خطة البحث:
المبحث الاول : مدخل الى الحضارة الاسلامية.
المطلب 01 : تعريف الحضارة الاسلامية.
المطلب 02 : لمحة تاريخية للحضارة الاسلامية .
المطلب 03 : جغرافيات الحضارة الاسلامية .
المطلب : 04 عوامل قيام الحضارة الاسلامية.
المبحث الثاني :جوانب العامة الحضارة الاسلامية.
المطلب 01 : جوانب السياسية من الحضارة الاسلامية.
المطلب 02 : جوانب الاقتصادية من الحضارة الاسلامية.
المطلب 03 : جوانب الاجتماعية من الحضارة الاسلامية.
المطلب 04 : جوانب الدينية من الحضارة الاسلامية.
المبحث الثالث :عوامل انحطاط الحضارة الاسلامية.
المطلب01 : عوامل سياسية للحضارة الاسلامية.
المطلب 02 : عوامل الاقتصادية للحضارة الاسلامية.
المطلب 03 : عوامل الاجتماعية للحضارة الاسلامية.
المطلب 04 : عوامل العلمية للحضارة الاسلامية.
الخاتمة.
مقدمة :
ان الانسان المعاصر الذي ينتظم في منظومة هذه الحضارة الزاهية، وينعم بترفها قد انعم الله
تعالى عليه بنعم لا تحصى، ذلل له الارض حتى مهدها وعبدها، والجبال فالانها وهدها، واقام
عليها بروجا عظيمة، وشيد عمرانا كثيرا، الان الله له الحديد فابتنى به مصانع كثيرة، واستخدمه
في منافع عديدة، حتى اتخذ المراكب التي تنقله في البر والبحر والجو، فصار في مقدوره
ان يقطع الارض من شمالها الى جنوبها، ومن شرقها الى غربها في ساعات معدودة. حفر
الانسان الارض فاستخرج كنوزها، وشغل الحديد بطاقتها، فدارت الالات في المزارع والمصانع تنتج للناس ما
ياكلون وما يشربون وما يلبسون، وما به يتنعمون ويترفون. حضارة عتيدة، وعمران ضخم، وتقدم سريع
، ولكن هل اعتبر الانسان بمن مضوا في القرون السالفة، والحضارات البائدة؟ فسخر ما انعم
الله به عليه فيما يرضيه{كلا ان الانسان ليطغى * ان راه استغنى}[(6-7) سورة العلق] طغى
على ربه فجحد نعمته، واعلن الحاده وكفره حينما ظن انه مركز الكون، والمتصرف فيه كيف
يشاء، وان عصر تدفق المعلومات سيلغي ما يسمونه بالايديولوجيات بما فيها دين الاسلام والعياذ بالله!
كيف ستكون حضارة بني الانسان اذا كان من يسيرها قد اعرض عن ذكر الله وركب
هواه؟! انها الى دمار ماحق، وهلاك عاجل او اجل! انه لن ينجي البشرية من شقائها،
ولن يحافظ على حضارتها وعمرانها الا التزام دين الله تعالى الذي ارتضاه لعباده والاستمساك به
ولا شيء غير ذلك.
المبحث الاول مدخل الى الحضارة الاسلامية :
المطلب الاول تعريف الحضارة الاسلامية :
واما الحضارة في تقدير الاسلام فغايتها الاولى تحقيق الطمانينة والسلام والامن واقامة المجتمع الفاضل واسعاد
البشرية بما هو خير ومحاربة كل عوامل الشر.
وبما ان الانسان هو خليفة الله في ارضه فلا يصح ان يتخذ المرء في حياته
غاية سوى ابتغاء مرضاة الله مصدر الامن وهي الغاية السامية التي تتخطى مجرد طلب الملذات
الحسية او الغايات المادية الدنيئة وتحقق الانسجام والتوافق بين الفطرة الانسانية والغاية العقلية كما انها
تهيئ التجاوب والانسجام الشامل في افكار الانسان وخيالاته واراداته ونياته وعقائده واعماله وحركاته… وهذا يعني
ان غاية حضارتنا اعداد الانسان للسعادة الاخروية المتوقفة على العمل الصالح في الحياة الحاضرة في
نطاق الدين والدنيا معا. اذ ليس الاسلام دينا روحانيا بحتا يعزل اتباعه عن الحياة ولا
ماديا صرفا يوقع الناس في اوحال الدنيا، وانما هو يعتبر وسيلة ومزرعة للاخرة، ولا تعني
الوسيلة انه دين تقشف فلا يكون دين حضارة، فالتقشف والزهد في الاسلام هدف اخلاقي رفيع
يتفاعل مع الحياة ويصرف المرء عن التكالب على متطلبات العيش ويوحي بضرورة التزام مبدا القناعة
الشريف الذي لا يؤدي الى مصادمة الاخرين وايقاد نار المنازعات والشرور.
