انواع الانظمة السياسية
مقدمة
تصطدم دراسات السياسية المقارنة وعمليات التحليل السياسي اليوم في تفسيرها لمختلف المظاهر الصادرة عن الوحدات
السياسية بالتنوع في طبيعة النظم السياسية وهي التي تحدد بالاساس سلوكيات الدول .وتطورت الانظمة السياسية
المحددة لاطر التفاعلات بين الحاكم والمحكومين وتعددت تصنيفاتها نتيجة التحولات في الظروف السياسية من جهة
ومن جهة اخرى نتيجة تطور الفكر السياسي والاهتمام بايجاد النظام الامثل الذي يخدم مصلحة النظام
نفسه او انه يخدم مصلحة الدولة فشهدت طبيعة الممارسة السياسية ثلاث انواع من الحكم في
تسيير المصالح السياسية لمختلف ما يمس المحكومين والدول بشكل عام وهي :النظام الديمقراطي ،والنظام الشمولي
،والنظام التسلطي .
وعليه ماهية الانظمة الثلاثة وما هو جوهر الممارسة السياسية لكل شكل من اشكال التفاعل بين
الحاكم والمحكوم فيها؟
المبحث الاول : ماهية النظام الديمقراطي:
في مفهوم الديمقراطية انها حكم الشعب بالشعب ومن اجل الشعب وعليه فان الحكومة الديمقراطية هي
الاداة التي يحكم بها الشعب نفسه والوسيلة التي يعبر بها عن ارادته وسيادته وعن طريقها
يمارس السلطة في دولته .
والصورة الاولى للديمقراطية ظهرت في المدن الاغريقية القديمة ومارست طبقة المواطنين الاحرار السلطة بطريقة مباشرة
.وظهرت الديمقراطية الحديثة وطبقت في الدول الاروبية الغربية ولهذا اصبحت تعرف بالديمقراطية التقليدية او الديمقراطية
الغربية[1]
وللديمقراطية اسانيد تقوم عليها ومبررات اولها الاسس الفلسفي والنظري والمتمثل في :
نظرية العقد الاجتماعي ومبدا سيادة الامة:
اذ يذهب الكثير من المفكرين والفلاسفة الى ان الديمقراطية تستند او تتاسس على نظرية »العقد
الاجتماعي » لجان جاك روسو ،وما انبثق عن هذه النظرية من نظرية سيادة الامة الاساس
الفلسفي للديمقراطية .
وجان جاك روسو يعتبر ابو الديمقراطية التقليدية فهو يتكلم عن الجماعة التي تكون الامة ابرمت
فيما بينها عقدا لاقامة دولة منظمة تسودها حياة الاستقرار والنظام المدني بدلا من الاضطراب وعدم
الاستقرار والانانية التي كانت تسود حياة الانسان البدائية ،وهكذا تكون الدولة قد نشات بالتراضي والتعاقد
،اي باسلوب ديمقراطي.
الاساس النظري :الراي العام : تكمن اهمية الراي العام في بناء المسار الديمقراطي وديمقراطية النظام
السياسي من خلال ما عبر عنه خطيب الثورة الفرنسية »ميرابو » بقوله : »ان الراي
العام هو سيد المشرعين والمستبد الذي لايدانيه في السلطة المطلقة اي مستبد اخر » والراي
العام يعني اتجاه اغلبية اراء المواطنين الى موقف معين ازاء احدى القضايا او المسائل الهامة
التي تهم المجتمع.
ومن اسس ديمقراطية نظام الحكم هو رضا الراي العام للمواطنين عن الحكومة القائمة ورئيس الدولة
راس الحكم .وبالتالي يكون انزعاج رئيس الدولة او رئيس الحكومة من انهيار شعبيته ونزول نسبة
رضاء الراي العام عنه لان هذا الانهيار في شعبيته اذا ما استمر فهو يعني افول
نجم الحاكم ،وانه ان لم يغير سياسته واسلوبه في اتجاه قضايا شعبه وحل مشاكله فتكون
نهاية بقائه في السلطة امر حتميا فاما ان يستقيل او انه يخسر اول انتخابات مقبلة
.[2] :
و من اهم اليات الممارسة الديمقراطية للنظم التي تتبنى الحرية السياسية والمشاركة هي :
الاحزاب السياسية :
نبتت بذور الاحزاب السياسية المعاصرة في النوادي السياسة والتكتلات البرلمانية ،واللجان الانتخابية و التنظيمات الشعبية
المختلفة ولقد ساهم في ابراز الاحزاب السياسية في صورتها الحالية عدد من الهيئات والمؤسسات كان
من ابرزها النقابات المهنية ،والتنظيمات الطلابية الجامعية والتنظيمات الماسونية والكنائس والفرق الدينية والجمعيات السرية .
والحزب السياسي في النظم الديمقراطية هي تلك الجماعة المنظمة من الافراد ،تسعى الى الوصول الى
الحكم وممارسة السلطة بالطرق المشروعة لتحقيق مبادئها المتفق عليها .
وانطلاقا من زاوية التصنيف الحزبي لديمقراطية النظام السياسي تقوم الانظمة الديمقراطية على صنفين وهما :نظام
الثنائي الحزبية .وكذلك نظام الثنائية الحزبية .و في الانظمة الحزبية المعاصرة ارتبط نظام الحزب الواحد
ارتباطا وثيقا بالانظمة الديكتاتورية [3] .
المبحث الثاني : الخصائص و المبادئ الرئيسية للنظام الحكم الديمقراطي :
احترام مبدا الفصل بين السلطات :les séparation des pouvoirs :
ويعتبر احد اهم المبادئ التي ترتكز عليها النظم الديمقراطية الغربية او هو مبدا رئيسي للديمقراطية
في جوهرها تماما على نحو يماثل في ذات الاهمية مبدا سيادة الامة او الشعب.
ويرجع هذا المبدا الى المفكر الفرنسي »مونتيسكيو »و المتمثل في الفصل بين السلطات الثلاثة :التشريعية
،والتنفيذية والقضائية في مؤلفه روح القوانين esprit des lois’ l .والذي كان تاثيره على النظام
الديمقراطي للثورة الفرنسية كبيرا مثلما كان تاثير المفكر الفرنسي الكبير جان جاك روسو في كتابه
»العقد الاجتماعي » الذي ابرز فيه نظرية او مبدا سيادة الامة.
ويدعو هذا المبدا الى :
حماية الحريات ومنع الاستبداد .
ضمان احترام مبدا سيادة القانون .
حسن واتقانا داء وظائف الدولة .
احترام الحقوق والحريات الفردية : تتاسس الديمقراطية الغربية على فكرة الحرية ولذلك تسمى الديمقراطية بالديمقراطية
الحرة . والمقصود بهذا المبدا هو انه لكل فرد من افراد الشعب له حقوق وعلى
قدم المساواة .والحريات الفردية منذ القرن الثامن عشر تسمى بالحريات التقليدية لكي تتميز عن تلك
الحريات والحقوق الاخرى الاجتماعية والاقتصادية التي ظهرت خلال القرن العشرين .
واضاف اعلان حقوق الانسان للثورة الفرنسية واعطى اهم الامثلة على الحقوق والحريات الفردية فنصت احدى
مواده الهامة على ان غاية كل نظام سياسي هو محافظة على الحقوق الطبيعية اي الفردية
للانسان وهي :الحرية والملكية وحق الامن وحق مقاومة الظلم .ومن الاساسيات التي ينبغي على النظام
الليبرالي ان يتبعها في احترامه للحريات الفردية هو ان يسعى الى ضمان حماية الحريات التالية
لافراد الشعب :
الحريات الشخصية:وتحوي الحق في الوجود الانساني ،حرية وحق الامن ،حرية التنقل ،حرمة المسكن …الخ.
الحريات الفردية :وتحوي حرية العقيدة وممارسة الشعائر الدينية ،حرية الراي والتعبير ،حرية التعليم ،حرية الصحافة
وغيرها من وسائل الاعلام،حرية التجمع في المحافل والتنظيمات الحرة في ظل ما يسمى بمؤسسات المجتمع
المدني ..
الحريات الاقتصادية:اي الحق في التملك للاموال والعقار وواجب الدولة في حماية ملكه وتامين حقه القانوني
في استعمال واستغلال هذا المال والتصرف فيه فيما يحقق الصالح الخاص ومن ناحية ثانية حق
كل فرد في مباشرة كافة الانشطة الاقتصادية الحرة والمشروعة كالتجارة ومشروعات التجارية والصناعية والزراعية .
