الدعوة الى الله تنجح نجاحا باهرا حينما تراعي في الانسان جانبه العقلي والنفسي والمادي، فكما
ان الانسان عقل يدرك هو قلب يحب، والعقل غذاؤه العلم، والقلب غذاؤه الحب، فاية دعوة
الى الله تتجاهل الحب هي دعوة عرجاء، ذلك ان الله سبحانه وتعالى يقول:
﴿ يا ايها الذين امنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف ياتي الله بقوم يحبهم
ويحبونه ﴾
[ سورة المائدة: 54]
استنبط العلماء ان الذي يحب الله والذي يحبه الله لا يمكن ان يرتد، فحينما يكون
الدين عقليا فكريا نصيا ضمن حب هناك نكسات كثيرة، اما حينما يكون الدين علما متينا
وادلة قوية وحبا والتزاما -هذه خطوط ثلاثة معرفة وحب وسلوك – فهناك التفوق، وايات كثيرة
تتحدث عن الحب، الحديث القدسي اليوم:
((اذا احب الله العبد نادى جبريل ان الله يحب فلانا فاحببه فيحبه جبريل فينادي جبريل
في اهل السماء ان الله يحب فلانا فاحبوه فيحبه اهل السماء ثم يوضع له القبول
في الارض ))
[البخاري عن ابي هريرة]
القران الكريم والسنة النبوية توجها الى العقل والقلب معا :
ما من نعمة في الدنيا الا ولها اثارها في الاخرة، كان يحبك الناس، لان الله
اذا احبك القى محبتك في قلوب الخلق، واكاد اقول: الانبياء بكمالهم ملكوا القلوب، والاقوياء بقوتهم
ملكوا الرقاب، والبشر جميعا اتباع نبي او قوي، فالذين هم اتباع النبي سلاحهم الكمال الانساني،
بكمالهم يملكون القلوب، والذين هم اتباع القوي سلاحهم ما منحوا من قوة، فبقوتهم يملكون الرقاب،
وشتان بين من يملك القلوب وبين من يملك الرقاب.
على كل القران الكريم والسنة النبوية المطهرة توجهت تارة الى العقل لتقنعه، وتارة الى القلب
لتغذيه، وفي بعض الايات الكريمة تتوجه الاية الى القلب والعقل معا:
﴿ يا ايها الانسان ما غرك بربك الكريم * الذي خلقك فسواك فعدلك ﴾
[ سورة الانفطار: 6-7]
الحب هو علة الخلق :
ايها الاخوة الكرام: جانب الحب هو علة الخلق، لو ان الله اراد ان يخضع له
البشر جميعا لكان ذلك، ولكن هذا الخضوع قسري لا يثمر سعادة.
﴿ ولو شاء ربك لامن من في الارض كلهم جميعا ﴾
[ سورة يونس: 99]
﴿ ولو شاء ربك لجعل الناس امة واحدة ﴾
[ سورة هود: 118]
الله جل جلاله ما ارادنا ان ناتيه قسرا، اراد ان ناتيه طوعا، اذا اتيناه قسرا
لا قيمة لهذا الاتيان، لان الله عز وجل يقول:
﴿ لا اكراه في الدين ﴾
[ سورة البقرة: 256]
فجانب الحب جانب اساسي، الفرق بين الحب وبين الواجب كالفرق بين ارحنا بها وارحنا منها،
هذا هو الفرق بين الحب والواجب، فانت حينما تحب الله تفعل المستحيل، اصحاب النبي احبوا
الله، قلة قليلة بحياة خشنة، بمعدات بسيطة، وبيوت من اللبن وصغيرة وخشنة، فتحوا اطراف الدنيا،
وحينما فرغ الدين من الحب اصبح ثقافة وتقاليد وعادات واصبح سلوكا اجوفا وعبادات لا تقدم
ولا تؤخر، بين مؤمن مفعم قلبه بالحب، وبين مؤمن ممتلئ قلبه بالمعلومات فرق كبير جدا،
لابد من ان يمتلئ العقل بالمعلومات، ولا بد من ان يمتلئ القلب بالحب، فهذه المراة
الانصارية التي رات زوجها في ارض المعركة شهيدا ورات اباها في ارض المعركة شهيدا، ثم
رات ابنها ثم اخاها وفي كل مرة تقول: ما فعل رسول الله؟ فلما راته واطمان
قلبها قالت: يا رسول الله كل مصيبة بعدك جلل.
الحب يصنع المعجزات و التقليد لا يصنع شيئا :
اخواننا الكرام: الحب يصنع المعجزات، ومن دون حب لا يمكن ان تقدم شيئا لله، مستمع
جيد، ومعلق جيد، لكن لا تقدم شيئا، كل انسان حينما يستمع الى كلام منطقي مؤيد
بالادلة والبراهين يعجب بهذا الكلام، لكن العبرة ماذا قدمت لله عز وجل؟ لو سالك الله
يوم القيامة ماذا فعلت من اجلي يا عبدي؟ هذا سؤال، الحب يصنع المعجزات، بينما التقليد
لا يصنع شيئا.
