلم به الا الله وهذه حاجتي عندك، ثم قال
لي لا اوحش الله منك، يا ابن عمي، ثم نزل على السلم.

فلما غاب عني قمت ورددت الطابق وفعلت ما امرني به حتى صار القبر كما كان
ثم رجعت الى قصر عمي، وكان عمي في الصيد والقنص فنمت تلك الليلة فلما اصبح
الصباح تذكرت الليلة الماضية وما جرى فيها بيني وبين ابن عمي وندمت على ما فعلت
معه حيث لا ينفع الندم، وادرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

و في الليلة الثانية عشرة قالت: بلغني ايها الملك السعيد ان الصعلوك قال للصبية ثم
خرجت الى المقابر وفتشت على التربة فلم اعرفها ولم ازل افتش حتى اقبل الليل ولم
اهتد اليها فرجعت الى القصر لم اكل ولم اشرب وقد اشتغل خاطري بابن عمي من
حيث لا اعلم له حالا فاغتممت غما شديدا وبت ليلتي مغموما، الى الصباح فجئت ثانيا
الى الجبانة وانا اتفكر فيما فعله ابن عمي، وندمت على سماعي منه وقد فتشت في
الترب جميعا فلم اعرف تلك التربة، ولا رمت التفتيش سبعة ايام فلم اعرف له طريقا.

فزاد بي الوسواس حتى كدت ان اجن فلم اجد فرجا دون ان سافرت، ورجعت غليه،
فساعة وصولي الى مدينة ابي نهض الى جماعة من باب المدينة وكتفوني فتعجبت كل العجب
اني ابن سلطان المدينة وهم خدم ابي وغلماني، ولحقني منهم خوف زائد، فقلت في نفسي
يا ترى اجرى على والدي وصرت اسال الذين كنفوني عن سبب ذلك فلم يردوا علي
جوابا.

ثم بعد حين قال لي بعضهم وكان خادما عندي، ان اباك قد غدر به الزمان
وخانته العساكر وقتله الوزير ونحن نترقب وقوعك، فاخذوني وانا غائب عن الدنيا بسبب هذه الاخبار
التي سمعتها عن ابي فلما تمثلت بين يدي الوزير الذي قتل ابي وكان بيني وبينه
عداوة قديمة وسبب تلك العداوة اني كنت مولعا بضر البندقية فاتفق اني كنت واقفا يوما
من الايام على سطح قصر واذا بطائر نزل على سطح قصر الوزير وكان واقفا هناك،
فاردت ان اضرب الطير وغذا بالبندقية اخطات عين الوزير، فاتلفتها بالقضاء والقدر كما قال الشاعر:

دع الاقدار تفعل ما تشاء وطب نفسا بما فعل القضاء ولا تفرح ولا تحزن بشيء
فان الشيء ليس له بقاء
وكما قال الاخر:

مشينا خطا كتبت علينا ومن كتب عليه خطا مشاها ومن كانت منيته بارض فليس يموت
في ارض سواها
ثم قال ذلك الصعلوك: فلما اتلفت عين الوزير لم يقدر ان يتكلم لان والدي كان
ملك المدينة فهذا سبب العداوة التي بيني وبينه فلما وقفت قدامه، وانا مكتف امر فضرب
عنقي فقلت اتقتلني بغير ذنب فقال اي ذنب اعظم من هذا، واشار الى عينه المتلفة
فقلت له: فعلت ذلك خطا، فقال ان كنت فعلته خطا فانا افعله بك عمدا ثم
قال قدموه بين يدي فقدموني بين يديه، فمد اصبعه في عيني الشمال فاتلفها فصرت من
ذلك الوقت اعور كما تروني، ثم كتفني ووضعني في صندوق وقال للسياف: تسلم هذا واشهر
حسامك، وخذه واذهب به الى خارج المدينة واقتله ودعه للوحوش، تاكله فذهب بي السياف وصار
حتى خرج من المدينة، واخرجني من الصندوق وانا مكتوف اليدين مقيد الرجلين واراد ان يغمي
عيني ويقتلني فبكيت وانشدت هذه الابيات:

جعلتكمو درعا حصينا لتمنعوا سهام العدا عني فكنتم نصالها
وكنت ارجي عند كل ملمة تخص يميني ان تكون شمالها

دعوا قصة العذال عني بمعزل وخلوا العدا ترمي الي نبالها

اذا لم تقوا نفسي مكايدة العدا فكونوا سكوتا لا عليها ولا لها
وانشدت ايضا هذه الابيات:

واخوان اتخذتهم دروعا فكانوها ولكن للاعادي
رحلتهم سهاما صائبات فكانوا ولكن في فؤادي

و قالوا قد صفت منا قلوب لقد صدقوا و لكن عن ردادي

وقالوا قد سعينا كل سعي لقد صدقوا ولكن في فسادي
فلما سمع السياف شعري وكان سياف ابي ولي عليه احسان، قال يا سيدي كيف افعل
وانا عبد مامور ثم قال لي فر بعمرك ولا تعد الى هذه المدينة فتهلك وتهلكني
معك كما قال الشاعر:

ونفسك فر بها ان خفت ضيما وخل الدار تنعي من بناها
فانك واحد ارضا بارض ونفسك لم تجد نفسا سواها

عجبت لمن يعيش بدار ذل وارض الله واسعة فلاها

و من كانت منيته بارض فليس يموت في ارض سواها

وما غلظت رقاب الاسد حتى بانفسها تولت ما عناها
فلما قال ذلك قبلت يديه وما صدقت حتى فررت وهان علي تلف عيني بنجاتي من
القتل، وسافرت حتى وصلت الى مدينة عمي فدخلت عليه واعلمته بما جرى لوالدي، وبما جرى
لي من تلف عيني فبكى بكاء شديدا وقال لقد زدتني هما على همي وغما على
غمي، فان ابن عمكقد فقد منذ ايام ولم اعلم بما جرى له ولم يخبرني احد
بخبره وبكى حتى اغمي عليه فلما استفاق قال يا ولدي قد حزنت على ابن عمك
حزنا شديدا وانت زدتني بما حصل لك ولابيك، غما على غمي، ولكن يا ولدي بعينك
ولا بروحك ثم انه لم يمكني السكوت عن ابن عمي الذي هو ولده فاعلمته بالذي
جرى له كله ففرح عمي بما قلته له فرحا شديدا عند سماع خبر ابنه، وقال
ارني التربة فقلت والله يا عمي لم اعرف مكانها لاني رجعت بعد ذلك مرات لافتش
عليها فلم اعرف مكانها، ثم ذهبت انا وعمي الى الجبانة، ونظرت يمينا وشمالا فعرفتها ففرحت
انا وعمي فرحا شديدا ودخلت انا واياه التربة وازحنا التراب ورفعنا الطابق ونزلت انا وعمي
مقدار خمسين درجة، فلما وصلنا الى اخر السلم واذا بدخان طلع علينا فغشي ابصارنا، فقال
عمي الكلمة التي لا يخاف قائلها وهي لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم
ثم مشينا واذا نحن بقاعة ممتلئة دقيقا وحبوبا وماكولات وغير ذلك وراينا في وسط القاعة
ستارة مسبولة على سرير فنظر عمي الى السرير فوجد ابنه هو والمراة التي قد نزلت
معه صار فحما اسود وهما متعانقان كانهما القيا في جب نار، فلما نظر عمي بصق
في وجهه وقال تستحق يا خبيث فهذا عذاب الدنيا وبقي عذاب الاخرة وهو اشد وابقى
وادرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

و في الليلة الثالثة عشرة قالت: بلغني ايها الملك السعيد ان الصعلوك قال للصبية والجماعة
والخليفة وجعفر يستمعون الكلام، ثم ان عمي ضرب ولده بالنعال وهو راقد كالفحم الاسود فتعجبت
من ضربه وحزنت على ابن عمي حيث صار هو والصبية فحما اسود ثم قلت بالله
يا عمي خفف الهم عن قلبك، فقد اشتغل سري وخاطري بما قد جرى لولدك وكيف
صار هو والصبية فحما اسود ما يكفيك ما هو فيه حتى تضربه بالنعال.

فقال يا ابن اخي ان ولدي هذا كان من صغره مولعا بحب اخته وكنت انهاه
عنها واقول في نفسي انهما صغيران فلما كبر اوقع بينهما القبيح وسمعت بذلك ولم اصدق
ولكن زجرته زجرا بليغا وقلت له احذر من هذه الفعال القبيحة التي لم يفعلها احد
قبلك ولا يفعلها احد بعدك والا نبقى بين الملوك بالعار والنقصان الى الممات وتشيع اخبارنا
مع الركبان واياك ان تصدر منك هذه الفعال فاني اسخط عليك واقتلك ثم حجبته عنها
وحجبتها عنه وكانت الخبيثة تحبه محبة عظيمة وقد تمكن الشيطان منها.

فلما راني حجبته فعل هذا المكان الذي تحت الارض الخفية. ونقل فيه الماكول كما تراه
واستغفلني لما خرجت الى الصيد واتى الى هذا المكان فغار عليه وعليها الحق سبحانه وتعالى
واحرقهما ولعذاب الاخرة اشد وابقى، ثم بكى وبكيت معه وقال لي انت ولدي عوضا عنه
ثم اني تفكرت ساعة في الدنيا وحوادثها من قتل الوزير لوالدي واخذ مكانه وتلف عيني،
وما جرى لابن عمي من الحوادث الغريبة.

فبكيت ثم اننا صعدنا ورددنا الطابق والتراب، وعملنا القبر كما كان، ثم رجعنا الى منزلنا
فلم يستقر بيننا جلوس حتى سمعنا دق طبول وبوقات ورمحت الابطال وامتلات الدنيا بالعجاج والغبار
من حوافر الخيل فحارت عقولنا ولم نعرف الخبر فسال الملك عن الخبر فقيل ان وزير
اخيك قتله وجمع العسكر والجنود وجاء بعسكره ليهجموا على المدينة واهل المدينة لم يكن لهم
طاقة بهم فسلموا اليه فقلت في نفسي متى وقعت انا في يده قتلني.

وتراكمت الاحزان وتذكرت الحوادث التي حدثت لابي وامي ولم اعرف كيف العمل فان ظهرت عرفني
اهل المدينة، وعسكر ابي فيسعون في قتلي وهلاكي فلم اجد شيئا انجو به الا حلق
ذقني فحلقتها وغيرت ثيابي وخرجت من المدينة وقصدت هذه المدينة والسلام لعل احدا يوصلني الى
امير المؤمنين حتى احكي له قصتي، وما جرى لي فوصلت الى هذه المدينة في هذه
الليلة، فوقفت حائرا ولم ادر اين امضي واذا بهذا الصعلوك واقف.

فسلمت عليه وقلت له انا غريب ايضا، فبينما نحن كذلك واذا برفيقنا هذا الثالث جاءنا
وسلم علينا، وقال انا غريب، فقلنا له ونحن غريبان فمشينا وقد هجم علينا الظلام فساقنا
القدر اليكم، وهذا سبب حلق ذقني وتلف عيني فقالت الصبية ملس على راسك وروح، فقال
لها لا اروح حتى اسمع خبر غيري فتعجبوا من حديثه.

فقال الخليفة لجعفر والله انا ما رايت مثل الذي جرى لهذا الصعلوك، ثم تقدم الصعلوك
الثاني وقبل الارض وقال يا سيدتي انا ما ولدت اعور، وانما لي حكاية عجيبة لو
كتبت بالابر على اماق البصر لكانت عبرة لمن اعتبر فانا ملك ابن ملك وقرات القران
على سبع روايات وقرات الكتب على اربابها من مشايخ العلم وقرات علم النجوم وكلام الشعراء
واجتهدت في سائر العلوم حتى فقت اهل زماني فعظم حظي عند سائر الكتبة وشاع ذكري
في سائر الاقاليم والبلدان وشاع خبري عند سائر الملوك.

