هل يجوز التبرع بالاعضاء سواء حيا او ميتا؟
الجواب :
قضية التبرع قضية معاصرة كثر حولها الخلاف بين الاطباء والفقهاء، وكنت قد بحث هذه المسالة
في كتابي “مسائل فقهية معاصرة” وانقل ما جاء في الكتاب بالتفصيل لاهمية الموضوع لمن اراد
مراجعته، والله اعلم واحكم:
ينقسم المتبرع الى ميت وحي:
1 – اما بالنسبة للميت: فقد جاء في قرار هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية
-رقم 99 بتاريخ 6/11/1402ه ما يلي:
قرر مجلس الهيئة بالاجماع جواز نقل عضو او جزئه من انسان حي مسلم او ذمي
الى نفسه، اذا دعت الحاجة اليه، وامن الخطر في نزعه، وغلب على الظن نجاح زرعه،
وقرر بالاكثرية جواز نقل عضو او جزئه من انسان ميت الى مسلم، اذا اضطر ،
وقرر بالاكثرية جواز نقل عضو او جزئه من انسان ميت الى مسلم، اذا اضطر الى
ذلك، وامن الفتنة ممن اخذ منه، وغلب على الظن نجاح زرعه فيمن سيزرع فيه، كما
قرر جواز التبرع الى المسلم المضطر لذلك.
وجاء في قرار مجمع الفقه الاسلامي في دورته الرابعة، ما يلي:
يجوز نقل عضو من ميت الى حي تتوقف حياته على ذلك العضو، او تتوقف سلامة
وظيفة اساسية فيه على ذلك. بشرط ان ياذن الميت او ورثته بعد موته، او بشرط
موافقة ولي امر المسلمين، اذا كان المتوفى مجهول الهوية، او لا ورثة له، ويجب ان
تقيد هذه الفتوى بالقيد التالي: بشرط عدم تعرض الجثة للامتهان او العبث بها، وذلك لكرامة
الانسان، وعدم جواز امتهانه حيا وميتا. قال تعالى: (( لقد خلقنا الانسان في احسن تقويم)).
وجاء في الحديث الصحيح: (لان يجلس احدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص الى جلده، خير
له من ان يجلس على قبر)، وعن عائشة -رضي الله عنها- : ان رسول الله
-صلى الله عليه وسلم- قال: (كسر عظم الميت ككسره حيا). قال الطيبي -رحمه الله- :
فيه دلالة على ان اكرام الميت مندوب اليه في جميع ما يجب، كاكرامه حيا، واهانته
منهي عنها، كما في الحياة.
وقال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله- : الكبيرة التاسعة عشر والعشرون بعد المائة كسر عظم
الميت والجلوس على القبور، ثم قال: عد هذين من الكبائر لم اره ولكن قد تفهمه
هذه الاحاديث، لان الوعيد الذي فيها شديد، ولا ريب في ذلك في كسر عظمه، لما
لمت انه ككسر عظام الحي.
وبمثل قرار هيئة العلماء بالسعودية افتت لجنة الفتوى بدولة الكويت، ودار الافتاء المصرية، ولجنة الفتوى
في المملكة الاردنية الهاشمية، ولجنة الافتاء للمجلس الاسلامي الاعلى بالجزائر، ويستدل لهذا الراي بالقواعد الفقهية
التالية:
1 – الضرورات تبيح المحظورات.
2 – الضرر يزال.
3 – يرتكب اخف الضررين لدفع اعظمهما.
4 – المشقة تجلب التيسير.
وللمسالة نظائر تدل عليها منها:
ا – اذا وجد المضطر انسانا ميتا جاز له اكله – ان لم يجد غيره
من حلال او نجاسات-، لان المفسدة في اكل لحم ميتة الانسان اخف من المفسدة في
اتلاف حياة انسان حي.
ب – لو وجد المضطر من يحل قتله كالحربين والزاني المحصن، وقاطع الطريق الذي تحتم
قتله…الخ، جاز له ذبحهم واكلهم، اذ لا حرمة لحياتهم، لانها مستحقة الازالة، فكانت المفسدة في
زوالها اقل من فوات حياة المعصوم.
ج – ما سبق ذكره في قطع فلذة كبد من فخذه لياكلها.
وهنا يثار سؤالان:
الاول: هل يشترط اذن الميت او وليه لاخذ شيء من اعضائه؟
الثاني: هل تعتبر السكتة الدماغية -موت الدماغ- موتا حقيقيا؟
ا – اذا نظرنا في كتب الفقه او القواعد -بالنسبة لاذن الميت او وليه- نراهم
لا يذكرون شيئا عن ذلك، وكذا لم ترد اي اشارة الى الاذن في قرار هيئة
كبار العلماء بالسعودية. وقيدت فتوتا دار الافتاء المصرية -رقم 1069، ورقم 1078- الميت الذي يجوز
نقل اعضائه بمن لا اهل له، حيث جاء في الفتوى -رقم 1069- ما يلي: “ونرى
قصر هذا الجواز على الموتى الذين لا اهل لهم”.
اما فتوى وزارة الاوقاف الكويتية -رقم646- فقد صرحت بعدم الحاجة الى اذن من الميت او
اوليائه، حيث جاء فيها ما يلي: “اذا كان المنقول منه ميتا جاز النقل سواء اوصى
ام لا، اذ ان الضرورة في انقاذ حي تبيح المحظور، وهذا النقل لا يصار اليه
الا للضرورة. ويقدم الموصي له في ذلك عن غيره، كما يقدم الاخذ من جثة من
اوصى، او سمحت اسرته بذلك عن غيره”.
