احلى مواضيع جديدة

السيرة النبوية مكتوبة كاملة

السيرة النبوية مكتوبة كاملة 04F1D60A5F3Eaadabd323Ef89C4C8Ee0 1

 

السيرة النبوية مكتوبة كاملة 04F1D60A5F3Eaadabd323Ef89C4C8Ee0

 

احييكم بتحية الاسلام .. وبركاته
الحمد لله والصلاة والسلام على اشرف المرسلين سيدنا محمد , وعلى ال بيته الطاهرين ,
وعلى اصحابه الغر الميامين
اما بعد ,
رب اشرح لي صدري , ويسر لي امري , واحلل عقدة من لساني , يفقهوا
قولي
لقد جبلت النفوس على حب من احسن اليها ، وعلى قدر الاحسان تكون المحبة .
ولذلك كانت المحبة هنا لامتناهية وليس لها حد ، لان الاحسان الذي تلقته من الهادي
البشير صلى الله عليه وسلم احسان اليها في كامل دنياها ودينها ، احبته اكثر مما
احبت نفسها واولادها ، افتدته بارواحها وبذلت انفسها رخيصة دفاعا من اجل مجرد كلمة سمعتها
عنه . ويحق لها ذلك ، فان الاحسان الذي احسنه اليها ليس احسان بشر عادي
، صحيح انه بشر ولكن ليس كالبشر انه قمة القمم حيث حاز الكمال في كل
الفضائل ، كما ان الشيء الذي جاء به اليها ليس احسانا بشريا بل سعادة الدنيا
والاخرة . لذلك احبه المسلمون ، لقد كان افضل نبي ورسول ، وكان افضل اب
وافضل مولود وافضل حاكم وافضل معلم وخير زوج وخير صهر وخير جار ، كان صلى
الله عليه وسلم خير الاخيار .

ان المؤلفين عندما يكتبون عن احد العظماء فانهم يزيدونه عظمة ، الا عندما تكون الكتابة
عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم فهنا يختلف الامر وينعكس حيث اننا بالكتابة عن
عظمته صلى الله عليه وسلم نتشرب ونقتبس جزءا قليلا من اي عظمة من جوانب عظمته
التي نكتب عنها . يصبح الكلام جميلا عندما نتكلم عن جماله الشريف ، ويصبح الكلام
عذبا عندما نتكلم عن اخلاقه الطاهرة ، اما عندما نتكلم عن عبادته وعلاقته بربه فهنا
يكون اعظم الكلام .
العرب قبل الاسلام

احوال العرب قبل الاسلام
كان العرب في شبه الجزيرة العربية قبل بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم يعبدون الاصنام
من دون الله، ويقدمون لها القرابين، ويسجدون لها، ويتوسلون بها، وهي احجار لا تضر ولا
تنفع، وكان حول الكعبة ثلاثمائة وستون صنما.
ومن عجيب امرهم ان احدهم كان يشتري العجوة، ويصنع منها صنما، ثم يعبده ويسجد له،
ويساله ان يحجب عنه الشر ويجلب له الخير، فاذا شعر بالجوع اكل الهه!! ثم ياخذ
كاسا من الخمر، يشربها حتى يفقد وعيه، وفي ذلك الزمان كانت تحدث اشياء غريبة وعجيبة،
فالناس يطوفون عرايا حول الكعبة، وقد تجردوا من ملابسهم بلا حياء، يصفقون ويصفرون ويصيحون بلا
نظام، وقد وصف الله -عز وجل- صلاتهم فقال: {وما كان صلاتهم عند البيت الا مكاء
وتصدية فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون} [الانفال:35].
وكانت الحروب تقوم بينهم لاتفه الاسباب، وتستمر مشتعلة اعواما طويلة فهذان رجلان يقتتلان، فيجتمع الناس
حولهما، وتناصر كل قبيلة صاحبها، لم يسالوا عن الظالم ولا عن المظلوم، وتقوم الحرب في
لمح البصر، ولا تنتهي حتى يموت الرجال، وانتشرت بينهم العادات السيئة مثل: شرب الخمر، وقطع