اذن، فالاسلام في حقيقته مصدر الحضارة الانسانية التي شع نورها بامتداد الدعوة الاسلامية بعد الاستقرار
في المدينة وبناء الدولة فيها عقب اكتمال بناء الفرد في مكة، وذلك لان الاسلام هو
دستور التقدم الانساني بالقران العظيم والسنة النبوية الشريفة. فكل ما يعد تقدما وعمرانا هو من
الاسلام وكل تخلف مضاد للتقدم ليس من الاسلام في شيء. لذا يخطئ الكاتبون سهوا الذين
يريدون التوفيق بين الاسلام والحضارة كانهما امران متغايران او ضدان، اذ لا خلاف مطلقا بين
الاسلام والحضارة، فالحضارة نتيجة من نتائج النظام الاسلامي والفلسفة الاسلامية التجريبية العملية.
المطلب الثاني لمحة تاريخية :
اهتمت الدولة الاسلامية التي انشاها النبي [[محمد بن عبد الله]] واستمرت تحت مسمى الخلافة في
الفترات الاموية والعباسية بالعلوم والمدنية كما اهتمت بالنواحي الدينية فكانت الحضارة الاسلامية حضارة تمزج بين
العقل والروح فامتازت عن كثير من الحضارات السابقة. فالاسلام كدين عالمي يحض على طلب العلم
ويعتبره فريضة على كل مسلم ومسلمة، لتنهض اممه وشعوبه. فاي علم مقبول باستثناء العلم الذي
يخالف قواعد الاسلام ونواهيه. والاسلام يكرم العلماء ويجعلهم ورثة الانبياء. وتتميز الحضارة الاسلامية بالتوحيد والتنوع
العرقي في الفنون والعلوم والعمارة طالما لاتخرج عن نطاق القواعد الاسلامية. لان الحرية الفكرية كانت
مقبولة تحت ظلال الاسلام. وكانت الفلسفة يخضعها الفلاسفة المسلمون للقواعد الاصولية مما اظهر علم الكلام
الذي يعتبر علما في الالهيات. فترجمت اعمالها في اوروبا وكان له تاثيره في ظهور الفلسفة
الحديثة وتحرير العلم من الكهنوت الكنسي فيما بعد. مما حقق لاوربا ظهور عصر النهضة بها.
لهذا لما دخل الاسلام هذه الشعوب لم يضعها في بيات حضاري ولكنه اخذ بها ووضعها
على المضمار الحضاري لتركض فيه بلا جامح بها او كابح لها. وكانت مشاعل هذه الحضارة
الفتية تبدد ظلمات الجهل وتنير للبشرية طريقها من خلال التمدن الاسلامي. فبينما كانت الحضارة الاسلامية
تموج بديار الاسلام من الاندلس غربا لتخوم الصين شرقا في عهد الدولة الاموية كانت اوروبا
وبقية انحاء المعمورة تعيش في جهل وظلام حضاري.
وامتدت هذه الحضارة القائمة بعدما اصبح لها مصارفها وروافدها لتشع على بلاد الغرب وطرقت ابوابه.
فنهل منها معارفه وبهر بها لاصالتها المعرفية والعلمية. مما جعله يشعر بالدونية الحضارية. فثار على
الكهنوت الديني ووصاية الكنيسة وهيمنتها على الفكر الاسلامي حتى لا يشيع. لكن رغم هذا التعتيم
زهت الحضارة الاسلامية وشاعت. وانبهر فلاسفة وعلماء اوروبا من هذا الغيث الحضاري الذي فاض عليهم.
فثاروا على الكنيسة وتمردوا عليها وقبضوا على العلوم الاسلامية كمن يقبض على الجمر خشية هيمنة
الكنيسة التي عقدت لهم محاكم التفتيش والاحراق. ولكن الفكر الاسلامي تمكن منهم واصبحت الكتب الاسلامية
التراثية والتي خلفها عباقرة الحضارة الاسلامية فكرا شائعا ومبهرا.