فسمع بي ملك الهند فارسل يطلبني من ابي وارسل اليه هدايا وتحفا تصلح للملوك فجهزني
ابي في ست مراكب وسرنا في البحر مدة شهر كامل حتى وصلنا الى البر واخرجنا
حبلا كانت معنا في المركب وحملنا عشرة جمال هدايا ومشينا قليلا واذا بغبار قد علا
وثار حتى سد الاقطار واستمر ساعة من النهار ثم انكشف قبان من تحته ستون فارسا
وهم ليوث وعوانس فتاملناهم واذا هم عرب قطاع طريق فلما راونا ونحن نفر قليل ومعنا
عشرة اجمال هدايا لملك الهند رمحوا علينا وشرعوا الرماح بين ايديهم نحونا.

فاشرنا اليهم بالاصابع وقلنا لهم: نحن رسل الى ملك الهند المعظم فلا تؤذونا فقالوا نحن
لسنا في ارضه ولا تحت حكمه ثم انهم قتلوا بعض الغلمان وهرب الباقون وهربت انا
بعد ان جرحت جرحا بليغا واشتغلت عنا العرب بالمال والهدايا التي كانت معنا فصرت لا
ادري اين اذهب، وكنت عزيزا فصرت ذليلا وسرت الى ان اتيت راس الجبل فدخلت مغارة
حتى طلع النهار ثم سرت منها حتى وصلت الى مدينة عامرة بالخير وقد ولى عنها
الشتاء ببرده واقبل عليها الربيع بورده.

ففرحت بوصولي اليها وقد تعبت من المشي وعلاني الهم والاصفرار فتغيرت حالتي ولا ادري اين
اسلك فملت الى خياط في دكان وسلمت عليه فرد علي السلام ورحب بي وباسطني عن
سبب غربتي فاخبرته بما جرى لي من اوله الى اخره، فاغتم لاجلي وقال يا فتى
لا تظهر ما عندك فاني اخاف عليك من ملك المدينة لانه اكبر اعداء ابيك وله
عنده ثار.

ثم احضر لي ماكولا ومشروبا فاكلت واكل معي وتحادثت معه في الليل واخلى لي محلا
في جانب حانوته واتاني بما احتاج اليه من فراش وغطاء، فاقمت عنده ثلاثة ايام، ثم
قال لي اما تعرف صنعة تكسب بها فقلت له: اني فقيه طالب علم كاتب حاسب،
فقال: ان صنعتك في بلادنا كاسدة وليس في مدينتنا من يعرف علما ولا كتابة غير
المال.

فقلت والله لا ادري شيئا غير الذي ذكرته لك، فقال شد وسطك وخذ فاسا وحبلا
واحتطب في البرية حطبا تتقوت به الى ان يفرج الله عنك ولا تعرف احدا بنفسك
فيقتلوك، ثم اشترى لي فاسا وحبلا وارسلني مع بعض الحطابين واوصاهم علي، فخرجت معهم واحتطبت
فاتيت بحمل على راسي فبعته بنصف دينار فاكلت ببعضه وابقيت بعضه، ودمت على هذا الحال
مدة سنة.

ثم بعد السنة ذهبت يوما على عادتي الى البرية لاحتطب منها ودخلتها، فوجدت فيها خميلة
اشجار فيها حطب كثير فدخلت الخميلة، واتيت شجرة وحفرت حولها وازلت التراب عن جدارها فاصطكت
الفاس في حلقة نحاس فنظفت التراب واذا هي في طابق من خشب فكشفته فبان تحت
سلم فنزلت الى اسفل السلم فرايت بابا فدخلته فرايت قصرا محكم البنيان فوجدت فيه صبية
كالدرة السنية تنفي الى القلب كل هم وغم وبلية.

فلما نظرت اليها سجدت لخالقها لما ابدع فيها من الحسن والجمال فنظرت غلي وقالت لي
انت انسي ام جني، فقلت لها: انسي، فقالت: ومن اوصلك الى هذا المكان الذي لي
فيه خمسة وعشرون سنة، ما رايت فيه انسيا ابدا فلما سمعت كلامها وجدت له عذوبة
وقلت لها يا سيدتي اوصلني الله الى منزلك ولعله يزيل همي وغمي وحكيت لها ما
جرى لي من الاول الى الاخر.

فصعب عليها حالي وبكت وقالت انا الاخرى اعلمك بقصتي فاعلم اني بنت ملك اقصى الهند
صاحب جزيرة الابنوس وكان قد زوجني بابن عمي فاختطفني ليلة زفافي عفريت اسمه جرجريس بن
رجوس بن ابليس فطار بي الى هذا المكان ونقل فيه كل ما احتاج اليه من
الحلى والحلل والقماش والمتاع والطعام والشراب. في كل عشرة ايام يجيئني مرة فيبيت هنا ليلة
وعاهدني اذا عرضت لي حاجة ليلا او نهارا ان المس بيدي هذين السطرين المكتوبين على
القبة فما ارفع يدي حتى اراه عندي ومنذ كان عندي له اليوم اربعة ايام وبقي
له ستة ايام حتى ياتي فهل لك ان تقيم عندي خمسة ايام، ثم تنصرف قبل
مجيئه بيوم فقلت نعم.

ففرحت ثم نهضت على اقدامها واخذت بيدي وادخلتني من باب مقنطر وانتهت بي الى حمام
لطيف ظريف فلما رايته خلعت ثيابي وخلعت ثيابها، ودخلت فجلست على مرتبة واجلستني معها واتت
بسكر ممسك وسقتني، ثم قدمت لي ماكولا وتحادثنا ثم قالت لي ثم واسترح فانك تعبان،
فنمت يا سيدتي وقد نسيت ما جرى لي، وشكرتها فلما استيقظت وجدتها تكبس رجلي فدعوت
لها وجلسنا نتحادث ساعة، ثم قالت والله اني كنت ضيقة الصدر وانا تحت الارض وحدي
ولم اجد من يحدثني خمسة وعشرين سنة فالحمد لله الذي ارسلك الي ثم انشدت:

لو علمنا مجيئكم لفرشنا مهجة القلب او سواد العيون وفرشنا خدودنا والتقينا لكون المسير فوق
الجفون
فلما سمعت شعرها شكرتها وقد تمكنت محبتها في قلبي، وذهب عني همي وغمي، ثم جلسنا
في منادمة الى الليل، فبت معها ليلة ما رايت مثلها في عمري واصبحنا مسرورين فقلت
لها هل اطلعك من تحت الارض واريحك من هذا الجني فضحكت وقالت اقنع واسكت ففي
كل عشرة ايام يوم للعفريت وتسعة لك فقلت وقد غلب علي الغرام فانا في هذه
اكسر هذه القبة التي عليها النقش المكتوب لعل العفريت يجيء حتى اقتله فاني موعود بقتل
العفاريت فلما سمعت كلامي انشدت:

يا طالبا للفراق مهلا بحيلة قد كفى اشتياق اصبر فطبع الزمان غدر واخر الصحبة الفراق

فلما سمعت شعرها لم التفت لكلامها بل رفست القبة رفسا قويا وادرك شهرزاد الصباح فسكتت
عن الكلام المباح.

ففي الليلة الرابعة عشرة قالت: بلغني ايها الملك السعيد ان الصعلوك الثاني قال للصبية يا
سيدتي لما رفست القبة رفسا قويا، قالت لي المراة ان العفريت قد وصل الينا اما
حذرتك من هذا ولله لقد اذيتني ولكن انج بنفسك واطلع من المكان الذي جئت منه
فمن شدة خوفي نسيت نعلي وفاسي، فلما طلعت درجتين التفت لانظرهما فرايت الارض قد انشقت
وطلع منها عفريت ومنظر شنيع، وقال ما هذه الزعجة التي ارعشتني بها فما مصيبتك.

فقالت ما اصابني شيء غير ان صدري ضاق، فاردت ان اشرب شرابا يشرح صدري فنهضت
لاقضي اشغالي فوقعت على القبة، فقال لها العفريت يا فاجرة ونظر في القصر يمينا وشمالا
فراى النعل والفاس فقال لها ما هذه الا متاع الانس من جاء اليك فقالت: ما
نظرتهما الا في هذه الساعة ولعلهما تعلقا معك.

فقال العفريت هذا كلام محال لا ينطلي علي يا عاهرة، ثم انه اعراها، وصلبها بين
اربعة اوتاد وجعل يعاقبها ويقررها بما كان فلم يهن علي ان اسمع بكاءها فطلعت من
السلم مذعورا من الخوف فلما وصلت الى اعلى الموضع رددت الطابق كما كان وسترته بالتراب
وندمت على ما فعلت غاية الندم وتذكرت الصبية وحسنها وكيف يعاقبها هذا الملعون وهي لها
معه خمسة وعشرون سنة وما عاقبها الا بسببي وتذكرت ابي ومملكته وكيف صرت حطابا، فقلت
هذا البيت:

اذا ما اتاك الدهر يوما بنكبة فيوم ترى يسرا ويوم ترى عسرا
ثم مشيت الى ان اتيت رفيقي الخياط فلقيته من اجلي على مقالي النار وهو لي
في الانتظار فقال لي: بت البارحة وقلبي عندك وخفت عليك من وحش او غيره فالحمد
لله على سلامتك فشكرته على شفقته علي ودخلت خلوتي، وجعلت اتفكر فيما جرى لي والوم
نفسي على رفسي هذه القبة واذا بصديقي الخياط دخل علي وقال لي في الدكان شخص
اعجمي يطلبك ومعه فاسك ونعلك قد جاء بهما الى الخياطين وقال لهم اني خرجت وقت
اذان المؤذن، لاجل صلاة الفجر فعثرت بهما ولم اعلم لمن هما فدلوني على صاحبها، فدله
الخياطون عليك وها هو قاعد في دكاني فاخرج اليه واشكره وخذ فاسك ونعلك.

فلما سمعت هكذا الكلام اصفر لوني وتغير حالي فبينما انا كذلك واذا بارض محلي قد
انشقت وطلع منها الاعجمي واذا هو العفريت وقد كان عاقب الصبية غاية العقاب فلم تقر
له بشيء فاخذ الفاس والنعل وقال لها ان كنت جرجريس من ذرية ابليس فانا اجيء
بصاحب هذا الفاس والنعل ثم جاء بهذه الحيلة الى الخياطين ودخل علي ولم يمهلني بل
اختطفني وطار وعلا بي ونزل بي وغاص في الارض وانا لا اعلم بنفسي، ثم طلع
بي القصر الذي كنت فيه فرايت الصبية عريانة والدم يسيل من جوانبها فقطرت عيناي بالدموع.

فاخذها العفريت وقال لها يا عاهرة هذا عشيقك فنظرت الي وقالت له لا اعرفه ولا
رايته الا في هذه الساعة، فقال لها العفريت اهذه العقوبة ولم تقري، فقالت ما رايته
عمري وما يحل من الله ان اكذب عليه، فقال لها العفريت ان كنت لا تعرفينه،
فخذي هذا السيف واضربي عنقه فاخذت السيف وجاءتني ووقفت على راسي فاشرت لها بحاجبي فنهضت
وغمرتني وقالت انت الذي فعلت هذا كله فاشرت لها ان هذا وقت العفو ولسان حالي
يقول:

يترجم طرفي عن لساني لتعلموا ويبدو لكم ما كان في صدري يكتم
ولما التقينا والدموع سواجم خرست وطرفي بالهوى يتكلم

تشير لنا عما تقول بطرفها وارمي اليها بالبنان فتفهم

حواجبنا تقضي الحوائج بيننا فنحن سكوت والهوى يتكلم
فلما فهمت الصبية اشارتي رمت السيف من يدها، فناولني العفريت السيف وقال لي اضرب عنقها
وانا اطلقك ولا انكد عليك، فقلت نعم، واخذت السيف وتقدمت نشاط ورفعت يدي، فقالت لي
بحاجبها انا ما قصرت في حقك فهملت عيناي بالدموع ورميت السيف من يدي، وقلت ايها
العفريت الشديد والبطل الصنديد، اذا كانت امراة ناقصة عقل ودين لم تستحل ضرب عنقي فكيف
يحل لي ان اضرب عنقها ولم ارها عمري، فلا افعل ذلك ابدا ولو سقيت من
الموت كاس الردى.