الحريات او الحقوق السياسية :وهذه الحريات السياسية تتجمع حول فكرة اساسية هي حق المواطنين في
المشاركة في الحكم والشؤون العامة للدولة والحريات السياسية التي تتضمن حق المشاركة الشعبية في الحكم
او السلطة وتشمل ايضا حق الانتخاب والترشح .[4]
خصائص النظام الديمقراطي :
تتميز الديمقراطية التقليدية بعدة خصائص يتجلى اهمها في انها مذهب سياسي من ناحية وانها فردية
من ناحية ثانية كما ان الديمقراطية التقليدية تتميز بانها تقرر مبدا المساواة امام القانون .
1-الديمقراطية مذهب سياسي :تقوم الديمقراطية على اساس تمكين الشعب من ممارسة السلطة السياسية في الدولة
وذلك اما مباشرة او بواسطة ما ينتخبهم من نواب او باشراك الشعب مع هؤلاء اي
النواب.
2-فردية الديمقراطية التقليدية :بمعنى ان الديمقراطية التقليدية تستند على المذهب الفردي الذي يقدس الفرد ويسعى
الى حماية حقوقه وحرياته والى تحقيق سعادته.[5]
3-الحرية : اذ ان الديمقراطية الغربية ارتبطت دائما بحريات الافراد والشعوب ولهذا فهي تسمى بالديمقراطية
الحرة لتمييزها عن ما يسمى بالديمقراطية الماركسية التي تسود في ارويا الشرقية والصين الشعبية .ومن
ناحية فان حرية شعب بوصفه الجماعة صاحب السيادة ويمكن ان نسميها الحرية السياسية ومن ناحية
ثانية حرية الافراد بوصفهم افرادا وهذا يعني ضرورة الاعتراف للفرد بحرياته وحقوقه الفردية التي يجب
حمايتها ازاء سلطة الجماعة .
4-المساواة :هي ايضا من اسس الديمقراطية التي ارتبطت الحرية والمساواة بين الافراد من حيث ظروف
الحياة المادية والمعيشية وايضا المساواة القانونية égalité de roit التي تعني عدم التفرقة او التمييز
بين الافراد في تمتعهم بالحقوق والحريات التي يكفلها لهم الدستور والقانون .
5-التعددية السياسية :الديمقراطية باعتبارها تكرس حكم الشعب وسيادة الشعب تتطلب التعددية السياسية و الاديولوجية وعليه
لابد من وجود اطار من الحرية الفكرية والايديولوجية وليس مجرد راي واحد وايديولوجية واحدة مفروضة
مسبقا وتتضمن هذه التعددية السياسية ضرورة تعدد الاحزاب السياسية التي يشنؤها الافراد لتعبر وتدافع عن
اتجاه او فكر سياسي معين ومتميز فالديمقراطية ضد الحزب الواحد .[6]
المبحث الثالث : صور الحكم الديمقراطي :
ياتي غالبا النظام الديمقراطي في ثلاث صور هي :
–الديمقراطية المباشرة .
–الديمقراطية النيابية .
– الديمقراطية شبه المباشرة .
1– الديمقراطية المباشرة : وتعني هذه الصورة من صور الحكم الديمقراطي ان كل الشعب مجتمعين
في جمعية شعبية يقومون باهم شؤون العامة دون وساطة نواب عنهم فيصوتون على القوانين ويعينون
القضاة والموظفين .
وهذه الصورة في ممارسة الحكم هي الصورة التي اتى بها جان جاك روسو حينما قال
بان الشعب يتولى مباشرة السلطة التشريعية (السيدة) كما يعين افراد السلطة التنفيذية (الخادمة) بما فيها
السلطة القضائية وهاجم روسو الديمقراطية في انجلترا قائلا : »ان الشعب الانجليزي ظن انه حر
ولكنه واهم ».
ولم تظهر في الوقت الحاضر الا في سويسرا وحتى هذه الدولة فهي لم تطبقها الا
في كنتونات صغيرة جدا ذات الكثافة السكانية القليلة ،وبالتالي يصعب الاخذ بها في الدول الكبيرة
وخاصة الموحدة[7].
الديمقراطية النيابية :
على عكس الديمقراطية المباشرة حيث يمارس الشعب السلطة مباشرة وبنفسه ،اما في الديمقراطية النيابية تكون
ممارسة الحكم بطريقة غير مباشرة بواسطة نوابه الذين ينتخبون في البرلمان .ففي منطق النظام النيابي
يقوم البرلمان بالوكالة عن الشعب بممارسة مظاهر الحكم والسيادة كنائب عن الشعب الاصيل فالبرلمان يعبر
اذن عن الارادة العامة للشعب صاحب السيادة ،فكل ما يصدر عن النواب من قوانين او
قرارات يستند الى قرينة عامة هي ان القانون او القرار الصادر يعتبر وكانه صادر عن
ارادة الشعب .
وقد نشا النظام الديمقراطي النيابي في انجلترا اولا وهي بلد التقاليد النيابية البرلمانية وقد مرت
عدة قرون من التطور قبل ان يتكامل وتستقر اركانه وخصائصه وجاءت نشاة النظام النيابي تحت
تاثير وضغط الظروف السياسية والاجتماعية والمالية
اركان النظام النيابي :
يقوم النظام الديمقراطي النيابي على اربعة اركان اساسية وهي :
-وجود برلمان منتخب من الشعب يمارس سلطات فعلية في الحكم .
-تقييد مدة الانتخاب البرلمان :اي من الضروري ان يكون للبرلمان مدة زمنية محددة.
-عضو البرلمان يمثل الامة كلها .
-استقلال البرلمان عن الناخبين طوال مدة نيابته.[8]
الديمقراطية شبه مباشرة :
تعود اهمية النظام الديمقراطي شبه المباشر الى توسطه بين النظامين (النظام الديمقراطية المباشرة ونظام الديمقراطية
النيابية ) وهذا يعني ان نظام الديمقراطية شبه المباشرة او نصف المباشر يقوم على اساس
:
وجود برلمان منتخب ولكن مع الرجوع الى الشعب نفسه باعتباره صاحب السيادة ومصدر السلطات للفصل
في بعض الامور الهامة ويترتب على ذلك ان تصبح هيئة الناخبين سلطة الرابعة في الدولة
الى جانب السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية وبذلك تزداد اهمية الناخبين على حساب البرلمان وذلك لان
الديمقراطية شبه المباشرة تشرك الشعب في ممارسة السلطة بجوار البرلمان وتجعله رقيبا عليها وعلى السلطة
التنفيذية عن طريق الوسائل المتاحة .
مظاهر الديمقراطية شبه مباشرة:
-هناك 3مظاهر للديمقراطية شبه المباشرة :
1-الاستفتاء الشعبي : يقصد به اخذ براي الشعب في امر من الامور.
2-الاعتراض الشعبي : :يقصد به حق الاعتراض الشعبي حق عدد معين من الناخبين في الاعتراض
على قانون صادر من البرلمان من خلال مدة معينة من تاريخ نشره .
3-الاقتراح الشعبي : مفاده ان يقترح عدد معين من الناخبين مشروع قانون او فكرة معينة
الى البرلمان ويلتزم الاخير بمناقشة هذا المقترح فان وافق عليه صدر و بالتالي يحال الى
الشعب للاستفتاء حوله .[9]
وهناك مظاهر اخرى لم يتفق عليها الفقهاء حول تعارضها مع النظام النيابي:
-اقالة الناخبين لنائبهم .و الحل الشعبي.
المبحث الاول: ماهية الشمولية
التعاريف:
– كلمة الشمولية ظهرت اولا في ايطاليا « Totalitario » عام 1925م, و انتشر استعمالها
بمعنى سلبي, قبل ان يعطيها منظرو الفاشية معناها الايجابي.
كتب « جيوفاني جانتيل » احد منظري الفاشية:
« الليبرالية تضع الدولة في خدمة الفرد, الفاشية تقيم الدولة كالحقيقة بالنسبة للفرد. اذا كان
من الواجب ان تكون الحرية خاصية الانسان الفعلي, وليس الشكلي المجرد كما تراها الليبرالية الفردية,
فان الفاشية مع تلك الحرية. هي فقط مع حرية يمكنها ان تصبح جدية, مع حرية
الدولة وحرية الفرد في الدولة. وهذا لان بالنسبة للفاشي كل شيء في الدولة, ولا يوجد
شيء انساني او روحاني, اي شيء ذو قيمة, موجود خارج الدولة. بهذا المعنى يكون الفاشي
شمولي. والدولة الفاشية تلخص وتوحد كل القيم التي تفسر و تطور وتعطي قوة الحياة بكاملها
للشعب « [10]
– الشمولية طريقة حكم, نظام سياسي يمسك فيه حزب واحد السلطة بكاملها, و لا يسمح
باية معارضة, فارضا جمع المواطنين وتكتيلهم في كتلة واحدة في الدولة وخلفها.