فتغيرت افكار الغرب وغيرت الكنيسة من فكرها ومبادئها المسيحية لتساير التاثير الاسلامي على الفكر الاوربي
وللتصدي للعلمانيين الذين تخلوا عن الفكر الكنسي وعارضوه وانتقدوه علانية. وظهرت المدارس الفلسفية الحديثة في
عصر النهضة او التنوير في اوروبا كصدى لافكار الفلاسفة العرب. وظهرت مدن تاريخية في ظلال
الحكم الاسلامي كالكوفة وحلب والبصرة وبغداد ودمشق والقاهرة والرقة والفسطاط والعسكر والقطائع والقيروان وفاس ومراكش
والمهدية والجزائر وغيرها. كما خلفت الحضارة الاسلامية مدنا متحفية تعبر عن العمارة الاسلامية كاستانبول بمساجدها
ودمشق والقاهرة بعمائرها الاسلامية وحلب وبخارى وسمرقند ودلهي وحيدر اباد وقندهار وبلخ وترمذ وغزنة وبوزجان
وطليطلة وقرطبة واشبيلية ومرسية وسراييفو واصفهان وتبريز ونيقيا وغيرها من المدن الاسلامية
المطلب الثالث جغرافيات الحضارة الاسلامية :
ان مصطلح العالم الاسلامي يغطي المساحة من مضيق جبل طارق حتى مضيق Malaka ومن نهر
التونا الى بحر العرب, ان هذه العالم الاسلامي الذي يحتوى على ما يقارب مليار ونصف
من البشر يمتد من الشرق الى الغرب على طول 15 الف كيلو متر ومن الجنوب
الى الشمال الى 9 الاف كيلو متر من جبال الاورال الى موريتانيا ويغطى مساحات واسعة
جدا.
ولو نظرنا الى العالم الاسلامي الممتد الواسع بهذا الشكل سنظهر من البداية ان من وضع
الخرائط الخاصة بمواجهة الحضارات مثل صموايل هونتنجتون قد اخرج الهندوس والبوذيين من هذه المنظومة وترك
المسلمون والمسيحيون ليتحاربوا, وسنرى ايضا من هذه النظرة الواسعة لهذه الخريطة الواسعة الاطراف ان العالم
الاسلامي غني بالثقافات لانه بني على حضارات النهر الاصفر والهند وبلاد مابين النهرين ومصر وروما
وغيرها من الحضارات. وسنجد ايضا هذا العالم الاسلامي غني بالموارد الطبيعية البحرية حيث انه يحتوي
علي العديد من البحار والانهار والبحيرات مثل النيل والبحر الابيض المتوسط وبحر الخزر ونهري دجلة
والفرات والبصرة وبحار وبحيرات المغرب العربي وبالاضافة الى تلك الموارد المائية فالموارد الجوفية فتحتوي هذه
البقعة من العالم على اعلى كميات الموارد الجوفية من المعادن والبترول والذهب والماس.
فباختصار ان هذا العالم ا اسلامي المترامي الاطراف من سواحل افريقيا الاطلنطية الى جنوب المحيط
الهادي ومن متجمدات سيبيريا الى الجزر البعيدة في شرق اسيا يحتوي على العديد والعديد من
الثقافات والحضارات مثل الصينية والمغولية والماليزية والبشتونية والطاجيكية والتركية والشيشانية والفارسية والكردية والعربية والرومية والبربرية
والسواحيلية وغرها من الحضارات والثقافات الافريقي
مطلب الرابع عوامل قيام الحضارة الاسلامية :
هذه باختزال شديد هي الوضعية التي كانت تميز يثرب عشية الهجرة اليها· فما هي الاجراءات
التي اتخذها الرسول [ لتامين نواة الدولة الاسلامية الاولى الممثلة في المدينة المنورة؟ او بتعبير
اخر· ما هي عناصر المدينة الاسلامية كما وضعها الرسول [·
يمكن تصنيف هذه العناصر الى نوعين، عناصر مادية وعناصر تنظيمية
واخيرا فان النشاط التجاري كان له حضوره ايضا بحكم موقع يثرب كنقطة على طريق الشام
فضلا على ان فائض الانتاج الزراعي والصناعي يقتضي تطوير اساليب التجارة لصرفه نحو الخارج
2- نستثني هنا طبعا الاعتبارات المباشرة والمعروفة والمتمثلة بالخصوص في ترحيب اهل المدينة بالرسول [
واصحابه بعد بيعتهم له (بيعة العقبة الاولى والثانية
المبحث الثاني جوانب العامة للحضارة الاسلامية :
المطلب الاول جوانب السياسية من الحضارة الاسلامية :
جاء الاسلام رحمة للعالمين، وجاءت تعاليم الاسلام لتضمن سلامة المجتمع البشري من التفكك والضعف والانحلال،
ولتضمن سعادته في الدنيا والاخرة، ولقد تمسك بها الصحابة -رضي الله عنهم- فخضعت لهم الدنيا،
واسسوا للاسلام دولة واسعة الحضارة، قوية البناء، محبة للعلوم، والتاريخ خير شاهد على ذلك. لقد
وضع الاسلام نظاما لم يكن معروفا في اي مجتمع من المجتمعات، ولم يكن هذا النظام
تطورا طبيعيا او غير طبيعي لاي نظام سابق عليه.
