الايات القرانية التي تتحدث عن العلم والعلماء
لعل الميزة الكبرى التي ميز الله بها الانسان على سائر مخلوقاته هي العلم والعقل, وان
كلا من العلم والعقل مرتبط احدهما بالاخر غير منفصل عنه, ولقد خص الله سبحانه وتعالى
سيدنا ادم ابا البشرية كلها بالعلم, وقد تمثل ذلك المعنى في قوله عز وجل: وعلم
ادم الاسماء كلها (البقرة/31) وذلك في مجال تفضيله على الملائكة وحواره جل وعلا معهم واستخلافه
اياه وابناءه في الارض.
ولما كان الاسلام هو الرسالة الخاتمة, ومحمد (هو خاتم الانبياء والمرسلين, فقد اقتضت المشيئة الالهية
بان تكون هذه الرسالة شاملة جميع الاحكام والتكاليف التي لم تتوفر في الرسالات والكتب التي
سبقت الاسلام; فجاءت الرسالة الخاتمة متضمنة جميع التعاليم وسائر الوان المعرفة التي تسعد الانسان في
دنياه واخرته, وتجعله مؤهلا لخلافة الله في الارض.
والمميزات التي تميزت بها الرسالة الخاتمة وبالتالي تميز بها الاسلام كثيرة لا تكاد تحصى, ولكن
الميزة الكبرى في هذه الرسالة تتمثل في العلم, والحض عليه, والسعي في طلبه, والزام المسلمين
بالاقبال عليه والاستمساك به, ومن ثم فقد كرمه الله بان استفتح به كتابه الكريم في
اول سورة نزل بها جبريل على محمد e في قوله عز وجل: ” اقرا باسم
ربك الذي خلق, خلق الانسان من علق, اقرا وربك الاكرم, الذي علم بالقلم, علم الانسان
ما لم يعلم ” (العلق/15 ) وهكذا كان العلم والتعلم اخذا مكان الصدارة في القران
الكريم اخر الكتب السماوية, وفي رسالة الاسلام خاتمة الرسالات الى يوم يبعثون.
وتاكيدا على التزام المسلم بالاخذ باسباب العلم والمعرفة جاءت السورة الثانية في ترتيب نزول القران,
مرتبطة اسبابها بالعلم الذي زاده الله تشريفا في تلك السورة فجعل استهلالها قسما به وذلك
في قوله عز وجل: ” نون والقلم وما يسطرون ” وجعل جواب القسم تشريفا لرسوله
وثناء عليه وذلك في قوله تعالى: ” ما انت بنعمة ربك بمجنون, وان لك لاجرا
غير ممنون, وانك لعلى خلق عظيم ” (القلم/ 14) فالمولى سبحانه يقسم في مطلع هذه
السورة بالحرف الذي منه تتكون الكلمة التي منها تتكون الجملة, والجملة . كما نعرف هي
حاملة العلم, ثم يكون القسم الثاني بالقلم الذي به يكتب العلم ويقيد, كل العلم, وليس
علما بذاته, وهكذا نرى السورتين الاولى والثانية من القران الكريم خاتم الكتب السماوية موضوعهما الاساسي
العلم كل العلم سواء اكان هذا العلم دينيا سماويا ام كان دنيويا مصدره العقل الانساني.
ولقد حفل الكتاب العزيز بذكر العلم في ايات كثيرة مضيئة . وكل ايات القران هادية
مضيئة . مثل قوله سبحانه:
” ابلغكم رسالات ربي وانصح لكم واعلم من الله ما لا تعلمون” (الاعراف 62)
“ولو كنت اعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مس ني السوء”(الاعراف 188)
” قال انما اشكو بثي وحزني الى الله واعلم من الله ما لا تعلمون ”
( يوسف 86)
” الم تعلم ان الله له ملك السماوات والارض ” (البقرة 107)
“وانزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم “(النساء 113)
“ربنا انك تعلم ما نخفي وما نعلن ” (ابراهيم 38)
” ولتعلمن نباه بعد حين ” (ص 88)
” ذلك لتعلموا ان الله يعلم ما في السماوات وما في الارض” (المائدة 97)
” لتبتغوا فضلا من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب ” (الاسراء 12)
“وعلمكم ما لم تكونوا تعلمون ” (البقرة 151).
“ذلكم ازكى لكم واطهر, والله يعلم وانتم لا تعلمون ” (البقرة 232).
“قل ان الله لا يامر بالفحشاء, اتقولون على الله ما لا تعلمون ” (الاعراف 28).
” قل لمن الارض ومن فيها ان كنتم تعلمون “(المؤمنون 84)
” الهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر, كلا سوف تعلمون ثم كلا سوف تعلمون”
(التكاثر1, 2, 3).
” ولقد خلقنا الانسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن اقرب اليه من حبل الوريد”
(ق 16)
“فلم تحاجون ما ليس لكم به علم والله يعلم وانتم لا تعلمون” (ال عمران 66)
” وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها الا هو, ويعلم ما في البر والبحر” (الانعام 59).
“افمن يعلم انما انزل اليك من ربك الحق كمن هو اعمى, انما يتذكر اولوا الالباب”
(الرعد 19).
” وليعلم الذين اوتوا العلم انه الحق من ربك” (الحج 54).