فقال العفريت انتما بينكما مودة اخذ السيف وضرب يد الصبية فقطعها، ثم ضرب الثانية فقطعها
ثم قطع رجلها اليمنى ثم قطع رجلها اليسرى حتى قطع ارباعها باربع ضربات وانا انظر
بعيني فايقنت بالموت ثم اشارت الي بعينيها فراها العفريت فقال لها وقد زنيت بعينك ثم
ضربها فقطع راسها، والتفت الي وقال يا انسي نحن في شرعنا اذا زنت الزوجة يحل
لنا قتلها، وهذه الصبية اختطفتها ليلة عرسها، وهي بنت اثنتي عشرة سنة ولم تعرف احدا
غيري وكنت اجيئها في كل عشرة ايام ليلة واحدة في زي رجل اعجمي. فلما تحققت
انها خانتني فقتلتها واما انت فلم اتحقق انك خنتني فيها، ولكن لا بد اني اما
اخليك في عافية فتمن علي اي ضرر فرحت يا سيدتي غاية الفرح وطمعت في العفريت
وقلت له: وما اتمناه عليك، قال تمن علي اي صورة اسحرك فيها اما صورة كلب
واما صورة حمار واما صورة قرد فقلت له وقد طمعت انه يعفو عني والله ان
عفوت عني يعفو الله عنك، بعفوك عن رجل مسلم لم يؤذيك وتضرعت اليه غاية التضرع،
وبقيت بين يديه، وقلت له انا رجل مظلوم.

فقال لي لا تطل علي الكلام اما القتل فلا تخف منه واما العفو عنك فلا
تطمع فيه واما سحرك فلا بد منه، ثم شق الارض وطار بي الى الجو حتى
نظرت الى الدنيا حتى كانها قصعة ماء، ثم حطني على جبل واخذ قليلا من التراب
وهمهم عليه وتكلم وقال اخرج من هذه الصورة الى صورة قرد.

فمنذ ذلك الوقت صرت قردا ابن مائة سنة فلما رايت نفسي في هذه الصورة القبيحة
بكيت على روحي وصبرت على جور الزمان وعلمت ان الزمان ليس لاحد وانحدرت من اعلى
الجبل الى اسفله وسافرت مدة شهر، ثم ذهبت الى شاطئ البحر المالح، فوقفت ساعة واذا
انا بمركب في وسط البحر قد طاب ريحها وهي قاصدة البر، فاختفيت خلف صخرة على
جانب البحر وسرت الى ان اتيت وسط المركب.

فقال واحد منهم اخرجوا هذا المشؤوم من المركب، وقال واحد منهم نقتله، وقال اخر اقتله
بهذا السيف فامسكت طرف السيف وبكيت، وسالت دموعي فحن علي الريس وقال لهم يا تجار
ان هذا القرد استجار بي وقد اجرته وهو في جواري فلا احد يعرض له ولا
يشوش عليه، ثم ان الريس صار يحسن الي ومهما تكلم به افهمه واقضي حوائجه واخدمه
في المركب.

وقد طاب لها الريح مدة خمسين يوما فرسينا على مدينة عظيمة، وفيها عالم كثير لايحصى
عددهم الا الله تعالى فساعة وصولنا اوقفنا مركبنا فجاءتنا مماليك من طرف ملك المدينة فنزلوا
المركب وهنوا التجار بالسلامة، وقالوا ان ملكنا يهنئكم بالسلامة وقد ارسل اليكم هذا الدرج الورق
وقال كل واحد يكتب فيه سطرا فقمت وانا في صورة القرد وخطفت الدرج من ايديهم،
فخافوا اني اقطعه وارميه في الماء فنهروني وارادوا قتلي فاشرت لهم اني اكتب فقال لهم
الريس دعوه يكتب فان لخبط الكتابة طردناه عنا وان احسنها اتخذته ولدا فاني ما رايت
قردا افهم منه ثم اخذ القلم واستمديت الحبر وكتبت سطرا بقلم الرقاع ورقمت هذا الشعر:

لقد كتب الدهر فضل الكرام وفضلك للان لايحسب فلا ايتم الله منك الورى لانك للفضل
نعم الاب
وكتبت بقلم الثلث هذين البيتين:

وما من كاتب الاسيفنى ويبقي الدهر ما كتبت يداه فلا تكتب بخطك غير شيء يسرك
في القيامة ان تراه
وكتبت تحته بقلم المشق هذين البيتين:

اذا فتحت دواة العز والنعم فاجعل مدادك من جود ومن كرم واكتب بخير اذا ما
كنت مقتدرا بذاك شرفت فضلا نسبه القلم
ثم ناولتهم ذلك الدرج الورق فطلعوا به الى الملك، فلما تامل الملك ما في ذلك
الدرج لم يعجبه خط احد الا خطي، فقال لاصحابه توجهوا الى صاحب هذا الخط والبسوه
هذه الحلة واركبوه بغلة وهاتوه بالنوبة واحضروه بين يدي فلما سمعوا كلام الملك تبسموا فغضب
منهم ثم قال كيف امركم بامر فتضحكون علي، فقالوا ايها الملك ما نضحك على كلامك،
بل الذي كتب هذا الخط قرد وليس هو ادميا وهو مع ريس المركب. فتعجب الملك
من كلامهم واهتز من الطرب، وقال اريد ان اشتري هذا القرد، ثم بعث رسلا الى
المركب ومعهم البغلة والحلة وقال لابد ان تلبسوه هذه الحلة وتركبوه البغلة وتاتوا به، فساروا
الى المركب واخذوني من الريس والبسوني الحلة فاندهش الخلائق وصاروا يتفرجون علي، فلما طلعوا بي
للملك ورايته قبلت الارض ثلاث مرات فامرني بالجلوس، فجلست على ركبتي. فتعجب الحاضرون من ادبي
وكان الملك اكثرهم تعجبا ثم ان الملك امر الخلق بالانصراف فانصرفوا، ولم يبق الا الملك
والطواشي ومملوك صغير وانا، ثم امر الملك بطعام فقدموا سفرة طعام فيها ما تشتهي الانفس
وتلذ الاعين فاشار الي الملك ان كل فقمت وقبلت الارض بين يديه سبع مرات وجلست
اكل معه وقد ارتفعت السفرة وذهبت فغسلت يدي واخذت الدواة والقلم والقرطاس وكتبت هذين البيتين:

اتاجر الضان ترياق من العلل واصحن الحلو فيها منتهى املي يا لهف قلبي على مد
السماط اذا ماجت كنافته بالسمن والعسل
ثم قمت وجلست بعيدا انتظر الملك الى ما كتبته وقراه فتعجب وقال هذا يكون عند
قرد هذه الفصاحة وهذا الخط والله ان هذا من اعجب العجب ثم قدم للملك شطرنج،
فقال لي الملك اتلعب قلت براسي نعم، فتقدمت وصففت الشطرنج ولعبت معه مرتين فغلبته فحار
عقل الملك وقال لو كان هذا ادميا لفاق اهل زمانه، ثم قال لخادمه اذهب الى
سيدتك وقل لها: كلمي الملك حتى تجيء فتتفرج على هذا القرد العجيب. فذهب الطواشي وعاد
معه سيدته بنت الملك، فلما نظرت الي غطت وجهها، وقالت يا ابي كيف طاب على
خاطرك ان ترسل الي فيراني الرجال الاجانب فقال يابنتي ما عندك سوى المملوك الصغير والطواشي
الذي رباك وهذا القرد وانا ابوك فممن تغطين وجهك. فقالت ان هذا القرد ابن ملك
واسم ابيه ايمار، صاحب جزائر الابنوس الداخلة وهو مسحور وسحره العفريت جرجريس الذي هو من
ذرية ابليس، وقد قتل زوجته بنت ملك اقناموس وهذا الذي تزعم انه قردا انما هو
رجل عالم عاقل. فتعجب الملك من ابنته ونظر الي وقال: احق ما تقول عنك فقلت
براسي نعم وبكيت فقال الملك لبنته من اين عرفت انه مسحور فقالت: يا ابت كان
عندي وانا صغيرة عجوز ماكرة ساحرة علمتني السحر، وقد حفظته واتقنته وعرفت مائة وسبعين بابا
من ابوابه، اقل باب منها انقل به حجارة مدينتك خلف جبل قاف واجعلها لجة بحر
واجعل اهلها سمكا في وسطه. فقال ابوها: بحق اسم الله عليك ان تخلصي لنا هذا
الشاب، حتى اجعله وزيري وهل فيك هذه الفضيلة ولم اعلم فخلصيه حتى اجعله وزيري لانه
شاب ظريف لبيب، فقالت له حبا وكرامة، ثم اخذت بيدها سكينا، وعملت دائرة، وادرك شهرزاد
الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة الخامسة عشرة قالت بلغني ايها الملك السعيد ان الصعلوك قال للصبية يا سيدتي،
ثم ان بنت الملك اخذت بيدها سكينا مكتوبا عليها اسماء عبرانية، وخطت بها دائرة في
وسط وكتبت فيها اسماء وطلاسم وعزمت بكلام وقرات كلاما، لا يفهم، فبعد ساعة اظلمت علينا
جهات القصر، حتى ظننا ان الدنيا قد انطبقت علينا واذا بالعفريت قد تدلى علينا في
اقبح صفة بايد كالمداري ورجلين كالصواري وعينين كمشعلين يوقدان نارا، ففزعنا منه. فقالت بنت الملك
لا اهلا بك ولا سهلا، فقال العفريت وهو في صورة اسد يا خائنة كيف خنت
اليمين اما تحالفنا على ان لا يعترض احدنا للاخر فقالت له يا لعين ومن اين
لك يمين فقال العفريت خذي ما جاءك ثم انقلب اسدا وفتح فاه وهجم على الصبية.
فاسرعت واخذت شعرة من شعرها بيدها، وهمهمت بشفتيها فصارت الشعرة سيفا ماضيا وضربت ذلك الاسد
فقطعته نصفين، فصارت راسه عقربا، وانقلبت الصبية حية عظيمة وهمهمت على هذا اللعين وهو في
صفة عقرب، فتقاتلا قتالا شديدا، ثم انقلب العقرب عقابا فانقلبت الحية نسرا وصارت وراء العقاب
واستمرا ساعة زمانية ثم انقلب العقاب قطا اسود، فانقلبت الصبية ذئبا فتشاحنا في القصر ساعة
زمانية وتقاتلا قتالا شديدا فراى القط نفسه مغلوبا فانقلب وصار رمانة حمراء كبيرة ووقعت تلك
الرمانة في بركة وانتثر الحب كل حبة وحدها وامتلات ارض القصر حبا فانقلب ذلك الذئب
ديكا لاجل ان يلتقط ذلك الحب حتى لا يترك منه حبة فبالامر المقدر، دارت حبة
في جانب الفسقية فصار الديك يصيح ويرفرف باجنحته ويشير الينا بمنقاره ونحن لا نفهم ما
يقول، ثم صرخ علينا صرخة تخيل لنا منها ان القصر قد انقلب علينا ودار في
ارض القصر كلها حتى راى الحبة التي تدارت في جانب الفسقية فانقض عليها ليلتقطها واذا
بالحبة سقطت في الماء فانقلب الديك حمارا كبيرا ونزل خلفها وغاب ساعة واذا بنا قد
سمعنا صراخا عاليا فارتجفنا. وبعد ذلك طلع العفريت وهو شعلة نار فالقى من فمه نارا
ومن عينيه ومنخريه نارا ودخانا وانقلبت الصبية لجة نار فاردنا ان نغطس في ذلك الماء
خوفا على انفسنا من الحريق فما شعرنا الا العفريت قد صرخ من تحت النيران وصار
عندنا في الليوان ونفخ في وجوهنا بالنار فلحقته الصبية ونفخت في وجهه بالنار ايضا فاصابنا
الشر منها ومنه، فاما شررها فلم يؤذينا واما شرره فلحقني منه شرارة في عيني فاتلفتها
وانا في صورة القرد ولحق الملك شرارة منه في وجهه فاحرقت نصفه التحتاني بذقنه وحنكه
ووقفت اسنانه التحتانية ووقعت شرارة في صدر الطواشي فاحترق ومات من وقته وساعته فايقنا بالهلاك
وقطعنا رجائنا من الحياة. فبينما نحن كذلك واذا بقائل يقول: الله اكبر الله اكبر قد
فتح ربي ونصر وخذل من كفر بدين محمد سيد البشر واذا بالقائل بنت الملك قد
احضرت العفريت فنظرنا اليه فرايناه قد صار كوم رماد، ثم جاءت الصبية وقالت الحقوني بطاسة
ماء فجاؤوا بها فتكلمت عليها بكلام لا نفهمه ثم رشتني بالماء وقالت اخلص بحق الحق
وبحق اسم الله الاعظم الى صورتك الاولى فصرت بشرا كما كنت اولا ولكن تلفت عيني.
فقالت الصبية النار يا والدي ثم انها لم تزل تستغيث من النار واذا بشرر اسود
قد طلع الى صدرها وطلع الى وجهها فلما وصل الى وجهها بكت وقالت اشهد ان
لا اله الا الله واشهد ان محمدا رسول الله. ثم نظرنا اليها فرايناها كوم رماد
بجانب كوم العفريت فحزنا عليها وتمنيت لو كنت مكانها ولا ارى ذلك الوجه المليح الذي
عمل في هذا المعروف يصير رمادا ولكن حكم الله لا يرد. فلما راى الملك ابنته
صارت كوم رماد نتف لحيته ولطم على وجهه وشق ثيابه وفعلت كما فعل وبكينا عليها
ثم جاء الحجاب وارباب الدولة فوجدوا السلطان في حالة العدم وعنده كوم رماد فتعجبوا وداروا
حول الملك ساعة فلما افاق اخبرهم بما جرى لابنته مع العفريت فعظمت مصيبتهم وصرخ النساء
والجواري وعملوا العزاء سبعة ايام. ثم ان الملك امر ان يبني على رماد ابنته قبة
عظيمة واوقد فيها الشموع والقناديل واما رماد العفريت فانهم اذروه في الهواء الى لعنة الله
ثم مرض السلطان مرضا اشرف منه على الموت واستمر مرضه شهرا وعادت اليه العافية فطلبني
وقال لي يا فتى قد قضينا زماننا في اهنا عيش امنين من نوائب الزمان حتى
جئنا فاقبلت علينا الاكدار فليتنا ما رايناك ولا راينا طلعتك القبيحة التي لسببها صرنا في
حالة العدم. فاولا عدمت ابنتي التي كانت تساوي مائة رجل وثانيا جرى لي من الحريق
ما جرى وعدم اضراسي ومات خادمي ولكن ما بيدك حيلة بل جرى قضاء الله علينا
وعليك والحمد لله حيث خلصتك ابنتي واهلكت نفسها، فاخرج يا ولدي من بلدي وكفى ما
جرى بسببك وكل ذلك مقدر علينا وعليك، فاخرج بسلام. فخرجت يا سيدتي من عنده وما
صدقت بالنجاة ولا ادري اين اتوجه، وخطر على قلبي ما جرى لي وكيف خلوني في
الطريق سالما منهم ومشيت شهرا وتذكرت دخولي في المدينة واجتماعي بالخياط واجتماعي بالصبية تحت الارض
وخلاصي من العفريت بعد ان كان عازما على قتلي وتذكرت ما حصل لي من المبدا
الى المنتهى فحمدت الله وقلت بعيني ولا بروحي ودخلت الحمام قبل ان اخرج من المدينة
وحلقت ذقني وجئت يا سيدتي وفي كل يوم ابكي واتفكر المصائب التي عاقبتها تلف عيني،
وكلما اتذكر ما جرى لي ابكي وانشد هذه الابيات:

تحيرت والرحمن لاشك في امري وحلت بي الاحزان من حيث لا ادري
ساصبر حتى يعلم الناس انني صبرت على شيء امر من الصبر

وما احسن الصبر الجميل مع التقى وما قدر المولى على خلقه يجري

سرائر سري ترجمان سريرتي اذا مان سر السر سرك في سري

ولو ان ما بي بالجبال لهدمت وبالنار اطفاها والريح لم يسر

ومن قال ان الدهر فيه حلاوة فلا بد من يوم امر من المر
ثم سافرت الاقطار ووردت الامصار وقصدت دار السلام بغداد لعلي اتوصل الى امير المؤمنين واخبره
بما جرى، فوصلت الى بغداد هذه اليلة فوجدت اخي هذا الاول واقفا متحيرا فقلت السلام
عليك وتحدثت معه واذا باخينا الثالث قد اقبل علينا وقال السلام عليكم انا رجل غريب
فقلنا ونحن غريبان وقد وصلنا هذه الليلة المباركة. فمشينا نحن الثلاثة وما فينا احد يعرف
حكاية احد فساقتنا المقادير الى هذا الباب ودخلنا عليكم وهذا سبب حلق ذقني وتلف عيني
فقالت له ان كانت حكايتك غريبة فامسح على راسك واخرج في حال سبيلك، فقال لا
اخرج حتى اسمع حديث رفيقي. فتقدم الصعلوك الثالث وقال ايتها السيدة الجليلة ما قصتي مثل
قصتهما بل قصتي اعجب وذلك ان هذين جاءهما القضاء والقدر واما انا فسبب حلق ذقني
وتلف عيني انني جلبت القضاء لنفسي والهم لقلبي وذلك اني كنت ملكا ابن ملك، ومات
والدي واخذت الملك من بعده وحكمت وعدلت واحسنت للرعية وكان لي محبة في السفر في
البحر وكانت مدينتي على البحر والبحر متسع وحولنا جزائر معدة للقتال. فاردت ان اتفرج على
الجزائر فنزلت في عشرة مراكب واخذت معي مؤونة شهر وسافرت عشرين يوما. ففي ليلة من
الليالي هبت علينا رياح مختلفة الى ان لاح الفجر فهدا الريح وسكن البحر حتى اشرقت
الشمس، ثم اننا اشرفنا على جزيرة وطلعنا الى البر وطبخنا شيئا ناكله فاكلنا ثم اقمنا
يومين وسافرنا عشرين يوما فاختلفت علينا المياه وعلى الريس استغرب الريس البحر فقلنا للناطور: انظر
البحر بتامل، فطلع على الصاري ثم نزل الناطور وقال للريس: رايت عن يميني سمكا على
وجه الماء ونظرت الى وسط البحر فرايت سوادا من بعيد يلوح تارة اسود وتارة ابيض.
فلما سمع الريس كلام الناطور ضرب الارض بعمامته ونتف لحيته وقال للناس ابشروا بهلاكنا جميعا
ولا يسلم منا احد، وشرع يبكي وكذلك نحن الجميع نبكي على انفسنا فقلت ايها الريس
اخبرنا بما راى الناطور فقال يا سيدي اعلم اننا تهنا يوم جاءت علينا الرياح المختلفة
ولم يهدا الريح الا بكرة النهار ثم اقمنا يومين فتهنا في البحر ولم نزل تائهين
احد عشر يوما من تلك الليلة وليس لنا ريح يرجعنا الى ما نحن قاصدون اخر
النهار وفي غد نصل الى جبل من حجر اسود يسمى حجر المغناطيس ويجرنا المياه غصبا
الى جهته. فيتمزق المركب ويروح كل مسمار في المركب الى الجبل ويلتصق به ان الله
وضع حجر المغناطيس سرا وهو ان جميع الحديد يذهب اليه وفي ذلك الجبل حديد كثير
لا يعلمه الا الله تعالى حتى انه تكسر من قديم الزمان مراكب كثيرة بسبب ذلك
الجبل ويلي ذلك البحر قبة من النحاس الاصفر معمودة على عشرة اعمدة وفوق القبة فارس
على فرس من نحاس وفي يد ذلك الفارس رمح من النحاس ومعلق في صدر الفارس
لوح من رصاص منقوش عليه اسماء وطلاسم فيها ايها الملك ما دام هذا الفارس راكبا
على هذه الفرس تنكسر المراكب التي تفوت من تحته ويهلك ركابها جميعا ويلتصق جميع الحديد
الذي في المركب بالجبل وما الخلاص الا اذا وقع هذا الفارس من فوق تلك الفرس،
ثم ان الريس يا سيدتي بكى بكاء شديد فتحققنا اننا هالكون لا محالة وكل منا
ودع صاحبه. فلما جاء الصباح قربنا من تلك الجبل وساقتنا المياه اليه غصبا، فلما صارت
المياه تحته انفتحت وفرت المسامير منها وكل حديد فيها نحو حجر المغناطيس ونحن دائرون حوله
في اخر النهار وتمزقت المراكب فمنا من غرق ومنا من سلم ولكن اكثرنا غرق والذين
سلموا لم يعلموا ببعضهم لان تلك الامواج واختلاف الارياح ادهشتهم. واما انا يا سيدتي فنجاني
الله تعالى لما اراده من مشقتي وعذابي وبلوتي، فطلعت على لوح من الالواح فالقاه الريح
والموج الى جبل فاصبت طريقا متطرفا الى اعلاه على هيئة السلالم منقورة في الجبل فسميت
الله تعالى وادرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة السادسة عشرة قالت: بلغني ايها الملك السعيد ان الصعلوك الثالث قال للصبية والجماعة
مكتفون والعبيد واقفين بالسيوف على رؤوسهم، ثم اني سميت الله ودعوته وابتهلت اليه وحاولت الطلوع
على الجبل وصرت اتمسك بالنقر التي فيه حتى اسكن الله الريح في تلك الساعة واعانني
على الطلوع فطلعت سالما على الجبل وفرحت بسلامتي غاية الفرح ولم يكن لي داب الا
القبة فدخلتها وصليت فيها ركعتين شكرا لله على سلامتي ثم اني نمت تحت القبة. فسمعت
قائلا يقول يا ابن خصيب اذا انتهيت من منامك، فاحفر تحت رجليك قوسا من نحاس
وثلاث نشابات من رصاص منقوشا عليها طلاسم فخذ القوس والنشابات وارم للفارس الذي على القبة
وارح الناس من هذا البلاء العظيم فاذا رميت الفارس يقع في البحر ويقع القوس من
يدك فخذ القوس، وادفنه في موضعه. فاذا فعلت ذلك يطفو البحر ويعلو حتى يساوي الجبل،
ويطلع عليه زورق فيه شخص غير الذي رميته فيجيء غليه وفي يده مجذاف، فاركب معه
ولا تسم الله تعالى فانه يحملك ويسافر بك مدة عشرة ايام الى ان يوصلك الى
بلدك وهذا غنما يتم لك ان لم تسم الله. ثم استيقظت من نومي، وقمت بنشاط
وقصدت الماء، كما قال الهاتف وضربت الفارس فرميته فوقع في البحر ووقع القوس من يدي
فاخذت القوس ودفنته فهاج البحر وعلا حتى ساوى الجبل الذي انا عليه فلم البث غير
ساعة حتى رايت زورقا في وسط البحر يقصدني فحمدت الله تعالى فلما وصل الي الزورق
وجدت فيه شخصا من النحاس صدره لوح من الرصاص، منقوش باسماء وطلاسم. فنزلت في الزورق
وانا ساكت لا اتكلم فحملني الشخص اول يوم والثاني والثالث الى تمام عشرة ايام حتى
جزائر السلامة ففرحت فرحا عظيما ومن شدة فرحي ذكرت الله وسميت وهللت وكبرت فلما فعلت
ذلك قذفني من الزورق في البحر ثم رجع في البحر وكنت اعرف العوم فعمت ذلك
اليوم الى الليل حتى كلت سواعدي وتعبت اكتافي وصرت في الهلكات ثم تشهدت وايقنت بالموت
وهاج البحر من كثرة الرياح فجاءت موجة كالقلعة العظيمة، فحملتني وقذفتني قذفة صرت بها فوق
البر، لمل يريد الله فطلعت البر وعصرت ثيابي ونشفتها على الارض وبت. فلما اصبحت لبست
ثيابي وقمت انظر اين امشي فوجدت غوطة فجئتها ودرت حولها فوجدت الموضع الذي فيه جزيرة
صغيرة، والبحر محيط بها، فقلت في نفسي كلما اخلص من بلية اقع في اعظم منها
فبينما انا متفكر في امري اتمنى الموت اذ نظرت مركبا فيها ناس. فقمت وطلعت على
شجرة واذا بالمركب التصقت بالبر وطلع منها عشرة عبيد معهم مساحي فمشوا حتى وصلوا الى
وسط الجزيرة وحفروا في الارض وكشفوا عن طابق فرفعوا الطابق وفتحوا بابه، ثم عادوا الى
المركب ونقلوا منها خبزا ودقيقا وسمنا وعسلا واغناما وجميع ما يحتاج اليه الساكن وصار العبيد
مترددين بين المركب وباب الطابق وهم يحولون من المركب وينزلون في الطابق الى ان نقلوا
جميع ما في المركب. ثم بعد ذلك طلع العبيد ومعهم ثياب احسن ما يكون وفي
