احلى مواضيع جديدة

اسرار الحروف العربية

اسرار الحروف العربية 1C5568756Ae4212A47F85Aa8Efb776E2

اسرار الحروف العربية 1C5568756Ae4212A47F85Aa8Efb776E2

 

بسم الله نبتدي وبنوره نهتدي وبمحمد صلى الله عليه وسلم نقتدي ، اما بعد :

فان الخاطرة بنت اللحظة، فان اقبلت اليها واخذت بيديها فهي لك، وان سوفت او توانيت
فقد لا تعود اليك، وان عادت عادت مكرهة تجذبها فلا تنجذب، فاظفر ببنات افكارك كلما
عن لك خاطرة او عرضت لك نادرة، وكما قيل:

اذا هبت رياحك فاغتنمها فان لكل خافقة سكون

وان درت نياقك فاحتلبها فما تدري الفصيل لمن يكون

وكل من عرف وغرف غني عن قولك : ان الخاطرة تلد الخاطرة والنادرة تقود الى
النادرة، بل ان كل فعل يطلب فعلا، واقرب الامثلة ان الحسنة تلد الحسنة والسيئة تطلب
السيئة.

ومن هذا المنطلق جئت اغتنم ما عن لي يوم ان عن لي، ونافذة ما عن
وسببه انني كنت اقرا قول ابن كثير في البداية والنهاية – وقد اشار الى ما
ذكره ابو جعفر بن جرير عن رواية سيف بن عمر – (( وملخص ما ذكره
هو وغيره ان ابا عبيدة لما فرغ من دمشق كتب الى اهل ايليا يدعوهم الى
الله والى الاسلام، او يبذلون الجزية، او يؤذنون بحرب، فابوا ان يجيبوا الى ما دعاهم
اليه، فركب اليهم في جنوده، واستخلف على دمشق سعيد بن زيد، ثم حاصر بيت المقدس
وضيق عليهم حتى اجابوا الى الصلح بشرط ان يقدم اليهم امير المؤمنين عمر بن الخطاب،
فكتب اليه ابو عبيدة بذلك))[1] .

ثم ان عمرا رضي الله عنه “سار حتى صالح نصارى بيت المقدس، واشترط عليهم اجلاء
الروم الى ثلاث، ثم دخلها اذ دخل المسجد من الباب الذي دخل منه رسول الله
صلى الله عليه واله وسلم ليلة الاسراء”[2].

هذا كما قال ابن كثير “سياق سيف بن عمر، وقد خالفه غيره من ائمة السير،
فذهبوا الى ان فتح بيت المقدس كان في سنة ست عشرة [3].

وتابعت القراءة فعلمت اشياء واستذكرت اخرى مما يتصل بفتح بيت المقدس واسترداده وانه في سنة
ثلاث وثمانين وخمسمائة استعاده صلاح الدين الايوبي من الصليبيين، وظللت اقرا واقرا، واقلب في مجلداته
واجزائه كقوله “ودخل السلطان والمسلمون البلد يوم الجمعة قبل وقت الصلاة بقليل، وذلك يوم السابع
والعشرين من رجب، قال العماد: وهي ليلة الاسراء [ والمعراج ] برسول الله صلى الله
عليه واله وسلم من المسجد الحرام الى المسجد الاقصى، قال ابو شامة وهو احد الاقوال
في الاسراء”[4] .

ثم ساق الحافظ بن كثير – وهنا الشاهد والنافذة والسبب – فائدة فقال تحت عنوان
( نكته غريبة) “قال ابو شامة في الروضتين: وقد تكلم شيخنا ابو الحسن علي بن
محمد السخاوي في تفسيره الاول فقال: وقع في تفسير ابي الحكم الاندلسي يعني ابن برجان
في اول سورة الروم اخبار عن فتح بيت المقدس، وانه ينزع من ايدي النصارى سنة
ثلاث وثمانين وخمسمائة. قال السخاوي : ولم اره اخذ ذلك من علم الحروف، وانما اخذه
فيما زعم من ﴿ الم . غلبت الروم . في ادنى الارض وهم من بعد
غلبهم سيغلبون. في بضع سنين لله الامر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون﴾[5]، فبنى
الامر على التاريخ كما يفعل المنجمون، فذكر انهم يغلبون في سنة كذا وكذا ، ويغلبون
في سنة كذا وكذا على ما تقتضيه دوائر التقدير، ثم قال وهذه نجابة وافقت اصابة
ان صح، قال ذلك قبل وقوعه، وكان في كتابه قبل حدوثه، قال وليس هذا من
قبيل علم الحروف، ولا من باب الكرامات والمكاشفات، ولا ينال في حساب، قال وقد ذكر
في تفسير سورة القدر انه لو علم الوقت الذي نزل فيه القران لعلم الوقت الذي
يرفع فيه”[6].