ان نظام الحكم الاسلامي له اسسه وقوانينه الواضحة المستمدة من القران الكريم، الذي لا ياتيه
الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ولاهمية الحكم في الاسلام فقد اهتم الاسلام ببيان
ما على الحاكم والمحكوم، فحذر الحاكم من اتباع الهوى وشهوات النفس، قال تعالى
{فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله}
[ص: 26
وقال تعالى:
{وان احكم بينهم بما انزل الله ولا تتبع اهواءهم واحذرهم ان يفتنوك عن بعض ما
انزل الله اليك} [المائدة: 49].
وحذر الله -سبحانه- المحكوم من العصيان دون سبب مقبول شرعا، قال تعالى:
{يا ايها الذين امنوا اطيعوا الله واطيعوا الرسول واولي الامر منكم فان تنازعتم في شيء
فردوه الى الله والرسول} [النساء: 59
وحرص الاسلام على ان يسود العدل بين جميع الناس، وحذر من الظلم وعواقبه، حتى مع
غير المسلمين، قال تعالى:
{ان الله يامركم ان تؤدوا الامانات الى اهلها واذا حكمتم بين الناس ان تحكموا بالعدل
ان الله نعما يعظكم به ان الله كان سميعا بصيرا}النساء: 58
وقال رسول الله (: (اتقوا الظلم، فان الظلم ظلمات يوم القيامة) مسلم
خصائص النظام السياسي في الاسلام:
1- نظام عالمي:
النظام السياسي الاسلامي نظام عالمي، استمد عالميته من عالمية الاسلام ذاته، ومن صلاحيته للتطبيق في
كل زمان ومكان، فجعل للعلماء القادرين على الاستنتاج واستخراج الاحكام الحق في الاجتهاد في تفصيل
الاحكام وتوضيحها بالشكل الذي يحقق اهداف الاسلام، ويدور في اطار احكام الاسلام العامة، وقد جاءت
احكام الاسلام في اسلوبين:
الاول: احكام تفصيلية محددة، تبين حكمها نصوص من القران واضحة الدلالة، لا خلاف في معناها،
واحاديث صحيحة من السنة وطرق ادائها، وهذه التعاليم لامجال للاجتهاد فيها بالزيادة او النقصان مثل
بعض احكام الصلاة والزكاة والحج والمواريث وغيرها.
والثانى: احكام جاءت من خلال الايات التي يختلف في تفسيرها، والاحاديث التي لم تثبت صحتها،
او ثبتت صحتها ولم يتفق العلماء فيها على معنى واحد، او عبارة عن قواعد عامة
في مجال المعاملات، وهذه من حق العلماء القادرين على الاجتهاد ان يبدوا الراي فيها، بما
يحقق مصالح المجتمع الاسلامي في زمن معين او وضع معين، مع المحافظة على روح الشريعة،
وتحقيق مقاصدها التي جاءت لمصلحة الناس.
2- المشاركة بين الفرد والمجتمع:
العلاقة بين الفرد والمجتمع في النظام الاسلامي علاقة مشاركة، فالاسلام لا يعترف بالفلسفات والمذاهب التي
تجعل الفرد والمجتمع في صراع، وبعض هذه المذاهب يفضل جانب الفرد على المجتمع مثل الراسمالية،
وبعضها الاخر يفضل جانب المجتمع على جانب الفرد كما صنعت الشيوعية، اما الاسلام فهو يوازن
بين الفرد والمجتمع، فهو يعترف بالمسئولية الفردية، اي مسئولية كل فرد عن افعاله، قال تعالى:
{الا تزر وازرة وزر اخري. وان ليس للانسان الا ما سعى} [النجم: 38-39]،
ويشجعه على ان يتفاعل مع المجتمع، ويؤدي ما عليه تجاهه، من خير يحمله اليه، وشر
يدفعه عنه، فالفرد عليه تبعات تجاه نفسه، وتجاه مجتمعه، ملزم بادائها.وينظم الاسلام ذلك من خلال
مبدا المسئولية الاجتماعية، وفرض الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد تعرض الرسول ( لتوضيح هذه
المسئولية الجماعية من خلال المثل الذي ضربه في حديثه: (مثل القائم على حدود الله والواقع
فيها كمثل قوم استهموا على سفينة، فاصاب بعضهم اعلاها وبعضهم اسفلها، فكان الذين في اسفلها
اذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو انا خرقنا في نصيبنا خرقا
ولم نؤذ من فوقنا، فان يتركوهم وما ارادوا، هلكوا جميعا، وان اخذوا على ايديهم نجوا،
ونجوا جميعا) [البخاري].