الطرق والزنا.
وكانت بعض القبائل تهين المراة، وينظرون اليها باحتقار، فهي في اعتقادهم عار كبير عليهم ان
يتخلصوا منها، فكان الرجل منهم اذا ولدت له انثى؛ حزن حزنا شديدا. قال تعالى: {واذا
بشر احدهم بالانثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم يتواري من القوم من سوء ما بشر
به ايمسكه علي هون ام يدسه في التراب الا ساء ما يحكمون} _[النحل: 58-59] وقد
يصل به الامر الى ان يدفنها وهي حية، وهي العادة التي عرفت عندهم بواد البنات.

فهذا رجل يحمل طفلته ويسير بها الى الصحراء فوق الرمال المحرقة، ويحفر حفرة ثم يضع
ابنته فيها وهي حية، ولا تستطيع الطفلة البريئة ان تدافع عن نفسها؛ بل تناديه: ابتاه
.. ابتاه .. فلا يرحم براءتها ولا ضعفها، ولا يستجيب لندائها.. بل يهيل عليها الرمال،
ثم يمشي رافعا راسه كانه لم يفعل شيئا!! قال تعالى: {واذا الموءودة سئلت باي ذنب
قتلت} [التكوير: 7-8] وليس هذا الامر عاما بين العرب، فقد كانت بعض القبائل تمنع واد
البنات.
وكان الظلم ينتشر في المجتمع؛ فالقوى لا يرحم الضعيف، والغني لا يعطف على الفقير، بل
يسخره لخدمته، وان اقرضه مالا؛ فانه يقرضه بالربا، فاذا اقترض الفقير دينارا؛ يرده دينارين، فيزداد
فقرا، ويزداد الغني ثراء، وكانت القبائل متفرقة، لكل قبيلة رئيس، وهم لا يخضعون لقانون منظم،
ومع كل هذا الجهل والظلام في ذلك العصر المسمى بالعصر الجاهلي، كانت هناك بعض الصفات
الطيبة
والنبيلة؛ كاكرام الضيف، فاذا جاء ضيف على احدهم بذل له كل ما عنده، ولم يبخل
عليه بشىء، فها هو ذا حاتم الطائي لم يجد ما يطعم به ضيوفه؛ فذبح
فرسه -وقد كانوا ياكلون لحم الخيل- واطعمهم قبل ان ياكل هو.
وكانوا ينصرون المستغيث فاذا نادى انسان، وقال: اني مظلوم اجتمعوا حوله وردوا اليه حقه، وقد
حدث ذات مرة ان جاء رجل يستغيث، وينادي باعلى صوته في زعماء قريش ان ينصروه
على العاص بن وائل الذي اشترى منه بضاعته، ورفض ان يعطيه ثمنها؛ فتجمع زعماء قريش
في دار عبدالله بن جدعان وتحالفوا على ان ينصروا المظلوم، وياخذوا حقه من الظالم، وسموا
ذلك الاتفاق حلف الفضول، وذهبوا الى العاص بن وائل، واخذوا منه ثمن البضاعة، واعطوه لصاحبه.