وبدات بادي الامر اقلب قول السخاوي “فبنى الامر على التاريخ كما يفعل المنجمون”، فقلت في
نفسي اذا كان قد عرف عن ابن برجان الامعان في علم الحروف حتى استعمله في
تفسير القران، فلماذا يحاول بعضهم القول بانه لم ياخذ ذلك الكشف عن علم الحروف وانما
بنى امره على التاريخ كما يفعل المنجمون؟ اليس الامر واضحا؟ ان مثل هذا القول بحقه
لا يعدو كونه غمطا او تخمينا لا داعي له، ولو كان من فعل المنجمين بعيدا
عن علم الحروف لاستطاعه كثيرون غيره فعملوا مثلما عمل، ولكن لما كان علم الحروف عزيزا
عز على البقية ان ينالوا مثل ما نال، ولو بقي لبقي من علمه ما يستفاد
منه، الا ان حسد الاقران ووشاية الخلان كانت سببا في وفاته رحمه الله .

وفي غفوة او صحوة – لا ادري ايهما – برقت لي بارقة ظللت اسير بنورها
واتبصر هذا الحرف او الحريف الصغير الضئيل، وهذه الالة التي لا يبالي بها الصبيان ومعلموهم،
واتامل كونها في حقيقة امرها اوسع مما يتعلمونه واعمق مما يفهمونه، فكما انها علم في
ايد فهي ايضا معجزة في يد اخرين، فالحرف بمفرده علم، وهو علم بمركبه، وعلم برسمه.

اما بمفرده فقد الف العلماء الكتب في اسرار الحروف، واستدلوا بها على امور غريبة وعجيبة
في مجالات شتى، وربما استخدموها في امور لا نعلم لصحتها مدى كرفع صداع او داء
او غير ذلك، ووضعوا لها ما يعرف بحساب الجمل التي تحكي مقادير معينة من الارقام
لكل حرف من حروف العربية، فالالف في حساب الجمل عبارة عن واحد، والباء اثنان، والجيم
ثلاثة، وهكذا، ثم الياء عشرة والكاف عشرون، وهكذا، ثم الراء مائتان والشين ثلاثمائة وهكذا حتى
تصل الف.

وقد جمعوها – مرتبة على هذا النسق الحسابي – في قولهم : (ابجد هوز حطي
كلمن سعفص قرشت ثخذ ضظغ) . ويقال ان هذا كان ترتيبها عند الساميين قبل ان
يرتبها نصر بن عاصم الليثي الترتيب الهجائي التي هي عليه اليوم من الالف الى الياء.

واما الحروف المركبة فهي ما تجده في كلماتك، وتكونه في كتاباتك، فتضع حرفا على حرف
لتكون كلمة ثم جملة ثم مقالا، وهذا ما نسميه لغة ثم بلاغة ثم ابداعا، والمعنى
ان هذا التركيب سر بل اسرار وعلم بل علوم لا يحيط بها الا المحيط -سبحانه-
ومنها وبها خرج الادباء والبلغاء والخطباء والشعراء والمبدعون، وخرج المؤلفون والمقننون والمقعدون والممنهجون والفلاسفة وعلماء
الصوتيات والمنطق وغيرهم.

اما علم رسم الحروف وما فيه من روحانية وحياة وتجسد وتصور فلا يخفى على من
منحه الله ملكة حسن الخط وفن الابداع. فكم هو ساحر ذلك الحرف الجميل المحتبي بمفرده
احتباء القاف، او المطرق اطراقة الميم، او الراقد على بيضتيه رقود الحبارى، او الكاعب وقد
جمعت بين عقبيها وباعدت بين ساقيها عفيفة لا تمل قول لا، او استرخاء العين واحتشامها،
او تثعبنها وقد انسابت بين تلك الحروف والجمل كسين او تاء مدت ذراعها كما في
خط الديوان والثلث، في تصور غريب عجيب لا تنتهي صوره ولا يمل ناظره.

فمهما بقيت تخط بريشتك فلن تاتي على جميع صور الحروف وتشكلاتها، فالثعبانية والناعمة والحانية والحزينة
والمحتبية والمتقرفصة والمنعطفة والمختجلة والرقيقة والانيقة والدقيقة والرشيقة، وكانها باستمرارك في توليد الحروف واستمرارها في
توليد الصور اشبه ما تكون في وجوه الناس، فعلى كثرة ما يلدون لا تجد رجلا
يشبه رجلا، وهكذا انت بخطك وريشتك. فلو كتبت الحرف مئات المرات لما شابه احدها الاخر،
وكلها غاية في الروعة والحسن والجمال.

وهذا التوالد والتبريك غير المنقطع يذكرني بتلكم الشجرة الطيبة المباركة التي اصلها ثابت وفرعها في
السماء، تلكم النخلة الباسقة السامقة المؤتية اليانعة الموقرة، وسر الشبه بينهما انك مهما زرعت من
نواها فلن تجني من واحدة كالاخرى، فلو اخذت نوى عذق واحد فاستنبته كله فنبت لما
ظهرت منه نخلة واحدة في طلعها كالاخرى، فكل عجمة او نواة سيتولد منها كائن جديد
بطعمه وخصائصه مهما استمررت محاولا، وهي بلا شك زيادة في الطيب والبركة.

كما تجده عينه في الحرف، فلا يزال يتوالد منهما طيب وجديد ومفيد، ومن هذا المعنى
جاء وصف المؤمن بالشجرة الطيبة، فلا يزال يخرج منه ويصعد كلام طيب وعمل صالح.

