ورد في احد الاسئلة لدار الافتاء المصرية والذي يقول : برجاء التكرم بافادتنا رسميا وكتابيا
عن مدى صحة هذه الاحاديث الشريفة:
1. عن عمرو بن العاص رضي الله عنه: حدثني عمر رضي الله عنه انه سمع
رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يقول: «اذا فتح الله عليكم مصر بعدي فاتخذوا
فيها جندا
كثيفا؛ فذلك الجند خير اجناد الارض»فقال له ابو بكر: ولم ذلك يا رسول الله؟ قال:«لانهم
في رباط الى يوم القيامة».
2. «اذا فتح الله عليكم مصر استوصوا باهلها خيرا فانه فيها خير جند الله».
3. «ان جند مصر من خير اجناد الارض لانهم واهلهم في رباط الى يوم القيامة».
المطلوب: حكم صحة الاحاديث معتمدة من حضرتكم:
وفي الاسطر القادمة يجيب الاستاذ الدكتور/ شوقي علام مفتي الديار المصرية :
مدار هذه الاحاديث على ان جند مصر هم خير اجناد الارض؛ لانهم في رباط الى
يوم القيامة، وعلى الوصية النبوية باهلها؛ لان لهم ذمة ورحما وصهرا، وكلها معان صحيحة ثابتة
عن النبي صلى الله عليه واله وسلم؛ تتابع على ذكرها واثباتها ائمة المسلمين ومحدثوهم ومؤرخوهم
عبر القرون سلفا وخلفا، ولا يقدح في صحتها وثبوتها ضعف بعض اسانيدها؛ فان في احاديثها
الصحيح والحسن والضعيف المنجبر الذي احتج به العلماء، وقد اتفق المؤرخون على ايراد هذه الاحاديث
والاحتجاج بها في فضائل مصر من غير نكير.
ويجمع هذه المعاني: ما ذكره سيدنا عمرو بن العاص رضي الله عنه وما اورده من
احاديث مرفوعة عن النبي صلى الله عليه واله وسلم في خطبته الشهيرة التي خطب بها
اهل مصر المحروسة على اعواد منبر مسجده العتيق بفسطاط مصر القديمة، وكان ذلك في اواخر
فصل الشتاء، بعد ايام قليلة من(حميم النصارى) وهو “خميس العهد” عند المسيحيين؛ حيث كان يحض
الناس في اواخر شهر مارس او اوائل شهر ابريل على الخروج للربيع، وكان يخطب بذلك
في كل سنة.
وقد سمعها منه المصريون وحفظوها، وتداولوها جيلا بعد جيل، ودونوها في كتبهم ومصنفاتهم، وصدروا بها
فضائل بلدهم، وذكروا رواتها في تواريخ المصريين ورجالهم كابرا عن كابر، واطبقوا على قبولها والاحتجاج
بها في فضائل اهل مصر وجندها عبر القرون؛ لا ينكر ذلك منهم منكر، ولا يتسلط
على القدح فيها احد ينسب الى علم بحديث او فقه؛ بل عدوها من ماثر خطب
سيدنا عمرو رضي الله عنه ونفيس حديثه، ولم يطعن فيها طاعن في قديم الدهر او
حديثه.
وقد اسند عمرو بن العاص رضي الله عنه في هذه الخطبة الحديث المرفوع في وصية
النبي صلى الله عليه واله وسلم باهل مصر خيرا،عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه،
انه سمع رسول الله صلى الله عليه واله وسلم، يقول: «ان الله سيفتح عليكم بعدي
مصر، فاستوصوا بقبطها خيرا فان لكم منهم صهرا وذمة».
واسند ايضا الحديث المرفوع في فضل جند مصر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه
قال:سمعت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يقول: «اذا فتح عليكم مصر؛ فاتخذوا فيها
جندا كثيفا؛ فذلك الجند خير اجناد الارض»، فقال ابو بكر الصديق رضي الله عنه: ولم
يا رسول الله؟ قال: «لانهم وازواجهم وابناءهم في رباط الى يوم القيامة».