وهذا الراي موافق لقواعد الضرورة، كما ان فقهاءنا في السابق لم يكونوا يتصورون مثل هذا
الامر -غالبا- الا في مكان لا يوجد فيه اهل للميت، لذا لم يشترطوا الاذن.
اما قرار مجمع الفقه الاسلامي فقد صرح بوجوب اذن الميت او ورثته بعد موته، او
اذن ولي الامر بالنسبة لمن لا اهل له، او مجهول الهوية. وبمثل هذا افتت لجنة
الفتوى بالاردن، ومثلها الفتوى رقم -1323- الصادرة عن دار الافتاء المصرية، حيث جاء فيها ما
يلي:
ويكون قطع العضو او قطع جزئه من الميت اذا اوصى حي بذلك قبل وفاته، او
بموافقة عصبته بترتيب الميراث، اذا كانت شخصية المتوفى الماخوذ منه معروفة، واسرته واهله معروفين، اما
اذا جهلت شخصيته او عرفت وجهل اهله فانه يجوز اخذ جزء من جسده نقلا لانسان
حي اخر، ستفيد منه في علاجه، او تركه لتعليم طلاب كليات الطب، لان في ذلك
مصلحة راجحة تعلو على الحفاظ على حرمة الميت، وذلك باذن من النيابة العامة، التي تتحقق
من وجود وصيته، او اذن من صاحب الحق من الورثة، او اذنها هي في حالة
جهالة شخص المتوفى، او جهالة اسرته.
وهذا القول وان كان لا يتفق ومقتضى القواعد، فانه يصار اليه استحسانا وذلك لفساد الزمان،
وخراب الذمم، اذ انه لو فتح هذا الباب بلا قيود، لتعرضت القبور للنبش والجثث للبيع.
ونظير هذه المسالة القول بتضمين الاجير المشترك. قال الشاطبي -رحمه الله- : “ان الخلفاء الراشدين
قضوا بتضمين الصناع”. قال علي -رضي الله عنه-: “لا يصلح الناس الا ذاك”.
ووجه المصلحة فيه ان الناس لهم حاجة الى الصناع، وهم يغيبون عن الامتعة في غالب
الاحوال، والاغلب عليهم التفريط، وترك الحفظ، فلو لم يثبت تضمينهم مع مسيس الحاجة الى استعمالها
لافضى ذلك الى احد امرين: اما ترك الاستصناع بالكلية، وذلك شاق على الخلق، واما ان
يعملوا ولا يضمنوا ذلك بدعواهم الهلاك والضياع، فتضيع الاموال، وبقل الاحتراز، وتتطرق الخيانة، فكانت المصلحة
التضمين، هذا معنى قوله “لا يصلح الناس الا ذاك”.
وتشهد له الاصول من حيث الجملة، فان النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى ان يبيع
حاضر لباد، وهو من باب ترجيح المصلحة العامة على المصلحة الخاصة، فتضمين الصناع من هذا
القبيل.
ويستانس -ايضا- لهذا القول بالقاعدة القائلة: “الاضطرار لا يبطل حق الغير”. وهذه القاعدة تعتبر قيدا
لقاعدة ” الضرورات تبيح المحظورات”, فالاضطرار وان كان في بعض المواضع يقتضي تغيير الحكم من
الحرمة الى الاباحة كاكل الميتة، وفي بعضها الترخيص في فعله -مع بقائه على الحرمة- ككلمة
الكفر، لان الضرورات تبيح المحظورات، الا انه على حال لا يبطل حق الغير، والا لكان
من قبيل ازالة الضرر بالضرر، وهذا غير جائز، ومناف لقاعدة “الضرر لا يزال بمثله”.
ب – اما بالنسبة لاعتبار السكتة الدماغية -موت الدماغ- موتا حقيقيا فقد اختلف الفقهاء المعاصرون
في المسالة, تبعا لاختلاف الاطباء فيها، فبعض الاطباء يرون ان موت الدماغ -الموت الاكلينيكي- يعتبر
موتا حقيقيا، وعلى راس هؤلاء رئيس الاطباء بجمهورية مصر العربية الدكتور حمدي السيد، حيث يقول:
السنوات الماضية شهدت تقدما كبيرا في الطب واجهزته، وخاصة اجهزة التنفس الاصطناعي، العناية المركزة، ووسائل
الانعاش، وهذه الاجهزة تبرز لنا وفاة المخ قبل وفاة اعضاء الجسم، واذا مات المخ فسوف
تموت كل اعضاء الجسم لاحقا، فالمخ هو العضو المهيمن على الجسم كله، ولم يحدث ان
توفى مخ المريض واستعاد حياته مرة اخرى، ويضيف النقيب ان تعريف الوفاة بتوقف المخ سيساعد
الاطباء على اجراء عمليات نقل الكبد وكلى وقلب من انسان توقف ومات مخه، ومازالت اعضاؤه
تعمل؛ حيث ان النقل لا يصلح الا في الساعات اللاحقة لوفاة المخ مباشرة، واذا تاخر
فسوف تموت الاعضاء.