وعلاقة الفرد بالحكومة، علاقة تعاون، فقد اعطى الاسلام الفرد حقوقه الاساسية، والزم الحكومة باتباع القانون
الرباني، وحمى الفرد من تدخل الحكومة في شئونه دون مبرر، قال تعالى:
{يا داود انا جعلناك خليفة في الارض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك
عن سبيل الله} [ص: 26].
وربط الاسلام الفرد المسلم بضوابط اخلاقية، وفرض عليه طاعة الحكومة المسلمة التي تطبق شرع الله،
وطلب منه التعاون معها والتضحية بالنفس والمال في سبيل حمايتها، قال (: (اسمعوا واطيعوا وان
تامر عليكم عبد حبشي) [البخاري].
3- الحكومة الاسلامية نابعة من المجتمع الاسلامي:
فالاسلام لا يعترف بهيئة من خارج المجتمع الاسلامي تحكم الامة عن طريق الاستيلاء على السلطة
بالقوة وحكم الشعوب بالتسلط والقهر، قال تعالى:
{يا ايها الذين امنوا اطيعوا الله واطيعوا الرسول واولي الامر منكم} [النساء: 59].
فقوله تعالى: (منكم) يحدد نوعية الحاكم والحكومة، وهي انها حكومة اسلامية منا، وليست من غير
المسلمين، قال تعالى: {ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا} [النساء: 141]. – التاثير المتبادل
بين التعاليم والمبادئ:
نظم الحضارة الاسلامية، الخلقي منها والاقتصادي والسياسي، كل منها يؤثر في الاخر ويتاثر به، فمثلا
بدون التعاليم والمبادئ الخلقية لا يؤدى النظام الاقتصادي دوره المنشود، ويصعب الوصول الى ما يدعو
اليه من تعاون وتكافل بين الناس، كما يسهل تسرب الفساد الى الاجهزة السياسية وغيرها.
5-تميز نظام الحكم الاسلامي عن النظم الغربية:
فالنظم الغربية، تقوم على اساس الخضوع لحكم الاغلبية المطلقة -صالحة كانت ام فاسدة- فهي التي
تشرع وتضع القوانين، وهي التي تحكم، اما في النظام الاسلامي، فالحاكم الحقيقي هو الله سبحانه،
قال تعالى: {ان الحكم الا لله}[يوسف: 40].
وسلطة الشعب المسلم والحكومة الاسلامية محدودة بالعمل تبعا لاوامر الله، عن رضا واطمئنان وثقة وحب
ورغبة.
المطلب الثاني جوانب الاقتصادية من الحضارة الاسلامية :
المال من اهم مقومات الحياة، جعله الله اداة لتيسير حياة الانسان ومعيشته واستقراره، وجعله الله
زينة من زينة الحياة الدنيا، فالانسان مفتون به، مشغول بجمعه، قال تعالى: {زين للناس حب
الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والانعام والحرث ذلك متاع
الحياة الدنيا والله عنده حسن الماب} [ال عمران: 14].
وهذا الشغف بجمع المال قد يدفع الانسان الى عدم تحري الحلال في جمع المال، وبالتالي
يصبح هذا الانسان عبدا للمال، ذليلا له، كما ان ضعفه او عجزه عن مقاومة شهواته
وغرائزه قد يدفعه الى انفاق المال بصورة قد تضر به وبمجتمعه، فوضع الاسلام ضوابط للكسب
والانفاق، وبين ان الناس مسئولون عن اموالهم وطرق انفاقها، وحذرهم من انشغالهم بها عن اخرتهم
او افتتانهم بها، فجاء هذا بارزا في قوله (: (لا تزول قدما عبد يوم القيامة
حتى يسال: عن عمره فيم افناه، وعن علمه فيم فعل، وعن ماله من اين اكتسبه،
وفيم انفقه، وعن جسمه فيم ابلاه) [الترمذي].
وقال تعالى: {يا ايها الذين امنوا لا تلهكم اموالكم ولا اولادكم عن ذكر الله ومن
يفعل ذلك فاولئك هم الخاسرون} [المنافقون: 9]، وقال تعالى: {انما اموالكم واولادكم فتنة والله عنده
اجر عظيم} [التغابن: 15].