وفي هذا المجتمع ولد محمد صلى الله عليه وسلم من اسرة كريمة المعدن، نبيلة النسب،
جمعت ما في العرب من فضائل، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نفسه:
(ان الله اصطفى كنانة من ولد اسماعيل، واصطفى قريشا من كنانة واصطفي من قريش بني
هاشم، واصطفاني من بني هاشم) [مسلم].
نسب النبي صلى الله عليه وسلم
هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي
بن
كلاب بن مرة بن كعب بن لؤى بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر
بن
كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان
الذي يصل نسبه الى اسماعيل بن ابراهيم -عليهما الصلاة والسلام..
جده هاشم وحكاية الثريد:
كان عمرو بن عبد مناف الجد الاكبر للرسول صلى الله عليه وسلم رجلا كريما فقد
حدث في عصره ان نزل القحط بالناس، فلم يجدوا ما ياكلون، وكادوا يموتون جوعا، وبدا
كل انسان يفكر في نجاة نفسه فقط، فالذي عنده طعام يحرص عليه ويحجبه عن الناس،
فذهب عمرو الى بيته واخرج ما عنده من الطعام، واخذ يهشم الثريد (اي: يكسر الخبز
في المرق) لقومه ويطعمهم، فسموه (هاشما)؛ لانه كريم يهشم ثريده للناس جميعا.
وعندما ضاق الرزق في مكة اراد هاشم ان يخفف عن اهلها، فسافر الى الشام صيفا،
والى اليمن شتاء؛ من اجل التجارة، فكان اول من علم الناس هاتين الرحلتين، وفي احدى
الرحلات، وبينما هاشم في طريقه للشام مر بيثرب، فتزوج سلمى بنت عمرو احدى نساء بني
النجار، وتركها وهي حامل بابنه عبد المطلب لتلد بين اهلها الذين اشترطوا عليه ذلك عند
زواجه منها.
جده عبدالمطلب وحكاية الكنز:
كان عبد المطلب بن هاشم جد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يسقي الحجيج الذين
ياتون للطواف حول الكعبة، ويقوم على رعاية بيت الله الحرام فالتف الناس حوله، فكان زعيمهم
واشرفهم، وكان عبدالمطلب يتمنى لو عرف مكان بئر زمزم ليحفرها؛ لانها كانت قد ردمت بمرور
السنين، ولم يعد احد يعرف مكانها، فراى في منامه ذات ليلة مكان بئر زمزم، فاخبر
قومه بذلك ولكنهم لم يصدقوه، فبدا عبدالمطلب في حفر البئر هو وابنه الحارث، والناس يسخرون
منهما، وبينما هما يحفران، تفجر الماء من تحت اقدامهما، والتف الناس حول البئر مسرورين، وظن
عبدالمطلب انهم سيشكرونه، لكنه فوجئ بهم ينازعونه امتلاك البئر، فشعر بالظلم والضعف لانه ليس له
ابناء الا الحارث، وهو لا يستطيع نصرته، فاذا به يرفع يديه الى السماء، ويدعو الله
ان يرزقه عشرة ابناء من الذكور، ونذر ان يذبح احدهم تقربا لله.
حكاية الابناء العشرة :
استجاب الله دعوة عبد المطلب، فرزقه عشرة اولاد، وشعر عبدالمطلب بالفرحة فقد تحقق رجاؤه، ورزق
باولاد سيكونون له سندا وعونا، لكن فرحته لم تستمر طويلا؛ فقد تذكر النذر الذي قطعه
على نفسه، فعليه ان يذبح واحدا من