“ان الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الارحام” (لقمان 34)
“هذا بلاغ للناس ولينذروا به وليعلموا انما هو اله واحد ” (ابراهيم 52)
” فاما الذين امنوا فيعلمون انه الحق من ربهم” (البقرة 26)
“وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله او تاتينا اية” (البقرة 118)
“وان الذين اوتوا الكتاب ليعلمون انه الحق من ربهم ” (البقرة 144)
“والذين اتيناهم الكتاب يعلمون انه منزل من ربك بالحق ” (الانعام 114)
“قال يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين”(يس 26, 27)
“فاعلم انه لا اله الا الله واستغفر لذنبك ” (محمد 19)
“واتقوا الله واعلموا ان الله مع المتقين ” (البقرة 194)
“واتقوا الله واعلموا ان الله مولاكم نعم المولى ونعم النصير” (الانفال 40)
قالوا سبحانك لا علم لنا الا ما علمتنا ” (البقرة 32)
“رب قد اتيتني من الملك وعلمتني من تاويل الاحاديث ” (يوسف 101)
” وتلك الامثال نضربها للناس وما يعقلها الا العالمون ” (العنكبوت 43)
“الرحمن علم القران خلق الانسان علمه البيان” (الرحمن 1 4)
“والراسخون في العلم يقولون امنا به كل من عند ربنا ” (ال عمران 7)
” فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع ابناءنا وابناءكم
ونساءنا ونساءكم وانفسنا وانفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين”(ال عمران 61)
” فمن اظلم ممن افترى على الله كذبا ليضل الناس بغيرعلم ” (الانعام 144).
” نرفع درجات من نشاء وفوق كل ذي علم عليم ” (يوسف 76)
“ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ويتبع كل شيطان مريد” (الحج 3)
” وان جاهداك على ان تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما
في الدنيا معروفا “لقمان 15
ان ايات العلم في الكتاب العزيز تجاوزت ثمانمائة اية, هذا فضلا عن الايات التي شملت
الدعوة الى العلم وان لم تستعمل لفظه مثل مادة “عرف” و “بان” و “راى” وغيرها
وهي في اكثرها تعني العلم بانواعه وفروعه من تكريم له وتمجيد لفضله وحض على اقتناصه
وتكريم لاهله وتعظيم لعلم الله سبحانه خالق كل شيء, ولقد عمدنا فيما سجلناه من ايات
ان تكون كل اية ذات موقع متميز وعرض متفاوت وهدف محدد حتى يتبين لذوي النهي
مكانة العلم في القران الكريم كلام الله وكتاب الاسلام الخالد.
ومثلما اتضح موقف القران الكريم من العلم, فان موقف السنة الشريفة بداهة هو نفسه موقف
القران, فالاسلام يستمد احكامه من الكتاب والسنة مجتمعين, وان ما اجمله القران من احكام قامت
السنة بتفصيله وتبيينه, مثلما هو الحال في العبادات, مثال ذلك ان القران الكريم حمل التكليف
باقامة الصلاة, اما تفصيلات ادائها ابتداء من الاستعداد لاقامها بالطهر والوضوء والنية والتكبير والتلاوة والركوع
والسجود والتشهد والتسليم, فان ذلك كله قد جاء موضحا في السنة الشريفة, في قول الرسول
e: ” صلوا كما رايتموني اصلي ” وقد كان هذا الحديث هو ردى . في
احد المؤتمرات .على من انكر السنة, وكانت شخصية مشهورة من الحكام العرب قد انكر السنة
في كلمته التي افتتح بها المؤتمر, واردفت بعد ذكر حديث رسول الله e قائلا: ”
لولا السنة ما صلينا, هذا فضلا عن حجج اخرى سقناها يومئذ, وتمخض عن هذا الرد
تداعيات تضمنت بعض الاساءات ليس هنا موضوع لذكرها.
نعود الى السنة الشريفة, وقد قال عنها يحيى بن معين في اسلوب متشدد: السنة حاكمة
على الكتاب فرد عليه الامام احمد . وكانا صديقين . قائلا: انا لا اقول ذلك,
وانما اقول ان السنة مبينة للكتاب مما يدل على ادب الامام احمد في تعامله مع
كل من الكتاب والسنة.
فالكتاب العزيز مجد العلم من اول اية نزلت, واحتل العلم بضعا وخمسين, وثمانمائة اية على
ما اسلفنا في صفحة سابقة, وانتقل الرسول من تمجيد العلم والحض على طلبه الى درجة
اعلى من ذلك حين جعل طلبه فريضة على المسلمين جميعا, ذلك في قوله الشريف ”
طلب العلم فريضة
بذلك صار طلب العلم فريضة كالصلاة والزكاة والصوم والحج والجهاد, ولكنه فرض كفاية في حالات
بعينها, ولا نزال نكرر ان المقصود بالعلم الذي تضمنته الايات القرانية والسنة النبوية هو العلم
بكل فروعه واشكاله واهدافه.
ففي العلم يقول رسول الله e: “من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له
طريقا الى الجنة” رواه مسلم.
“اذا مات ابن ادم انقطع عمله الا من ثلاث: صدقة جارية اوعلم ينتفع به او
ولد صالح يدعو له” رواه مسلم.
“الدنيا ملعونة ملعون ما فيها الا ذكر الله تعالى وما والاه اي طاعة الله وعالما
ومتعلما” رواه الترمذي وقال: حديث حسن.
“من خرج في طلب العلم فهو في سبيل الله حتى يرجع” رواه الترمذي وقال “:
حديث حسن.
“فضل العالم على العابد كفضلي على ادناكم”.
“ان الله وملائكته واهل السماوات والارض حتى النملة في جحرها وحتى الحوت ليصلون على معلمي
الناس الخير” رواه الترمذي وقال حديث حسن.