فالحرف اكبر مما تتصوره، واوسع في معناه ومبناه مما تفهمه وتراه، واشبه ما يكون الحرف
بجزيء روح او طاقة، ولكن الغالب من الناس لا يعرف عن الحروف الا تركيب بعضها
الى بعض لتكوين كلمة تحمل معنى معينا بغية ايصاله الى اخر، وكان الحروف لديهم وسيلة
تواصل او اوعية نقل فقط، وكان الحرف ساع كساعي البريد.

والحقيقة ان الحروف حياة او روح يصنع منها المستطيع طاقة نورانية عجيبة بقدر تمكنه واقتداره،
وكلما استطاع توظيف كلماتها وتركيبها التركيب الروحاني كلما تشربتها النفوس فنقلتها الى وعي نوراني تهتز
له الرؤوس وتسرح به النفوس.

وهذا ما يجعلك في شوق الى اعادة ما سمعت وما قرات، وربما لا تمله ولو
اكثرت ترداده، لان في كل حرف منه اكثر مما وضع له، وهذا ما تجده جليا
في القران.

ولهذا السبب تجد المفسرين لا ينتهون من تفسير القران ما كثروا، وكل مفسر يجيء من
بعد مفسر يخرج بتفسير جديد ومفيد، ولو كان القران كلمات خبرية لا نور فيها ولا
روحانية لكفى الناس تفسير واحد ومفسر واحد، ولصار كل تفسير من بعده تحصيل حاصل، هذا
ان لم يكن محل انتقاد وسخرية، ولكن الذي تراه في الجملة وفي المفسرين غير ذلك.

ولهذا كثر المفسرون ولا زالوا، لان كل مفسر يغرف من حرفه، فلا ينضب نوره ومعناه،
وتبقى بعده بقية باقية لمن خلفه ممن يجيء بعده، وكانه شمس حتى لو اخذ منها
كل بمراته لظلت كما هي ساطعة لامعة لا ينقص ضياؤها ولا ينقضي نورها، بل المرايا
تزيدها نورا وسطوعا، وهذا ما تجده ايضا في غير القران مع الفارق بين كلام الله
وكلام من صنع البشر، ولكن هذه الاحرف والكلمات، وهذه الملكة التي تعاملت معها – فاخرجتها
بذاك الوحي الروحاني النوراني – هي من الله وباذن الله.

انظر مثلا الى قصيدة من احد الشعراء النوابغ الفحول، كم شارح قد شرحها؟ وكم حافظ
قد حفظها؟ وكم مرة ترنم بها حافظها ورددها؟ وكم مرة تمثل في بعض ابياتها واستقوى
بها في جداله ومواعظه؟ ثم انظر الى دوام بعض الامثال وبقاء الحكم وطول اعمارها، ما
الذي جعل هذه الحكمة او ذلك المثل يبقى مئات السنين وربما الافها؟ وما الذي امات
بعض الحكم ساعة مولدها في مهدها وفي مجلسها؟ انه ما وراء الحرف من معان، واسرار،
وايحاءات، وابداعات، وجمال، ورقة، وسهولة، وبعد، وتجليات جعلتك -كلها مجتمعة- تنتقل من حيث لا تشعر
وبطرفة عين الى عالم من نور، لان هذه كلها في هذا التركيب الحرفي الرمزي الذي
وافق سرا من اسرار الكون قطعة من نور، وكان الحروف مفاتيح انوار، كلما احسنت تاليف
اسنانها او ارقامها وترتيبها كلما احرزت قدرا اكبر من النور، ودخلت افقا اعلى وارحب.

وكلما تلعثمت الاذهان في نسق اسرارها كلما خفت نورها او انعدم، فصارت كلاما مبتذلا، بل
كلما اسات ترتيبها كلما اظلمت واظلم معناها فصار اسلوبك سببا في قدحك لا مدحك وفي
ابعادك لا اسعادك.

ويزيدك تاكيدا لهذا المعنى النوراني انك اذا الفت عددا من الحروف على شاكلة قول معلوم
من الحديث او الكتاب حدث لك بها حدث في هذا الكون، لانها وافقت رمزا او
معنى مرادا في هذا الكون، فلو وضعت حرف ( ح ) مثلا ثم الحقت به
ميما ثم دالا، وعرفتهما بال، ثم قلت (الحمد لله) لحدث لك ما تعلم، ولو ادخلت
حرفا لا يستقيم مع معنى هذه الحروف الثمانية لما حدث لك ما تحدثه تلك الجملة.

وهذه الحروف الثمانية تستعمل ايضا كلها منثورة او متفرقة في جمل كثيرة من اللغة، ولكنها
مع كل كلمة تفتح سرا مختلفا عنها في جمل اخرى.

وفي هذا السياق صل ما تقدم بما تعرفه عن جملة عظيمة ليس فيها الا حرف
اللام تقريبا، تلك الجملة التي لو وضعت في كفة ووضعت السماوات والارض في كفة لرجحت
بهن، انها كلمة التوحيد، كلمة (لا اله الا الله)، فما معنى ان هذه الحروف فقط،
وبهذا الترتيب، هي التي تحدث هذه العظمة وهذا الرجحان، وذلك التصديق والايمان، وتلك الحسنات والغروس
عند ترديدها؟ جرب ان تحذف منها حرفا، او ان تعبث في ترتيب احد حروفها، او
ان تقحمها حرفا اخر ليس منها، ثم انظر كيف ينتقل معناها وينقلب مؤداها الى حال
لا تمت لها بصلة، بل لربما سار بك تركيبك وهندستك الى نقيض ما كانت عليه
في عائدها ومؤداها.

