الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى اله وصحبه اما بعد:
فانه عليه الصلاة والسلام بعدما نزل الوحي عليه صار امتثال اوامره واجتناب نواهيه سجية له،
وخلقا ثابتا من اخلاقه، هذا مع ما جبله الله عليه قبل ذلك من الخلق العظيم،
والحياء والكرم والشجاعة والصفح والحلم والامانة والصدق. وقد وصفه ربه سبحانه بانه لعلى خلق عظيم،
واكد ذلك الوصف مرتين في اية واحدة، فاكده بان، واكده باللام فقال: (وانك لعلى خلق
عظيم) [القلم: 4].
واثنى عليه في ايات اخر منها قوله تعالى: (لقد كان لكم في رسول الله اسوة
حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الاخر وذكر الله كثيرا) [الاحزاب: 21]. فبين سبحانه انه
عليه الصلاة والسلام الاسوة الحسنة التي ينبغي للامة ان تتاسى به في كل شيء قال
تعالى: (هو الذي بعث في الاميين رسولا منهم يتلو عليهم اياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة
وان كانوا من قبل لفي ضلال مبين) [الجمعة: 2].
والتزكية هي التطهير من ادناس الاعمال والاقوال والاخلاق والنيات، فجعل الله من صفات نبيه انه
يزكي من امن به واتبعه، ولا يمكن ان تكون هذه التزكية بمجرد القول، بل لابد
ان يكون المزكي صلى الله عليه وسلم مثالا حيا رفيعا في التزكية.
وقال سبحانه: (فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من
حولك) [ال عمران: 159]. فوصفه بخلق الرحمة ولين الجانب، ونفى عنه ما يقابلهما من سوء
الاخلاق، وقال سبحانه: (لقد جاءكم رسول من انفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين
رؤوف رحيم) [التوبة: 9]. فوصفه سبحانه انه (عزيز عليه ما عنتم) اي يشق عليه ضرركم
واذاكم، وانه حريص عليكم اي على ما ينفعكم في دنياكم واخراكم، وختم الاية بانه بالمؤمنين
رؤوف رحيم.
وقال سبحانه: (يا ايها الذين امنوا لا تدخلوا بيوت النبي الا ان يؤذن لكم الى
طعام غير ناظرين اناه ولكن اذا دعيتم فادخلوا فاذا طعمتم فانتشروا ولا مستانسين لحديث ان
ذلكم كان يؤذي النبي فيستحيي منكم والله لا يستحيي من الحق) [الاحزاب: 53].
فقد كان صلى الله عليه وسلم حييا كريما، حتى انه اذا اراد ان يتفرغ لاهله
في يوم زواجه، فانه صلى الله عليه وسلم لا يطلب من جلسائه الانصراف، ولا ينصرف
هو حياء منهم، بل يبقى جالسا معهم الى ان يكونوا هم المنصرفين.
فبين الله للمؤمنين ما يجب عليهم من ادب تجاه رسول الله صلى الله عليه وسلم،
وابان خلقا عظيما من اخلاقه، وهو: خلق الحياء، حيث يستحي ان يجرح مشاعر جلسائه، ولو
صدر منهم ما يؤذيه.
وقال سبحانه: (اذ تصعدوون ولا تلوون على احد والرسول يدعوكم في اخراكم) [ال عمران: 153].
فالمح القران الى شجاعته صلى الله عليه وسلم، والى ثباته في مواقف الباس الشديد، ففي
معركة احد عندما دارت الدائرة على المؤمنين، وفزعوا واضطربوا وانهزموا متجهين الى المرتفعات يصعدون ولا
يلوون على احد، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ثابت لم يتزلزل، ولم يثبت معه
الا نفر يسير.
وقال سبحانه: (لعلك باخع نفسك الا يكونوا مؤمنين) [الشعراء: 3].
وقال سبحانه: (فلا تذهب نفسك عليهم حسرات ان الله عليم بما يصنعون) [فاطر: 8].
وقال سبحانه: (ولا تحزن عليهم ولا تكن في ضيق مما يمكرون) [النمل: 70].
وقال سبحانه: (واصبر وما صبرك الا بالله ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما
يمكرون) [النحل: 128].
ففي هذه الايات بيان لمدى رحمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وشفقته بمن دعاهم
الى الهداية فاعرضوا عنها حتى انه كاد يهلك من الحزن والاسى لانهم لم يؤمنوا، وهذا
يدل على ما يحمله هذا القلب العظيم من حب الخير للناس كافة، وصدق الله تعالى
اذ قال: (وما ارسلناك الا رحمة للعالمين) [الانبياء: 107]. والله اعلم.