سمت معاملات رسول اللهسموا لا يدانيه احد؛ فكانالنموذج والمثل في تعاملاته مع زوجاته واولاده واحفاده، كما كانت معاملاته مع اصحابه مضرب الامثال؛
فكان يخاطب كل صحابي بلغة تصل الى قلبه قبل عقله وذهنه؛ لذلك احب الصحابة النبي
حبا ملك عليهم افئدتهم. وكذلك كانت تعاملاتهمع جنوده؛ فكان معلما ومربيا غرس في نفوسهم وعقولهم المبادئ السامية التي تفوق كل المبادئ
التي عرفتها الانسانية؛ فكانت معاملاته دليلا على نبوته.
وقد شاء الله I ان يخلق الانسان من ذكر وانثى، وان تكون احدى سننه واياته
التزاوج بين هذين الجنسين، فقد قال تعالى: {ومن اياته ان خلق لكم من انفسكم ازواجا
لتسكنوا اليها وجعل بينكم مودة ورحمة ان في ذلك لايات لقوم يتفكرون} [الروم: 21]. فالسكينة
والرحمة والمودة من اعظم ايات الله في الزواج.
وكانت حياة رسول اللهالزوجية تطبيقا لهذه المعاني القرانية؛ لذلك نجدهيكثر من وصية اصحابه بالمراة، ويحث الازواج ان يعاملوا ازواجهم معاملة حسنة مستمدة من اية
الزواج القائمة على المودة والرحمة، فيقول رسول الله: “خيركم خيركم لاهله، وانا خيركم لاهلي”[1].
صور من علاقة رسول الله بزوجاته
امثلة وصورا رائعة من خلال علاقته مع زوجه؛ فتجده اول من يواسيها، يكفكف دموعها، يقدر
مشاعرها، لا يهزا بكلماتها، يسمع شكواها، ويخفف احزانها؛ فكان مثالا يحتذى، وقدوة حسنة يستفيد منها
البيت المسلم على مر القرون والازمان؛ فعن انس انه قال: بلغصفية ان حفصة قالت: بنت
يهودي. فبكت فدخل عليها النبيوهي تبكي، فقال لها: “ما يبكيك؟” فقالت: قالت لي حفصة: اني بنت يهودي. فقال النبي
: “انك لابنة نبي، وان عمك لنبي، وانك لتحت[2] نبي، ففيم تفخر عليك؟” ثم قال:
“اتقي الله يا حفصة”[3]. ضرب رسول الله
كما وصفت السيدة عائشة -رضي الله عنها- حال رسول اللهكزوج داخل بيته، فقد كان“يخصف نعله[4]ويرقع ثوبه[5]”[6]. فكان تعامله مع زوجاته من منطلق الرحمة والحب، كما انه تعامل ايضا
من منطلق انه بشر مثل باقي البشر الاسوياء، الذين لا يرون غضاضة في مساعدة ازواجهم.
ومن عظيم محبته لهن -رضي الله عنهن- انهكان يشاركهن الماكل والمشرب من نفس الاناء، فعن عائشة –رضي الله عنها- انها قالت: “كنت
اشرب فاناوله النبي، فيضع فاه على موضع في, واتعرق العرق[7] فيضع فاه على موضع في”[8].
وكان يخرج معهن للتنزه لزيادة اواصر المحبة، فيروي البخاري: “كان النبياذا كان بالليل سار مع عائشة يتحدث”[9].
وكان كثيرا ما يمتدح زوجاته، فها هو ذا رسول اللهيمتدح عائشة -رضي الله عنها- قائلا: “ان فضل عائشة على النساء كفضل الثريد[10]على سائر الطعام[11]”[12].