وهناك امور ينبغي على المسلم ان يعرفها عن المال، وهي:
1- ان هذا المال شانه كشان غيره مما في هذا الكون ملك لله.
2- هذا الكون بما فيه من مال وغيره مسخر للانسان تكريما له.
3- المال مال الله، والانسان مستخلف فيه، فان احسن التصرف فيه؛ فله خير الجزاء، وان
اساء التصرف فيه؛ فحسابه على الله.
4- المال هو وسيلة لحياة كريمة عزيزة، لا غاية يسعى الانسان لتحقيقها، ويضيع عمره من
اجلها، فالمسلم الحق لا يدع حب المال يستبد به، بل يجمع المال من حلال، وينفقه
فيما يحب الله.
5- المال الذي اكتسبه صاحبه من طريق حلال ملك له ملكية خالصة، يجب ان يحافظ
عليه، ولا يجوز لاحد التعدي عليه.
وبناء على هذه المبادئ والاسس السابقة يكون للانسان الحق في التصرف في ماله كسبا وانفاقا
وادارة، وهي حقوق مترتبة على ملكية الانسان للمال الذي جاء من طريق شرعي.
الطرق المشروعة في كسب المال
على المسلم ان يتحرى الحق والصواب في طلب المال، ومن هذه الطرق المشروعة:
– العمل الشريف: مثل الزراعة والصناعة والتجارة والوظيفة والحرفة، وغيرها، فممارسة العمل الشريف حماية للانسان
من التعطل وتوجيه لطاقته من اجل البناء والتعمير والتنمية، واستخراج خيرات الارض، استجابة لاوامر الله.
وقد عمل ( والصحابة من بعده، فهذا ابوبكر الصديق -رضي الله عنه- يعمل بيده لينفق
على نفسه، حتى طلب منه المسلمون التفرغ للخلافة وامور المسلمين. وكان عمر -رضي الله عنه-
يقول: اني لارى الرجل ليعجبني قوله؛ فاقول: اله حرفة؟ فان قالوا: لا، سقط من عيني.
– الميراث: وذلك بان تنتقل ملكية المال الى ورثة المتوفى، طبقا للقواعد الشرعية المقررة لهذا
الميراث.
– الهبة: وهي ان يتنازل الانسان عن بعض ماله الى غيره دون مقابل، فتنتقل ملكية
هذا المال الى هذا الغير.
– الوقف: ويكون بحبس المال الحلال على بعض اوجه الانفاق الشرعية، ولا يتصرف في اصله،
والوقف قد يكون على الاهل والاقارب ومن بعدهم الفقراء، وقد يكون الوقف على ابواب الخير،
مثل: بناء مسجد او مدرسة او مستشفى او ما سوى ذلك من المشاريع الخيرية.
– الوصية: وهي ان يهب الانسان انسانا اخر جزءا من ماله لا يتجاوز الثلث، ياخذه
بعد موت الموصي.
– غنائم الحرب: وهي المال الذي يؤخذ من اعداء الاسلام نتيجة الحروب، وقد احل الله
الغنائم للمسلمين.
– الفىء: وهو المال الذي يؤخذ من اعداء الله نتيجة استسلامهم، ولا يبذل المسلمون في
ذلك مشقة، ولا يتكلفون فيه قتالا.
الطرق المحرمة في اكتساب المال
حرم الاسلام بعض الطرق التي يكتسب بها المال، وهي:
الربا: حرم الله الربا بكل صوره، قال تعالى: {واحل الله البيع وحرم الربا}
[البقرة: 275]، وقال (: (لعن الله اكل الربا ومؤكله وشاهديه وكاتبه) [مسلم واصحاب السنن].
الاحتكار: وهو حرام لقوله (: (من احتكر فهو خاطئ (اثم)) [مسلم وابو داود وابن ماجه].
العدوان: فلا يجوز للمسلم ان يعتدي على مال الاخرين لياخذه، قال الله تعالى: {ولا تعتدوا
ان الله لا يحب المعتدين} [البقرة: 190].
الرشوة: فالمسلم الذي يحصل على ماله من طريق الرشوة اثم عند الله تعالى، قال الرسول
(: (لعن الله الراشي والمرتشي) [ابو داود والترمذي].
الغش: فاكتساب المال من طريق الغش حرام لا يجوز، قال (: (من غش فليس منا)
[مسلم وابوداود].
وعلى المسلم ان يبتعد عن الشبهات، لقول رسول الله (: (فمن اتقى الشبهات فقد استبرا
لدينه وعرضه) [متفق عليه].