اما كونها جملة لامية لا حرف فيها غيرها، فان الهاء لا مخرج لها كبقية الحروف،
فالهاء جوفي هوائي، ضع مثلا همزة مفتوحة ثم ضع بعدها حرفا ساكنا، وليكن الهاء، ثم
انطق، فانظر من اين يكون مخرجه، ثم جرب عددا من الحروف. فلن تجد في كلمة
التوحيد غير اللام، حيث مخرجها مشاركة بين طرف اللسان والاسنان.

اما الهمزتان في جملة لا اله الا الله فمخرجهما بخلاف ما يذكره اساتذة التجويد وغالب
علماء الصوتيات، من انها تخرج من اقصى الحلق، ولكن الصحيح انها تخرج من الحنجرة نفسها
ولا علاقة بينها وبين الهاء او ما سواها مما يختص مخرجه بالحلق، فهي الحرف الوحيد
الذي يخرج من الحنجرة، وكانها الحرف الوحيد الذي يخرج بغير هواء، فلا حاجة لها فيه.

ولك ان تكرر ما فعلت من قبل، فضع الفا ثم همزة ساكنة (هكذا: اء)، ثم
رددها حتى يتبين لك ما ترى.

اما الالفات في كلمة التوحيد فقل فيها ما قلته في الهاء، وكي تتبينها قل (ا)،
او (اا) وانظر هل للالف الثانية مخرج ام لا؟ وكانها هي الشيء الوحيد الذي ليس
هو بحرف وليس له مخرج، وكانه موضوع كي لا يلتمس ما قبله بما بعده، وكانه
فاصل لسر لا يدركه المتكلم، ولكنه بالغ الاهمية في فرز الكلمات وتجزئة الكلمة الواحدة احيانا.

وليس عجيبا كونه انه الحرف الوحيد في اللغة الذي لا يقبل الحركة، فنحن نقول ساكنا،
وهو في حقيقته ليس حرفا كي تبحث له عن حركة او سكون، كما يزيدك ثقة
فيما انت فيه الان ان بعض المتحدثين كالوعاظ مثلا اذا ابطات عليه الكلمة وهو بصدد
قولها ظل يطلبها بصوت لا حروف فيه حتى يجدها، فتراه يستمر بصوت شبيه بقولك (ا).

وامر اخر حري بك ان تتفطن له وهو ان لو كان الالف حرفا لصارت حروف
الهجاء تسعة وعشرين، فلا تنخدع بقولنا الف باء تاء، بل هي همزة باء تاء، الخ.

واذا علمت هذا السر في تركيب الحروف وما تحمله بعد ذلك الكلمات من رموز ومفاتيح
فحري بك ان تحرص ما استطعت في دعائك على الجمل والعبارات الماثورة، لانها حرية بالموافقة
والقبول اكثر مما لو كانت من تاليفك واجتهادك.

ولا يعني هذا انك لن تجد شخصا قد يلهمه الله عبارة نورانية كتلك الماثورات، ولكن
اجتهادك ان تدعو بما ورد ادعى للقبول.

ومما يدلنا على ان الحرف شيء اخر غير ما يفهمه الناس اننا لم نر او
نسمع ان احدا وهو يقرا قد نسي مرة نطق احد الحروف في كلمة ما، او
تلعثم في اخراجه كما لو اراد ان ينطق الراء في كلمة (غيرهم) فجعلها باء مثلا،
او جعلها ثاء او اي حرف من حروف الهجاء غير الراء، وانت تعلم ان كل
شخص قد مر عليه ان تلعثم يوما في نطق كلمة ما، او نداء شخص ما،
فناداه باسم اخيه او باسم زميله خطا، وربما ذكر ثلاثة اسماء قبل ان يوفق الى
نطق الاسم الصحيح لذلك الشخص المنادى، فلماذا لا يحصل مثل هذا في الحرف داخل الكلمة؟
وكل تاويل او تبرير ستذكره سادفعه بقولي لماذا.

فلو قلت مثلا : ان اللسان تعود على نطق الحرف بتلك الصورة اللفظة، فساقول لماذا
تعود؟ لماذا صار هذا النطق ملازما لذلك الحرف؟ لماذا لا تخلط بين نطق الحروف احيانا،
لا سيما مع السرعة في القراءة او الحديث؟ لماذا لم يتعود لسانك على نطق اسم
ابنك بدون خطا او تلعثم، ولكن الحقيقة التي لا محيص عنها هي ان هذا سر
انعم الله به على الناطقين، ولا اظنك ستجد شيئا في هذه الدنيا لا يخطئ به
البشر الا نطق الحروف.