ويقول الدكتور السيد: الشخص الذي يصاب بتلف شامل ونهائي في مخه يعتبر في عداد الموتى،
وان ظلت بقية اعضاء جسمه تعمل امامنا في غرفة العناية المركزة، حيث تساعد الاجهزة الصناعية
بعض اعضاء جسمه على العمل، ومن ثم فان رفع الاجهزة عنه لا يعد قتلا، لان
الوفاة في هذه الحالة تكون قد حدثت بالفعل مع موت المخ -وان ظل قلبه ينبض-.
وهناك دول كثيرة في العالم اخذت بالموت الاكلينيكي، وبالتالي نجحت في زراعة الاعضاء نجاحا كبيرا،
وذهب اطباء اخرون الى ان موت الدماغ لا يعتبر موتا حقيقيا للانسان، ومن ابرز هؤلاء
الدكتور صفوت لطفي -استاذ التخدير والعناية المركزة بالقصر العيني، حيث يقول:
موتى المخ ليسوا موتى حقيقيين، بل مرضى احياء مصابون بالغيبوبة العميقة، او اصابات الحوادث، وهناك
حالات كثيرة مات مخها، ثم عادت للحياة مرة اخرى، ومن ثم فان التعامل مع هؤلاء
على انهم موتى، وانتزاع اعضائهم منهم يعد جريمة قتل متكاملة الاركان.
ويضيف الدكتور صفوت: ان هناك خلافات شديدة بين الاطباء والدول، بل بين الولايات داخل الدولة
الواحدة حول مفهوم موت المخ، فهناك ثلاث تعريفات لذلك:
الاول: هو موت جذع المخ.
الثاني: موت كل المخ.
الثالث: موت الوظائف العليا للمخ.
ويواجه التعريف الاول الذي تاخذ به بريطانيا بمعارضة شديدة من الاطباء الالمان، على اساس ان
المريض الذي يتم تشخيصه بالتعريف البريطاني لا يزال يحتفظ بالقدرة على التفكير والاحساس، كما يواجه
التعريف الثالث بمعارضة شديدة، لانه بالغ الخطورة والاتساع، حيث يحكم بموت المخ على مرضى الامراض
العقلية، ومرضى ما يسمى بالحالة الخضرية الدائمة، ومرضى غياب القشرة المخية.
ويوضح الدكتور صفوت ان الابحاث العلمية في العالم اثبتت ان الفحوصات المستخدمة في تشخيص موت
المخ ليست دقيقة، فمجموعة الفحوص التي تعتمد على اختبارات النشاط الكهربي لخلايا جذع المخ لا
يمكن اعتبار نتائجها قاطعة، حيث يمكن ان تعطي نتائج كاذبة، اما بسبب عدم تزامن في
النشاط الكهربي، مما يؤدي الى عدم تزامن استجابة خلايا المخ للمنبهات في وقت واحد، واما
بسبب وجود اضطراب في وظيفة المستقبلات الحسية، فلا تحدث الاستجابة الطبيعية للنشاط الكهربي، رغم استمرار
حيوية المخ.
وقول الدكتور صفوت: كما ان مجموعة الفحوص التي تعتمد على سريان الدم وتستهدف تشخيص توقف
الدورة الدموية يمكن ان تتعرض للخطا، نتيجة للنقص الكمي، حيث يمكن ان تكون الدورة الدموية
ضعيفة، فلا تعطي نتائج ايجابية -رغم عدم انقطاع الامداد الدموي-.
ويشير الدكتور صفوت الى نقطة مهمة وهي وجود خلافات حول السن الذي لا يجوز فيه
تطبيق مفهوم موت المخ، فقد اتفقت البروتوكولات المختلفة لتشخيص موت المخ على عدم جواز تطبيق
هذا المفهوم على الاطفال، وذلك بسبب المقدرة الفائقة للاطفال على استعادة وظائف المخ، حتى لم
بعد فترة طويلة تصل الى عدة اسابيع.
فعلى حين يحدد بعض الاطباء السن الذي لا يجوز تشخيص موت المخ قبلها بسنتين عند
بعض الاطفال، فهناك من يحدد ذلك السن بخمس سنوات، واخرون بعشر سنوات، ولعل ذلك من
الادلة القاطعة على بطلان مفهوم موت المخ، اذ ان الحقائق الطبية الثابتة وبخاصة في امر
خطير كتشخيص الموت لا يمكن ان تكون عرضة للاختلاف بتغير السن، وانما يتحتم ان يكون
تشخيص الموت كما كان دائما امرا ثابتا، لا يختلف عليه اثنان من الاطباء، كما لا
يختلف ايضا من سن الى اخر.
ويحظى راي نقيب الاطباء بموافقة الحكومة المصرية، ودعم قيادات الحزب الوطني، اما الراي الاخر فقد
حظي بتاييد الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بمجلس الدولة برياسة المستشار طارق البشيري، حيث اصدرت
فتوى قانونية بذلك، تقول فيها:
ان انتزاع الاعضاء من مريض الغيبوبة العميقة يعد جريمة قتل، حتى لو كان المريض في
سكرات الموت، لان العبرة هنا بالفعل الذي يؤدي مباشرة الى الموت، وهو هنا انتزاع الاعضاء
عن طريق الطبيب الذي يعد قاتلا، ولا عبرة بالقول بان المريض كان في غيبوبة، او
انه كان سيموت بعد فترة قصيرة او طويلة، وذكرت الفتوى ان نقل العضو يفيد حتما
وبذاته موت المنقول منه، حتى ان كان المنقول منه في سكرات الموت، والعبرة في بيان
سبب الموت هو الحالة، او بالفعل الذي افضى حتما ومباشرة الى حدوث الموت في لحظة
حدوثه.