– وقد روى هذه الخطبة قاضي مصر الامام الحافظ عبد الله بن لهيعة،ورواها عنه الامامان
الحافظان: ابو نعيم اسحاق بن الفرات التجيبي، وابو زكريا يحيى بن عبد الله بن بكير
المخزومي.فاخرجها مستوفاة من طريق اسحاق بن الفرات عن ابن لهيعة:
الامام الحافظ ابوالقاسم عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم [ت257ه] في “فتوح مصر
والمغرب” (ص: 166-167، ط. مكتبة الثقافة الدينية) فقال: حدثنا سعيد بن ميسرة، عن اسحاق بن
الفرات، عن ابن لهيعة، عن الاسود بن مالك الحميرى، عن بحير بن ذاخرالمعافري، قال:
“رحت انا ووالدي الى صلاة الجمعة تهجيرا، وذلك اخر الشتاء، اظنه بعد حميم النصارى بايام
يسيرة، فاطلنا الركوع اذ اقبل رجال بايديهم السياط، يزجرون الناس،
فذعرت، فقلت: يا ابت، من هؤلاء؟ قال: يا بني هؤلاء الشرط. فاقام المؤذنون الصلاة،فقام عمرو
بن العاص رضي الله عنه على المنبر، فرايت رجلا ربعة قصد القامة وافر الهامة، ادعج
ابلج، عليه ثياب موشية كان به العقيان تاتلق عليه حلة وعمامة وجبة، فحمد الله واثنى
عليه حمدا موجزا وصلى على النبي صلى الله عليه واله وسلم، ووعظ الناس، وامرهم ونهاهم،
فسمعته يحض على الزكاة، وصلة الارحام، ويامر بالاقتصاد، وينهى عن الفضول، وكثرة العيال.
وقال فى ذلك: يا معشر الناس، اياي وخلالا اربعا، فانها تدعو الى النصب بعد الراحة،والى
الضيق بعد السعة، والى المذلة بعد العزة؛ اياي وكثرة العيال، واخفاض الحال، وتضييع المال، والقيل
بعد القال، في غير درك ولا نوال، ثم انه لا بد من فراغ يؤول اليه
المرء فى توديع جسمه، والتدبير لشانه، وتخليته بين نفسه وبين شهواتها، ومن صار الى ذلك
فلياخذ بالقصد والنصيب الاقل، ولا يضيع المرء في فراغه نصيب العلم من نفسه فيحور من
الخير عاطلا، وعن حلال الله وحرامه غافلا.
يا معشر الناس، انه قد تدلت الجوزاء، وذكت الشعرى، واقلعت السماء،وارتفع الوباء، وقل الندى، وطاب
المرعى، ووضعت الحوامل، ودرجت السخائل، وعلى الراعي بحسن رعيته حسن النظر. فحي لكم على بركة
الله الى ريفكم؛ فنالوا من خيره ولبنه، وخرافه وصيده، واربعوا خيلكم واسمنوها وصونوها واكرموها، فانها
جنتكم من عدوكم، وبها مغانمكم واثقالكم، واستوصوا بمن جاورتموه من القبط خيرا، واياي والمشمومات والمعسولات،
فانهن يفسدن الدين ويقصرن الهمم.
حدثني عمر امير المؤمنين رضي الله عنه، انه سمع رسول الله صلى الله عليه واله
وسلم، يقول: «ان الله سيفتح عليكم بعدي مصر، فاستوصوا بقبطها خيرا فان لكم منهم صهرا
وذمة».
فعفوا ايديكم وفروجكم، وغضوا ابصاركم، ولا اعلمن ما اتى رجل قد اسمن جسمه، واهزل فرسه،
واعلموا اني معترض الخيل كاعتراض الرجال، فمن اهزل فرسه من غير علة حططته من فريضته
قدر ذلك، واعلموا انكم في رباط الى يوم القيامة، لكثرة الاعداء حوالكم وتشوق قلوبهم اليكم
والى داركم، معدن الزرع والمال والخير الواسع والبركة النامية.
وحدثني عمر امير المؤمنين رضي الله عنه، انه سمع رسول الله صلى الله عليه واله
وسلم، يقول: «اذا فتح الله عليكم مصر، فاتخذوا فيها جندا كثيفا؛ فذلك الجند خير اجناد
الارض» فقال له ابو بكر: ولم يا رسول الله؟ قال: «لانهم وازواجهم في رباط الى
يوم القيامة».
فاحمدوا الله معشر الناس على ما اولاكم، فتمتعوا في ريفكم ما طاب لكم؛ فاذا يبس
العود، وسخن العمود، وكثر الذباب، وحمض اللبن، وصوح البقل، وانقطع الورد من الشجر، فحي على
فسطاطكم، على بركة الله، ولا يقدمن احد منكم ذو عيال على عياله الا ومعه تحفة
لعياله على ما اطاق من سعته او عسرته، اقول قولي هذا واستحفظ الله عليكم.