وبالعودة الى سر الحرف ومواقع حروف الكلمات، وموافقتها حال انطلاقها من القلب الى نور او
فتح كوني الله اعلم به، وبتامل ما تقدم بشان لا اله الا الله، تدرك اشياء
كثيرة سوف تخطر لك في يومك وليلك، وتستنج ان الحرف كلما وافق سره كلما اضاءت
لك في الكون ناحية، وكلما قارب سره كلما كان دون ذلك، فقل النور او خفت،
ومن هنا صار الماهر في قراءة القران مع السفرة الكرام البررة، لانه وافق سر كل
حرف وقع عليه لسانه، فكانه ابلغ في نوره حتى وصل درجة نورانية لا يحرزها المتلعثم
فيه ممن لا يجيد التشكيل، حيث اخفق هذا الاخير في هندسة الاسرار وتركيب الرموز.

وبعض الجمل كما تعرف جاهزة متاحة قد تمت صناعتها، فما عليك الا توظيفها او التلفظ
بها ليحصل لك مؤداها، كجملة (سبحان الله والحمد لله) ونحوهما، بل والقران كله.

وهناك من الكلمات النورانية ما لا يصل اليها كل ذهن، اي قليل هم الذين يفتح
الله عليهم فيقعون على نسق من الحروف يهدي الى نور لم يسبقوا اليه، بل قد
لا تعرف كتابته في علم ما بعد القلم، كما حصل ذلك من الصحابي الذي ابتدر
كلمته بعد ان رفع من ركوعه اثنا عشر الف ملك ايهم يكتبها اولا، ثم انهم
لم يعلموا كيف يكتبونها حتى قال الله اكتبوها كما قال عبدي.

وانت تعلم ايضا ان هناك مجموعة من الحروف لو اهتدى اليها لسانك لاصبحت اسعد الناس.
ولكن الله اخفاها عن ان تكون عند كل احد، ذلكم اسم الله الاعظم، فتامل كيف
اذا ائتلفت تلك الحروف شقت لك الحجب فلا ترد لك دعوة ولا يمتنع سؤال، وكانها
مفاتيح لمعان او انوار او قدسيات، بل هي كذلك.

ولطيف السر الذي ادعوك لتامله هنا هو تفاوت الاسماء في التاثير مع انها لمسمى واحد،
فكلمة الله والحي والواحد وغيرها تدل كلها على ما يدل عليه اسم الله الاعظم، فما
الذي جعل هذه الحروف تختلف في الفعل والتاثير عن حروف كلمة الرحمن مثلا؟ وتامل بنحو
ما تقدم ما يفتح الله به على نبيه محمد صلى الله عليه واله وسلم يوم
القيامة من المحامد وحسن الثناء ما لم يفتحه على احد من قبله، ثم يقال: يا
محمد، ارفع راسك، سل تعطه، واشفع تشفع .

وبعد ان علمت ما علمت اراه من الجميل ان الفت نظرك الى انه امامك متسعا
او فضاء سحيقا لتعمل فيه افلاك خيالك فتعود الينا بكشف قد يحل بعض اسرار حروف
فواتح السور، فما معنى ق؟ وما معنى طسم؟ ولماذا فاتحة السور؟ ولماذا وضعت ونحن الى
اليوم لا نعرف لها اي معنى؟ هل الحرف كلمة؟ هل الف لام ميم جملة؟ ما
الجامع بين سور البقرة وال عمران والعنكبوت والسجدة وغيرهن كي تكون فواتحها (الم)؟

ان الحروف لاسرار بين يديك، وان كانت موهبة في رسمها الا ان نطقها لا يحتاج
الى رسم، فليست نقطا وانحناءات وزوايا، بل ان الاول لم ينقط، ولكن الفاقد لا يعطي
والجاهل لا يدري، ولذا كانت قيمة الملكة ومتعة المواهب، فما معنى الملكة عند من يملكها؟
وما قيمتها عند من لا يملكها؟ ايا كانت، شعرا او ادبا او رسما او فنا،
ذلك ان الله اودع في ذهنك او في كينونتك حسا يحسن موافقة الاسرار النورانية الكونية،
فاذا اتجهت الى شعرك او ادبك او فنك سهل عليك تلمس ما تشاء بفضل ما
اودعه الله فيك من الة نورانية نسميها الملكة او الموهبة او الذائقة، وهي بلا شك
نعمة عظيمة واية عظيمة.

وهناك من يوظفها كما ارادها الله فتجعله يسبح في فلك الله منتظما مع كائناته كما
تسبح الكواكب والمجرات، كشاعر مكافح منافح، او عالم فذ شرح وطرح، او اديب او رسام
او نحو ذلك، وهناك من يبتغي بها غير ما اراد الله، فهي كيد اساء صاحبها
استخدامها او كلسانه، او هي كنعمة ذكاء او دهاء او شكيمة.

فالقصد ان الحرف سر اذا ائتلف مع سر اخر اصبت منه ما علمت مما سبق،
ومن الحروف ما تم وضعه وتجهيزه مسبقا ليصيب معنى معينا كما وضعت الافعال والاسماء، تامل
مثلا قولك: (اليك عني) ،اي: اذهب بعيدا، او ابتعد عني.

فلو جزاتها لوجدتها كالتالي: (الى ك عن ي) ، حرفي جر وضميرين، فلا صلة لها
بالاسماء والمسميات على تفصيل في الضميرين لا يتسع له المقام هنا.