كما تجلت رحمته ورافتهعلى زوجاته حينما دخل على زينب بنت جحش -رضي الله عنها- فوجد حبلا ممدودا بين
الساريتين، فقال: “ما هذا الحبل؟”. قالوا: هذا حبل لزينب[13] فاذا فترت[14] تعلقت[15]. فقال رسول الله
: “لا، حلوه ليصل احدكم نشاطه، فاذا فتر فليقعد”[16].
وكثيرا ما يحلم رسول اللهعلى زوجاته، ويقابل جفوتهن بصدر رحب، وبشاشة وحب، فقد استاذن ابو بكرعلى النبيفسمع صوت عائشة -رضي الله عنها- عاليا، فلما دخل تناولها ليلطمها، وقال: لا اراك ترفعين
صوتك على رسول الله. فجعل النبييحجزه[17]، وخرج ابو بكر مغضبا، فقال النبيحين خرج ابو بكر: “كيف رايتني انقذتك من الرجل؟!” فمكث ابو بكراياما، ثم استاذن على رسول الله، فوجدهما قد اصطلحا، فقال لهما: ادخلاني في سلمكما كما ادخلتماني في حربكما. فقال النبي
: “قد فعلنا، قد فعلنا”[18].
كما كان رسول اللهيقابل غيرة زوجاته مقابلة فيها كثير من الحلم والاناة، واعطاء كل زوجة حقها من التقدير
والاحترام، فها هي ذي عائشة -رضي الله عنها- تغار من كثرة ذكر الرسول لخديجة -رضي
الله عنها- وشدة حبه لها، رغم وفاتها قبل ان يتزوج رسول اللهعائشة، فتقول –رضي الله عنها- في ذلك: ما غرت على احد من نساء النبيما غرت على خديجة قط، وما رايتها قط، ولكن كان يكثر ذكرها، وربما ذبح الشاة،
ثم يقطعها اعضاء، ثم يبعثها في صدائق[19] خديجة، وربما قلت له: كانه لم يكن في
الدنيا امراة الا خديجة. فيقول: “انها كانت وكانت[20]، وكان لي منها ولد”[21].
ورغم ما كان يجد النبيفي بعض الاوقات من نسائه، الا انه لم يضرب امراة له قط كما قالت عائشة
رضي الله عنها: “ما ضرب رسول اللهامراة له قط…”[22]. بل كان يواسيها عند بكائها لاي سبب من الاسباب، فيروى “ان صفية
-رضي الله عنها- خرجت مع رسول اللهفي سفر، فابطات في المسير, فاستقبلها رسول اللهوهي تبكي, وتقول: حملتني على بعير بطيء. فجعل رسول الله يمسح بيديه عينيها ويسكتها…”[23].
كما اشرك النبيزوجاته في مواقف عظيمة كثيرة، واحداث تهم الامة باجمعها، ففي يوم الحديبية[24] امر رسول الله
اصحابه ان ينحروا الهدي ثم يحلقوا، فلم يفعل ذلك منهم احد، وردد ذلكثلاث مرات دون ان يستجيب احد الى امره، ولما لم يستجب احد الى امره، دخل
رسول اللهعلى زوجه ام سلمة[25] -رضي الله عنها-، فذكر لها ما لقي من الناس، فقالت: يا
نبي الله، اتحب ذلك، اخرج لا تكلم احدا منهم كلمة حتى تنحر بدنك، وتدعو حالقك
فيحلقك. فخرج فلم يكلم احدا منهم حتى فعل ذلك؛ نحر بدنه، ودعا حالقه فحلقه، فلما
راوا ذلك، قاموا فنحروا، وجعل بعضهم يحلق بعضا حتى كاد بعضهم يقتل غما[26]، ورغم خطورة
هذا الموقف الا ان رسول اللهاستحسن راي ام المؤمنين ام سلمة رضي الله عنها، فكان خيرا وبركة على الامة كلها.
والناظر الى سيرتهيجد ان رسول اللهكان يقدر ازواجه حق التقدير، ويوليهم عناية فائقة ومحبة لائقة، فكان نعم الزوج.