وقد عرضت هذه المسالة في عدة ندوات فقهية، وعلى لجان فقهية في دول مختلفة، وقد
انتهت تلك الفتاوى الى رايين هما:
الراي الاول: لا يعتبر موت الدماغ موتا، بل لا بد من توقف القلب عن النبض
حتى يحكم بموت الانسان.
وممن افتى بهذا الراي دار الافتاء المصرية، ولجنة الفتوى بوزارة الاوقاف الكويتية، وقال به من
العلماء فضيلة الشيخ جاد الحق علي جاد الحق -امام الجامع الازهر السابق-، والدكتور بكر ابو
زيد -رئيس مجمع الفقه الاسلامي بجدة-، فضيلة الشيخ بدر المتولي عبدالباسط -المستشار الشرعي لبيت التمويل
الاسلامي-، الاستاذ الدكتور محمد رمضان البوطي -الفقيه والكاتب الاسلامي المعروف-، فضيلة الشيخ محمد المختار -نفتي
الجمهورية التونسية-، وغيرهم.
يقول الاستاذ محمد رمضان البوطي: موت الدماغ لا يعد -وحده- في ميزان الشريعة الاسلامية دليلا
قاطعا على حلول الموت فعلا، بل في اكثر الاحيان نذير موت محقق حسب المقاييس الطبية
المجمع عليها، الا انه ليس نذيرا قطعيا بالموت في حكم الشريعة، بل العقيدة الاسلامية. ذلك
ان هذه الحالة وان كان من شانها ان تورث الطبيب يقينا تاما بانها حالة موت،
وبان المسالة عندئذ لا تعدوا ان تكون مسالة وقت يتمثل في بضع دقائق ويسكن القلب
بعدها بيقين، الا ان هذا اليقين بحد ذاته ليس يقينا علميا لدى التامل والتحقيق، وانما
هو طمانينة نفسية منبعثة من كثرة التجارب المتكررة، التي لم تشذ، وهي ما يسميها كثير
من العلماء – ومنهم الغزالي – اليقين التدريبي.
وسبب عدم الاعتبار بهذا الدليل الطبي من قبل الشريعة الاسلامية امران:
اولهما: ان احكام الموت -ايا كانت- انما تترتب على وقوعه الفعلي التام، لا على توقعاته
-مهما كانت يقينية جازمة-.
ثانيهما: ان هذه الدلالات او التوقعات، مهما استندت الى اليقين العلمي فان انتعاش المريض وتوجهه
-مرة اخرى- الى الحياة ليس مستحيلا عقليا، ومن ثم فليس مستحيلا شرعيا، ذلك لان الموت
الحقيقي التام لم ينزل به بعد.
ومقدمات الموت واسبابه التي لم تشذ قط ليست اسبابا موجبة بطبعها، وانما بجعل الله اياها
علامات على قربه، ولله تعالى ان يبطل دلالتها، ويلغي سببيتها للموت عندما يشاء، ومن ثم
فان قرار الموت بناء على مجرد هذا الذي يسمونه الموت الدماغي لا يرقى الى يقين
علمي جازم، بان الروح قد فارقت او ستفارق البدن، كما هو الشان في الموت الحقيقي
التام المصطلح عليه لغة وشرعا، وهذا بالاضافة الى ان مستند قاعدة استصحاب الاصل في الحكم
باستمرار الحياة اقوى من مستند الدلالات الطبية على الموت ، او قرب حلوله في الحكم
بطروء الموت.
ويتساءل كثير من الاطباء عن قيمة دقات القلب او قيمة الانفاس الصاعدة -في ميزان الشريعة
الاسلامية-، عندما تكون هذه الانفاس او الدقات منبعثة بفعل اجهزة متصلة بالمريض، بحيث لو فصلت
عنه لتوقف القلب للتو، ولهمد كل شي، وحل الموت الذي لا ريب فيه؟ والى متى
يجب ان تكون هذه الاجهزة موصولة به، تصطنع له صورة الحياة، وتمتعه بكثير من دلالتها؟
والجواب: ان حركة القلب ما دامت مستمرة فقرار الموت غيب لا يجوز الحكم به، سواء
اكانت هذه الحركة طبيعية ام اصطناعية -بواسطة بعض الاجهزة-، وهذه الاجهزة فيما تقدمه من معونة
ليست اكثر في هذه الحال من غطاء مسدل على المريض، يمنع من معرفة واقع حاله
اميت هو ام حي.
ومن ثم فان فصل هذه الاجهزة عنه لا يعد قتلا له، وتسببا بموته، مهما ظهر
ان هذا الفصل قد ينهي حركة القلب، ويعجل بالموت، ذلك لان الحياة الحقيقية ليست تلك
التي تنبعث من الاجهزة، فتمد القلب بالوجيب، وتجعل صاحبه وكانه يمارس الشهيق والزفير، وانما الحياة
ذلك السر المنبعث من داخل الكيان، بل من كل اجزاء الجسد.
السبيل الوحيد لمعرفة حال المريض وما ال اليه امره-عندما يكون محجوبا بفعل هذه الاجهزة- ان
نفصل عنه،ثم ينظر في امره انذاك، فان تحققت الدلائل الشرعية للموت حكم بموته، وترتب عليه
احكامه، والا فانه لا يزال في الاحياء وتظل احكام الحياة هي السارية في حقه.