فالضمير ليس اسما وانما رمز لشيء، ومما يدلك على ذلك ان المد المنفصل في التلاوة
غير معتبر مع الضمير، لانه لا يقوى عليه، كقوله تعالى: (انا احيي)، وقوله: (انا اخوك)،
وقوله: (بدانا اول)، وغيرها، فليس اسما، وليس هو ككل كلمة.

فالحرف بمفرده – مع عظم شانه – لا يعدو كونه بيننا وفي نظرنا كائنا لا
وزن له، كمثل ذلك الرجل الذي غصت المكتبات بكتبه، وصنع الرجال وعلم الاجيال بعلمه وادبه،
فلربما رايته مرة غافلا او رثا يتسوق او مستلقيا نائما لا تجد فيه تلك الصورة
النورانية الساطعة اللامعة التي ارتسمت له في ذهنك عبر السنين من خلال ما قرات له
وسمعت عنه.

فاذا وضعته في المكان الصحيح وتبوا مقامه او منبره اشرقت الكائنات من حوله مما يبعث
في النفوس ويقول، وكانه مشكاة نور او مفتاح حجاب، فكذلك الحرف، تراه تافها لا تابه
به حتى اذا انتظم مع غيره تجلت قيمته فحكم في المعنى وقضى، واذا فهمت هذا
فعليه ومن هامشه لا بد لك ان تفهم امرين لا ينبغيان، احدهما صنو الاخر.

اما الاول فهو استحقارك نفسك فيما تجد وتقول، فالناس وان استهوتهم الهمزة واللمزة فانهم ينظرون
اليك حال حديثك اليهم وكانك شيء كبير، فكلامك مهما قل فهو ذو اثر، لانهم لا
يحسون بما تجده انت في نفسك من تهيب او ضعف او انتقاص او قصور، ولانهم
في دور المستمع الذي لا يحرك ذهنا في تكوين او استباق ما ستقول، فهو مستمع
سالب هنا، فيعظم في نفسه كل ما تهديه وتصنع له من افكار ومن معان جاهزة
لم يشق في حصولها طرفة عين، بينما انت في دور الصانع او المضيف، فقد يصنع
الصانع او الحرفي سلعة او الة تعجب ناظريها وقد كان في خجل من امره يوم
ان كان يجمع خيوطها واعوادها من سواقط الاسواق، لان الناس راوها جاهزة بعدما كانت، بعد
ان تخلقت وشخصت بشكلها الذي كان، بينما كنت انت صحيبا لها مذ كانت فكرة عائمة
منقوصة، فكنت مصاحبا لها منذ قطيعاتها الاولى قبل ان تكون شيئا يجمع له الذهن فيرتسم
له صورة خاصة به.

ومن هنا قال الناس: (من عرفك صغيرا حقرك كبيرا)، لانه – اول ما راك –
لم يرك بعد اكتمالك، وانما كان معايشا لك منذ قطيعتك الاولى ولحيمتك الضئيلة، فكانه كان
يعيش بداخلك او بداخل احداثك فلا يفجؤه منك غريب مهما كبرت وكبرت اعمالك.

وهكذا يرى من نفسه صاحب الحرفة المبتدئ، وهكذا يرى المتحدث لمعايشته احداث كلمته داخل ذهنه
حين يلقيها، فربما ارتبك في تقديم او تاخير او حذف او تبديل من غير ان
يحس به المستمعون، فذهنه مليء بالحركة والربط والتغيير والاستبدال والتاخير والتقديم والذكر والنسيان والاغراء والاحتراز،
فتهتز ثقته بنسب متفاوتة، بينما المستمع لا يرى منه ولا فيه شيئا من ذلك كله،
ولا يحس بغير ما يلامس اذنيه من كلامك المنظم المنضبط الجميل.

اضف الى ذلك ان المتحدث يحصي من نفسه كل عثرة مهما كانت، فتعظم امامه وتشغل
باله، بينما المستمعون هم من مشارب شتى، فما يراه المتحدث اخفاقا في هذه العثرة قد
يراه اخرون صوابا، وما يراه تقصيرا قد يراه الاخر حكمة ونباهة وما يفطن له بعضهم
من حركة او زلة بدنية او فكرية قد تفوت على كثيرين، وان لم تفت فقد
لا يدركونها او قد يؤولونها.

فالمحصلة انه يتعذر على اي مستمع ان يحصي جميع ما احصاه المتحدث على نفسه، فلتكن
اكثر جدية ورجولة في تعاملك معهم اذا حدثتهم باي حديث لانهم يرونك اكبر مما تراه
في نفسك، ويستمعون اليك اكثر وافضل مما تعتقد، وربما انشرحوا اليك باجمل مما تعطيهم، وهذه
تشرحها لك قصائد الشعر اكثر، كمقولة المتنبي: (ابن جني اعلم بشعري مني).

فاحذر ان تستعين بما يضحكهم كفعل كثير من المنهزمين، فان مستمعيك منجذبون ومستسلمون الى حديثك
اكثر مما تمليه عليك ظنونك ووساوسك.