اولاده، فكر عبدالمطلب طويلا، ثم ترك الاختيار لله تعالى، فاجرى قرعة بين اولاده، فخرجت القرعة
على عبدالله اصغر اولاده واحبهم الى قلبه، فاصبح
عبد المطلب في حيرة؛ ايذبح ولده الحبيب ام يعصى الله ولا يفي بنذره؟
فاستشار قومه، فاشاروا عليه بان يعيد القرعة، فاعادها مرارا، لكن القدر كان يختار عبدالله في
كل مرة، فازداد قلق عبدالمطلب، فاشارت عليه كاهنة بان يفتدي ولده بالابل، فيجري القرعة بين
عبدالله وعشرة من الابل، ويظل يضاعف عددها، حتى تستقر القرعة على الابل بدلا من ولده،
فعمل عبدالمطلب بنصيحة الكاهنة، واستمر في مضاعفة عدد الابل حتى بلغت مائة بعير، وعندئذ وقعت
القرعة عليها، فذبحها فداء لعبد الله، وفرحت مكة كلها بنجاة عبد الله، وذبح له والده
مائة ناقة فداء له، وازداد عبد المطلب حبا لولده، وغمره بعطفه
ورعايته.
ابوه عبدالله وزواجه المبارك من السيدة امنة:
كان عبد الله اكرم شباب قريش اخلاقا، واجملهم منظرا، واراد والده
عبد المطلب ان يزوجه، فاختار له زوجة صالحة، هي السيدة امنة بنت وهب بن عبد
مناف بن زهرة اطهر نساء بني زهرة، وسيدة نسائهم، والسيدة امنة تلتقي في نسبها مع
عبدالله والد النبي صلى الله عليه وسلم في كلاب بن مرة، وتمر الايام، ويخرج عبدالله
في تجارة الى الشام، بعد ان ترك زوجته امنة حاملا ولحكمة يعلمها الله، مات عبد
الله قبل ان يرى وليده.
حكاية الفيل:
وذات يوم، استيقظ اهل مكة على خبر اصابهم بالفزع والرعب، فقد جاء ملك اليمن ابرهة
الاشرم الحبشي بجيش كبير، يتقدمه فيل ضخم، يريد هدم الكعبة حتى يتحول الحجيج الى كنيسته
التي بناها في اليمن، وانفق عليها
اموالا كثيرة، واقترب الجيش من بيت الله الحرام، وظهر الخوف والهلع على وجوه اهل مكة،
والتف الناس حول عبدالمطلب الذي قال لابرهة بلسان الواثق من نصر الله تعالى: (للبيت رب
يحميه).
فازداد ابرهة عنادا، واصر على هدم الكعبة، فوجه الفيل الضخم نحوها، فلما اقترب منها ادار
الفيل ظهره ولم يتحرك،، وارسل الله طيورا من السماء تحمل حجارة صغيرة، لكنها شديدة صلبة،
القت بها فوق رءوس جنود ابرهة فقتلتهم واهلكتهم. قال تعالى: {الم تر كيف فعل ربك
باصحاب الفيل . الم يجعل كيدهم في تضليل . وارسل عليهم طيرا ابابيل . ترميهم
بحجارة من سجيل فجعلهم كعصف ماكول} [الفيل] وفي هذا العام ولد الرسول صلى الله عليه
وسلم.
ميلاد الرسول و طفولته
في يوم الاثنين الثاني عشر من شهر ربيع الاول الذي يوافق عام (175م) ولدت السيدة
امنة بنت وهب زوجة عبد الله بن عبد المطلب غلاما جميلا، مشرق الوجه، وخرجت ثويبة
الاسلمية خادمة ابي لهب -عم النبي صلى الله عليه وسلم- تهرول الى سيدها ابي لهب،
ووجهها ينطق بالسعادة، وما كادت تصل اليه حتى همست له بالبشرى، فتهلل وجهه، وقال لها
من فرط سروره:

 

النبى في شبابه
كان الشباب في مكة يلهون ويعبثون، اما محمد صلى الله عليه وسلم فكان يعمل ولا
يتكاسل؛ يرعى الاغنام طوال النهار، ويتامل الكون ويفكر في خلق الله، وقد ذكر النبي صلى
الله عليه وسلم -بعد ان اوتي النبوة- ذلك العمل، فقال: (ما بعث الله نبيا الا
رعى الغنم) فقال اصحابه: وانت؟ قال: (نعم، كنت ارعاها على قراريط لاهل مكة) [البخاري] وكان
الله -سبحانه- يحرسه ويرعاه على الدوام؛ فذات يوم فكر ان يلهو كما يلهو الشباب، فطلب
من صاحب له ان يحرس اغنامه، حتى ينزل مكة ويشارك الشباب في لهوهم، وعندما وصل
اليها وجد حفل زواج، فوقف عنده، فسلط الله عليه النوم، ولم يستيقظ الا في صباح
اليوم التالي.
وعندما كانت قريش تجدد بناء الكعبة، كان محمد صلى الله عليه وسلم ينقل معهم الحجارة
للكعبة وعليه ازاره، فقال له العباس عمه: اجعل ازارك على رقبتك يقيك الحجارة، ففعل، فخر
الى الارض، وجعل ينظر بعينيه الى
السماء، ويقول: ازاري.. ازاري، فشد عليه، فما رؤى بعد ذلك عريانا.
التاجر الامين:
وحين جاوز النبي صلى الله عليه وسلم العشرين من عمره اتيحت له فرصة السفر مع
قافلة التجارة الى الشام، ففي مكة كان الناس يستعدون لرحلة الصيف التجارية الى الشام، وكل
منهم يعد راحلته وبضاعته وامواله، وكانت السيدة خديجة بنت خويلد -وهي من اشرف نساء قريش،
واكرمهن اخلاقا، واكثرهن مالا- تبحث عن رجل امين يتاجر لها في مالها ويخرج به مع
القوم، فسمعت عن محمد واخلاقه العظيمة، ومكانته عند اهل مكة جميعا ، واحترامهم له؛ لانه
صادق امين، فاتفقت معه ان يتاجر لها مقابل مبلغ من المال، فوافق محمد صلى الله
عليه وسلم وخرج مع غلام لها اسمه ميسرة الى الشام.
تحركت القافلة في طريقها الى الشام، وبعد ان قطع القوم المسافات
الطويلة نزلوا ليستريحوا بعض الوقت، وجلس محمد صلى الله عليه وسلم تحت شجرة، وعلى مقربة
منه صومعة راهب، وما ان راى الراهب محمدا صلى الله عليه وسلم حتى اخذ ينظر
اليه ويطيل النظر، ثم سال ميسرة: من هذا الرجل الذي نزل تحت هذه الشجرة؟ فقال
ميسرة: هذا رجل من قريش من
اهل الحرم، فقال الراهب: ما نزل تحت هذه الشجرة الا نبي، وباعت القافلة كل تجارتها،
واشترت ما تريد من البضائع، وكان ميسرة ينظر الى محمد ويتعجب من سماحته واخلاقه والربح
الكبير الذي حققه في مال السيدة خديجة.
وفي طريق العودة حدث امر عجيب، فقد كانت هناك غمامة في السماء تظل محمدا وتقيه
الحر، وكان ميسرة ينظر الى ذلك المشهد، وقد بدت على وجهه علامات الدهشة والتعجب، واخيرا
وصلت القافلة الى مكة فخرج الناس لاستقبالها مشتاقين؛ كل منهم يريد الاطمئنان على امواله، وما
تحقق له
من ربح، وحكى ميسرة لسيدته خديجة ما راى من امر محمد، فقد اخبرها بما قاله
الراهب، وبالغمامة التي كانت تظل محمدا في الطريق؛ لتقيه من الحر دون سائر افراد القافلة.

زواج محمد صلى الله عليه وسلم من السيدة خديجة:
استمعت السيدة خديجة الى ميسرة في دهشة، وقد تاكدت من امانة محمد
صلى الله عليه وسلم وحسن اخلاقه، فتمنت ان تتزوجه، فارسلت السيدة خديجة صديقتها نفيسة بنت
منبه؛ لتعرض على محمد الزواج، فوافق محمد صلى الله عليه وسلم على هذا الزواج، وكلم
اعمامه، الذين رحبوا ووافقوا على هذا
الزواج، وساروا الى السيدة خديجة يريدون خطبتها؛ فلما انتهوا الى دار خويلد قام ابو طالب
عم النبي وكفيله يخطب خطبة العرس، فقال: (الحمد لله الذي جعلنا من ذرية ابراهيم وزرع
اسماعيل، وجعل لنا بيتا محجوجا وحرما
امنا، وجعلنا امناء بيته، وسواس حرمه، وجعلنا الحكام على الناس، ثم ان ابن اخي هذا
محمد بن عبد الله لا يوزن به رجل شرفا ونبلا وفضلا، وان كان في المال
قلا، فان المال ظل زائل، وقد خطب خديجة بنت خويلد وبذل لها من الصداق ما
عاجله واجله من مالي كذا وكذا، وهو والله بعد هذا له نبا
عظيم، وخطر جليل) وتزوج النبي صلى الله عليه وسلم السيدة خديجة، وعاشا معا حياة طيبة
موفقة، ورزقهما الله تعالى البنين والبنات، فانجبت له ستة اولاد هم: زينب، ورقية، وام كلثوم،
وفاطمة، وعبدالله، والقاسم، وبه يكنى الرسول فيقال: ابو القاسم.
بناء الكعبة وقصة الحجر الاسود:
اجتمعت قريش لاعادة بناء الكعبة، واثناء البناء اختلفوا فيمن ينال شرف وضع الحجر الاسود في
مكانه، واشتد الخلاف بينهم، وكاد ان يتحول الى حرب بين قبائل قريش، ولكنهم تداركوا امرهم،
وارتضوا ان يحكموا اول داخل عليهم وانتظر القوم، وكل واحد يسال نفسه: ترى من سياتي
الان؟ ولمن سيحكم؟ وفجاة تهللت وجوههم بالفرحة والسرور عندما راوا محمدا يقبل عليهم، فكل واحد
منهم يحبه ويثق في عدله وامانته ورجاحة عقله وسداد رايه، فهتفوا: هذا الامين قد رضيناه
حكما، وعرضوا عليه الامر وطلبوا منه ان يحكم بينهم، فخلع الرسول صلى الله عليه وسلم
رداءه ووضع الحجر عليه، ثم امر رؤساء القبائل فرفعوا الثوب حتى اوصلوا الحجر الى مكانه
من الكعبة، عندئذ حمله الرسول صلى الله عليه وسلم بيده الشريفة ووضعه مكانه، وهكذا كفاهم
الله
شر القتال.