ليس هذا الذي نقوله نتيجة لعم اتفاق احكام الشريعة الاسلامية مع مقتضى العلم واحكامه، وانما
هو جنوح الى الحيطة في الامر، ورعاية لاعراف الناس وقناعاتهم -ثانيا، سدا لباب الفتنة، ومنعا
لتسرب الظنون السيئة.
الراي الثاني: يعتبر موت الدماغ موتا حقيقيا، ولا يشترط توقف القلب عن النبض حتى يحكم
بموت الانسان.
وممن ذهب الى هذا الراي مجمع الفقه الاسلامي بجدة، ومنظمة الطب الاسلامي بالكويت، ونحى هذا
المنحى بعض العلماء.
يقول الاستاذ الدكتور محمد نعيم ياسين – وهو احد القائلين بهذا الراي – : و
الذي يغلب على الظن في تفسير علاقة الروح بالجسد بصورة عامة, وبالمخ بصورة خاصة- على
ضوء ما استيقناه من تصور علمائنا المسلمين, الذي يمتد بجذوره الى كثير من النصوص, ومن
النتائج العلمية التي توصل اليها اهل الاختصاص في تفسير نشاطات الاعضاء-, الذي يغل على الظن
ان الجسد الانساني الحي- بما فيه المخ و اعضاء اخرى- عبارة عن مجمع دقيق من
الالات الحيوية المتشابكة باسلوب معجز, جعله الباري في خدمة مخلوق عاقل نفخه الله في ذلك
المجمع الحيوي, اسمه الروح- في مصطلح القران و السنة- . وان هذه الروح تسيطر على
ذلك الجسد الحي في هذه الدنيا بواسطة المخ, فهو يشتغل بتشغيلها له, وينفعل بتوجيهاتها؛ فيحرك
اعضاء الجسد الاخرى,فيرسل عن طريقها ما تريد الروح ارساله, و يستقبل عن طريقها ما تريد
الروح استقباله, فتقرا الروح ما يجتمع في الدماغ, و تصدر الاحكام و النتائج في صورة
تصرفات انسانية. وانه -اي المخ – اذا اصابه تلف جزئي عجز بصورة جزئية عن الانفعال
لاوامر الروح, وظهر ذلك العجز الجزئي على بعض الاعضاء, واثمر عجزا جزئيا عن ممارسة التصرفات.
وانه- اي المخ- اذا اصابه تلف كامل بسبب ما يطرا عليه مما سماه علماؤنا بالاخلاط
الغريبة، اذا حدث ذلك للمخ كان عاجزا بصورة كلية عن الاستجابة لارادة الروح، وعجزت سائر
الاعضاء ايضا بعجزه، فان كان هذا العجز نهائيا لا رجعة فيه، ولا امل في استدراكه،
رحلت الروح عن الجسد باذن ربها، وقبضها ملك الموت، واخذها في رحلة جديدة، لا نعلم
عنها الا ما علمنا ربنا عن طريق المصطفى صلى الله عليه وسلم.
فاذا استطاع اهل الاختصاص ان يعرفوا بصورة جازمة الوقت الذي يصبح فيه المخ عاجزا كاملا
عن القيام باي نشاط بسبب انتهاء حياته الخلوية، ومستعصيا استعصاء كاملا على العلاج، لم يكن
اي مبرر لانكار موت الانسان عند هذه الحالة.
واستدل الفريق الاول بما يلي:
(1) من الكتاب الكريم بقوله تعالى عن اصحاب الكهف: ((فضربنا على اذانهم في الكهف سنين
عددا، ثم بعثناهم لنعلم اي الحزبين احصى لما لبثوا امدا))، ففي الاية دليل واضح على
ان مجرد فقد الاحساس والشعور لا يعتبر وحده دليلا كافيا للحكم بكون الانسان ميتا، لان
هؤلاء النفر فقدوا الاحساس والشعور ولم يعتبروا امواتا، والحكم باعتبار موت الدماغ موتا مبني على
فقد المريض للاحساس والشعور، وهذا وحده لا يعتبر كافيا للحكم بالموت.
(2) من القواعد الفقهية:
ا- قاعدة: اليقين لا يزال بالشك، وجه الاستدلال بالقاعدة: ان اليقين في هذه الحالة المختلف
فيها هو حياة المريض، وشككنا في موته بموت دماغه، وما يزال قلبه ينبض، فوجب علينا
العمل باليقين الذي هو حياته، حتى يزول بيقين مثله.
ب- الاصل بقاء ما كان على ما كان- او ما يسمى بالاستصحاب. والاصل بقاء الروح
وعدم خروجها، استصحابا لوجودها قبل السكتة الدماغية.
(3) من المقاصد الشرعية حفظ النفس، ولا شك ان اعتبار المريض في هذه الحالة حيا
محافظة على النفس، وذلك يتفق مع مقاصد الشريعة.
(4) من نصوص الفقهاء:
قال البهوتي -رحمه الله- : وتعلم حياته -اي الجنين- اذا استهل بعد وضع كله صارخا،
او عطس، او بكى، او ارتضع، او تحرك حركة طويلة، او تنفس وطال زمن التنفس،
ونحو ذلك مما يدل على حياته.