“من تعلم علما مما يبتغى به وجه الله عز وجل لا يتعلمه الا ليصيب به
عرضا من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة . يعني ريحها” رواه ابو داود
باسناد صحيح.
عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: “سمعت رسول الله e
يقول: “ان الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس, ولكن يقبض العلم بقبض العلماء,
حتى اذا لم يبق عالما, اتخذ الناس رءوسا جهالا “فسئلوا فافتوا بغير علم فضلوا واضلوا”
الترمذي باب العلم 2673, ومتفق عليه
ان ما عرضناه من دراسة وامثلة من القران الكريم والاحاديث النبوية في الفصل السابق, تفيد
ان العلم الذي ذكر في طياتها هو العلم العام, وهو . مثله في ذلك مثل
العلم الديني . ما يعنيه الاسلام من تعلمه والسعي الى طلبه, وربما فسرت بعض الاحاديث
التي ذكرناها العلم الديني مع العلم العام المطلق, غير ان عددا اخر من احاديث رسول
الله قد استهدفت طلب العلم الديني والسعي في طلبه, ويجيء في مقدمة هذه الاحاديث قول
رسول الله e : “من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين وانما انا قاسم
والله يعطي,ولن تزال هذه الامة قائمة على امر الله لا يضرهم من خالفهم حتى ياتي
امر الله”.
وليس من شك في ان هذا الحديث الشريف مستلهم من قول لله سبحانه وتعالى في
هذا الشان: “وما كان المؤمنون لينفروا كافة, فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا
في الدين ولينذروا قومهم اذا رجعوا اليهم لعلهم يحذرون ” (التوبة/ 122).
والعلم الديني مقدم بطبيعة الحال على سائر فروع المعرفة لان اوليات التعاليم الدينية هي الايمان
بالله وملائكته وكتبه ورسله, والايمان بالله الواحد وبمحمد نبيا ورسولا وبالقران كتابا نزل به الروح
الامين على قلب محمد خاتم المرسلين, وان علما اخر ايا كانت قيمته مرجوحا بعلم الدين
الذي يهئ الانسان للحياة المثلى في الدنيا ولحسن الجزاء في الاخرة.
وتحتل احاديث رسول الله e التي اختص بها القران الكريم وفضائله دراسة وحفظا وتلاوة وتفسيرا
مكان الصدارة بين سائر احاديثه, وفي ذلك يجيء قوله الشريف: “ما اجتمع قوم في بيت
من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم الا نزلت عليه السكينة, وغشيتهم الرحمة, وحفتهم
الملائكة, وذكرهم الله فيمن عنده” رواه مسلم.
وقوله : “خيركم من تعلم القران وعلمه” رواه البخاري.
وقوله صلى الله عليه وسلم: “الذي يقرا القران وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة,
والذي يقرا القران ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له اجران” متفق عليه.
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ان النبي e قال: “ان الله يرفع بهذا
الكتاب اقواما ويضع به اخرين” رواه مسلم.
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال : “من قرا حرفا من
كتاب الله فله حسنة, والحسنة بعشر امثالها, لا اقول الم حرف, ولكن الف حرف ولام
حرف وميم حرف” رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح.
ومن احاديث العلم الديني .” بعد احاديث القران الكريم . قوله صلى الله عليه وسلم
“من يرد الله به خيرا يفهمه,وانما العلم بالتعلم “.
“قوله (عن زيد بن ثابت: “نضر الله امرءا سمع منا حديثا فحفظه حتى يبلغه, فرب
حامل فقه الى من هو افقه منه, ورب حامل فقه ليس بفقيه ” عن سنن
ابي داود 2 (كتاب العلم)
وقال(:”من طلب العلم كان كفارة لما مضى”(الترمذي كتاب العلم,باب(2) 2648.
عن ابي سعيد الخدري عن النبي e قال: ” ياتيكم رجال من قبل المشرق يتعلمون,
فاذا جاءوكم فاستوصوا بهم خيرا, قال: فكان اب و سعي د اذا رانا قال: بوصية
رسول ” الترمذي الحديث رقم 2651.
واذن فالعلم الديني وقد جاء الحض على تعلمه صريحا, صارت له خصوصية,بتوجيه من كل من
القران الكريم والسنة النبوية, وصار الغاية التي يسعى في طلبها جمهرة الصحابة, ومن بعدهم انعقدت
رئاسته على التابعين الذين قاموا بمهمتهم على اتم وجه واكمله, ويستطيع الدارس ان يقع على
المدارس العلمية العديدة التي انشاها التابعون من امثال الحسن البصري 21 110 ه وجابر بن
زيد 20 93 ه وسعيد بن المسيب الذي كان يلقب بسيد التابعين 12 94 ه
وعامر الشعبي 19 103 ه وابراهيم النخعي 46 96, ونافع مولى عبد الله بن عمر
وعطاء بن رباح 27 117 ه وسعيد بن جبير 45 95 وغيرهم كثيرين.
كان هؤلاء وغيرهم يعيشون في نور القران الكريم الذي يحث المسلمين على التفكر فيما خلق
الله, وكلما ازداد المسلم تفكيرا مستهديا بما نزل به الروح الامين ازداد ايمانا مثل قوله
عز وجل: ” الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والارض,
ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار” ويمضي المسلم متابعا قوله تعالى:” ربنا
انك من تدخل النار فقد اخزيته وما للظالمين من انصار, ربنا اننا سمعنا مناديا ينادي
للايمان ان امنوا بربكم فامنا, ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الابرار
“.