الشمولية طريقة عمل الدولة, التي تقوم, زيادة على ادارة الحياة السياسية, بادارة الحياة الخاصة للافراد.
الشمولية صيغة استبداد ظهرت في القرن العشرين. وهي منحدرة من الفاشية. ففي الدولة الشمولية لا
يوجد الفرد ولا يعرف الا من خلال علاقته بالمجموع » الشعب » او » الامة
». وتصبح الدولة مطلقة وموضوع عبادة حقيقية. ويتم عسكرتها لتامين الارهاب والتمكن من الهيمنة على
الافراد.
– و حسب « سغموند نيومان« :
« »فالطابع الرئيسي للانظمة الشمولية هو ماسسة الثورة تنظيمها بمؤسسات (Institutionnaliser la révolution ) في
محاولة لتامين ادامة هذه الانظمة.[11]
– و عند « حانه اراندة » :
« الشمولية عندها تعني نوع من انواع الانظمة السياسية التي ظهرت في التاريخ المعاصر بهدف
تنظيم الحياة الجماهيرية. و تعتبره حدث من النوع الجديد, الذي يمثل القطيعة مع الاحداث الاخرى
و مع التاريخ ايضا كتسلسل الاحداث الاكثر او الاقل تخليدا. و في هذا الصدد تعرف
« الشمولية » انها ازمة الحضارة الغربية شاملة, اذا هو بمثابة فجوة في التاريخ بصفة
عامة و في التاريخ السياسي بصفة خاصة.
و ما يمكن استنتاج من هذا: هو ان الشمولية قطيعة جذرية مع جميع الانظمة الممكنة
و التي وجدت, و خاصة الانظمة القريبة للنظام الشمولي اذ كانوا استبدادية, غاشمة او ديكتاتورية.[12]
– وحسب « كلود بولين » تسمح الايديولوجيات الشمولية » بوضع العقول في حالة عبودية,
وتعيقها في منبعها الحي عن كل تمرد, ملغية فيها حتى امكانية تبلور النية في ذلك
».
– اما « اميليو جنتيل » فيرى ان » من عبارة الشمولية يفهم: تجربة هيمنة
سياسية تقودها حركة ثورية مكونة في حزب عسكري التنظيم, يستجيب لمفهوم سياسي اصولي. يهدف لاحتكار
السلطة, ويعمل بعد استلامها, بطرق غير شرعية, لهدم النظام السابق عليه او اعادة صياغته, ويقيم
دولة جديدة, مؤسسة على الحزب الواحد. وتقوم هذه الدولة الجديدة بالسطو على المجتمع, لاخضاعه او
ادماجه او مجانسة ».
صفات النظام الشمولي:
– حسب « كارل فريديريخ » ان هناك 5 صفات اساسية تميز النظام الشمولي :
حزب وحيد يراقب جهاز الدولة, يديره رئيس ذو كاريزما خاصة.
ايديولوجية دولة تحتوي على ابعاد خارج حدودية واممية.
جهاز بوليسي يعمد للارهاب.
ادارة مركزية للاقتصاد.
احتكار وسائل الاتصال الجماهيرية.
عناصر الشمولية:
– عناصر الشمولية تاتي بعد التعريف الذي قدمه « ريمون ارون » حيث يقول :
« انها كما يبدو لي ظاهرة كبقية الظواهر الاجتماعية, تقع تحت تعاريف عديدة, حسب الزاوية
التي ينظر منها الملاحظ « . وعناصرها الاساسية خمسة هي:
1. الظاهرة الشمولية تاتي في نظام يعطي حزبا واحدا احتكار النشاط السياسي بكامله .
2.يقوم الحزب المحتكر على ايديولوجية يتسلح بها, وتقود فعالياته. ويمنحها سلطة مطلقة. وتصبح بالتالي الحقيقة
الرسمية للدولة.
3.لنشر هذه الحقيقة الرسمية تقوم الدولة بنفسها باحتكار مزدوج لوسائل القوة, ووسائل القمع. و تضع
تحت ادارتها وتوجيهها مجموعة وسائل الاتصالات, من صحافة, واذاعة وتلفيزيون, وغيرها من الوسائل.
4.تخضع النشاطات الاقتصادية والمهنية للدولة, وتصبح جزءا منها, وبما ان الدولة غير قابلة للفصل عن
ايديولوجيتها, فان غالبية النشاطات الاقتصادية والمهنية تطبع بالطابع الرسمي.
5.وعندها تصبح الدولة منظمة الانشطة وخالقها. ويصبح كل نشاط خاضع للايديولوجية الرسمية. وكل خطيئة ترتكب
في نشاط اقتصادي, او مهني, يعتبر خطا ايديولوجيا.
المبحث الثاني: تقنيات السيطرة و اليات الهيمنة و الخضوع في النظام الشمولي
تقنيات السيطرة:
التركيز الاقصى على السلطة.
الحكم بالقوة و التهديد و بالتخويف.
افساد العلاقات الانسانية و العامة.
الدعوة الى التعبئة ضد مؤامرة العدو. العدو سيئ يعمل في الظلام, يخرب و يتامر.[13]
اليات الهيمنة و الخضوع:
التخلي عن استقلال الذات الفردية ودمجها في شخص اخر او في حزب شمولي او حركة
توتاليتارية، اي في سلطة ما، وخضوعها خضوعا مطلقا لهذه السلطة، حتى لتبدو هذه السلطة قوام
الذات وكيانها وماهيتها. واساس هذه النزعة هو الهروب من العجز الفعلي الى القوة الوهمية، ومحاولة
فرض الاوهام الذاتية على الواقع الموضوعي. ووجها هذه العملية المتناقضان والمتكاملان هما الرغبة في الهيمنة
والرغبة في الخضوع.
الرغبة في الهيمنة والرغبة في الخضوع تسمان العلاقات الاجتماعية والسياسية في النظام الشمولي، الهيمنة على
الاضعف والخضوع للاقوى؛ الهيمنة على الاضعف تتخذ صيغة ممارسة سادية ازاء الاخر، كثيرا ما تكون
عارية، (كالتعذيب الجسدي والنفسي في السجون والمعتقلات، وضرب الاولاد والزوجات … الخ)؛ ترافقها وتبطنها في
الوقت ذاته ممارسة مازوخية صريحة حينا وضمنية احيانا ازاء الذات القلقة الباحثة عن ملجا وملاذ.
الملجا والملاذ قوة وهمية: قوة الروابط الاولية التي يحاول الفرد استعادتها والانغماس فيها من جهة،
وقوة الزعيم او الحزب او الحركة التوتاليتارية التي يتباهى بها، ويضفي عليها صفات العصمة والقداسة
والكمال، من جهة اخرى. وكلما بدا له ان استعادة الروابط الاولية مستحيلة، يحاول اعادة انتاجها
في صيغة «روابط ثانوية» بديلة، في الحزب الشمولي وفي الحركة التوتاليتارية وفي صورة الزعيم التي
تكثف السلطة والقوة الرمزيتين.
عمليات التطهير والتاطير المتواصلة وضعت الافراد الذين تحرروا للتو من الروابط الاولية امام احد خيارين:
اولهما، ان يتخلى كل منهم عن حريته واستقلاله وفرديته، فينضوي، ويضوي، في احد تنظيمات السلطة
التي لا توفر له الامن والحماية فقط، بل تمنحه بعض الامتيازات ايضا، بصفته مناضلا باع
نفسه، في سبيل الاهداف النبيلة. وتتناسب الامتيازات طردا، لا مع الولاء الشخصي فحسب، بل مع
درجة الضراوة في محاربة اعداء الحركة الفعليين والمحتملين.[14]
المبحث الثالث : النظام الشمولي ينهي نفسه بنفسه
قسم الاقتصادي الاميركي والت وايتمان روستو حياة النظام الشمولي الى ثلاثة مراحل, في كتاب شهير
اصدره عام 1954 بعنوان: « مراحل النمو الاقتصادي » :
يتشكل في اولها.
يحاول اصلاح نفسه.
الانهيار.
