الذهب عند العرب
من اقدم المعادن التي عرفها الانسان -كانت لجاذبيته الغامضة ولندرته وخواصه الطبيعية اثار خلابة في
اهتمام العرب مبكرا بهذا المعدن الاصفر البراق والبحث عنه واستخراجه .
وقد اعلوا من شان الذهب على “التبر” على اعتبار ان التبر هو الذهب المستخرج من
الارض , والذي مازال مختلطا بالتراب والمعادن الاخرى . كما يتوضح ذلك من قول شاعر
عربي :
كل قوم صيغة من تبرهم *** وبنو عبد مناف من ذهب
وللذهب اسماء كثيرة عند العرب منها “النضار” و”العسجد” ..
وكلما كان الذهب صافيا سمي ” الابريز” من برز يبرز -كانه ابرز من التراب المخلوط
فيه حيث تخلص التصفية الذهب من الشوائب حتى يتصف بالابريز لخلاصه .. وبهذا يقول ابو
اسحاق الصابي :
صليت بنار الهم فازددت صفرة ** كذا الذهب الابريز يصفو على السبك
والذهب الخالص الصافي يسمى ايضا ب”العيقان” قال الامام علي رضي الله عنه ” ولو اراد
الله سبحانه لانبيائه حيث بعثهم ان يفتح لهم كنوز الذهب ومعادن العيقان .. لفعل …”
ويقول عباس بن فرناس :
نشت لؤلؤا ثم استحالت زمردا ** يعود الى العيقان بعد جنى البسر
اما عن كلمة الذهب ومم اتت فبعضهم يقول ان الذهب سمي بالذهب لانه سريع الذهاب
.. بطيء الاياب الى اصحابه . وقيل لان من راه بهت ويكاد عقله يذهب -والقول
الثاني هو السائد .
وقد اهتم العرب بالتمييز بين الانواع المغشوشة .. واستعماله لاغراض متعددة بعد سبكه مع معادن
اخرى .. وساعدهم على ذلك نفر من الخبراء والعلماء وصل بعضهم الى درجة عالية من
الفهم والخبرة بالمعادن والاحجار الكريم
ويعتبر الصباح الكندي، جد الفيلسوف المشهور يعقوب الكندي، من اقدم خبراء العرب في هذا المجال،
والى جانبه برزت اسماء لامعة اخرى كمعون العبادي وايوب البصري وابن الجصاص، كما ظهرت فيما
بعد اسماء كثيرة من نوابغ المسلمين في علم المعادن والذهب والاحجار الكريمة، نذكر منهم: الكندي
الذي من المحتمل ان يكون اول كيماوي من العرب والمسلمين رفض فكرة تحويل المعادن البخسة
الى ثمينة، كما نذكر اسماء اخرى معروفة مثل: الرازي وجابر بن حيان والمسعودي وابن سينا
والبيروني وابن العوام والتبقشاني. ومن الكتب التي يعتقد انها ذات اصل عربي كتاب ( الاحجار
لارسطو)
ويتصف الذهب بمقاومته للصدا والتلف من الهواء والماء مهما كانت درجة الحرارة ومهما طالت المدة
.. ولا تؤثر عليه الحوامض المركزة المعدنية المعروفة .. كما يتصف بالمطاوعة العالية للتمدد -فان
جراما واحدا يمكن ان يسحب لمسافة بحيث يصبح خيطا رفيعا طوله 3500 متر .
والذهب من مظاهر الزينة والجمال .. ومنذ القدم استفاد العرب من خصائص وجاذبية هذا المعدن
البراق في صنع اجمل “الحلي” .. وفي بعض القبائل العربية تزين المراة انفها بقرط ذهبي
(يسمى عندنا في نجد ب”الزمام”) .. او جبينها بطوق من ذهب .. او خصرها بمناطق
ذهبية .. او ساقيها بخلخال .. او معصمها باساور من ذهب .. وقد اكتسبت امثال
هذه الانماط من الزينة اهمية اجتماعية في حقبة من الحقب واعتبرت احيانا من مظاهر النسب
بين الاقوام .
قال بشار بن برد :
قامت تراءى لي لتقتلني **في القرط والخلخال والاشب
وقال ابن المعتز :
جاءت الي تهادى ** عشية شاطرية
في قرطق خصرته ** مناطق ذهبية
وكان للعرب المسلمين مصاحف مذهبة فاخرة -من ذلك المصاحف المذهبة التي كان يكتبها ملوك وامراء
“غرناطة” بانفسهم ويضعونها في اطار مذهب فاخر ويرسلونها الى جانب الرسائل السلطانية الى المدينة المنورة
-وذلك حينما اجبرهم الشعور بخطر المصير منذ اواسط القرن الثامن الهجري على عدم السفر الى
المشرق لقضاء فريضة الحج خشية ان يقع المكروه في غيابهم الطويل عن المملكة .. من
ذلك المصحف الشريف الذي كتبه السلطان ابو الحسن المريني وارسله الى المسجد النبوي في سنة
739ه
من المعلوم ان العرب لم يكن لديهم قبل الاسلام عملة خاصة بهم . وكان التعامل
بنوعين شائعين من النقد في ذلك الوقت وهما :
* الدراهم الفضية الساسانية
* الدنانير الذهبية البيزنطية
ولما جاء الاسلام اقر الرسول التعامل بتلك النقود .. وفرض زكاة الاموال بها .. وكذلك
تقاضى بها الجزية .. وجاء الخلفاء الراشدون : فاقروا التعامل بتلك النقود , وفي خلافة
عمر رضي الله عنه وبعد فتح المسلمين لاقاليم الدولتين البيزنطية والساسانية ظهرت بعض المحاولات لتعريب
النقود وتمثلت في اضافة العبارات الاسلامية الى تلك النقود مع احتفاظها بشكلها وبكل ما كانت
تحمله من نقوش واشارات
ولكن التعريب الكامل كان يد عبدالملك بن مروان الذي قام بضرب اول نقود عربية اسلامية
.. وتم التعريب الكامل في سنة 77 ه حين احتلت الكتابات العربية وجهي الدنانير الذهبية
المصورة واستبدلت بعبارات تشير الى الرسالة الاسلامية .
وتوجد ادلة كثيرة تشير الى معرفة العرب للميزان المضبوط سيما في صنع عملاتهم الذهبية ..
واثبتت التحليلات العلمية الحديثة ان العملات الذهبية في عصر هارون الرشيد لايختلف بعضها عن بعض
الا بجزء ضئيل جدا الامر الذي يدل دلالة واضحة على انهم قد توصلوا الى ايجاد
الميزان التحليلي . او ما يشابهه ..
والذهب رمز للجمال عند العرب , ولعل بريقه وعلو قيمته هي التي دفعت الشعراء لاستخدامه
في التشابيه والصور في كثير من قصائدهم
قال ابو فراس
سيذكرني قومي اذا جد جدهم ** وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر .
ولو سد غيري ما سددت اكتفوا به**وما كان يغلو التبر لو نفق الصفر .
ويقول ابو نواس في الوصف :
كان صغرى وكبرى من مواقعها **حصباء در على ارض من الذهب