لقد كان هذا الجيل من التابعين يعيش العلم الاسلامي فيما يقراه ويسمعه من الايات التي
تنير فكره بما يعمق ايمانه فيزداد اقبالا على العيش في نور ما لم يالف سماعه
من معجز القول ومفحم الخطاب مثل قوله تعالى: ” يا ايها الناس ان كنتم في
ريب من البعث فانا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من
مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم ونقر في الارحام ما نشاء الى اجل مسمى ثم
نخرجكم طفلا, ثم لتبلغوا اشدكم, ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد الى ارذل العمر لكيلا
يعلم من بعد علم شيئا, وترى الارض هامدة فاذا انزلنا عليها الماء اهتزت وربت وانبتت
من كل زوج بهيج ” (الحج/ 5).
ويقرا المسلم ايات اخرى تبهر عقله وتنير قلبه فيصير اما عالما واما متعلما, فقد عرف
من حديث رسول الله e ان طلب العلم فرض عليه حتى في ايام الحروب حيث
يتحتم ان يتخلف بعض ذوي العلم لكي يقوموا على تعليم اخوتهم من المسلمين.
وفي سرعة غير مسبوقة يتفرع فريق من علماء المؤمنين لتفسير القران الكريم ويجلس فريق اخر
لتعليم فقه الاسلام.
فاما فريق المفسرين فكانوا امتدادا لما قام به الصحابي الجليل عبد الله بن عباس من
محاولات وصلت الينا تحت مسمى “تنوير المقباس من تفسير ابن عباس, ولم يكن اقبال ابن
عباس على تفسير القران امرا غريبا, فالقران الكريم هو كلام الله عز وجل حمله الوحي
الامين ونزل به على محمد e ومن ثم فهو كتاب الاسلام الذي منه تستمد الشريعة
وتؤخذ الاحكام, وهو الكتاب المعجز الذي تحدى العرب . وهم قمم البلاغة . ان ياتوا
بسورة من مثله فما استطاعوا, وكان عجزهم عن ذلك سببا لاسلام اكثرهم بلاغة واوفرهم فهما
وعدلا.
على ان ثمت مجموعة من التابعين عرفوا بجهودهم في تفسير الكتاب العزيز, ولكن اثارهم في
هذا الشان لم تصل الينا مثل مجاهد بن جبر 29 104 ه وسعيد بن جبير,
وطاووس بن كيسان المتوفي 106 ه , وابي عمرو عامر الشعبي وعطاء بن ابي رباح
27 74 ولكن الامر المؤكد هو ان اول تفسير كامل للقران الكريم هو ما قام
به مقاتل بن سليمان المتوفي سنة 150 ه , وهي السنة التي توفى فيها الامام
ابو حنيفة, وهذا التفسير قام على تحقيقه صديقنا العالم الجليل الدكتور عبد الله شحاته وان
لم تهيا له اسباب النشر حتى الان.
ولان تفسير القران ليس بالامر الهين اذ انه لا بد من توفر شروط بعينها فيمن
يتصدى لتفسير الكتاب العزيز, لذلك قل عدد المفسرين اذا قورن بعدد المحدثين والفقهاء, اما وان
” التفسير ” يجيء على راس العلوم الدينية, فانه يجمل بهذا البحث ان يسجل
اشهر المفسرين واسماء . عناوين . تفاسيرهم على الترتيب الزمني حتى القرن العاشر الهجري.
جامع البيان في تفسير القران للطبري المتوفى 310 ه
بحر العلوم لابي الليث السمرقندي المتوفى 375
الكشف والبيان عن تفسير القران للثعلبي المتوفى 427
معالم التنزيل للبغوي الشافعي المتوفى 510
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية الاندلسي المتوفى بالرقة سنة 546
الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الاقاويل في وجوه التاويل للزمخشري المتوفى بخوارزم سنة 583
مفاتيح الغيب للفخر الرازي المتوفى سنة 606
الجامع لاحكام القران للقرطبي المتوفى بمدينة المنيا (مصر) سنة 671
انوار التنزيل واسرار التاويل للبيضاوي المتوفى سنة 691
مدارك التنزيل وحقائق التاويل للنسفي المتوفي 701
لباب التاويل في معاني التنزيل للخازنالمتوفى 741
البحر المحيط لابي حيان الغرناطي الاندلسي المتوفى بمصر 745
تفسير القران العظيم لابن كثير المتوفى 774
غرائب القران ورغائب الفرقان للنيسابوري المتوفى على راس المائة التاسعة.
مجمع البيان لعلوم القران للطبرسى المتوفى 835
الجواهر الحسان في تفسير القران للثعالبي الجزائري المتوفى 876 الدر المنثور في التفسير بالماثور للسيوطي
المتوفى 911
تفسير الجلالين: المحلى للسيوطي
السراج المنير في الاعانة على معرفة بعض معاني كلام ربنا الحكيم الخبير للخطيب الشربيني القاهري
الشافعي المتوفى 977
تلك اشهر التفاسير القرانية التي كتبت حتى نهاية القرن العاش ر الهجري ولكن مكتبة التفاسير
القرانية ثرية بعشرات التفاسير النفيسة على مسيرة التاريخ وبخاصة في القرن الرابع عشر الهجري المنصرم
والاعوام العشرين التي انصرمت من هذا القرن الواحد والعشرين بعد الاربعمائة والالف.