وهنا يبرز تنبيه لا بد منه، وهو الحذر من ان تحط من قيمة ما عملت
فتقلله باعينهم، كان تقدم بكلمتين قبل عرضك انتاجك او محاضرتك، تنتقص بهما ما ستقدم وكانك
اقل مما يطمعون، فتجعلهما اعتذارا ابتدائيا كي تقي نفسك انتقادا محتملا. وهذا الفعل كما انه
يخدش كبريائك في نفوس مستمعيك فان فيه تحطيم لك نفسك بمعولك، وكانك حينما وقفت تبذل
في منتوجك وتحقره كانك لا تجد في نفسك قوة العزيمة التي تجعلك ندا او قدا
لمهارة هذا الفن.

فاذا اعجب الناظرين ثم غمروك بمديحهم والثناء انتشيت ساعتها فتسلقت على اكتاف كلماتهم مرتبتك التي
تقاصرت عنها قبل قليل، فالفضل او بعضه لهم وليس لك لانهم هم الذين حملوك على
اكتاف كلماتهم، ولست انت الذي ارتقى، بل انت الذي قزم وتقاصر والذي اعجزته شجاعته من
ان ينهض بقدر ابداعه فخذلت نفسك وغمطت ابداعك، وانت الذي اطفات عند المتلقي جذوة التهيؤ
وشوق الاستشراف والاستبشار بجديدك، ذلك الجديد الذي عكرته بانتقاصه واضعفته بانتقاصك.

وما نشوتك بعد استعجابهم وقد قدمت بانتقاصه الا زيادة دليل على ضعف في شجاعتك التفاخرية،
وعلى نزول منك بمقامك المفترض، ذلك النزول الذي حاذيت به درجة تقييمك انت لابداعك بنفس
مهزوزة او مهزومة، وقد يكون عامل ذلك – وبكلمة اوضح – هو الخوف، والخوف نقيض
الشجاعة.

وكم هي فاعلة وراقية كليمات التهيئة والوصف المتعقل لابداع المبدع قبيل تقديمه! الا ترى انجراف
المجتمع الى شيء ما بسبب مدحه وعزوفهم عنه بسبب ذمه؟ كما تفعل الدعاية وضدها لسلعة
او فكرة او شخص او مبدا، مع ان هذا الذم او ذاك المدح قد لا
يوافق شيئا من حقيقة هذا الشيء، ومع ان الناس ايضا يرون ذلك الشيء الموصوف ويعايشونه،
ولكنه سر الاسلوب وسحر الكلمة، وربما وافق الحقيقة ولكنه ذكاء المتلاعب بالاسلوب كقول ابن الرومي:

في زخرف القول تزيين لباطله والحق قد يعتريه سوء تعبير

تقول هذا مجاج النحل تمدحه وان تعب قلت ذا قيء الزنابير

وكلمة تجرح وكلمة تداوي، والحقيقة هي هي، وقصة عمرو بن الاهتم والزبرقان عند رسول الله
صلى الله عليه واله وسلم محفوظة ومعروفة، وما كان جانب عمرو الحقيقة، ولهذا قال وقد
صدق: (والله ما كذبت في الاولى ولقد صدقت في الاخرى).

وكنت في فصول المدارس لا استغني عن مثال اردده في مثل هذه المقامات، ففيه توضيح
مقنع على اهمية اختيار الاساليب والكلمات ومدى تاثيرها في الاتجاه الذي ترغب ان تستميل اليه
المستمع، فلو اردت ان تصغر طفلك في نفس السائل من غير ان تكذب لقلت مثلا:
(عمره سنتان وتسعة اشهر)، وهو كذلك على الحقيقة، فاذا ما احتجت الى تكبيره في مقام
اخر فانك تقول (بعد ثلاثة اشهر يدخل السنة الرابعة)، وما كذبت في الاولى وصدقت في
الثانية.

اما الثاني من الامرين اللذين لا ينبغيان فهو خاص بك انت ايها الشاهد المشاهد، انت
ايها الجمهور، فلا ينبغي لك ان تستحقر الرجل من ملبسه او مسكنه او بنيته، فاذا
فعلت فانه يضرك ولا يضره، فالواجب ان تشرف بنفسك وروحك فتجعل طريقك اليه وتواصلك معه
ليس من خلال جسده ولحمه وثوبه ونعله، بل من خلال كينونته العلمية ومناخه الفكري بعيدا
عن الاجساد او الذوات، كما يقع تماما منك –وهو الصحيح- مع من سبقوك بقرون، اولئك
الذين تركوا لك جهدا اكبرتهم من خلاله لا من خلال الهيئة والملبس، ولو خرج عليك
احدهم من برزخه لربما عجزت نفسك ان تنسب علمه ذاك اليه.

فاجعل تواصلك مع غيرك تواصلا روحانيا في تسام وتلاطف، لا تواصل اثواب وجلود واحداق كما
يفعل المتبلد الاكول. فالصفات غير الذوات.

وليكن ابصارك لغيرك وحكمك عليه من خلال قلبك كما يقع من الاعمى، لا من خلال
عينك، ومتى تحقق فيك هذا كنت ابعد الناس عن الغيبة والنميمة وعن جميع اعراض الناس
لتنزهك عن شكليات العيون وسموك عن معكراتها، ولن تستطيع ذلك ما لم تكن قلبا كريما،
وفي الحديث (لا يبلغني احد عن احد من اصحابي شيئا، فاني احب ان اخرج اليكم
وانا سليم الصدر)، اي: في تواصل مع الاخر وتلاطف لا تعكره حصائد العيون واوهامها واحكامها
ولو كان حقيقة، ولا شك ان هذا المنهج يبني الامة ويحمي المجتمع.