استثمار المال
المال له اهمية عظيمة في انعاش اقتصاد الدولة، وفي رفع مستوى معيشة الافراد، والتخفيف من
المعاناة التي يحس بها الانسان، وقد كان اصحاب النبى ( يعملون ف
المطلب الثالث الجوانب الاجتماعية والثقافية :
. كانت البشرية قبل مجيء الرسول ( تعيش في ظلمات كثيرة، وتتخبط في الجهل، وكثرت
الوثنية، ووصل عدد الالهة التي تعبد من دون الله الى عدد لم تعهده البشرية من
قبل، وانتشرت المفاسد والشرور والمساوئ الاخلاقية، وشمل الفساد كل بقاع الارض، ثم شاء الله ان
يرسل نورا يزيل به ما على الارض من ظلمة، فاشرقت شمس الاسلام، وتغيرت الموازين، ودبت
الحياة في العالم.
واقام الاسلام مجتمعا متكاملا، فبنى الفرد المسلم الصالح، فكان اساسا لبناء المجتمع المسلم الصالح المترابط
الذي يسير على منهج الله سبحانه، وكان لابد من تكوين مجتمع مسلم؛ ليحمل عبء هذه
الدعوة مع الرسول (، والدفاع عنها بعد موته، ونشرها في كل ارجاء الدنيا.
وقد انشغل الرسول ( في بداية الدعوة في مكة بتربية الفرد المسلم؛ كاساس لبناء المجتمع
المسلم، وقد تمثلت جوانب هذه التربية في عدة امور، هي:
اولا: تصحيح العقيدة:
اخرج الاسلام الناس من عبادة الاوثان الى عبادة الله الواحد القهار، والى الايمان بالله وملائكته
وكتبه ورسله، واليوم الاخر، والقدر خيره وشره، واخرجهم من عبادة المادة الى عبادة الله، واراد
تحريرهم من التخلف العقلي والعقائدي، وترقيق مشاعرهم واحاسيسهم، والسمو بها الى اعلى منزلة، فوصل هذا
الايمان الى اعماق قلوبهم، وحول هذا الانسان من الدفاع عن قبيلته وعشيرته الى التفاني في
سبيل الدفاع عن دينه وعقيدته، والعمل على نصر هذا الدين، والحرص على نشره، وتبليغه للناس
ابتغاء مرضاة الله.
فهذا الصحابي الجليل ربعي بن عامر يدخل على رستم -قائد الفرس- فلا يهتم بالزخرفة والزينة
التي تحيط به، فيقول له رستم: ما جاء بكم ؟! فيرد عليه ربعي قائلا: ان
الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد الى عبادة الله، ومن ضيق الدنيا الى
سعة الدنيا والاخرة، ومن جور الاديان الى عدل الاسلام.
ثانيا: السمو الخلقي، والتخلق باخلاق القران:
كان كثير من العرب يفعلون الفواحش والمعاصي، وعندما جاء الاسلام البسهم ثوب العفة والطهر، فغضوا
ابصارهم، واستقبحوا الفواحش والمعاصي، وذلك بفضل الضمير الحي الذي يراقب الله ويخشاه، والذي رباه القران
في المسلم، فاذا غلبه الشيطان والهوى ووقع في معصية، عاتبه ضميره، وسرعان ما يتوب، ويطلب
ان يقام عليه الحد ان كانت المعصية مما يوجب اقامة الحد.
وكان العربي يحمل السيف ويعتدي على غيره بسبب وبغير سبب، وكانت الحروب تستمر بين العرب
وبعضهم لفترات طويلة، فجاء الاسلام فحرم البغي والعدوان، ونشر الامن والسلام، فصار الناس رحماء بعد
ان كانوا معتدين.
ثالثا: التحاكم الى الله ورسوله:
كان العرب يتحاكمون فيما بينهم الى شرائع توارثوها عن ابائهم، واحتكموا اليها باهوائهم، فجاء الاسلام
فانهى تلك الفوضى، ورد الحكم الى الله سبحانه، قال تعالى: (فلا وربك لا يؤمنون حتى
يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في انفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما) [النساء:
65].
رابعا: المسئولية الشخصية والولاء للدين:
اكد الاسلام على المسئولية الشخصية، واعتبرها اساس المسئولية في الاسلام، وقد كان العربي -قبل الاسلام-
يناصر قبيلته سواء كانت ظالمة او مظلومة، فلا يهمه هل هي على حق ام على
باطل، فجاء الاسلام فعلم المسلم ان اساس الحساب امام الله هو المسئولية الشخصية، وعلم الاسلام
الانسان ان يكون ولاؤه لدينه فقط، قال تعالى: (انما وليكم الله ورسوله والذين امنوا الذين
يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون . ومن يتول الله ورسوله والذين امنوا فان حزب
الله هم الغالبون) [المائدة: 55 56] .