وفي نطاق مسيرة العلم الديني يظهر علم السنة الذي يتمثل في جمع احاديث رسول الله
e وشروحها, وقد كان من اوائل من دونوها الامام مالك في كتابه الجليل ” الموطا
” باقتراح من الخليفة ابي جعفر المنصور العباسي ويليه كتاب ” المسند ” للامام احمد
بن حنبل ثم ظهر بعد ذلك ما يعرف بالكتب الستة التي اشهرها ” الصحيحان ”
وهما صحيح البخاري للامام الحافظ اسماعيل البخاري المولود في بخارى سنة 194 ه المتوفى سنة
259 ه وصحيح مسلم للامام الحافظ مسلم بن الحجاج القشيرى النيسابوري 204 . 261 ه
, وقد عكف على دراسة الصحيحين وشرحهما عشرات من كبار علماء الحديث غير ان اشهر
من شرح صحيح البخاري هو الامام الحافظ احمد بن حجر العسقلاني المصري 773 852 بكتابه
النفيس ” فتح الباري في شرح صحيح البخاري ” ويقع في واحد وعشرين مجلدا كبيرا,
وشهاب الدين احمد بن محمد القسطلاني 851 923 في كتابه النفيس ” ارشاد الساري في
نشر صحيح البخاري ” واشهر من شرح صحيح مسلم الامام الحافظ محيي الدين ابو زكريا
يحيى بن شرف النووي في 631 676 ه ويقع في تسعة مجلدات.
واما بقية الكتب الستة فهي: سنن ابي داود لابي داود سليمان بن الاشعث السجستاني 202
275 وسنن ابن ماجة لمحمد بن يزيد القزويني المشهور بابن ماجه 207 275 ه والجامع
الصحيح للترمذي ابي عيسى محمد بن عيسى بن سورة 209 297 ه وسنن النسائي لعبد
الرحمن احمد بن شعيب النسائي 215 303 ه
هذا فضلا عن مئات كثيرة من الكتب التي الفها علماء السنة من الحفاظ والرواة.
ويجيء بعد ذلك ما بذله الائمة الفقهاء من اصحاب المذاهب التي اشتهرت بين الناس فاتبعوها
في عبادتهم ومعاملاتهم وشئون حياتهم, واشهرهم حسب الترتيب التاريخي الامام زيد بن علي زين العابدين
122 ه والامام جعفر الصادق المتوفى 148 ه وابو حنيفة النعمان بن ثابت امام العراق
المتوفى سنة 150 ه وعبد الرحمن بن عمرو الاوزاعي امام الشام المتوفى 157 والليث بن
سعد امام مصر المتوفى سنة 175 ومالك بن انس امام دار الهجرة المتوفي 179 ه
ومحمد بن ادريس الشافعي المتوفي بمصر سنة 204 ه ثم احمد بن حنبل امام العراق
المتوفى 241 ه .
وهناك مذاهب فقهية لائمة لم يكتب لفقههم ان ينتشر لاسباب هم غير مسئولين عنها مثل
سفيان الثوري 161 ه , وابي ثور الكلبي 220 ه وداود الظاهري 270 وابي جعفر
محمد بن جرير الطبري صاحب التفسير وكتابه المشهور في التاريخ ونحن غير ذوي قدرة على
الاستطراد في الحديث عن العلم الديني وائمته وعلمائه اذ ليس ذلك موضوع البحث المحدد ولكن
نستطيع ان نسجل للعلماء الذين توفروا على التخصص في الموضوعات الثلاثة التي تناولناها كمثال على
العلم الديني انهم تبحروا في موضوعاتهم عمقا واتساعا بحيث انشاوا ما قد اصطلح عليه بعلوم
القران كما ابتكروا في ” السنة ” علما جديدا هو علم مصطلح الحديث, وهو علم
غير مسبوق ادهش المستشرقين والدارسين في الاسلام من غير المسلمين بمنهجيته ودقته والمراتب التي وضعوها
لرواية الاحاديث التي وصلوا بها الى اربعة وستين نوعا (11, وقد تمخض علم مصطلح الحديث
عن علم اخر هو علم الجرح والتعديل, كما وضعوا كتبا في مصطلح الحديث (12).
وقبل ان يضع علماء الحديث كتبهم في علم اصول الحديث, كان الامام الشافعي قد سبقهم
الى وضع علم جديد هو علم اصول الفقه, وضع اسسه في كتابه القيم “الرسالة”
(13) ثم نسج على منواله كثير من علماء هذا الفن الدقيق,وقد اخذت دائرة العلوم الدينية
في الاتساع فنشات علوم من الاهمية الاسلامية بمكان مثل علم اعجاز القران وقد توسع المؤلفون
فيه ابتداء من الاعجاز البلاغي الى الاعجاز البياني الى الاعجاز العلمي الى الاعجاز الكوني (14).
ومن العلوم الاسلامية التي احتلت مكانا مرموقا عند المسلمين علم السيرة النبوية الذي الفت فيه
الوان من الكتب المتنوعة النهج والمحتوى ثم تلا ذلك علم الحضارة الاسلامية الذي شارك فيه
المستشرقون بالعديد من الكتب التي لم يخل بعضها من اخطاء مقصودة حينا وغير مقصودة حينا
اخر.
لم يلبث علماء الدين,وقلوبهم مطمئنة الى ان العلم في الاسلام يشمل العلم الديني والعلم العام
ان فتحوا عقولهم وقلوبهم لاصناف المعرفة وانواع العلوم,فنشطوا الى الجمع بين العلم الديني والعلم الدنيوي
ان صح التعبير.