وسطهم، شيخ كبير هرم قد عمر زمنا طويلا واضعفه الدهر، حتى صار فانيا ويد ذلك
الشيخ في يد صبي قد افرغ في قالب الجمال والبس حلة الكمال حتى انه يضرب
بحسنه الامثال وهو كالقضيب الرطب يسحر كل قلب بجماله ويسلب كل لب بكماله فلم يزالوا
يا سيدتي سائرين حتى اتوا الى الطابق ونزلوا فيه، وغابوا عن عيني. فلما توجهوا قمت
ونزلت من فوق الشجرة ومشيت الى موضع الردم، ونبشت التراب ونقلته وصبرت نفسي حتى ازلت
جميع التراب فانكشف الطابق فاذا هو خشب مقدار حجر الطاحون فرفعته فبان من تحته سلم
معقود من حجر فتعجبت من ذلك ونزلت السلم حتى انتهيت الى اخره فوجدت شيئا نظيفا
ووجدت بستانا وثانيا الى تمام تسعة وثلاثين وكل بستان ارى فيه ما يكل عنه الواصفون
من اشجار وانهار واثمار وذخائر. ورايت بابا فقلت في نفسي ما الذي في هذا المكان،
فلابد ان افتحه وانظر ما فيه ثم فتحته فوجدت فيه فرسا مسرجا ملحما مربوطا ففككته
وركبته فطار بي الى حطني على سطح وانزلني وضربني بذيله فاتلف عيني وفر مني فنزلت
من فوق السطح فوجدت عشرة شبان عور فلما راوني قالوا لا مرحبا بك، فقلت لهم:
اتقبلوني اجلس عندكم. فقالوا والله لا تجلس عندنا فخرجت من عندهم حزين القلب باكي العين،
وكتب الله لي السلامة حتى وصلت الى بغداد فحاقت ذقني وصرت صعلوكا فوجدت هذين الاثنين
العورين فسلمت عليهما وقلت لهماانا غريب، فقالا ونحن غريبان فهذا سبب تلف عيني، وحلق ذقني،
فقالت له امسح على راسك وروح، فقال: لا اروح حتى اسمع قصة هؤلاء. ثم ان
الصبية التفتت الى الخليفة وجعفر ومسرور وقالت لهم اخبروني بخبركم، فتقدم جعفر وحكى لها الحكاية
التي قالها للبوابة عند دخولهم فلما سمعت كلامه قالت وهبت بعضكم لبعض فخرجوا الى ان
صاروا في الزقاق فقال الخليفة للصعاليك يا جماعة الى اين تذهبون فقالوا ما ندري اين
نذهب فقال لهم الخليفة سيروا وبيتوا عندنا وقال لجعفر خذهم واحضرهم لي غدا، حتى ننظر
ما يكون، فامتثل جعفر ما امره به الخليفة. ثم ان الخليفة طلع الى قصره ولم
يجئه نوم في تلك الليلة فلما اصبح جلس على كرسي المملكة ودخلت عليه ارباب الدولة،
فالتفت الى جعفر بعد ان طلعت ارباب الدولة وقال ائتني بالثلاث صبايا والكلبتين والصعاليك، فنهض
جعفر واحضرهم بين يديه فادخل الصبايا تحت الاسنار. والتفت لهن جعفر وقال لهن قد عفونا
عنكن لما اسلفتن من الاحسان الينا ولم تعرفنا فها انا اعرفكن وانتن بين يدي الخامس
من بني العباس هارون الرشيد، فلا تخبرنه الا حقا فلما سمع الصبايا كلام جعفر، عن
لسان امير المؤمنين تقدمت الكبيرة وقالت يا امير المؤمنين ان لي حديثا لو كتب بالابر
على اماق البصر لكان عبرة لمن اعتبر وادرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة السابعة عشرة قالت: بلغني ايها الملك السعيد ان كبيرة الصبايا، لما تقدمت بين
يدي امير المؤمنين وقالت ان لي حديثا عجيبا وهو ان هاتين الصبيتين اختاي من ابي
من غير امي فمات والدنا وخلف خمسة الاف دينار وكنت انا اصغرهن سنا فتجهزت اختاي
وتزوجت كل واحدة برجل ومكثنا مدة ثم ان كل واحد من ازواجهما هيا متجرا واخذ
من زوجته الف دينار وسافروا مع بعضهم، وتركوني فغابوا اربع سنين وضيع زوجاهما المال، وخسرا
وتركاهما في بلاد الناس فجاءاني في هيئة الشحاتين. فلما رايتهما ذهلت عنهما ولم اعرفهما ثم
اني لما عرفتهما، قلت لهما: ما هذا الحال، فقالتا يا اختاه ان الكلام لا يفيد
الان، وقد جرى القلم بما حكم الله فارسلتهما الى الحمام والبست كل واحدة حلة وقلت
لهما يا اختي انتما الكبيرة وانا الصغيرة وانتم عوض عن ابي وامي والارث الذي ناسي
معكما قد جعل الله فيه البركة فكلا من زكاته واحوالي جليلة وانا وانتما سواء واحسنت
اليهما غاية الاحسان فمكثا عندي مدة سنة كاملة وصار لهما مال من مالي فقالتا لي
ان الزواج خير لنا وليس لنا صبر عنه. فقلت لهما يا اختي لم تريا في
الزواج خيرا فان الرجل الجيد قليل في هذا الزمان وقد اخترتما الزواج فلم يقبلا كلامي،
وتزوجا بغير رضاي فزوجتهما من مالي وسترتهما ومضتا مع زوجيهما فاقاما مدة يسيرة ولعب عليهما
زوجهما واخذ ما كان معهما وسافرا وتركاهما فجاءتا عندي وهما عريانتين واعتذرتا وقالتا لا تؤاخذينا،
فانت اصغر منا سنا واكمل عقلا، وما بقينا نذكر الزواج ابدا. فقلت مرحبا بكما يا
اختي ما عندي اعز منكما وقبلتهما وزدتهما اكراما ولم تزل على هذه الحالة سنة كاملة
فاردت ان اجهز لي لي مركبا الى البصرة، فجهزت مركبا كبيرة وحملت فيها البضائع والمتاجر
وما احتاج اليه في المركب وقلت يا اختي هل لكما ان تقعدوا في المنزل حتى
اسافر وارجع او تسافرا معي، فقالتا تسافر معك فانا لا نطيق فراقك فاخذتهما وسافرنا، وكنت
قسمت مالي نصفين فاخذت النصف وخبات النصف الثاني وقلت ربما يصيب المركب شيء ويكون في
العمر مدة فاذا رجعنا نجد شيئا ينفعنا. ولم نزل مسافرين اياما وليالي، فتاهت بنا المركب
وغفل الريس عن الطريق ودخلت المركب بحرا غير البحر الذي نريده ولم نعلم بذلك مدة،
وطاب لنا الريح عشرة ايام فلاحت لنا مدينة على بعد فقلنا للريس ما اسم هذه
المدينة التي اشرفنا عليها فقال والله لا اعلم ولا رايتها قط، ولا سلكت عمري هذا
البحر، ولكن جاء الامر بسلامة فما بقي الا ان تدخلوا هذه المدينة وتخرجوا بضائعكم فان
حصل لكم بيع فبيعوا وغاب ساعة. ثم جاءنا وقال قوموا الى المدينة وتعجبوا من صنع
الله في خلقه واستعيذوا من سخطه فطلعنا المدينة فوجدنا كل من فيها مسخوطا حجارة سوداء،
فاندهشنا من ذلك ومشينا في الاسواق فوجدنا البضائع باقية والذهب والفضة باقيين على حالهما ففرحنا
وقلنا لعل هذا يكون له امر عجيب، وتفرقنا في شوارع المدينة وكل واحد اشتغل عن
رفيقه بما فيها من المال والقماش. واما انا فطلعت الى القلعة فوجدتها محكمة فدخلت قصر
الملك فوجدت فيه جميع الاواني من الذهب والفضة ثم رايت الملك جالسا وعنده حجابه ونوابه
ووزرائه وعليه من الملابس شيء يتحير فيه الفكر فلما قربت من الملك وجدته جالسا على
كرسي مرصع بالدر والجواهر فيه كل درة تضيء كالنجمة وعليه حلة مزركشة بالذهب وواقفا حوله
خمسون مملوكا بين انواع الحرير، وفي ايديهم السيوف مجردة. فلما نظرت لذلك دهش عقلي ثم
مشيت ودخلت قاعة الحريم، فوجدت في حيطانها ستائر من الحرير ووجدت الملكة عليها حلة مزركشة
بالؤلؤ الرطب وعلى راسها تاج مكلل بانواع الجواهر وفي عنقها قلائد وعقودا وجميع ما عليها
من الملبوس والمصاغ باق على حاله وهي ممسوخة حجر اسود ووجدت بابا مفتوحا فدخلته ووجدت
فيه سلما بسبع درج فصعدته، فرايت مكانا مرخما مفروشا بالبسط المذهبة ووجدت فيه سرير من
المرمر مرصعا بالدر والجواهر ونظرت نورا لامعا في جهة فقصدتها فوجدت فيها جوهرة مضيئة قدر
بيض النعامة على كرسي صغير، وهي تضيء كالشمعة، ونورها ساطع ومفروش على ذلك السرير من
انواع الحرير ما يحير الناظر. فلما نظرت الى ذلك تعجبت ورايت في ذلك المكان شموعا
موقدة فقلت في نفسي لابد ان احدا اوقد هذه الشموع، ثم اني مشيت حتى دخلت
موضعا غيره وصرت افتش في تلك