وعودا على بدء اقول ان الحرف سر او هو سن في مفتاح متى اهتديت الى
وضع غيره معه من الاسنان في نسق معين انفتح لك من نواحي هذا الكون وجواهره
وارواحه سماء او جوهر بقدره.

وكلما كانت هذه الكلمة او هذا التركيب او هذا الكلام تلميحا – اي بعيدا عن
مباشرة المعنى المراد ومسه مسا – كلما كان ارق، وكلما كان ارق كلما كان ابعد
في الخيال، وكلما كان ابعد في الخيال كلما اخيلت الاحلام وانبتت الاقلام، وكلما اخيلت الاحلام
كلما كان الكلام اكثر اثرا وتاثيرا او اطرابا واعجابا.

فمتى ابتعدت عن مباشرة المعنى كان الكلام اكثر بلاغة ورقة ورمزية من كونه كلمة ومعنى
وكلمة ومعنى كما تفعل العامة والسوقة، وكلما كان رقيقا كلما كان اكثر تحررا وبعدا عن
قوالب الالفاظ واوعية الحروف، وكلما كان اكثر تحررا كلما كان الطف واسمى واقل سطورا وارق
نورا، وكلما كان الطف واسمى كلما كان ابعد خيالا في نفس متلقيه واكثر ايحاء وادعى
للخواطر واجلى للحجب.

وكلما كان كذلك كلما طالت شروحه وكثر شارحوه كقصيدة عصماء، او كفرائد المتنبي واشعاره في
بعض تجلياته ونورانياته اللغوية الادبية العذبة الجامعة التي ارتقت حتى ذاب فيها الحرف فصرت تنظر
الى نور او فهم من غير الة تعيقك او انية تقتر عليك، فلا الة هنا
ولا وعاء تتناول بواسطته المعنى فيعيقك كما تعيقك كثرة حروف العامة والسوقة من الناس، لان
كثرة الحروف والالفاظ وسوء التركيب ناتج عن عدم اعمال الخيال، فليس الا فك ولسان ورغبة
او خبر، فيتخشب المعنى ويتبلد الفهم ويكون الكلام اشبه باوعية الطبخ واوانيه او ادوات البنائين
والات الحرفيين، فلا عطاء فيه ولا ابداع لعدم دخولك اصلا خيالا تسيح في عوالمه وتلتمس
من ايحاءاته، وهنا يكون الفرق بين كلام السوقة وتحبير الملهمين.

فكلما كانت الجملة او البيت او المقولة اكثر ايحاء واكثر احتمالا واكثر رمزية في عمق
وغموض لا يفسد المعنى بل يضيء الخيال، كلما كان الكلام ابلغ بدرجة لا تبالغ اذا
وصفته بالسحر. وهكذا وصف العربي ابن العربية القران يوم لم يجد في خياله متسعا لادراكه،
وهكذا وصف النبي مقولة عمر في الزبرقان: (ان من البيان لسحرا).

ومن القصائد والاساليب الادبية ما ينتهي بك احيانا الى افاق قد لا يحيط بها الشراح،
ولهذا اختلفوا، فتطول الشروح ويكثر الشراح وربما اعجزت معانيها ومراداتها الاقلام والاحلام مع انها كلام
بشر كبعض جوامع الكلم في الاحاديث النبوية البشرية، بل ربما عجز قائل البيت عن تفسير
بيته وهو قائله، لانه لم يصنعه صناعة وانما اهتدى اليه بنور انفلق له فقاله.

وكم هم الشعراء الملهمون الذين لا يملكون من الثقافة ما يحاذي عشر ما يحبرون من
قصائد وفرائد! بل ان بعضهم قد لا يحسن الحديث اذا ما تحدث، ولو قال قصيدة
لاهتز له كل وجدان، انه الحرف وسره فسبحان من الهم واعطى.

الى هنا انتهى الكلام عن الحرف وان كان في حقيقته لا ينتهي، ولكنها خواطر في
خاطرة عرضت لي فاحببت ان يشاركني فيها غيري، فيقرا او ينقد او يرد فنستفيد ونفيد.

وقد كان بودي ان ابسط شيئا عن الشعر فاتناول موهبته وعذوبته وسبل مراوغته التي لا
تجتمع مع النثر بحال، فتجد الشاعر يصوغ الفكرة الواحدة باكثر من صورة خيالية، وهذه تناقض
هذه ولكنه الشعر الذي لا يقال لصاحبه: (مه)، وكنت اود ايضا الكلام عن شعر التفعيلة
ومن تشاعر بنحوها، فعسى ان يتيسر ظرف ومحل اخرين مناسبين، وسلام على المرسلين والحمد لله
رب العالمين.

  • أسرار الحروف
  • أسرار الحروف العربية
  • اسرار رسم الحروف العربية
  • تعلم نطق الحروف العربية من مخرجها الصحيح
  • كيف تتعلم كتب الحروف العربية
السابق
جيت على الجرح
التالي
معنى ليزبيان