ان الكندي (يعقوب بن اسحاق) المتوفى سنة 260 يعد من اوائل المسلمين الذين جمعوا بين
الثقافة الاسلامية وعلوم الاوائل, فقد ندبه الخليفة المعتصم مؤدبا لولده احمد وما كان المعتصم ليقدم
على هذا الصنيع لولا ثقته في الكندي من زاوية المعرفة الاسلامية مضافا اليها العلوم الاخرى
على اختلاف انواعها, ومؤلفاته فيها تزيد عن ثلاثمائة كتاب, وهو اول عربي فرض نفسه على
هذه العلوم ووجه الفلسفة وجهة اسلامية ومهد لها سبيل الانتشار بين العرب, ومكن للمسلمين من
ولوج هذا الباب, وللكندي عدد غير قليل من الكتب المطبوعة التي تشمل علوم التنجيم وما
هية العقل, والقول في النفس ورسالة في الموسيقى ورسالة نفيسة كتبها لاحمد بن المعتصم ومن
علماء الاسلام (القرانيين) الذين جمعوا بين العلم الديني والعلم الدنيوي استجابة لمفهوم عمومية العلم _
ابو حنيفة الدينوري المتوفى سنة282 ه الذي كان مجمعا للثقافات, فهو نحوي, لغوي مفسر, راوية
ثقة, وهو بالاضافة الى ذلك حاسب منجم مهندس وكان ندا للجاحظ وكما عرف الجاحظ بكتابه
البيان والتبيين والمبرد بالكامل وثعلب بالمجالس فقد عرف ابو حنيفة الدينوري بكتابه (النبات) وله كتاب
في تفسير القران ودراسته في ثلاثة عشر مجلدا مع ورع وزهد وجلالة قدر (15) ومن
كتبه: كتاب ما يلحن فيه العامة وكتاب الشعر والشعراء وكتاب الفصاحة وكتاب الانواء وكتاب الجبر
والمقابلة وكتاب البلدان وكتاب الاخبار الطوال (مطبوع) وكتاب اصلاح المنطق وكتاب القبلة والزوال وكتاب تفسير
القران (16) فهو والامر كذلك جمع بين الشريعة والفقه والبيان العربي, وبين فن المهندس وانفساح
الجغرافي وثقافة المؤرخ واوابر اللغوي.
وعلى نهج قريب من هذا سار احمد بن سهل المعروف بابي زيد البلخي المتوفى سنة
322 ه احد وجوه الثقافة الاسلامية واعلامها, رفعت المعرفة من قدره من معلم صبية الى
مقام الاستاذ الرفيع وقد نبغ في خمسة عشر فنا او علما هي القران الكريم,علوم الدين
واللغة والنحو والنوادر والادب, البلدان, الاخبار والتاريخ, السياسية, المسائل,التنجيم والفلسفة, الطب وعلم النفس, الرياضيات, الاجتماع
(قبل ابن خلدون), الحيوان, الفلك.
ان الذي نهتم له بادئ ذي بدء هو ما كتبه في علوم القران ومجملها سبعة
كتب هي: التفسير, نظم القران, قوارع القران, ما اغلق من غريب القران, في ان سورة
الحمد تنوب عن جميع القران, تفسير الفاتحة والحروف المقطعة في اوائل السور.
ومن ناحية علوم الدين الف الكتب الاتية: كتاب اسماء الله الحسنى وصفاته, الرد على عبدة
النجوم, البحث عن التاويلات او كمال الدين الذى قال عنه ابو بكر الفقيه: ما صنف
في الاسلام كتاب انفع للمسلمين منه, كتاب القرابين والذبائح, كتاب عصمة الانبياء,كتاب شرائع الاديان.
وكان ابو زيد البلخي يكره العصبية ويقبحها ويتمثل دائما قوله تعالى فاذا نفخ في الصور
فلا انساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون وكان اخر ما نطق به عند وفاته قول الله
عز وجل افرايت ان متعناهم سنين ثم جاءهم ما كانوا يوعدون, ما اغنى عنهم ما
كانوا يمتعون .
ولا باس من التمثل بعالم قراني اخر فهم العلم في الاسلامي الفهم الصحيح الذي استفتحنا
به هذا البحث, انه ابو الحسن الماوردي 364 450 الفقيه الشافعي المجتهد الذي كان يلقب
باقضى القضاة وكان عالما ربانيا, ومعلما سياسيا. فاما كتبه الدينية فهي:.
1 النكت والعيون وهو التفسير الكبير الذي ضمنه اخبار الصحابة والتابعين والمفسرين من قبله وعرض
لما يرجحه منها.
2 مختصر علوم القران.
3 امثال القران.
4 الحاوي وهو الشرح الكبير لمختصر المزني تلميذ الامام الشافعي.
5 الاقناع وهو موجز للفقه الشافعي.
6 العيون في اللغة.
7 اعلام النبوة.
واما كتبه في السياسة فهى الاحكام السلطانية, وقوانين الوزارة, تسهيل النظر وتعجيل الظفر وموضوعه اخلاق
الملك وسياسة الملك, نصيحة الملوك, ادب الدنيا والدين, العيون في اللغة, الامثال والحكم (17).