الوحي
كان محمد صلى الله عليه وسلم يكثر من الذهاب الى غار حراء، فيجلس وحده فيه
اياما بلياليها؛ يفكر في خالق هذا الكون بعيدا عن الناس وما يفعلونه
من اثام، ولقد كان يمشي تلك المسافة الطويلة ويصعد ذلك الجبل العالي، ثم يعود الى
مكة ليتزود بالطعام ويرجع الى ذلك الغار، وظل مدة لا يرى رؤيا الا وتحققت كما
راها، وبدات تحدث له اشياء عجيبة لا تحدث لاي انسان
اخر، فقد كان في مكة حجر يسلم عليه كلما مر به، قال صلى الله عليه
وسلم: (اني لاعرف حجرا بمكة كان يسلم علي قبل ان ابعث، اني لاعرفه
الان) [مسلم].
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يجلس ذات يوم في الغار، واذا بجبريل -عليه السلام-
ينزل عليه في صورة رجل ويقول له: اقرا. وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا
يعرف القراءة ولا الكتابة، فخاف وارتعد، وقال للرجل: ما انا بقارئ. واذا بجبريل -عليه السلام-
يضم النبي صلى الله عليه وسلم اليه بشدة، ثم يتركه ويقول له: اقرا. فقال محمد:
ما انا بقارئ. وتكرر ذلك مرة ثالثة، فقال جبريل: {اقرا باسم ربك الذي خلق .
خلق الانسان من علق . اقرا وربك الاكرم} _[العلق:1-3]. فكانت هذه اولى ايات القران التي
نزلت في شهر رمضان على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في السنة الاربعين
من عمره.
رجع محمد صلى الله عليه وسلم الى بيته مسرعا، ثم رقد وهو يرتعش، وطلب من
زوجته ان تغطيه قائلا: (زملونى، زملونى) وحكى لها ما راه في الغار، فطمانته السيدة خديجة،
وقالت له: كلا والله لا يخزيك الله ابدا، انك لتصل الرحم وتحمل الكل (الضعيف) وتكسب
المعدوم، وتقري (تكرم) الضيف، وتعين على نوائب الحق، فلما استمع النبي صلى الله عليه وسلم
الى كلام السيدة خديجة، عادت اليه الطمانينة، وزال عنه الخوف والرعب، وبدا يفكر فيما حدث.