((اذا احب الله العبد نادى جبريل ان الله يحب فلانا فاحببه فيحبه جبريل فينادي جبريل
في اهل السماء ان الله يحب فلانا فاحبوه فيحبه اهل السماء ثم يوضع له القبول
في الارض ))
[البخاري عن ابي هريرة]
انظر الى الطفل قال تعالى:
﴿ والقيت عليك محبة مني ﴾
[ سورة طه: 39]
اي القى في قلب ابويه الحب له، تجد الابوين لا يهنا لهما عيش الا اذا
كان ابنهما على ما يرام، فهذه الرحمة التي يتراحم بها الناس، والتي يعقبها ميل قلبي
هو الحب، واقول لكم هذه الكلمة: الانسان الذي لا يجد رغبة في نفسه ان يكون
محبوبا عند الله وعند خلقه، ثم لا يجد رغبة ان يحب الله جل جلاله، فانه
ليس من بني البشر! البطولات التي ظهرت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم
اساسها الحب، قيل لاحد اصحاب رسول الله قبل ان يصلب -القي القبض عليه وسيق الى
مكة – قبل ان يصلب قال له ابو سفيان: اتحب ان يكون محمد مكانك وانت
معافى في بيتك؟ استمعوا الى الجواب قال: والله لا احب ان اكون في اهلي وولدي
وعندي عافية الدنيا ونعيمها ويصاب رسول الله بشوكة! فقال ابو سفيان: ما رايت احدا يحب
احدا كاصحاب محمد يحبون محمدا!
اكبر نجاح في الحياة ان يحبك الله :
اخوتنا الكرام، نحن في امس الحاجة الى الحب، ان نحب بعضنا، ونقدم لبعضنا كل شيء،
ونؤثر بعضنا على كل شيء، هناك رواية ثانية:
((اذا احب الله العبد نادى جبريل ان الله يحب فلانا فاحببه فيحبه جبريل فينادي جبريل
في اهل السماء ان الله يحب فلانا فاحبوه فيحبه اهل السماء ثم يوضع له القبول
في الارض ))
[البخاري عن ابي هريرة]
((عن ابي هريرة قال قال رسول الله صلى اللهم عليه وسلم ان الله اذا احب
عبدا دعا جبريل فقال اني احب فلانا فاحبه قال فيحبه جبريل ثم ينادي في السماء
فيقول ان الله يحب فلانا فاحبوه فيحبه اهل السماء قال ثم يوضع له القبول في
الارض واذا ابغض عبدا دعا جبريل فيقول اني ابغض فلانا فابغضه قال فيبغضه جبريل ثم
ينادي في اهل السماء ان الله يبغض فلانا فابغضوه قال فيبغضونه ثم توضع له البغضاء
في الارض))
[مسلم عن ابي هريرة]
انت حينما تمشي في رضوان الله يحبك الله، ويحبك جبريل، ويحبك اهل السماء، وتلقى القبول
في الارض، وحينما يمشي الانسان في سخط الله يبغضه الله، ويبغضه جبريل، ويبغضه اهل السماء
واهل الارض، اكبر نجاح في الحياة ان يحبك الله.
مرة سمعت كلمة من اخ كريم يروي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لسيدنا
معاذ قال
((عن معاذ بن جبل قال: اخذ بيدي رسول الله صلى اللهم عليه وسلم فقال اني
لاحبك يا معاذ فقلت وانا احبك يا رسول الله…..))
[النسائي عن معاذ بن جبل]
والله ما رايت في الارض مرتبة تعلو هذه المرتبة! ان يحبك رسول الله، كيف يحبك؟
اذا كنت مستقيما، الاقوياء يقربون من يعلن لهم الولاء، لكن الانبياء بوحي من الله عز
وجل لا يقربون الا من كان راضيا لله عز وجل، لذلك قيل: “يا رسول الله
مثل بهم؟ قال: والله لا امثل بهم فيمثل الله بي ولو كنت نبيا” .
من لم يخفق قلبه بحب الله و رسوله ففي ايمانه خلل :
هناك حديث اخر:
((عن ابي هريرة ان رسول الله صلى اللهم عليه وسلم قال اذا احب الله عبدا
نادى جبريل اني قد احببت فلانا فاحبه قال فينادي في السماء ثم تنزل له المحبة
في اهل الارض فذلك قول الله ( ان الذين امنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن
ودا ) واذا ابغض الله عبدا نادى جبريل اني ابغضت فلانا فينادي في السماء ثم
تنزل له البغضاء في الارض ))
[الترمذي عن ابي هريرة]
ان كنت على علاقة طيبة مع الله فمن لوازم هذه العلاقة ان الناس يحبونك، وقد
ورد انه: من اخلص لله تعالى جعل قلوب المؤمنين تهفو اليه بالمودة والرحمة.
فلذلك ان لم يخفق قلبك بحب الله ورسوله، وحب المسجد، والقران، واخوتك المؤمنين، ففي الايمان
خلل.
قديما الذي يقف امام مقام النبي عليه الصلاة والسلام ولا يبكي يقال له: مالك؟ لكنك
تجد احيانا من يبكي امام مقام النبي الان يسال: ابك حاجة؟ الاصل ان تبكي امام
قبر النبي وان تحبه.
اخوتنا الكرام: ارايتم الى وردة مصنوعة من الشمع، ثم وردة طبيعية فواحة الرائحة؟ بين وردة
طبيعية فواحة الرائحة وبين وردة اصطناعية مملة كما بين مسلم يحب الله ومسلم لا يحب
الله او قلبه خاو من المحبة، الاسلام من دون حب جسد من دون روح -جثة
– فلذلك تجد قلوب المسلمين قاسية من بعدهم عن الله، وانغماسهم في المخالفات، فهو مسلم
بحسب هويته، وقيد نفوسه، وبيئته، ومن ابويه المسلمين، ولكن المسلم الذي يغلي قلبه كالمرجل هذا
نفتقده، فالحياة اساسها الحب.
النبي عليه الصلاة والسلام كان احب الخلق الى الله، واقسم الله بعمره الثمين، وحينما تشعر
ان الله يحبك فانت في الاوج، ملك في الدنيا، فاذا احبك الله احبك الخلق، واذا
ابغض الله عبدا ابغضه الخلق.