ان المرحلة الاولى من عمر النظام الشمولي تكون ايديولوجية، بمعنى ان النظام ينبني فيها انطلاقا
من « ترسيمة مغلقة » تحدد ماهيته وطابعه ونمط انتاجه المادي والمعنوي واشكال اشتغاله واليات
عمله ومصالحه وحتى نمط زعامته. في هذه المرحلة، التي تكون الايدولوجيا فيها المنطلق والمعيار، ينفرد
حزب او تنظيم سري بمطابقة الواقع الجديد مع ما فيها من رؤى وخطط يجب ان
يتشكل على صورتها ومثالها، الامر الذي يجعل النظام الايديولوجي منبع النظام الشمولي ومصدره الوحيد، ويضفي
القدسية على حملتها وخاصة القياديين منهم، الذين يتحولون الى كائنات فوق بشرية، معصومة وطهورة، لا
يجوز المس بها او انتقادها في اي ظرف او حال، بما انها تنفرد بمعرفة مفاتيح
هذه الايدولوجيا واسرارها، حيث تكمن صورة الواقع المسبقة والنقية، ويتجسد نظامه المنشود في حملتها وما
يصدر عنها من اقوال وافعال.
هذه المرحلة تنتهي الى ازمة شاملة تتظاهر في امرين خطيرين: عجز الايدولوجيا عن ايجاد علاج
من داخلها وبادواتها للمشكلات التي ينتجها تحققها في النظام الجديد، الذي يكون شموليا بالضرورة، من
جهة، وتحول الشمولية من وعد الى كابوس، نتيجة غياب الدولة والمجتمع المتعاظم عن نظامها وانقلابها
الى بنية فوقية تعمل وفق معايير اوامرية واحدية الاتجاه، تنزل من فوق الى تحت، حيث
البشر ادوات يتم تحريكهم في المنحى المطلوب، يكون التحكم فيها اكثر سهولة وتلبية لمصالح «
النظام العام »، بقدر ما تتلاشى ارادتها وتموت حريتها، من جهة اخرى. بكلام اخر: تقوض
الشمولية الدولة والمجتمع، فلا يبقى من حامل لمشروعها غير سلطة يزداد طابعها الاكراهي الى ان
يصير هويتها الوحيدة ومركز اعادة انتاجها واستمرارها. ولان هذه السلطة تلغي بصورة متعمدة ومتعاظمة اساسها
المجتمعي: فانها تتحول الى بناء معلق في الفراغ، لا يستند الى اي اساس، يعيد انتاج
نفسه من فوق، من القيادة ممثلة في شخص الرئيس او الامين العام، فيشل الجمود حركته
ويحول اجهزته الامنية والادارية والحزبية… الخ الضخمة: المكلفة بادارته او حمايته، الى عبء يتصدع تحت
ثقله.
ببلوغ النظام الايديولوجي هذا الوضع، تبدا مرحلة تفككه الاولى، التي تاخذ شكلا محددا يكمن في
استعارة اليات وتقنيات ادارة وحكم من خارجه. اليات وتقنيات غير ايديولوجية، تستخدم من اجل علاج
ازماته وارساء قواعد نواظم جديدة لوجوده تضمن تحديثه وتطويره وجعله قادرا على الحياة في زمن
تغير، وسط عالم لا يشبهه ويمارس عليه ضغوطا مصيرية. في هذه المرحلة، يحل جيل جديد
من القادة محل الجيل الاول، الايديولوجي، الخارج من النضال السري والتنظيم الحديدي، على صلة بالايديولوجيا
لكنه لا يعتبرها مصدر معارفه ومواقفه والفيصل الذي يقيس به كل شيء ويعيد انطلاقا منه
انتاج كل شيء. [15]
انه جيل تكنوقراطي مؤدلج ولد في فترة ازدهار الايدولوجيا ونجاحات نظامها الاولية الكبيرة وترعرع في
حقبة مازقها التالية، لذلك تراه يعيش الازمة التي انجبتها الشمولية والتي تبدا الان بالتظاهر في
كافة مناحي عملها. في هذا الواقع، يرفض هذا الجيل مقايسة الواقع بالايديولوجيات، ويعزف عن الاستمرار
في انتاجه انطلاقا منها. ويحصر جهوده في تخطي نقاط ضعفها، بفصل بعض جوانب الواقع والنظام
عنها، والتعامل معهما كموضوعين يتمتعان باستقلالية نسبية عن اجهزتها وافكارها ووعودها. مع هذا الجيل. ينتقل
مركز ثقل الايدولوجيا اكثر فاكثر الى مجال الضبط والربط، تحار الايدولوجيا المعصومة في تبرير الخطوات
الاصلاحية، التي تجافي طابعها الاصلي وامرها السائد.
تنتهي هذه المرحلة الى الفشل، عندما يتاكد عجز تقنيات الادارة والسلطة الماخوذة من خارج النظام
الايديولوجي عن تخليصه من امراضه ومشكلاته الكثيرة، التي لا تني تتفاقم بلا توقف. عندئذ، تبرز
عقلية مقطوعة الصلة بالايدولوجيا، تغلب عليها نزعة تقنية محضة، ليس لقضية النظام وطابعه اهمية اولى
بالنسبة اليها، فهي تريد « قطا يصطاد الفئران ولا يهمها لونه »، كما قال ذات
مرة الصيني دينغ سياو بينغ. بسيطرة هذه العقلية – التي يمثلها جيل النظام الشمولي الثالث
– على مقاليد السلطة، يسقط هذا النظام، لان استمراره يصير ببساطة ضربا من الاستحالة. [16]
المبحث الاول: مفهوم السلطة التسلط وبعض المفاهيم ذات العلاقة
1- السلطة:
يشير هذا المفهوم الى الحق في ممارسة عمل ما، بما في ذلك الحق في صنع
القوانين او السياسة العامة. وبالخصوص يجب التمييز بين السلطة والقوة او القدرة، فالاخير يقصد به
القدرة على جعل الغير منقادين او مطيعين لمن يمارس عليهم النفوذ والقوة المادية او المعنوية.
فمفهوم السلطة يتصل بمشكلة الطاعة او الاذعان السياسي من جهة، وحقوق واستقلالية الافراد من جهة
اخرى. ويضع الدكتور مصطفى خشيم مدخلان رئيسيان يمكن من خلالهما فهم واستيعاب مصطلح السلطة والتي
يجب ان يتم التمييز بينهما:-
اولا- المدخل المرن، يستخدم مفهوم السلطة وفق هذا المدخل ليشير الى اي نظام للنفوذ او
السيطرة الاجتماعية بحيث يحضى بالتاييد والشرعية من قبل اطراف محددة، وبذلك فان محور التركيز في
هذا السياق ينصب على وجود نمط معين من الاتجاهات بين الافراد الذين يؤيدون النظام السلطوي
القائم تحث اي ظرف من الظروف. وترتبط السلطة وفق هذا الاتجاه بوجود الجماعة السياسية المنظمة
ونعكس وجود انماط مختلفة من العلاقات في المجتمع. ومن ابرز مؤيدي هذا الاتجاه العالم المشهور
ماكس فيبر.
ثانيا- المدخل البؤري، محور تركيز هذا المدخل هو تحديد طبيعة العلاقة الخاصة بين الحاكم والمحكومين،
بقصد التمييز بين هذا النمط من العلاقة الخاصة وغيره من انماط العلاقة الاخرى، فمعرفة مفهوم
السلطة يستوجب استيعاب مفهومي الاجبار عن طريق القوة والاقناع عن طريق الجدال.
2- التسلط:
التسلط هو نمط من انماط ممارسة السلطة يصف الوضع الذي يستحوذ فيه فرد او مجموعة
من الافراد على الحكم دون الخضوع لاي قاعدة او قانون، ودون اي اعتبار لجانب المحكومين,
وما يميز هذا النمط من العلاقات بين اداة الحكم والرعية هو تدني درجة المشاركة السياسية،
وتقييد الحرية الفردية, وحضر كافة المؤسسات التشريعية. ويتجسد التسلط في الممارسات القسرية للحكومات التي تختلف
باختلاف اهدافها واساليبها المختلفة التي تتباين باختلاف الاهداف والاساليب؛ ففي حين يحاول بعضها تغيير الواقع
وفقا لجملة من المبادئ التي يقررها من بيدهم السلطة، فان البعض الاخر يهتم اساسا بتركيز
السلطة وممارستها بصورة بهيمية وقاسية.
وعلى اية حال فان التسلط اساسه رفض الحوار والنقاش الموضوعي، وعدم تقبل الراي المعارض، وسيادة
علاقات اساسها الرضوخ وتقبل الاوامر العلوية، والرغبة المتاصلة في ممارسة التسلط والسيطرة على من هم
ادنى في المرتبة. فالفرد الذي هو ذاته موضوعا للتسلط ما ان يصبح في موقع المسؤولية
حتى يتحول وبشكل غير مبرر الى مشروع لمتسلط صغير، ولن يتواني ابدا في استخدام كل
ما اوتي من وسائل القهر والاكراه[17].