حكاية ورقة بن نوفل:
وكان للسيدة خديجة ابن عم، اسمه (ورقة بن نوفل) على علم بالديانة المسيحية فذهبت اليه
ومعها زوجها؛ ليسالاه عما حدث، فقالت خديجة لورقة: يابن عم اسمع من ابن اخيك، فقال
ورقة: يابن اخي ماذا ترى؟ فاخبره النبي صلى الله عليه وسلم بالذي حدث في غار
حراء، فلما سمعه ورقة قال: هذا الناموس الذي كان ينزل على موسى، ثم اخبره (ورقة)
انه يتمنى ان يعيش حتى ينصره، ويكون معه عندما يحاربه قومه، ويخرجونه من مكة، فلما
سمع الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك تعجب وسال ورقة قائلا: او مخرجي هم؟ فقال
له: نعم، لم يات احد بمثل ما جئت به الا عودي، ومنذ ذلك اليوم والرسول
صلى الله عليه وسلم يزداد شوقا لوحي السماء الذي تاخر نزوله عليه بعد هذه المرة.

عودة الوحي:
وبعد فترة، وبينما كان النبي صلى الله عليه وسلم يمشي اذا به يسمع صوتا، فرفع
وجهه الى السماء، فراى الملك الذي جاءه في غار حراء جالسا على كرسي بين السماء
والارض، فارتعد الرسول صلى الله عليه وسلم من هول المنظر، واسرع الى المنزل، وطلب من
زوجته ان تغطيه، قائلا: دثرونى . دثرونى، واذا بجبريل ينزل اليه بهذه الايات التي يوجهها
الله اليه: {يا ايها المدثر . قم فانذر . وربك فكبر . وثيابك فطهر .
والرجز فاهجر} _[المدثر: 1-5] وفي هذه الايات تكليف من الله سبحانه لرسوله صلى الله عليه
وسلم ان يدعو الناس.
الدعوة الى الاسلام سرا:
كان الناس في مكة يعبدون الاصنام منذ زمن بعيد، وقد ورثوا عبادتها عن ابائهم واجدادهم؛
فبدا الرسول صلى الله عليه وسلم بالدعوة الى الاسلام سرا، وبدا باقرب الناس اليه، فامنت
به زوجته خديجة بنت خويلد، وامن به ايضا ابن عمه علي بن ابي طالب، وكان
غلاما في العاشرة من عمره، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي يقوم
بتربيته، وكان صديقه ابو بكر اول الذين امنوا به من الرجال، وكان ذا مكانة عظيمة
بين قومه، ياتي الناس اليه ويجلسون
معه، فاستغل ابو بكر مكانته هذه واخذ يدعو من ياتي اليه ويثق فيه
الى الاسلام، فاسلم على يديه عبدالرحمن بن عوف، وعثمان بن عفان، والزبير ابن العوام، وطلحة
بن عبيد الله .. وغيرهم.
ولم تكن الصلاة قد فرضت في ذلك الوقت بالكيفية التي نعرفها، ولكن رسول الله صلى
الله عليه وسلم كان يصلي باصحابه الذين اسلموا سرا ركعتين قبل طلوع الشمس وركعتين قبل
الغروب، وذلك في مكان بعيد عن اعين
الكفار.
وذات يوم كان الرسول صلى الله عليه وسلم يصلي باصحابه في شعب من شعاب مكة،
اذ اقبل عليهم ابو طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم والذي لم يؤمن برسالته،
فلما راى الرسول صلى الله عليه وسلم واصحابه يصلون، ساله عن هذا الدين الجديد، فاخبره
الرسول صلى الله عليه وسلم به لانه يثق في عمه ويامل ان يدخل الاسلام، ولكن
ابا طالب رفض ان يترك دين ابائه واجداده وطمان النبي صلى الله عليه وسلم وتعهد
بحمايته من اعدائه، واوصى ابنه عليا ان يلزم رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستمر
الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو قومه سرا، وعدد المسلمين يزداد يوما بعد يوم، ويقوى
الايمان في قلوبهم بما ينزله الله عليهم من القران الكريم، وظلوا هكذا ثلاث سنوات.

  • السيرة النبوية كاملة مكتوبة
السابق
امراض تناسلية للرجال
التالي
اخبار عن ستار اكاديمي 10