قال الرافعي -رحمه الله-: يستحب المبادرة الى الغسل والتجهيز عند تحقق الموت، وذلك بان يكون
به علة، وتظهر امارات الموت، وعند الشك يتانى الى حصول اليقين، وموضعه ان لا يكون
به علة، ويجوز ان يكون ما اصابه سكتة، او ظهرت امارة فزع، واحتمل انه عرض
له ما عرض لذلك، فيتوقف الى حصول اليقين بتغير الرائحة وغيره.
واستدل الفريق الثاني بما يلي:
(1) ان العلماء -رحمهم الله- قرروا ان حياة الانسان تنتهي عندما يغدو الجسد الانساني عاجزا
عن خدمة الروح، والانفعال لها، قال ابن القيم -رحمه الله- عن الروح: جسم مخالف بالماهية
لهذا الجسم المحسوس، وهو جسم نوراني علوي خفيف حي متحرك، ينفذ في جواهر الاعضاء، ويسري
فيها سريان الماء في الورد، وسريان الدهون في الزيتون، والنار في الفحم، فما دامت الاعضاء
صالحة لقبول الاثار الفائضة عليها من هذا الجسم اللطيف بقي ذلك الجسم اللطيف مشابكا لهذه
الاعضاء، وافادها هذه الاثار من الحس والحركة الارادية، واذا فسدت هذه الاعضاء بسبب استيلاء الاخلاط
الغليظة عليها، وخرجت عن قبول تلك الاثار فارق الروح البدن، وانفصل الى عالم الارواح.
وتبين من كلام العلماء اعتبارهم عجز الاعضاء عن خدمة الروح والانفعال لها ليلا على مفارقة
الروح للجسد، وهذا موجود في موت الدماغ، فان الاعضاء لا تستجيب لتصرفات الروح.
(2) حكم الفقهاء بالموت على من انفذت مقاتله، ومن لم يوجبوا القصاص على من جنى
عليه في تلك الحالة مع وجود الحركة الاضطرارية، فدل هذا على عدم اعتبارهم لها. قال
الزركشي -رحمه الله-: الحياة المستقرة هي ان تكون الروح في الجسد، ومعها الحركة الاختيارية دون
الاضطرارية، كالشاة اذا اخرج الذئب حشوتها وابانها حركتها حركة اضطرارية، فلا تحل اذا ذبحت، كما
لو كان انسانا لا يجب القصاص بقتله في هذه الحالة.
والراجح عندي -والله اعلم- راي الفريق الاول، وهو عدم اعتبار موت الدماغ موتا حقيقيا، لظهور
ادلتهم النقلية والعقلية.
اما الرد على ادلة الفريق الثاني فيما يلي:
(1) اما الاستدلال بكلام ابن القيم -رحمه الله- ومن وافقه في الراي فلا يعتبر دليلا
شرعيا، حيث انه راي له ولمن وافقه في فهم هذه القضايا، ثم ان الاحكام الشرعية
لا تنبني على قضايا نظرية لا تعضدها الادلة الصريحة، فكيف اذا كانت مخالفة لمقاصد الشريعة
القطعية، ولم يكن من قصد هؤلاء العلماء عند الكلام عن هذه المسائل بناء احكام الشريعة
عليها.
(2) ومثل هذا يقال عن استدلالهم بكلام الفقهاء، علاوة على ان الفقهاء ارادوا ان يبينوا
في هذه المسالة على ن يكون القصاص، ولكنهم لم يخلوا هذا المعتدي من العقاب، والعقاب
لا يكون الا على جريمة. قال الرملي -رحمه الله- : وان انهاه جان الى حركة
مذبوح بان لم يبق فيه ابصار ونطق وحركة اختيار وهي المستقرة، التي يبقى معها الادراك،
ويقطع بموته بعد يوم او ايام، وذلك كاف في ايجاب القصاص، لا المستمرة، وهي التي
لو ترك معها عاش، جنى اخر، فالاول قاتل، لانه صيره الى حالة الموت، ويعزر الثاني،
لهتكه حرمة ميت.
(3) ثبوت خطا تشخيص موت الدماغ بالموت الحقيقي في حالات عديدة، ذكر الدكتور بكر ابوزيد
-رئيس مجمع الفقه الاسلامي بجدة- ان جمعا من الاطباء حكموا على شخصية مرموقة بالوفاة لموت
جذع دماغه، واوشكوا على انتزاع بعض اعضائه، لكن ورثته منعوهم من ذلك، ثم كتب الله
له الحياة وزال حيا الى تاريخ كتابة الموضوع.
ان الاطباء الذين يعتبرون موت الدماغ علامة على الوفاة يسلمون بوجود اخطاء في هذا التشخيص،
وان الحكم بالوفاة استنادا الى هذا الدليل يحتاج الى فريق طبي، وفحص دقيق، وهذا لا
يتوفر في كثير من المستشفيات.
(2) بالنسبة للحي: اما بالنسبة للحي فلا ارى انه يجوز له ان يتبرع بشيء من
اعضائه من حيث الجملة، لانه لا يملكها، بل هي حق الله تعالى. قال الشاطبي -رحمه
الله-: كل ما كان من حقوق الله فلا خيرة للمكلف فيه على حال. واما ما
كان من حق العبد في نفسه فله الخيرة.
اما حقوق الله تعالى فالدلائل على انها غير ساقطة، ولا ترجع لاختيار المكلف كثيرة، واعلاها
الاستقراء التام في موارد الشريعة ومصادرها.. وهو ظاهر جدا في مجموع الشريعة، حتى اذا كان
الحكم دائرا بين حق الله وحق العبد لم يصح للعبد اسقاط حقه، اذا ادى الى
اسقاط حق الله.