والعلماء الذين جمعوا بين العلم الديني وعلم الحكمة وعلوم اخرى من الكثرة في مسيرة العقيدة
الاسلامية بمكان: ابن حزم وهو ابو محمد على بن احمد بن سعيد بن حزم الاندلسي
المولود في قرطبة سنة 384 المتوفى في بادية لبلة بالاندلس سنة 456 ه عمل بالسياسة
فولى الوزارة ثم زهد فيها وعشق العلم والمعرفة: العلم الديني والمعرفة المطلقة, وليس من هدفنا
التعريف بشخصه تعريفا شاملا لان ذلك يحتاج الى مساحة عريضة, ولكنه لم يكد يترك فرعا
من فروع العلوم الدينية ولا نوعا من انواع المعرفة الدنيوية الا كتب فيه بفهم وعمق
وتاصيل وتفصيل فبينما هو يكتب في الفقه كتابه الفريد المحلي” اذ به يكتب في العشق
كتابه “طوق الحمامة”.
يكاد يجمع مؤرخو الاندلس ومؤلفو كتب الطبقات على ان ابن حزم خلف اربعمائة مجلد تاتي
في مقدمتها مؤلفاته في العلوم الاسلامية وفي مقدمة هذا النوع كتابه المحلي في الفقه الذي
اجمع العلماء على الاشادة به محتوى ومنهجا ومنهم شيخ الاسلام سلطان العلماء العز بن عبد
السلام.
ومن مؤلفاته كتاب الفصل في الملل والنحل, والجامع في صحيح الحديث وكتاب ما انفرد به
مالك او ابو حنيفة او الشافعي, وكتاب اختلاف الفقهاء الخمسة مالك وابى حنفية والشافعي واحمد
وداود, وكتاب الايصال الحافظ لجمل شرائع الاسلام, وكتاب التصفح في الفقه, وكتاب الاملاء في شرح
الموطا, وكتاب الاملاء في قواعد الفقه وكتاب الترشيد في الرد على كتاب الفريد لابن الرواندي
في اعتراضه على النبوات وغير ذلك كثير من الكتب الدينية.
وله في الطب رسالة في الطب النبوي, وشرح فصول بقراط, وكتاب شرح كلام جالينوس في
الامراض الحادة, وكتاب في الادوية المفردة, ومقالة في المحاكمة بين التمر والزبيب, ومقالة النحل 19.
وهكذا جمع بن حزم تاليفا وكتابة وجدالا بين العلم الديني والعلم التطبيقي والفلسفي.
وما دمنا نسبح في الافق الاندلسي بحديثنا عن العلامة ابن حزم فان الفطنة تدعونا الى
الالتقاء بابي الوليد بن رشد الحفيد 520 595 الذي عرف بدراساته عن ارسطو اكثر مما
عرف بدراساته الاسلامية الاصيلة,ومن هنا حاول بعض العلمانيين, بل بعض الملحدين ضمه الى صفوفهم واحتسابه
واحدا منهم, بينما تعلن الحقيقة ان ابن رشد واحد من فقهاء المسلمين وله الكتاب الفريد
“بداية المجتهد ونهاية المقتصد” في الفقه مثلما ان له كتاب الكليات في الطب, ومن ثم
قيل انه كان يفزع اليه فى الطب كما يفزع اليه في الفقه, وفي مجال بحثنا
يصنف ابن رشد في الفريق الذي يرى ان العلم في الاسلام هو العلم كل العلم,
فقد كتب في الفلسفة والطب مثلما كتب في الفقه والعقيدة وحاول بنجاح ربط الشريعة بعلم
الحكمة (الذي يعرف في الغرب بالفلسفة) فكتب كتابه الصغير النفيس (فصل المقال فيما بين الحكمة
والشريعة من اتصال) يقول فيه:ولما كان الشرع قد ندب الى اعتبار الموجودات والنظر فيها فقد
بات ذلك امرا مطلوبا, ان ابن رشد والحال كذلك يؤكد على ان الشرع دعا الى
النظر في الموجودات والتعرف عليها بالعقل واستشهد في هذا المقام بعدد من ايات الكتاب العزيز
مثل قوله تعالى”فاعتبروا يا اولى الالباب وقوله تعالى او لم ينظروا في ملكوت السماوات والارض
وما خلق الله من شئ ويرى ان الاية الاولى تحض على وجوب استعمال القياس العقلي,
وان الاية الثانية تحث على النظر في جميع الموجودات وينتهى الى قاعدة مفادها ان هذا
النحو من النظر الذي دعا اليه الشرع وحث عليه هو اتم انواع النظر باتم انواع
القياس وهو المسمى برهانا (18).
وبذلك يربط ابن رشد دراسة الحكمة (غير الملحدة طبعا) بالشريعة لمزيد من فهمها.
يضاف الى الاعمال العلمية الاسلامية التي قام بانجازها ابن رشد كتابه (كشف مناهج الادلة) الذي
يعد واحدا من افضل ما كتب عن العقيدة الاسلامية, وفيه تحدث عن قدم العالم, ووجود
الله بالادلة الناصعة عقليا وقرانيا, وعن الوحدانية وحتمية ان يكون الخالق واحدا كما تناول موضوع
المعاد والبعث والحساب والجنة والنار وان البعث سيكون بالاجساد, والحق ان هذا الكتاب جدير بان
يقراه كل مسلم وبخاصة اهل العلم من المسلمين.
ان كتاب الله وهو القران الكريم يقوم بدور الهادي الى الايمان والعلم في نطاق علم
خلق الانسان وعلم الكون والفلك.
ففي موضوع خلق الانسان يقول الحق سبحانه وتعالى ” يا ايها الناس ان كنتم في
ريب من البعث فانا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من
مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم ونقر في الارحام ما نشاء الى اجل مسمى ثم
نخرجكم طفلا ثم لتبلغوا اشدكم, ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد الى ارذل العمر لكي
لا يعلم من بعد علم شيئا, وترى الارض هامدة فاذا انزلنا عليها الماء اهتزت وربت
وانبتت من كل زوج بهيج الحج الاية الخامسة.