3- الاستبداد:
يستخدم الاستبداد عادة كمرادف للتسلط، ولغة يعني التفرد بالشيء والاستئثار به، وهو غرور المرء برايه
والانفة عن قبول النصيحة او الاستقلال المفرط في الراي والحقوق المشتركة، وهو تصرف فرد او
جمع في حقوق الجموع بالمشيئة وبلا خوف تبعه. والمستبد هو ذلك الشخص الذي يتفرد برايه
دون غيره فيما ينبغي المشورة فيه، الا ان تعبير الاستبداد انصرف مع مالوف الاستعمال الى
نعت من نعوت الحكم المطلق المشوب بالجور والظلم الذي لا يابه القائمون فيه باية قيود
اخلاقية او قانونية، ويتبع المستبد اهوائه الخاصة بدلا من تحكيم مقتضيات المصلحة العامة. وبذلك يخلو
حكم المستبد من اية ضوابط رقابة على الحكم ومحاسبته او ان تكون هذه الاجهزة معطلة.
ان نظام الاستبداد هو حكم او نظام مستقل بالسلطة فيه فرد او مجموعة افراد دون
الخضوع لقانون او قاعدة ودون النظر لراي المحكومين.
وفي اصول اللغة اليونانية فان اصطلاح الاستبداد despotes يتضمن معاني الظلم والجور والتفرد الارعن بالراي،
بل ان هذه الكلمة تعني سيد البيت او رئيس الجماعة، واطلق اباطرة بيزنطة هذا الاسم
على من كانوا يولونهم من ابنائهم واصهارهم حكاما لمقاطعات الامبراطورية، ويعزى في هذا الصدد الى
اليكسيوس الثالث انجلوس البيزنطي الذي حكم من سنة 1195 الى 1205م، ادخال هذا اللقب في
مفردات تسلسل السلطة، واضفاء رتبة عليا تاتي مباشرة بعد رتبة الامبراطور مباشرة.
ثم تطور مصطلح الاستبداد فلازمته صفة الافتقار الى الشرعية، فاصبح يشير الى نظام لا يستند
الى اي تقليد او عرف او دستور، ويميل فيه القائمون الى الظلم والانفلات من القيود,
فوصفه ارسطو باسوا انماط الحكم واكثرها فسادا يدور فيه اهتمام الحاكم حول تامين رفاهيته الشخصية
من دون المصلحة العامة. ويصف افلاطون المستبد, وطريقة حكمه بانه الحاكم الذي يستولي على السلطة
بالقوة، ويمارسها بوسائل قمعية واكراهية ليتخلص من خصومه ومعارضيه، فهو يكثر الوعود ويلجا لاثارة الحروب
لاضعاف المواطنين ليسهل عليه الاستئثار بالسلطة.
الاستبداد السياسي كما يرى الكواكبي هو تصرف فرد او جمع في حقوق قوم بالمشيئة دون
خوف او تبعة ». الاستبداد بشكل عام افراز ذاتي للتخلف، فالفرد حين يفقد عزته الحقيقية
يبحث عنها بشتى الوسائل، فعندما لا يجد الظمان الماء يتجه الى السراب الذي « يحسبه
الظمان ماء حتى اذا جاءه لم يجده شيئا »، ومن هنا ينشا الاستبداد، فالمستبد انسان
فقد مثله الاعلى الذي يجد فيه ذاته وعزته، فراح يبحث عنها بشتى الوسائل, ومنها محاولته
ان يفرض رايه على من دونه، ويدفعه ذلك للتعصب لرايه دون سواه بل ويتشبث به,
فالفرد موضوع الاستبداد هو في واقع الامر مستبد في نفسه، ولو تمكن لجعل البشر جميعهم
خاضعين لامره.
اما عن كيفية مقاومة الاستبداد امر الله عز وجل في القران الكريم المسلمين بضرورة حراسة
دستورهم الابدي القران الكريم، والدفاع عنه ضد استبداد الحاكمين، ولو باستخدام القوة اذا لزم الامر،
وحملهم مسئولية ما يصيبهم من استبداد وحرم التوكل ورجاء الانقاذ لقوله تعالى ﴿لا يغير ما
بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم)، ﴿وما كان ربك ليهلك القرى واهلها مصلحون)، كما امرهم بالتصدي
للاستبداد والمستبدين لقوله تعالى ﴿ولتكن منكم امة يدعون الى الخير وينهون عن المنكر)، وحرم عليهم
قبول الظلم والاستبداد والسكوت عليه واندر اولئك الذين يقبلونه لله تعالى ﴿ان الذين توفاهم الملائكة
ظالمي انفسهم قالوا فيما كنتم قالوا كنا مستضعفين في الارض قالوا الم تكن ارض الله
واسعة فتهاجروا فيها فاولئك لهم جهنم وبئس المصير﴾,وامرهم باستخدام كافة الوسائل لدفع الظلم ﴿وما لكم
لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنسائ ولدان الذين يقولون ربتا اخرجنا من
هذه القرية الظالم اهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا).
4- الطغيان:
اما الطغيان فانه يعني تجاوز الحد من الظلم والجور والتعدي على حرية وخصوصية الاخرين، كما
ورد في قوله تعالى « اذهب الى فرعون انه طغى »، كما يفيد هذا المفهوم
ايضا الارتفاع كان نقول طغى الماء، وهاج البحر وهذا يعني العلو، كما ورد في الاية
الكريمة « ان فرعون علا في الارض »، وقوله تعالى « انه كان عاليا من
المسرفين ». ويصل الطغيان في ذروته حد ادعاء الالوهية كما فعل فرعون، لقوله تعالى «
فقال انا ربكم الاعلى ». وهذا مثال للطغيان والتجبر, وما دون ذلك فهي صفات الالوهية
ومحاولة لتبرير التسلط وقهر الرعية.[18]
عادة ما تتحول انماط الحكم الشخصي في حالة انهيارها الي حكم الطغيان، ومن منظور تاريخي
مقارن يتسم الطغيان بوجود درجة عالية من الغموض وعدم الاستقرار وغياب الامن, وحكم الطغيان لا
يتفق مع مبدا حكم القانون بل الادهى انه لا يخضع لاية ضوابط في ممارسة السلطة.
ويعتمد الطاغية على مجموعة الاتباع من المنتفعين والمرتزقة يحيطون بالحاكم الطاغية الذي لا يملك رؤية
ايديولوجية او دينية او قيمة اخلاقية عليا ليبرر بها نظام حكمه، ووسيلته في ذلك الترغيب
والترهيب، بمنح المكافات للمرتزقة المتعاونة معه، وارهاب المعارضة بما في ذلك اللجوء للتصفيات والاغتيالات السياسية
التي تعتبر من الملامح البارزة لهذا النمط الحكم.
ويصف افلاطون الطاغية بانه الحاكم الذي ينفق على حاشيته دون قيود، ويشدد الحراسة من حوله،
ويعيش في تعتيم اعلامي، ويحيط نفسه بالوشايات والدسائس والمؤامرات، فلا مكان للاخلاق او الشرف، ولا
الصدق ولا الوفاء بالعهد، فكل الناس اعداءه، ويحيط نفسه بالمنافقين والمتملقين، ولا يهتم الطاغية بوضع
رعاياه ان اثقلوا بالضرائب، فهذا يفيد بحيث يصبحوا منشغلين بالبحث عن قوت يومهم، ولا يحب
الطاغية اصحاب الكرامة لذلك تجده يطارد الاخيار من الناس، كما يعمل على تدمير روح المواطنة
ليصبحوا عاجزين.
والطغيان هو شكل من اشكال الحكم يتمتع فيه الحاكم بسلطة غير محددة، فالطاغية لا يابه
لاحد، وقد يلجا احيانا لاستخدام اقصى درجات القوة للحفاظ على سلطته. وقد اطلق على اواخر
القرن الثامن عشر في اوروبا عصر الحكام الطغاة المستنيرين امثال فريدريك الكبير ملك بروسيا وكاترينا
العظمى قيصرة روسيا، وجوزيف الثاني امبراطور النمسا، الذين بدلوا جهودا حثيثة في سبيل اصلاح القوانين،
وتشجيع التعليم والفنون، ويعتقد بعض هؤلاء الحكام بان الحرية والتعليم يصنعان رعايا متمردين، ولذا فقد
تخلوا عن فكرة الاستنارة, وخلفهم حكام هدموا ما انجزه من سبقهم من الحكام المستنيرين.