الاماكن ونسيت نفسي مما ادهشني من التعجب من تلك الاحوال، واستغرق فكري الى ان دخل
الليل فاردت الخروج فلم اعرف الباب وتهت عنه فعدت الى الجهة التي فيها الشموع الموقدة
وجلست على السرير وتغطيت بلحاف بعد ان قرات شيئا من القران واوردت النوم فلم استطع
ولحقني القلق. فلما انتصف الليل سمعت تلاوة القران بصوت حسن رقيق فالتفت الى مخدع فرايت
بابه مفتوحا فدخلت الباب ونظرت المكان فاذا هو معبد وفيه قناديل معلقة موقدة وفيه سجادة
مفروشة جالس عليها شاب حسن المنظر فتعجبت كيف هو سالم دون اهل المدينة فدخلت وسلمت
عليه فرفع بصره ورد علي السلام فقلت له اسالك بحق ما تتلوه من كتاب الله
ان تجيبني عن سؤالي. فتبسم وقال اخبرني عن سبب دخولك هذا المكان وانا اخبرك بجواب
ما تسالينه عنه فاخبرته بخبري فتعجب من ذلك، ثم انني سالته عن خبر هذه المدينة
فقال امهليني ثم طبق المصحف وادخله كيس من الاطلس واجلسني بجنبه فنظرت اليه فاذا هو
كالبدر حسن الاوصاف لين الاعطاف بهي المنظر رشيق القد اسيل الخد زهي الجنات كانه المقصود
من هذه الابيات:

رصد النجم ليله فبدا له قد المليح يميس في برديه
وامد زحل سواد ذوائب والمسك هادي الخال في خديه

وغدت من المربح حمرة خده والقوس يرمي النبل من جفنيه

وعطارد اعطاه فرط ذكائه وابى السها نظر الوشاة اليه

فغدا المنجم حائرا مما راى والبدر باس الارض بين يديه
فنظرت له نظرة اعقبتني الف حسرة واوقدت بقلبي كل جمرة فقلت له يا مولاي اخبرني
عما سالتك فقال سمعا وطاعة. اعلمي ان هذه المدينة مدينة والدي وجميع اهله وقومه وهو
الملك الذي رايته على الكرسي ممسوخا حجرا واما الملكة التي رايتها فهي امي وقد كانوا
مجوسا يعبدون النار دون الملك الجبار وكانوا يقسمون بالنار والنور والظل والخرور والفلك الذي يدور
وكان ابي ليس له ولد فرزق بي في اخر عمره فرباني حتى نشات وقد سبقت
لي السعادة، وكان عندنا عجوز طاعنة في السن مسلمة تؤمن بالله ورسوله في الباطن وتوافق
اهلي في الظاهر وكان ابي يعتقد فيها لما يرى عليها من الامانة والعفة وكان يكرمها
ويزيد في اكرامها وكان يعتقد انها على دينه. فلما كبرت سلمني ابي اليها وقال: خذيه
وربيه وعلميه احوال ديننا واحسني تربيته وقومي بخدمته فاخذتني العجوز وعلمتني دين الاسلام من الطهارة
والوضوء والصلاة وحفظتني القران فلما اتمت ذلك قالت لي يا ولدي اكتم هذا الامر عن
ابيك ولا تعلمه به لئلا يقتلك فكتمته عنه ولم ازل على هذا الحال مدة ايام
قلائل وقد ماتت العجوز وزاد اهل المدينة في كفرهم وعتوهم وضلالهم. فبينما هم على ما
هم فيه اذ سمعوا مناديا ينادي باعلى صوته مثل الرعد القاصف سمعه القريب والبعيد يقول
يا اهل المدينة ارجعوا عن عبادة النار واعبدوا الملك الجبار فحصل عند اهل المدينة فزع
واجتمعوا عند ابي وهو ملك المدينة وقالوا له: ما هذا الصوت المزعج الذي سمعناه فاندهشنا
من شدة هوله فقال لهم لايهولنكم الصوت ولا يردعنكم عن دينكم. فمالت قلوبهم الى قول
ابي ولم يزالوا مكبين على عبادة النار واستمروا على طغيانهم مدة سنة حتى جاء ميعاد
ما سمعوا الصوت الاول فظهر لهم ثانيا فسمعوا ثلاث مرات على ثلاث سنين في كل
سنة مرة فلم يزالوا عاكفين على ما هم عليه حتى نزل عليهم المقت والسخط من
السماء بعد طلوع الفجر، فمسخوا حجارة سودا وكذلك دوابهم وانعامهم ولم يسلم من اهل هذه
المدينة غيري، ومن يوم ما جرت هذه الحادثة وانا على هذه الحالة في صلاة وصيام
وتلاوة قران وقد يئست من الوحدة وما عندي من يؤنسني. فعند ذلك قلت له ايها
الشاب هل لك ان تروح معي الى مدينة بغداد وتنظر الى العلماء والى الفقهاء فتزداد
علما وفقها واكون انا جاريتك مع اني سيدة قومي وحاكمة على رجال وخدم وغلمان، وعندي
مركب مشحون بالمتجر وقد رمتنا المقادير على هذه المدينة حتى كان ذلك سببا في اطلاعنا
على هذه الامور وكان النصيب في اجتماعنا ولم ازل ارغبه في التوجه حتى اجابني اليه.
وادرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

و في الليلة الثامنة عشرة قالت: بلغني ايها الملك السعيد ان الصبية ما زالت تحسن
للشاب التوجه معها حتى غلب عليها النوم فنامت تلك الليلة تحت رجليه وهي لا تصدق
بما هي فيه من الفرح، ثم قالت فلما اصبح الصباح قمنا ودخلنا الى الخزائن واخذنا
ما خف حمله وغلا ثمنه ونزلنا من القلعة الى المدينة فقابلنا العبيد والريس وهم يفتشون
علي فلما راوني فرحوا بي وسالوني عن سبب غيابي فاخبرتهم بما رايت وحكيت لهم قصة
الشاب وسبب مسخ اهل هذه المدينة وما جرى لهم فتعجبوا من ذلك.

فلما راتني اختاي ومعي ذلك الشاب حسدتاني عليه وصارتا في غيظ واضمرتا المكر لي. ثم
نزلنا المركب وانا بغاية الفرح واكثر فرحي بصحبة هذا الشاب واقمنا ننتظر الريح حتى طابت
لنا الريح فنشرنا القلوع وسافرنا فقعدت اختاي عندنا وصارت تتحدثان فقالتا لي يا اختاه ما
تصنعين بهذا الشاب الحسن فقلت لهما قصدي ان اتخذه بعلا، ثم التفت اليه واقبلت عليه
وقلت يا سيدي انا اقصد ان اقول لك شيئا فلا تخالفني فيه. فقال سمعا وطاعة.
ثم التفت الى اختاي وقلت لهما يكفيني هذا الشاب وجميع هذه الاموال لكما فقالتا نعم
ما فعلت ولكنهما اضمرتا لي الشر ولم نزل سائرين مع اعتدال الريح حتى خرجنا من
بحر الخوف ودخلنا بحر الامان وسافرنا اياما قلائل الى ان قربنا من مدينة البصرة ولاحت
لنا ابنيتها، فادركنا المساء فلما اخذنا النوم قامت اختاي وحملتاني انا والغلام ورمتانا في البحر،
فاما الشاب فانه كان لا يحسن العوم فغرق وكتبه الله من الشهداء. واما انا فكنت
من السالمين، فلما سقطت في البحر رزقني الله بقطعة من خشب فركبتها وضربتني الامواج الى
ان رمتني على ساحل جزيرة فلم ازل امشي في الجزيرة باقي ليلتي فلما اصبح الصباح
رايت طريقا فيه اثر مشي على قدر ابن ادم وتلك الطريق متصلة من الجزيرة الى
البر وقد طلعت الشمس فنشفت ثيابي فيها وسرت في الطريق ولم ازل سائرة الى ان
قربت من البر الذي فيه المدينة واذا بحية تقصدني وخلفها ثعبان يريد هلاكها وقد تدلى
لسانها من شدة التعب. فاخذتني الشفقة عليها فقعدت الى حجر والقيته على راس الثعبان فمات
من وقته فنشرت الحية جناحين وصارت في الجو فتعجبت من ذلك وقد تعبت فنمت في
موضعي ساعة، فلما افقت وجدت تحت رجلي جارية وهي تكبس رجلي فجلست واستحيت منها وقلت
لها من انت وما شانك فقالت ما اسرع ما نسيتني انت التي فعلت معي الجميل
وقتلت عدوي، فاني الحية التي خلصتيني من الثعبان جني وهو عدوي وما نجاني منه الا
انت. فلما نجيتني منه طرت في الريح وذهبت الى المركب التي رماك منها اختاك ونقلت
جميع ما فيها الى بيتك واحرقتها واما اختاك فاني سحرتهما كلبتين من الكلاب السود، فاني
عرفت جميع ما جرى لك معهما، واما الشاب فانه غرق ثم حملني انا والكلبتين والقتنا
فوق سطح داري فرايت جميع ما كان في المركب من الاموال في وسط بيتي ولم
يضع منه شيء، ثم ان الحية قالت لي وحق النقش الذي على خاتم سليمان اذا
لم تضربي كل واحدة منها في كل يوم ثلاثمائة سوط لاتين اجعلك مثلهما فقلت سمعا
وطاعة. فلم ازل يا امير المؤمنين اضربها ذلك الضرب واشفق عليهما، فتعجب الخليفة من ذلك
ثم قال للصبية الثانية: وانت ما سبب الضرب الذي على جسدك فقالت: يا امير المؤمنين
اني كان لي والد مات وخلف مالا كثيرا، فاقمت بعده مدة يسيرة وتزوجت برجل اسعد
اهل زمانه فاقمت معه سنة كاملة ومات فورثت منه ثمانين الف دينار، فبينما انا جالسة
في يوم من الايام اذ دخلت علي عجوز بوجه مسقوط وحاجب ممغوط وعيونها مفجرة واسنانها
مكسرة ومخاطها سائل وعنقها مائل كما قال فيها الشاعر:

عجوز النحس ابليس يراها تعلمه الخديعة من سكوت تقود من السياسة الف بغل اذا انفردوا
بخيط العنكبوت
فلما دخلت العجوز علمت علي وقالت ان عندي بنتا يتيمة والليلة عملت عرسها وانا قصدي
لك الاجر والثواب فاحضري عرسها فانها مكسورة الخاطر ليس لها الا الله تعالى ثم بكت
وقبلت رجلي فاخذتني الرحمة والرافة فقلت سمعا وطاعة فقالت جهزي نفسك فاني وقت العشاء اجي
واخذك ثم قبلت يدي وذهبت فقمت وهيات نفسي وجهزت حالي واذا بالعجوز قد اقبلت وقالت
يا سيدتي ان سيدات البلد قد حضرن واخبرتهن بحضورك ففرحن وهن في انتظارك، فقمت وتهيات
واخذت جواري معي وسرت حتى اتينا الى زقاق هب فيه النسيم وراق فراينا بوابة مقنطرة
قبة من الرخام مشيدة البنيان وفي داخلها قصر قد قام من التراب وتعلق بالسحاب فلما
وصلنا الى الباب طرقته العجوز ففتح لنا ودخلنا فوجدنا دهليزا مفروشا بالبسط معلقا فيه قناديل
موقدة وشموع مضيئة وفيه الجواهر والمعادن معلقة فمشينا في الدهليز الى ان دخلنا القاعة فلم
يوجد لها نظير مفروشة بالفراش الحرير معلقا فيها القناديل الموقدة والشموع المضيئة وفي صدر القاعة
سرير من المرمر مرصع بالدر والجوهر وعليه ناموسية من الاطلس واذا بصبية خرجت من الناموسية
مثل القمر فقالت لي مرحبا واهلا وسهلا يا اختي انستيني وجبرت خاطري وانشدت تقول:

لو تعلم الدار من زارها فرحت واستبشرت ثم باست موضع القدم واعلنت بلسان الحال قائلة
اهلا وسهلا باهل الجود والكرم
ثم جلست وقالت يا اختي ان لي اخا وقد راك في الافراح وهو شاب احسن
مني وقد احبك قلبه حبا شديدا واعطى هذه العجوز دراهم حتى اتتك وعملت الحيلة لاجل
اجتماعه بك ويريد اخي ان يتزوجك بسنة الله ورسوله وما في الحلال من عيب فلما
سمعت كلامها ورايت نفسي قد انحجزت في الدار فقلت للصبية سمعا وطاعة ففرحت وصفقت بيدها
وفتحت بابا، فخرج منه شاب مثل القمر كما قال الشاعر:

قد زاد حسنا تبارك الله جل الذي صاغه وسواه
قد حاز كل الجمال منفردا كل الورى في جماله تهواه

قد كتب الحسن فوق وجنته اشهد ان لا مليح الا هو
فلما نظرت اليه مال قلبي له ثم جاء وجلس واذا بالقاضي قد دخل ومعه اربعة
شهود فسلموا وجلسوا، ثم انهم كتبوا كتابي على ذلك الشاب وانصرفوا فالتفت الشاب الي وقال
ليلتنا مباركة، ثم قال يا سيدتي اني شارط عليك شرطا فقلت يا سيدي وما الشرط
فقام واحضر لي مصحفا وقال احلفي لي انك لا تختاري احدا غيري ولا تميلي اليه
فحلفت له على ذلك ففرح فرحا شديدا وعانقني فاخذت محبته بمجامح قلبي وقدموا لنا السماط
فاكلنا وشربنا حتى اكتفينا فدخل علينا الليل. فاخذني ونام معي على الفراش وبتنا في عناق
الى الصباح، ولم نزل على هذه الحالة مدة شهر، ونحن في هناء وسرور وبعد الشهر
استاذنته في ان اسير الى السوق واشتري بعض قماش فاذن لي في الرواح، فلبست ثيابي
واخذت العجوز معي ونزلت في السوق فجلست على دكان تاجر تعرفه العجوز وقالت لي هذا
ولد صغير مات ابوه وخلف مالا كثيرا ثم قالت له هات اعز ما عندك من
القماش لهذه الصبية. فقال لها سمعا وطاعة فصارت العجوز تثني عليه فقلت ما لنا حاجة
بثنائك عليه لان مرادنا ان ناخذ حاجتنا منه ونعود الى منزلنا فاخرج لنا ما طلبناه
واعطيناه الدراهم فابى ان ياخذ شيئا وقال هذه ضيافتكما اليوم عندي فقلت للعجوز ان لم
ياخذ الدراهم اعطه قماشه. فقال: والله لا اخذ شيئا والجميع هدية من عندي في قبلة
واحدة فانها عندي احسن من ما في دكاني. فقالت العجوز ما الذي يفيدك من القبلة
ثم قالت يا بنتي قد سمعت ما قال هذا الشاب وما يصيبك شيء اخذ منك
قبلة وتاخذين ما تطلبينه فقلت لها اما تعرفين اني حالفة فقالت دعيه يقبلك وانت ساكتة
ولا عليك شيء وتاخذين هذه الدراهم ولازالت تحسن لي الامر حتى ادخلت راسي في الجراب
ورضيت بذلك ثم اني غطيت عيني وداريت بطرف ازاري من الناس وحط فمه تحت ازاري
على خدي فما ان قبلني حتى عضني عضة قوية، حتى قطع اللحم من خدي فغشي
علي ثم اخذتني العجوز في حضنها. فلما افقت وجدت الدكان مقفولة والعجوز تظهر لي الحزن،
وتقول ما دفع الله كان اعظم ثم قالت لي قومي بنا الى البيت واعملي نفسك
ضعيفة وانا اجيء اليك بدواء تداوين به هذه العضة فتبرئين سريعا فبعد ساعة قمت من
مكاني وانا في غاية الفكر واشتداد الخوف، فمشيت حتى وصلت الى البيت واظهرت حالة المرض
واذا بزوجي داخل وقال ما الذي اصابك يا سيدتي في هذا الخروج فقلت له ما
انا طيبة فنظر الي وقال لي ما هذا الجرح الذي بخدك وهو في المكان الناعم.
فقلت لما استاذنتك وخرجت في هذا النهار لاشتري القماش زاحمني جمل حامل حطبا فشرط نقابي
وجرح خدي كما ترى فان الطريق ضيق في هذه المدينة فقال غدا اروح للحاكم واشكوا
له فيشنق كل حطاب في المدينة فقلت بالله عليك لا تتحمل خطيئة احد فاني ركبت
حمارا نفر بي فوقعت على الارض فصادفني عود فخدش خدي وجرحني، فقال غدا اطلع لجعفر
البرمكي واحكي له الحكاية فيقتل كل حمار في هذه المدينة فقلت هل انت تقتل الناس
كلهم بسببي وهذا الذي جرى لي بقضاء الله وقدره. فقال لابد من ذلك وشدد علي
ونهض قائما وصاح صيحة عظيمة فانفتح الباب وطلع منه سبعة عبيد سود فسحبوني من فراشي
ورموني في وسط الدار ثم امر عبدا منهم ان يمسكني من اكتافي، ويجلس على راسي
وامر الثاني ان يجلس على ركبتي ويمسك رجلي وجاء الثالث وفي يده سيف فقال يا
سيدي اضربها بالسيف فاقسمها نصفين وكل واحد ياخذ قطعة يرميها في بحر الدجلة فياكلها السمك
وهذا جزاء من يخون الايمان المودة وانشد هذا الشعر:

اذا كان لي فيمن احب مشارك منعت الهوى روحي ليتلفني وجدي وقلت لها يا نفس
موتي كريهة فلا خير في حب يكون مع الضد
ثم قال للعبد اضربها يا سعد فجرد السيف وقال اذكري الشهادة وتذكري ما كان لك
من الحوائج واوصي ثم رفعت راسي ونظرت الى حالي وكيف صرت في الذل بعد العجز
فجرت عبرتي وبكيت انشدت هذه الابيات:

اقمتم فؤادي في الهوى وقعدتم واسهرتم جفني القريح ونمتم
ومنزلكم بين الفؤاد وناظري فلا القلب يسلوكم ولا الدمع يكتم

وعاهدتموني ان تقيموا على الوفا فلما تملكتم فؤادي غدرتم

ولم ترحموا وجدي بكم وتلهفي اانتم صروف الحادثات امنتم

سالتكم بالله ان مت فاكتبوا على لوح قبري ان هذا متيم

لعل شجيا عارفا لوعة الهوى يمر على قبر المحب فيرحم
فلما فرغت من شعري بكيت فلما سمع الشعر ونظر الى بكائي ازداد غيظا على غيظه
وانشد هذين البيتين:

تركت حبيب القلب لاعن ملالة ولكن جنى ذنبا يؤدي الى الترك اذا ارى شريكا في
المحبة بيننا وايمان قلبي لا يميل الى الشرك
فلما فرغ من شعره بكيت واستعطفته، واذا بالعجوز قد دخلت ورمت نفسها على اقدام الشاب
وقبلتها وقالت يا ولدي بحق تربيتي لك تعفوا عن هذه الصبية فانها ما فعلت ذنبا
يوجب ذلك وانت شاب صغير فاخاف عليك من دعائها ثم بكت العجوز، ولم تزل تلح
عليه حتى قال عفوت عنها، ولكن لابد لي ان اعمل فيها اثرا يظهر عليها بقية
عمرها، ثم امر العبيد فجذبوني من ثيابي واحضر قضيبا من سفرجل ونزل به على جسدي
بالضرب، ولم يزل يضربني ذلك الشاب على ظهري وجنبي حتى غبت عن الدنيا من شدة
الضرب وقد يئست من حياتي ثم امر العبيد انه اذا دخل الليل يحملونني وياخذون العجوز
معهم ويرمونني في بيتي الذي كنت فيه سابقا. ففعلوا ما امرهم به سيدهم ورموني في
بيتي، فتعاهدت نفسي وتداويت فلما شفيت بقيت اضلاعي كانها مضروبة بالمقارع، كما ترى فاستمريت في
مداواة نفسي اربعة اشهر حتى شفيت، ثم جئت الى الدار التي جرت لي فيها ذلك
الامر فوجدتها خربة ووجدت الزقاق مهد وما من اوله الى اخره ووجدت في موقع الدار
كيما ولم اعلم سبب ذلك فجئت الى اختي هذه التي من ابي فوجدت عندها هاتين
الكلبتين فسلمت عليها واخبرتها بخبري وبجميع ما جرى لي. فقالت من ذا الذي من نكبات
الزمان، سلم الحمد لله الذي جعل الامر بسلامة ثم اخبرتني بخبرها وبجميع ما جرى لها
من اختيها وقعدت انا وهي لا نذكر خبر الزواج على السنتنا ثم صاحبتنا هذه الصبية
الدلالة في كل يوم تخرج فتشتري لنا ما نحتاج اليه من المصالح على جري علاتها،
فوقع لنا ما وقع من مجيء الجمال والصعاليك ومن مجيئكم في صفة تجار فلما صرنا
في هذا اليوم ولم نشعر الا نحن بين يديك وهذه حكايتنا، فتعجب الخليفة من هذه
الحكاية وجعلها تاريخها مثبتا في خزانته وادرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة التاسعة عشرة قالت: بلغني ايها الملك السعيد ان الخليفة امر ان تكتب هذه
القصة في الدواوين ويجعلوها في خزانة الملك ثم انه قال للصبية الاولى هل عندك خبر
بالعفريتة التي سحرت اختيك، قالت يا امير المؤمنين انها اعطتني سيئا من شعرها، وقالت ان
اردت حضوري فاحرقي من هذا الشعر شيئا فاحضر اليك عاجلا ولو كنت خلف جبل قاف.
فقال الخليفة احضري لي الشعر فاحضرته الصبية فاخذه الخليفة، واحرق منه شيئا فلما فاحت منه
رائحة اهتز القصر وسمعوا دويا وصلصلة واذا بالجنية حضرت وكانت مسلمة فقالت السلام عليكم يا
خليفة فقال: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، فقالت اعلم ان هذه الصبية صنعت معي جميلا
ولا اقدر ان اكافئها عليه فهي انقذتني من الموت وقتلت عدوي ورايت ما فعله معها
اختاها فما رايت الا اني انتقم منهما فسحرتهما كلبتين بعد ان اردت قتلهما فخشيت ان
يصعب عليها، وان اردت خلاصهما، يا امير المؤمنين اخلصهما كرامة لك ولها فاني من المسلمين.
فقال لها خلصيهما وبعد ذلك نشرع في امر الصبية المضروبة، وتفحص عن حالها فاذا ظهر
لي صدقها اخذت ثارها ممن ظلمها فقالت العفريتة يا امير المؤمنين انا ادلك على ما
فعل بهذه الصبية هذا الفعل وظلمها واخذ مالها وهو اقرب الناس اليك، ثم ان العفريتة
اخذت طاسة من الماء وعزمت عليها، ورشت وجه الكلبتين، وقالت لهما عودا الى صورتكما الاولى
البشرية فعادتا صبيتين سبحان خالقهما، ثم قالت يا امير المؤمنين ان الذي ضرب الصبية، ولدك
الامين فانه كان يسمع بحسنها وجمالها، وحكت له العفريتة جميع ما جرى للصبية فتعجب وقال
الحمد لله خلاص هاتين الكلبتين على يدي.