ويقول عز وجل ولقد خلقنا الانسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار
مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة, فخلقنا المضغة عظاما, فكسونا العظام لحما ثم
انشاناه خلقا اخر فتبارك الله احسن الخالقين المؤمنون الايات 12 14.
هكذا يقوم الكتاب العزيز بهداية المشتغلين بخلق الانسان من الاطباء الى تطور الجنين في بطن
امه من المرحلة الاولى من لقاء الابوين حتى يصير طفلا مكتملا اسباب النماء والحياة, ولقد
افاد كثير من الاطباء من هذا العلم القراني وكتبوا في ذلك بحوثا نفيسة (19).
ويفتح القران الكريم باب خلق الكون ويحسم مواطن الظن والحيرة التي وقع فيها علماء الكون
متحديا الماديين والمنكرين بقوله تعالى: “او لم ير الذين كفروا ان السماوات والارض كانتا رتقا
ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي “سورة الانبياء الاية 30.
وهكذا اعطاهم القران البداية الاولى لخلق الكون ثم كانت بعد ذلك المجرات والشموس والكواكب التي
تمرح في كون لا يعلم حدوده الا الله.
ثم كانت بعد ذلك سورة الرحمن التي تعد دروسا تعليمية في اطار من التحدي للمنكرين,
واستهلال السورة ينحصر في معجزة القران وخلق الانسان والعلم: “الرحمن, علم القران, خلق الانسان, علمه
البيان “ثم يقرر الخالق الاعظم ان الكواكب والشمس محسوبة بحساب الحركة الدقيقة وان النجوم والاشجار
تسجد لذاته العلية في قوله تعالى:” الشمس والقمر بحسبان والنجم والشجر يسجدان, والسماء رفعها ووضع
الميزان, الا تطغوا في الميزان, واقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان, والارض وضعها للانام, فيها
فاكهة والنخل ذات الاكمام, والحب ذو العصف والريحان “ثم يكون التحدي في قوله تعالى: ”
فباي الاء ربكما تكذبان “.
ان سورة الرحمن درس كبير قدمه خالق الكون الى الانس والجن في ثوب يتلفع به
المؤمن, ولا يستطيع ان يبعد عنه المنكر.
اما قوله تعالى:” مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان فانه يغرس الايمان غرسا عميقا
في قلب كل من راى هذه الصورة, ولقد راها كاتب هذه السطور في لقاء المحيطين
الاطلنطي والهندي غير بعيد عن مدينة الكاب بجنوب افريقية كما راها عند مصب نهر النيل
في البحر الابيض المتوسط قبل ان يبنى السد الذي قيد حركة النهر في الانطلاق وتزويد
تربة مصر بخصوبة متجددة ان البحث في كون كلام الله معلما لاصحاب النهي امره يطول
ويستحق التفرغ له في كتاب او اكثر.
غير انه لا يجمل بنا قبل ان ننتهي من هذا الفصل ان نقرر ان القران
الكريم يصوب الاخطاء التى يقع فيها ذوو الشهرة من العلماء فى مختلف العلوم, وهنا نضرب
مثلا لذلك فى نطاق التاريخ, فقد جاء فى كتاب “فى الشعر الجاهلي” للاستاذ الدكتور طه
حسين ان ورود ذكر رحلة سيدنا ابراهيم وولده اسماعيل فى التوراة والقران الى مكة لا
ينهض دليلا على ان هذه الرحلة قد حدثت, وقد تسبب هذا الحدث فى فتنة كبيرة
فى الاوساط الاسلامية والادبية فى عقد العشرينات من القرن الماضى.
ولكن القران الكريم الذي لا ياتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه قد صوب
هذا الخطا فى قول الله عز وجل: واذ يرفع ابراهيم القواعد من البيت واسماعيل ربنا
تقبل منا انك انت السميع العليم .
يضع للتشكيك فى هذه الحقيقة تصويبا قاطعا لان القران الكريم هو كلام الله اولا وهو
كتاب هداية وتوحيد ثانيا, هو كتاب علم وتعليم ثالثا وانه يوثق الحقائق ويصوب الاخطاء للخلق
جميعا سواء اكانوا من العلماء او الجهلاء على حد سواء.
واما مكانة العلماء في الاسلام فهي من التكريم والاجلال بمكان, كرمهم الخالق في كتابه العزيز,
وكرمهم رسوله في احاديثه الشريفة, ففي القران الكريم يقول الله عز وجل: قل هل يستوي
الذين يعلمون والذين لا يعلمون الزمر الاية 9 انما يخشى الله من عباده العلماء فاطر
28, وتلك الامثال نضربها للناس وما يعقلها الى العالمون العنكبوت 43, شهد الله انه لا
اله الا هو والملائكة واولوا العلم قائما بالقسط لا اله الا هو العزيز الحكيم ال
عمران 18, وقل رب زدني علما الكهف 114,” يرفع الله الذين امنوا منكم والذين اوتوا
العلم درجات المجادلة “11.
واما تكريم الرسول e لهم وذكر مكانتهم فيتمثل في قوله : “العلماء ورثة الانبياء” سنن
ابو داود ج 3 كتاب العلم.
“علماء امتي كانبياء بني اسرائيل”
“ان الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد, ولكن يقبض العلم بقبض العلماء” صحيح
البخاري كتاب العلم, باب كيف يقبض العلم صحيح مسلم كتاب العلم, باب رفع العلم 673,