ويصف ارسطو اساليب الطغاة والمستبدين في احتكار السلطة والاستفراد بها لضمان عدم خروجها من قبضتهم
فيقول: لكي يتمكن الطغاة من الاحتفاظ بعروشهم يلجئون الى تدمير روح المواطنين لجعلهم عاجزين عن
فعل اي شيء ايجابي، وفي سبيل ذلك يعملون على القضاء – وبشتى الوسائل – على
المثقفين الذين قد يشكلون خطرا على الحكم، كما يلجئون الى منع الاجتماعات ويعملون ما في
وسعهم لعزل كل من يساهم في تعليم الناس وتعزيز ثقتهم بانفسهم، كما يعملون على تنمية
روح الاغتراب لدى المواطنين العادين ومحاولة قطع الصلة بينهم وبين الوطن، كما انه كثيرا ما
يلجئون الى تقييد حرية المواطنين وعدم السماح لهم بتجاوز ابواب مدينتهم، ويعمل على بث الجواسيس
في كل مكان ليكونوا على اطلاع دائم ومستمر بكل ما يقوله الرعية.
في ظل النظام التسلطي تقمع المعارضة المنظمة و يحد من حركة و نشاط مؤسسات المجتمع,لكنه
لا يحاول السيطرة عليها اما فيما يخص صور الصراع بين مكونات البناء الاجتماعي فانه يحاول
حصرها دون ان يلغيها.
اما فيما يخص السلطة السياسية فنلاحظ ان من يمتلكونها قد لا يعترفون باية حدود لدستورية
سلطة الدولة غير انهم في التطبيق يعترفون ببعض الحدودو في نفس السياق تحاول تعبئة المواطنين
لتحقيق اهدافها السياسية لكنها لا تلغي التفرقة بين المجال العام و الخاص و غالبا ما
لا تمس بالمجال الخاص بمعنى ان الفرد قد يكون محاصر من قبل ممثلي النظام السياسي
لكنه مع ذلك يستطيع ان يهرب من المجال العام الى الاستقلالية النسبية.
وهذه الانظمة التسلطية ليس فيها الصلابة المتجمدة التي تميز الشمولية لكنها تفتقر ايضا الى مرونة
النظام الليبرالي بحكم السيطرة الثقيلة للنظام السياسي,و بالتالي فهي تميل الى ان تكون ذات طابع
قلق و غير مستقر[19].
على العموم فان هذه الانظمة تجابه خطريين هما:
1-صحوة ليبيرالية من خلال احياء سلطة الجماعات التي تم قهرها لفترة ما.
2-ظهور نظام شمولي من خلال تحالف عديد من الجماعات و المصالح.
في الاخير يلاحظ ان هذه الانظمة التسلطية تتسم بميلها الى الاستقلال الايديولوجي من خلال محاولة
صياغة ايديولوجية وسطية لتصاغ بطريقة توفيقية او تلقيفية-حسب الاحوال-بحيث تقتبس بعض عناصر الماركسية و بعض
عناصر الليبيرالية.
المبحث الثاني: انماط النظم التسلطية
لفهم و حصر انماط النظم التسلطية تم اللجوء الى ذكر النماذج التسلطية الافريقية التي تلت
فترة ما بعد الاستقلال للدول التي تميزت انظمة حكمها بالتسلطية. و تميزت الفترة التي تلت
استقلال معظم الدول الافريقية، بظهور نظم الحزب الواحد في الحكم في غالبية دول القارة، فاقل
من خمس دور من بين تسع واربعين دولة مستقلة في القارة هي التي يمكن وصفها
فقط بانها دول متعددة الاحزاب، وهذا يعني ان اغلب الدولة قد اتبعت نظام الحزب الواحد
الذي مكن القيادات الافريقية من ترسيخ علاقات التسلط والاستبداد, بل اضافت اليها جاهدة انماط جديدة
في سبيل المحافظة على السلطة التي انتجت في نهاية المطاف اوضاع استبدادية وتسلطية على كافة
المستويات, ساد الاعتقاد بان الدول الافريقية المستقلة سوف تسير على ذات النهج الذي سارت فيه
النظم السياسية الغربية من حيث شكل نظام الحكم، وطبيعة المؤسسات السياسية القائمة التي تتميز بان
مركز الثقل في النظام السياسي يميل لصالح السلطة التشريعية الى جانب التعددية والتنافس الحزبي. هذا
ربما يعود الى ان الدول الاستعمارية السابقة قد حاولت نقل نظمها السياسية والاقتصادية للمستعمرات السابقة
عند الاستقلال, بهدف خلق دويلات تابعة تدور في فلك الدول الاستعمارية السابقة.
1- هيمنة نمط الحزب الواحد:
ارتبطت الظاهرة الحزبية في افريقيا جنوب الصحراء بنظام الحزب الواحد اي انها تدخل في اطار
النظم اللاتنافسية، ويعود وجودها الى اواخر الحقبة الاستعمارية، والسيطرة الاجنبية، ومحاولات التخلص من هذا الوضع،
وبناء كيانات جديدة مستقلة، فالنظم الاستعمارية على اختلاف انواعها تركت اثارا واضحة على سياسات ما
بعد الاستقلال في افريقيا، وبذلك فقد ساهمت على انتشار نمط الحزب الواحد بشكل او باخر.
ويرى البعض ان نظام الحزب الواحد هو وريث النظام الاستعماري التسلطي، وربما الاختلاف الوحيد هو
ان الاول نظام وطني وليس اجنبي مفروض من جانب المستعمر فالادارة الاستعمارية عودت شعوب المستعمرات
على الطاعة والخضوع لارادة مفروضة من الخارج مصدرها الحاكم، واستمرت هذه العادة في الفترة ما
بعد الاستقلال، وان كان الاداريون الاوروبيون قد حل محلهم اداريون سود، ويستدل البعض على ذلك
بان اتباع فرنسا للمركزية الشديدة، والسلطة الهيراركية في ظل نظام الحكم المباشر كان وراء انتشار
نمط الحزب الواحد, وخاصة في المناطق التي كانت تحت سيطرة الاستعمار الفرنسي، كما ان التنظيم
الداخلي للحزب الواحد قد بني على نفس التقسيمات الادارية الموروثة عن الحقبة الاستعمارية، وفي ظل
الاستعمار البريطاني، فان وجود حزب قوي تحت رئاسة زعيم مسيطر قوي كان شرطا اساسيا لمنح
الاستقلال للوطنيين. وهو ما شجع احزاب « الصفوة » تعتمد عليها الادارة الاستعمارية في تنفيذ
سياساتها، بحيث يستمر الولاء لها حتى ما الاستقلال, بحيث نجد ان النخبة او الصفوة الجديدة
من المثقفين الافارقة في ظل النظم الاستعمارية كانوا اكثر الفئات تعبئة من الناحية الاجتماعية، ويلاحظ
ان الكثير من هؤلاء المثقفين اصبحوا فيما بعد قادة لدولهم، وتاثروا بنمط الحزب الواحد الذي
يتناسب مع النزعة التسلطية التي جبلوا عليها ابان الحقبة الاستعمارية.[20]
كما تاثرت الاحزاب السياسية الناشئة بالتغيرات الاقتصادية والاجتماعية التي صاحبت الحقبة الاستعمارية حيث ظهرت قوى
اجتماعية ونخب قوية مرتبطة بالحكم الاجنبي، الى جانب بروز حركات قومية تحاول تغيير الاوضاع القائمة
وتاسيس حكومات وطنية في الدول القطرية حديثة الاستقلال على انقاض الحكم الاستعماري، فاغلب الاحزاب السياسية
التي عرفتها الدول الافريقية قد نشات في ظل تدابير دستورية تبلورت ابان الحقبة الاستعمارية، وهذا
يعنى ان عمر الاحزاب السياسية الناشئة يعتبر قصير نسبيا بمعنى انها ظهرت للوجود بعد الحرب
العالمية الثانية، وتبلورت مطالبها اساسا في المشاركة في الحكم.[21]
كما ساهم الوجود الاجنبي في تعزيز الحركات القومية التي واجهته، بمعنى ان الاستعمار كان بمثابة
عامل موحد ساعد على تكوين جبهة معارضة في شكل حركات تحرر وطنية تعمل على مقاومته
التي انتشرت في اغلب الدول الافريقية، ويعتبر ذلك بمثابة مناخ ملائم لنشاة نظام الحزب الواحد
الجماهيري، الى جانب ذلك ظهرت بعض الاحزاب ذات التوجهات الاقليمية والقبلية في مواجهة الحركات الوطنية
واعتمادها على الولاءات الاولية في تنفيذ سياساتها بدلا من الولاء للوطن. ورغم محاولات السلطات الاستعمارية
بزرع نظم سياسية على غرار نظم الدولة الام تقوم على اساس التمثيل النيابي والتنافس الحزبي،
فقد تحولت معظم الدول الافريقية الى نظام الحزب الواحد المسيطر الذي لا يحتكر الحياة السياسية
ولكنه يسيطر عليها سيطرة تامة، ويترك لغيره فرصة للتواجد ولكن لا يسمح لها بان تتحداه،
ومنه الى نظام الحزب الوحيد او الاوحد الذي يحتكر الحياة السياسية ولا يترك لغيره فرصة
التعايش معه, وبذلك فقد اصبح نظام الحزب الواحد هو القاعدة العامة في افريقيا بعد ان
كان موجودا في بادئ الامر في الدول التي كانت تحت سيطرة الاستعمار الفرنسي.