ثم قال: وليس لاحد ان يقتل نفسه، ولا ان يفوت عضوا ما اعضائه، ولا مالا
من ماله، فقد قال الله تعالى: ((ولا تقتلوا انفسكم ان الله كان بكم رحيما))، ثم
توعد عليه، وقال: ((لا تاكلوا اموالكم بينكم بالباطل))الاية، وقد جاء الوعيد الشديد فيمن قتل نفسه،
وحرم شرب الخمر، لما فيه من تفويت مصلحة العقل برهة فنا ظنك بتفويته جملة.
ان احياء النفوس، وكمال العقول والاجسام من حق الله -تعالى- في العباد، لا من حقوق
العباد، وكون ذلك لم يجعل الى اختيارهم هو الدليل على ذلك.
فاذا اكمل الله -تعالى- على عبد حياته وجسمه وعقله، الذي به يحصل ما طلب به
القيام بما كلف به، فلا يصح للعبد اسقاطه.
وعلى هذه القاعدة جاءت نصوص الفقهاء:
قال الكاساني -رحمه الله-: اما النوع الذي لا يباح ولا يرخص فيه بالاكراه- اصلا- فهو
قتل المسلم بغير حق- سواء كان الاكراه ناقصا او تاما-؛ لان قتل المسلم بغير حق
يحتمل الاباحة بحال, قال الله- تبارك وتعالى- ((ولا تقتلوا النفس التي حرم الله الا بالحق
)) , وكذا قطع عضو من اعضائه, والضرب المهلك, قال الله- سبحانه وتعالى – :
(( و الذين يؤذون المؤمنين و المؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا واثما مبينا
)) ولو اذن له المكره عليه .. فقال للمكره: افعل ؛ لا يباح له ان
يفعل؛ لان هذا مما لا يباح بالاباحة , ولو فعل فهو اثم, الا ترى انه
لو فعل بنفسه اثم , فبغيره اولى.
قال الدردير- رحمه الله- : والنص المعول عليه- اي عن مالك- عدم جواز اكله- اي
اكل الادمي الميت, ولو كافرا- لمضطر- ولو مسلما لم يجد غيره ؛ اذ لا تنتهك
حرمة ادمي للاخر. وعلق الدسوقي – رحمه الله- على قوله ( عدم جواز اكله )
اي ولو ادى عدم الاكل لموت ذلك المضطر.
– قال النووي – رحمه الله – : لا يجوز ان يقطع لنفسه من معصوم
غيره بلا خلاف, وليس للغير ان يقطع من اعضائه ليدفعه الى المضطر بلا خلاف، صرح
به امام الحرمين والاصحاب.
قال البهوتي- رحمه الله-: فان لم يجد المضطر الا ادميا محقون الدم لم يبح قتله،
ولا اتلاف عضو منه، مسلما كان المحقون او كافرا -ذميا او مستامنا-، لان المعصوم الحي
مثل المضطر، فلا يجوز له ابقاء نفسه باتلاف مثله.
وادلة هذا القول كثيرة منها ما يلي:
1- قوله -صلى الله عليه وسلم-: (لا ضرر ولا ضرار). وفي قطع العضو من شخص
للتبرع به لاخر ضرر محقق يلحق بالشخص المقطوع منه، يقول كل من الدكتور احمد محمد
مسعود -استاذ الامراض المتوطنة بطب الازهر-، والدكتور مصطفى كامل -استاذ التخدير بطب جامعة عين شمس-،
ان الابحاث العلمية التي اجريت على من تبرعوا بكلى لمرضا الفشل الكلوي اكدت اصابة المتبرعين
بتضخم في انسجة الكلى الموجودة في اجسامهم، وان نسبة عالية منهم تعرضت كلاهم للتلف.
ويشير الاستاذان الى ان 52% من مراكز نقل وزراعة الاعضاء في اوروبا توقفت عن اجراء
عمليات نقل الاعضاء -خاصة الكلى-، لاسباب طبية وانسانية واخلاقية، بعد ان تاكدت غالبية المرضى الذين
اجريت لهم عمليات نقل الكلى والكبد في اكبر مستشفيات بريطانيا ماتوا في الاشهر القليلة الاولى
بعد اجراء عملية النقل.
2- جاء في القواعد الفقهية ان “الضرر لا يزال بالضرر”، وفي قطع عضو من انسان
واعطائه لاخر ضرر يلحق بالمتبرع.
3- ومن القواعد الاصولية “سد الذرائع”، قال ابن القيم -رحمه الله-: لما كانت المقاصد لا
يتوصل اليها الا باسباب وطرق تفضي اليها كانت طرقها واسبابها تابعة لها معتبرة بها، فوسائل
المحرمات والمعاصي في كراهتها والمنع منها بحسب افضائها الى غاياتها وارتباطها بها، فوسيلة المقصود تابعة
للمقصود، فاذا حرم الرب -تعالى- شيئا، وله طرق ووسائل تفضي اليه، فانه يحرمها ويمنع منها،
تحقيقا لتحريمه، وتثبيتا له، ومنعا ان يقرب حماه ولو اباح الوسائل والذرائع المفضية اليه لكان
ذلك مقضا للتحريم، واغراء للنفوس به، وحكمته -تعالى- وعلمه يابيان ذلك كل الاباء.