ثم ان الخليفة احضر ولده الامين بين يديه وساله عن قصة الصبية الاولى فاخبره على
وجه الحق فاحضره الخليفة القضاة والشهود والصعاليك الثلاثة، واحضر الصبية الاولى واختيها اللتين كانتا مسحورتين
في صورة كلبتين، وزوج الثلاثة للثلاثة الصعاليك الذين اخبروه انهم كانوا ملوكا وعملهم حجابا عنده
واعطاهم ما يحتاجون اليه وانزلهم في قصر بغداد ورد الصبية المضروبة لولده الامين واعطاها مالا
كثيرا وامر ان تبنى الدار احسن ما كانت ثم ان الخليفة تزوج بالدلالة ورقد في
تلك الليلة معها. فلما اصبح افرد لها بيتا وجواري يخدمنها ورتب لها راتبا، وشيد لها
قصرا ثم قال لجعفر ليلة من الليالي اني اريد ان ننزل في هذه الليلة الى
المدينة ونسال عن احوال الحكام والمتولين وكل من شكا منه احد عزلناه فقال جعفر ومسرور
نعم، وساروا في المدينة ومشوا في الاسواق مروا بزقاق، فراوا شيخا كبيرا على راسه شبكة
وقفة وفي يده عصا وهو ماش على مهله.

ثم ان الخليفة تقدم اليه وقال له يا شيخ ما حرفتك قال يا سيدي صياد
وعندي عائلة وخرجت من بيتي من نصف النهار الى هذا الوقت ولم يقسم الله لي
شيئا اقوت به عيالي وقد كرهت نفسي وتمنيت الموت. فقال له الخليفة هل لك ان
ترجع معنا الى البحر وتقف على شاطئ الدجلة وترمي شبكتك على بختي وكل ما طلع
اشتريته منك بمائة دينار. ففرح الرجل لما سمع هذا الكلام وقال على راسي ارجع معكم.
ثم ان الصياد ورجع الى البحر ورمى شبكته وصبر عليها، ثم انه جذب الخيط وجر
الشبكة اليه فطلع في الشبكة صندوق مقفول ثقيل الوزن فلما نظر الخليفة وجده ثقيلا فاعطى
الصياد مائة دينار وانصرف وحمل الصندوق مسرور هو وجعفر وطلعا به مع الخليفة الى القصر
واوقد الشموع والصندوق بين يدي الخليفة فتقدم جعفر ومسرور وكسروا الصندوق فوجدوا فيه قفة خوص
محيطة بصوت احمر فقطعوا الخياطة فراوا فيها قطعة بساط فرفعوها فوجدوا تحتها ازار فرفعوا الازار
فوجدوا تحتها صبية كانها سبيكة مقتولة ومقطوعة. فلما نظرها الخليفة جرت دموعه على خده والتفت
الى جعفر وقال: يا كلب الوزراء اتقتل القتلى في زمني ويرمون في البحر ويصيرون متعلقين
بذمتي والله لابد ان اقتص لهذه الصبية ممن قتلها واقتله وقال لجعفر وحق اتصال نسبي
بالخلفاء من بني العباس ان لم تاتيني بالذي قتل هذه لانصفها منه لاصلبنك على باب
قصري انت واربعين من بني عمك، واغتاظ الخليفة. فقال جعفر امهلني ثلاثة ايام قال امهلتك.
ثم خرج جعفر من بين يديه ومشى في المدينة وهو حزين وقال في نفسه من
اعرف من قتل هذه الصبية حتى احضره للخليفة وان احضرت له غيره يصير معلقا بذمتي
ولا ادري ما اصنع. ثم ان جعفر جلس في بيته ثلاثة ايام وفي اليوم الرابع
ارسل له الخليفة يطلبه فلما تمثل بين يديه قال له اين قاتل الصبية قال جعفر
يا امير المؤمنين انا اعلم الغيب حتى اعرف قاتلها، فاغتاظ الخليفة وامر بصلبه على باب
قصره وامر مناديا ينادي في شوارع بغداد من اراد الفرجة على صلب جعفر البرمكي وزير
الخليفة وصلب اولاد عمه على باب قصر الخليفة ليخرج ليتفرج. فخرج الناس من جميع الحارات
ليتفرجوا على صلب جعفر وصلب اولاد عمه ولم يعلموا سبب ذلك ثم امر بنصب الخشب
فنصبوه واوقفهم تحته لاجل الصلب وصاروا ينتظرون الاذن من الخليفة وصار الخلق يتباكون على جعفر
وعلى اولاد عمه. فبينما هم كذلك واذا بشاب حسن نقي الاثواب يمشي بين الناس مسرعا
الى ان وقف بين يدي الوزير وقال له: سلامتك من هذه الوقفة يا سيد الامراء
وكهف الفقراء، انا الذي قتلت القتيلة التي وجدتموها في الصندوق، فاقتلني فيها واقتص مني. فلما
سمع جعفر كلام الشاب وما ابداه من الخطاب فرح بخلاص نفسه وحزن على الشاب. فبينما
هم في الكلام واذا بشيخ كبير يفسح الناس ويمشي بينهم بسرعة الى ان وصل الى
جعفر والشاب فسلم عليهما ثم قال ايها الوزير لا تصدق كلام هذا الشاب فانه ما
قتل هذه الصبية الا انا فاقتص لها مني. فقال الشاب ايها الوزير، ان هذا الشيخ
كبير خرفان لا يدري ما يقول وانا الذي قتلتها فاقتص مني. فقال الشيخ، يا ولدي
انت صغير تشتهي الدنيا وانا كبير شبعت من الدنيا وانا افديك وافدي الوزير وبني عمه
وما قتل الصبية الا انا، فبالله عليك ان تعجل بالاقتصاص مني، فلما نظر الى ذلك
الامر تعجب منه واخذ الشاب والشيخ وطلع بهما عند الخليفة وقال يا امير المؤمنين قد
حضر قاتل الصبية فقال الخليفة اين هو، فقال ان هذا الشاب يقول انا القاتل وهذا
الشيخ يكذبه ويقول لا بل انا القاتل. فنظر الخليفة الى الشيخ والشاب وقال من منكما
قتل هذه الصبية فقال الشاب ما قتلتها الا انا وقال الشيخ ما قتلها الا انا.
فقال الخليفة لجعفر خذ الاثنين واصلبهما فقال جعفر اذا كان القاتل واحد فقتل الثاني ظلم،
فقال الشاب: وحق من رفع السماء وبسط الارض اني انا الذي قتلت الصبية وهذه امارة
قتلها، ووصف ما وجده الخليفة فتحقق عند الخليفة ان الشاب هو الذي قتل الصبية فتعجب
الخليفة وقال: وما سبب اقرارك بالقتل من غير ضرب وقولك اقتصوا لها مني. فقال الشاب:
اعلم يا امير المؤمنين ان هذه الصبية زوجتي وبنت عمي وهذا الشيخ ابوها وهو عمي
وتزوجت بها وهي بكر فرزقني الله منها ثلاثة اولاد ذكور وكانت تحبني وتخدمني ولم ار
عليها شيئا، فلما كان اول هذا الشهر مرضت مرضا شديدا فاحضرت لها الاطباء حتى حصلت
لها العافية فاردت ان ادخلها الحمام فقالت اني اريد شيئا قبل دخول الحمام لاني اشتهيه
فقلت لها وما هو فقالت: اني اشتهي تفاحة اشمها واعض منها عضة. فطلعت من ساعتي
الى المدينة وفتشت على التفاح ولو كانت الواحدة بدينار فلم اجده فبت تلك الليلة وانا
متفكر فلما اصبح الصباح خرجت من بيتي ودرت على البساتين واحد واحد فلم اجده فيها
فصادفني خولي كبير فسالته عن التفاح فقال: يا ولدي هذا شيء قل ان يوجد لانه
معدوم ولا يوجد الا في بستان امير المؤمنين الذي في البصرة وهو عند خولي يدخره
للخليفة فجئت الى زوجتي وقد حملتني محبتي اياها على ان هيات نفسي وسافرت يوما ليلا
ونهارا في الذهاب والاياب وجئت لها بثلاث تفاحات اشتريتها من خولي البصرة بثلاثة دنانير، ثم
اني دخلت وناولتها اياها فلم تفرح بها بل تركتها في جانبها وكان مرض الحمى قد
اشتد بها، ولم تزل في ضعفها الى ان مضى لها عشرة ايام وبعد ذلك عوفيت
فخرجت من البيت وذهبت الى دكاني وجلست في بيعي وشرائي. فبينما انا جالس في وسط
النهار واذا بعبد اسود مر علي وفي يده تفاحة يلعب بها فقلت له: من اين
هذه التفاحة حتى اخذ مثلها فضحك وقال اخذتها من حبيبتي وانا كنت غائبا وجئت فوجدتها
ضعيفة وعندها ثلاث تفاحات فقالت ان زوجي الديوث سافر من شانها الى البصرة فاشتراها بثلاثة
دنانير فاخذت منها هذه التفاحة، فلما سمعت كلام العبد يا امير المؤمنين اسودت الدنيا في
وجهي وقفلت دكاني وجئت الى البيت وانا فاقد العقل من شدة الغيظ فلم اجد التفاحة
الثالثة فقلت لها: اين التفاحة الثالثة فقالت لا ادري ولا اعرف اين ذهبت. فتحققت قول
العبد وقمت واخذت سكينا وركبت على صدرها ونحرتها بالسكين وقطعت راسها واعضائها ووضعتها في القفة
بسرعة وغطيتها بالازار ووضعت عليها شقة بساط وانزلتها في الصندوق وقفلته وحملتها على بغلتي ورميتها
في الدجلة بيدي. فبالله عليك يا امير المؤمنين ان تعجل بقتلي قصاصا لها فاني خائف
من مطالبتها يوم القيامة فاني لما رميتها في بحر الدجلة ولم يعلم بها احد رجعت
الى البيت فوجدت ولدي الكبير يبكي ولم يكن له علم بما فعلت في امه. فقلت
له ما يبكيك فقال اني اخذت تفاحة من التفاح الذي عند امي ونزلت بها الى
الزقاق العب مع اخوتي واذا بعبد طويل خطفها مني وقال لي من اين جاءتك هذه
فقلت له هذه سافر ابي وجاء بها من البصرة من اجل امي وهي ضعيفة واشترى
ثلاث تفاحات بثلاثة دنانير فاخذها مني وضربني وراح بها فخفت من امي ان تضربني من
شان التفاحة. فلما سمعت كلام الولد علمت ان العبد هو الذي افترى الكلام الكذب على
بنت عمي وتحققت انها قتلت ظلما ثم اني بكيت بكاء شديدا واذا بهذا الشيخ وهو
عمي والدها قد اقبل فاخبرته بما كان فجلس بجانبي وبكى ولم نزل نبكي الى نصف
الليل واقمنا العزاء خمسة ايام ولم نزل الى هذا اليوم ونحن نتاسف على قتلها، فبحرمة
اجدادك ان تعجل بقتلي وتقتص مني. فلما سمع الخليفة كلام الشاب تعجب وقال والله لا
اقتل الا العبد الخبيث ادرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

  • قصص الف ليلة وليلة كاملة
  • الف ليله وليله حكاية الملك عمر النعمان وولديه شركان وضوء المكان كتابه كامله
  • رام جهي ليلا
  • صور ملابس تارة بلون أحمر افريته
  • قصص هاتي زنبورك
  • كتاب الف ليلة و ليلة pdf
  • مو قع ضربها عشرة في اليله الدخله
السابق
اغنية حلاقة يا حلاقة mp3
التالي
عجائب وغرائب مضحكة بالصور