تتفق النظم الحزبية في افريقيا في الفترة ما بعد الاستقلال في انها احزاب جماهيرية ولو
من حيث المبدا، وبذلك فهي ليست احزاب بالمعنى التقليدي حيث ان الحزب يمثل الجزء للكل
وليس الكل، وبذلك درجت العادة على وصف اغلب الاحزاب السياسية في افريقيا بالاحزاب الجماهيرية التي
نشات نتيجة اقرار نظم الانتخاب العام وصعود الانظمة البرلمانية، وكانت في البداية مقتصرة على القوى
اليسارية الصاعدة التي كانت تهدف الى توعية الطبقة العاملة وتنظيمها سياسيا ونقابيا، ولكن بعض الاحزاب
اليمينية او البرجوازية التي كانت مقتصرة في البداية على النخب والوجهاء، ادركت اهمية الانفتاح على
الجماهير، وبذلك عمدت على تبني الهياكل التنظيمية التي كانت تتبعها الاحزاب الجماهيرية. وتستمد هذه الاحزاب
قوتها من الجماهير بمعنى اخر من الاعضاء المنتسبين اليها الذين يعول عليهم في تمويل النشاط
السياسي، وذلك من خلال دفع للاشتراكات بصورة دائمة لان الاحزاب الجماهيرية تفتح ابواب العضوية فيها
لكافة طوائف الشعب بدون تمييز, كما انها تدعي تمثيل مصالح الجماهير، وبذلك فهي تضم في
صفوفها اكبر عدد من الافراد، وتتميز بانها تقوم على المركزية في علاقة اعضاء الحزب مع
بعضهم البعض ومع القيادة. وتندرج تحت هذا النوع من الاحزاب الشمولية، والاحزاب ذات المضامين الاجتماعية
والاقتصادية والبيئية.
يتميز نظام الحزب الواحد في افريقيا بالتنظيم الهرمي والمركزية والسلطة الهيراركية، ويتكون التنظيم الهرمي للحزب
في الغالب من عدة مستويات تنظيمية تتراوح من 3-5 مستويات، يكثر وحداتها الاساسية في المستوى
القاعدي، ويقل في المستويات العليا، ومن اهم خصائص التنظيم الداخلي للحزب الواحد في افريقيا هو
اتساع قاعدته لتبنى على التنظيم الاداري للدولة. كما ان دعامة التنظيم الهرمي للحزب واساسه المركزية
الادارية التي تضمن التناسق بين مستويات التنظيم الحزبي المختلفة وسير عملها.
يخضع الحزب الواحد في افريقيا لسلطة الزعيم القومي، وهو ذاته رئيس الحزب ورئيس الدولة، وهذا
يعني ان الحزب مرتبط مباشرة بسلطة شخص هذا الزعيم واداته في الحكم يده بدلا من
ان يصبح وسيلة في ايجاد مؤسسات سياسية قوية، تعكس ارادة جموع الشعب، كما ان قرارات
الحزب هي قرارات الرئيس، وهذا يخلق فراغ تنظيمي على المستوى الحزبي، وان القضاء على الزعيم
يؤدي الى انهيار المؤسسات القائمة، ولهذا الاساس نجد ان اغلب الانقلابات العسكرية خطط لها عندما
كان الرئيس خارج البلاد. ومن ابرز الامثلة على ذلك
انقلاب العسكري الذي قاده عيدي امين عام 1971 على الرئيس ميلتون اوبوتي عندما كان الاخير
خارج البلاد في مؤتمر للكومنولث، وكذا الحال مع الرئيس نكروما عندما كان في زيارة لبكين.
ان الضعف التنظيمي لنظام الحزب الواحد وعجزه عن تحريك الجماهير وتعبئتها، واتجاهها بدلامن ذلك للاعتماد
على القوة والقمع بصورة متزايدة لتحقيق الطاعة والولاء، والقضاء على المعارضة السياسية ادى الى ضعف
الاحزاب السياسية المسيطرة لتفسح المجال لتنامي سلطة العسكريون والاتجاه نحو عسكرة السلطة.
2- العسكريون وعسكرة السلطة:
شهدت افريقيا جنوب الصحراء خلال ستينيات وسبعينيات القرن الماضي تنامي ظاهرة الانقلابات العسكرية وسيطرة العسكريون
على السلطة بحيث تلعب المؤسسة العسكرية دورا سياسيا بارزا في الحياة السياسية، ويتجلى في احدى
الصور التالية:
– النفوذ العسكري الذي يمارسه العسكريون في شكل جماعة مصالح, ويوجد هذا النمط في الدول
التي تتميز باستقرار ورسوخ التقليد الخاص بالسيطرة المدنية على القوات المسلحة.
– المشاركة العسكرية حيث يشارك العسكريون في عملية صنع القرار, وادارة الهيئات والمؤسسات الهامة في
الدولة.
– سيطرة العسكريون المباشرة على مقاليد العملية السياسية بحيث يتحكمون في عملية توزيع القيم والموارد
داخل المجتمع.
ويرجع تنامي ظاهرة تدخل العسكريين في السياسة الى الخبرة التاريخية التي تعتبر من اهم عوامل
التنشئة المهنية والسياسية والاجتماعية للعسكريين. ويرى روستو باهمية دور المواريث التاريخية في افريقيا من زاوية
الدور المعاصر للعسكريين في المجتمع والسياسة.
ان سيطرة العسكريون على زمام الامور يصبح مطلبا ملحا في الدول التي يسودها هذا النمط
من انماط الحكم. فالنظم البرلمانية التي وجدت في بعض الدول عند الاستقلال تحولت بعد سنوات
قليلة الى نظام الحزب الواحد ثم النظم العسكرية فيما بعد، ويرجع ذلك الى ضعف المؤسسات
المدنية، والمشاركة المفرطة والافتقار الى الشرعية السياسية، وفضلا عن عدم الاستقرار الاقتصادي، وقد ساهمت هذه
العوامل في تسهيل استيلاء الجيش على السلطة في افريقيا خلال الستينيات. كما ان النزعة التسلطية
الكامنة دفعت البعض لاستغلال المؤسسات العسكرية وذلك لاحتكارها شبه الكامل لمصادر القوة في المجتمع مما
يجعلها القوة الوحيدة القادرة للسيطرة على الدولة. ويوصف النظام السياسي بانه عسكري عندما يسيطر العسكريون
على مقاليد العملية السياسية فيتحكمون في عملية القيم والموارد داخل المجتمع. ويشير الجدول التالي الى
كيفية تولي الرئاسة في اغلب الدول الافريقية جنوب الصحراء اذ يلاحظ انه من بين 24
دولة التي خضعت للدراسة ست دول فقط كان التغيير فيها سلميا سواء بالاستقالة او الوفاة،
اما الباقي فتم من خلال الانقلابات العسكرية بما يؤكد تاصل نزعة التسلط عند اغلب القيادات
السياسية.
لدولة التسلطية في الوطن العربي
مايمكن تفسير به الانظمة العربية هو نفسه نادى به عدد كبير من الفقهاء والباحثين وهو
اقصى ما يطمح اليه الانسان العربي ان يتمتع بالامن والاستقرار في ظل حاكم مستبد يتصدى
لجشع الاقوياء، ويشعر الجميع بواجب الطاعة اليه خوفا من عقابه.
استمر موروث «المستبد العادل» طويلا في الفكر العربي الحديث، وما زال حاضرا بقوة في دراسات
تصف بنية النظام السياسي العربي بانها تسلطية وتجدد نفسها باشكال مختلفة على امتداد الوطن العربي.
فباتت الانظمة السياسية العربية متشابهة الى حد بعيد، رغم توصيفها بين نظم ملكية او جمهورية.
وذلك يطرح تساؤلات منهجية حول مستقبل هذا النظام في عصر العولمة منها:
1 ان البنى الاقتصادية والاجتماعية القبلية والطائفية ساهمت في توليد النظم السياسية التسلطية العربية. مما
يعطي اهمية استثنائية لمقولات ابن خلدون عن العصبية، والبداوة، واطوار الدولة، والعمران الحضري، وتحول العصبية
القبلية المتحالفة مع العصبية الدينية الى ملك. وبرز تشابه لدرجة التطابق في البنى السياسية العربية
التي تولدت عنها انظمة تسلطية تمارس الحكم على طريقة زعيم القبلية المستبد لا العادل. وما
زالت الشعوب العربية تعيش حالة مزرية من الفقر، والامية، والبطالة كما دلت جميع تقارير التنمية
العربية الصادرة عن الامم المتحدة خلال السنوات الماضية.