قال الله -تعالى-: ((ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم))،
فحرم الله -تعالى- سب اله المشركين، مع كون السب غيظا وحمية لله واهانة لالهتهم، لكونه
ذريعة الى سبهم الله -تعالى-، وكانت مصلحة ترك مسبته -تعالى- ارجح من مصلحة سبنا لالهتهم،
وهذا كالتنبيه، بل كالتصريح على المنع من الجائز، لئلا يكون سببا في فعل ما لا
يجوز.
نعم، قد يكون التبرع بالاعضاء لمن يحتاج اليها عملا انسانيا، ولكن مما يؤسف له، ان
هذا العم الانساني قد تحول الى تجارة جشعة لا انسانية.
نشرت مجلة المجتمع الكويتية الخبر التالي:
كانت ظاهرة مرض الفشل الكلوي، التي انتشرت في مصر منذ سنوات نذيرا ببروز ظاهرة اخطر،
وهي التجارة في اعضاء جسم الانسان، وقد صاحب هذه التجارة تجاوزات خطيرة، لا ينكرها نقيب
الاطباء بمصر الدكتور حمدي السيد، ولا وكيل النقابة، ورئيس لجنة التاديب النيابية الدكتور عمر شاهين
-استاذ الطب النفسي بقصر العيني- الذي يؤكد ان هناك تجارة علنية لبيع الاعضاء البشرية، وان
زراعة الاعضاء لم تعد قاصرة على مراكز طبية سرية، تعمل في ميدان العتبة او مدينة
المنصورة في خفاء شديد حيث تجري عمليات الزرع في جنح الظلام، بل اصبحت منتشرة في
المستشفيات الخاصة الاستثمارية.
وفي شهر يناير الماضي اضطر نقيب الاطباء نفسه ان يقدم بلاغات للنائب العام المستشار رجاء
العربي اكد فيها وجود عصابات ومافيا متخصصة في الاتجار بالاعضاء البشرية، في مستشفيات السلام الدولي،
ومصر الدولي، والزراعيين، وابن سيناء، ومركز البرج الطبي، والسلام بالمهندسين والحوامدية.
وفي صفحة اخرى نشرت مجلة المجتمع: وتعتبر منطقة العتبة بوسط القاهرة سوقا دوليا لبيع الاعضاء
البشرية، ففيها ست مراكز مشهورة يتوجه اليها مصريون وافارقة لبيع اعضائهم البشرية.
وتحت عنوان: “الهند … سوف الكلى”، نشرت المجلة السابقة ما يلي:
– قامت الهند بتصدير 10000 هيكل عظمي الى خارج البلاد.
– التكلفة الاولية للمريض القادم من الدول العربية او تايلند او سنغافورة تصل الى 3500
دولار، وتشمل 1000 دولار ثمن الكلية، 2500 دولار للعملية الجراحية.
– معظم الذين يقصدون سماسرة الكلى لبيع جسمهم هم من فئة الشباب العاطل عن العمل،
او من ذوي الدخل المحدود المتدنية 10 الى 15 دولار.
– قدم مشروع للبرلمان الهندي لحظر تجارة الاعضاء البشرية، ونص المشروع على: ” ان كل
من يضبط في هذه التجارة يغرم الف دولار، ويسجن ما بين 3 – 5 سنوات”.
تطورت زراعة الكلى في الهند بطريق غير مشروع اوائل الثمانينات (50 – 100 حالة)، منتصف
الثمانينات (500 – 700 حالة)، منتصف التسعينات (2500 – 3000 حالة).
وهذا قليل من كثير، وغيض من فيض، افبعد هذا نقول بجواز التبرع بالاعضاء!!
4- ومن القواعد الفقهية “ما جاز بيعه جازت هبته، وما لا فلا”. والمجيزون للتبرع يمنعون
بيع الاعضاء، وقد دلت القاعدة على ان ما لا يجوز بيعه لا تجوز هبته.
جاء في قرار المجمع الفقه الاسلامي -رقم 1د4/08/88 – في دورة مؤتمره الرابع بجده من
8-23 جمادي الاخر 1408 ه ما يلي:
وينبغي ملاحظه الاتفاق على جواز نقل عضو في الحالات التي تم بيانها مشروط بان لا
يتم ذلك بواسطة بيع العضو، اذ لا يجوز اخضاع اعضاء الانسان للبيع بحال ما.
ومع قولنا بعدم جواز التبرع بالاعضاء اننا نتسامح في نقل الدم، والتبرع بالطبقة السطحية من
الجلد، حيث لا ضرر بنقلها، ويمكن للجسم ان يعوضها في ايام قليلة، اما نقل الجلد
من البقة النامية -التي تعمل على نمو الجلد- من حي الى اخر فلا اراه جائزا
-والله اعلم-.
جاء في قرار الفقه الاسلامي -رقم1د4/08/88- في دورته الرابعة بجدة ما يلي:
يجوز نقل العضو من جسم انسان الى جسم انسان اخر، اذا كان هذا العضو يتجدد
تلقائيا -كالدم والجلد-، ويراعى في ذلك كون الباذل كامل الاهلية، وتحقق الشروط المعتبرة. وينبغي ان
يقيد الجلد الذي يجوز التبرع به بالجلد الذي يستعمل في الترقيع الجلدي الجزئي الثخانة:
Partial Thickness Skin Graft””
حيث يستطيع الجلد في هذه الحالة تعويض الفاقد.