2 ليس من شك بان شرعية الدولة العربية ليست نتاج علاقة سليمة مع مواطنيها، لانهم
لا يعاملون كمواطنين بل كرعايا لدولة تسلطية تجيد كل اشكال القمع، ولا تقدم الحد الادنى
من العدالة والمساواة والرعاية الاجتماعية. وبرزت فوارق هائلة بين القوى التسلطية والجماهير الشعبية التي تشكو
غياب الخدمات على انواعها، وفرص العمل، وتدني الدخل الفردي ومستوى التعليم وغيرها. بالمقابل، تكدست ثروات
طائلة من الاموال النفطية وغيرها، لكنها لم توظف في عملية التنمية البشرية والاقتصادية المستدامة داخل
الوطن العربي بل نقلت الى الخارج، واستخدم قسم كبير منها في البورصة، وشراء الاسلحة التي
لم تستخدم في المعارك القومية، وفي شراء السلع الاستهلاكية الغالية الثمن والقصور الفاخرة. فانتهى مفعول
الطفرة النفطية الاولى والثانية الى هدر للامكانات الاقتصادية المتوافرة في بلاد العرب دون تطوير ملحوظ
للبنى الاقتصادية والاجتماعية. وارتفع حجم الاموال العربية الهالكة بعد انفجار الازمة الراسمالية العالمية الحالية الى
اكثر من ثلاثة الاف مليار دولار كان بامكانها احداث قفزة نوعية في الوطن العربي.
3 فصيغة المستبد لا العادل هي التي سادت في الوطن العربي. وقد بدات فردية عبر
زعماء الاسر الحاكمة وشيوخ القبائل، ثم تطورت الى حكم عسكري عبر الانقلابات المتلاحقة في اكثر
من بلد عربي. ورفعت في البداية راية الاصلاح السياسي والاقتصادي والتحديث الاجتماعي، لكنها سرعان ما
تحولت الى معوق اساسي للحداثة السليمة، والديموقراطية، وبناء الحكم الصالح. واتجه بعضها الى بناء الحزب
الواحد، واوكل ادارة الحكم الى اجهزة الاستخبارات التي باتت الحاكم الفعلي في الوطن العربي. وقطعت
الطريق امام اي تغيير ديموقراطي، واقامت شبكة من العلاقات الممتازة في ما بينها، وحدثت اجهزة
القمع حتى باتت افضل مما هي عليه في الدولة المتطورة. [23]
4 اصبح شعار «تحديث النظام التسلطي»، الهاجس الرئيسي لكل من تسلم السلطة في اي بلد
عربي. فالنظام لا يحمي نفسه عبر ضمان الحقوق الفردية والجماعية، ونشر العدالة والمساواة، وروح المواطنة،
والتنمية المستدامة بل بالقمع وحده. فالحاكم العربي القوي هو الذي يضمن لنفسه الاستمرارية في السلطة
اطول فترة ممكنة، ويمارس كل اشكال التسلط لضمان الاستقرار الداخلي، وتامين الوراثة من الاباء الى
الاحفاد. ويغيب الفرد المستقل او المواطن الحر بصورة شبه تامة بحيث بات عاجزا عن القيام
باي دور فاعل في عملية التغيير السياسي والاجتماعي. وما زال النظام التسلطي العربي يخوض معركة
مفتوحة ضد ثقافة التغيير والمثقفين المتنورين، واجبارهم على السكوت تحت طائلة السجن، والتهجير، ومصادرة اعمالهم
الابداعية. فيما فتحت ابواب الوظائف العليا وجمع الثروة امام اعداد كبيرة من المثقفين الذين ساندوا
السلطة، وتسلموا وزارات الدولة، وباتوا اعضاء في مجالسها البرلمانية بعدما اعلنوا ولاءهم التام للنظام التسلطي،
وكالوا المديح لقادة مستبدين دون ان يكونوا عادلين.
5 نجح النظام التسلطي في السيطرة على مؤسسات المجتمع الاهلي ومؤسسات المجتمع المدني، عبر مختلف
وسائل الترغيب والترهيب، والحاقها قسريا باجهزة الدولة التسلطية. كما نجح احيانا في تهدئة العصبيات القبلية
والطائفية الموروثة ابان مرحلة الاستقرار، ثم استفاد من تناقضاتها الكثيرة في زمن الازمات الحادة.
فلم يسع الزعيم التسلطي ابدا الى ضرب العصبيات التقليدية السابقة على ولادة الدولة العربية الحديثة،
واعتبرها، الى جانب الاجهزة الامنية، خط الدفاع الثاني عنه.
ويواجه الان معركة مصيرية في زمن العولمة والتكتلات السياسية والاقتصادية الكبيرة التي تسعى الى نشر
ديموقراطية تتلاءم مع طبيعة النظام العالمي الجديد. ومع اسقاط النظام العراقي، والبدء بمحاكمة نظام البشير
في السودان امام محكمة دولية، شعرت بعض الانظمة العربية بمصير مشابه، وكان هناك مخططا لتفكيك
المنطقة العربية بهدف ادماجها قسريا بمشروع الشرق الاوسط الجديد.
نخلص الى القول ان النظام التسلطي، فردا كان ام حزبا، او جماعة انقلابية، ساهم في
تغييب المواطن العربي الحر الذي يشكل القاعدة الاساسية للتغير العقلاني الشامل.
فيما المرحلة الراهنة تضج باحتمالات كثيرة للتغيير الجذري على غرار ما يجري في دول اميركا
اللاتينية. ونجاح عملية التغيير رهن بضمان الحريات العامة والخاصة، وبناء الديموقراطية، وتشجيع المجتمع المدني، ونشر
العلوم العصرية والتكنولوجيا المتطورة، والانفتاح على جميع الثقافات، والعمل على كسر التبعية مع الغرب واقامة
التوازن بين الاصالة والمعاصرة.
لذلك تخشى الدولة التسلطية العربية من مسار الديموقراطية الحقيقية وتستعيض عنها بديموقراطية شكلية هدفها احكام
سيطرة الدولة على المجتمع بطرق مرنة من خلال جذب الافراد، والجماعات، والنقابات، والاحزاب السياسية، والمهن
الحرة والحاقها بالدولة. وقد نجحت في تحديث اجهزة الدولة التسلطية بوضوح في الدول التي تسيطر
على الاقتصاد الريعي، وتتحكم بمراكز الانتاج الاساسية وطرق توزيعه على المناصرين لها وحرمان المعارضة منها.
ولم تنجح تلك السياسة الى حد ما في الدول التي يتمتع فيها القطاع الخاص بنوع
من الحرية التنافسية التي تجعله عصيا على الخضوع، ولديه شبكات امان مع الخارج.[24]
خاتمة
وفي الختام فانه يمكن القول ان الوحدات السياسية و الانظمة السياسية التي تحويها هي بمثابة
الروح في الجسد وعلى هذا الاساس فالدول تحدد مكانتها على مختلف الدوائر الاقليمية و الدولية
وحتى التحت الاقليمية وهذا محدد لتفاعلها مع مختلف الكاياتات الاخرى والاتجاه الدولي اليوم في الناحية
السياسية العملية وكذا من الناحية الفكرية والاجتهادات المتعلقة بانجع الانظمة المناسبة للدول خاصة بالمراعاة للجوانب
ليس فقط السياسية بل حتى الطبيعة المجتمعية والتاريخية للمجتمعات على غرار بريطانيا وتفضيلها للنظام البرلماني
باعتباره انجع نظام قادر على الحفاظ على المكانة التاريخية للعائلة الملكة كنقطة مهمة محافظة ليس
فقط على تاريخية النظام السياسي بل حتى في جانب القدرة على الحفاظ على الوحدة بين
مختلف المكونات للمجتمع البرلماني .
وعليه فالدول اليوم تنحى الى نظام الديمقراطي من اجل الحفاظ على مختلف الخصوصيات القادرة على
رسم تعامل سياسي داخل الدولة يفضي الى الحد من التهمي وبالتالي عقلانية في التعامل السياسي
وهذا قد ينسحب على مختلف الاشكال الاخرى من الانظمة السياسية وعليه تبقى الاشكالية ليس في
نوع النظام بل في الممارسة السياسية لهذا النظام ؟