خامسا: تكريم المراة:
اعتنى الاسلام بالمراة عناية كبيرة، ورفع مكانتها، واعلى منزلتها، قال
عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: والله لقد كنا في الجاهلية لا نعد النساء شيئا
حتى انزل الله فيهن ما انزل.
مظاهر عناية الاسلام بالمراة:
1- قضى الاسلام على صور الزواج التي كانت عندهم، ما عدا الصورة الصحيحة التي عليها
زواج الناس حتى الان، لما في ذلك من تكريم للمراة، وانها ليست متاعا لكل من
اراده.
2- حفظ الاسلام للمراة مكانتها، فقد كانت تورث كما يورث المتاع، فكان الابن الاكبر يرث
نساء ابيه، كما يرث انواع الميراث الاخرى، فجاء الاسلام فحرم ذلك.
3- لم يكن للمراة عندهم ميراث، فلا ترث البنت من ابيها ولا الزوجة من زوجها،
ولا الام من ابنها، ففرض الله للمراة ميراثا، قال الله تعالى: (للرجال نصيب مما ترك
الوالدان والاقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والاقربون مما قل منه او كثر نصيبا مفروضا)
[النساء: 7].
4- نهى الاسلام عن واد البنات، (اي قتلهن احياء)؛ خوفا من ان ياتين بالفقر او
بالعار.
5- منح الاسلام المراة حق التعليم، فقد كان النساء على عهد رسول الله ( يذهبن
اليه، ليسالنه في امور الدين، وكن يسالن امهات المؤمنين، وكان النبي ( يخطب العيد للرجال،
ثم يذهب الى النساء يخطب فيهن. وجعل الرسول ( طلب العلم واجبا في حق كل
مسل
المطلب الثالث جوانب العلمية :
انزل الله -عز وجل- اول اية من كتاب الله تعالى تحث المسلمين وتحضهم على العلم
والتعلم، قال تعالى: {اقرا باسم ربك الذي خلق. خلق الانسان من علق. اقرا وربك الاكرم.
الذي علم بالقلم. علم الانسان ما لم يعلم} [العلق: 1-5]. وقد رفع الله -عز وجل-
قدر العلماء حيث قال: {يرفع الله الذين امنوا منكم والذين اوتوا العلم درجات} [المجادلة: 17].
وقال الرسول ( مبينا اهمية العلم: (طلب العلم فريضة على كل مسلم) [مسلم وابن ماجه].
وعندما اسر المشركون في بدر، جعل الرسول ( فداء كل واحد منهم ان يعلم عشرة
من الصحابة، وقد نشط المسلمون في جميع العصور في طلب العلم والمعرفة حتى تركوا لنا
ميراثا حضاريا رائعا، يعبر عن تفوقهم في كل مجالات الحضارة. وهناك وسائل عني بها الاسلام
لاكتساب العلوم منها:
المساجد:
فهي اهم المنارات التي اضاءت للمسلمين طريق العلم والمعرفة، فكان اول شيء قام به الرسول
( بعد هجرته الى المدينة بناء المسجد، مما يدل على اهميته في حياة المسلمين، وليعلموا
ان المسجد هو اول خطوة في بناء الحضارة وتحقيق الازدهار والتقدم، فكان المسجد مكانا لاجتماع
المسلمين مع الرسول ( يسالونه ويجيبهم، ويتناقشون في امور دينهم ودنياهم، وتقام فيه حلقات الذكر،
ويجلس المسلمون صغارا وكبارا ليتعلموا القران وامور الاسلام.
ومن اهم المساجد التي اسهمت في بناء الحضارة الاسلامية: المسجد الحرام في مكة، والمسجد النبوي
في المدينة، والمسجد الاقصى في القدس، والمسجد الاموي في دمشق، ومسجد عمرو بن العاص، والجامع
الازهر في مصر، ومسجد القيروان في تونس، ومساجد اخرى كثيرة خرجت لنا اجيالا مسلمة واعية
استخدمت العلم في خدمة الاسلام ورفع شان حضارة المسلمين، ومن هنا ارتبطت نهضة الحضارة الاسلامية،
بقيام المساجد بدورها على الوجه الاكمل.
الكتاتيب:
والكتاب عبارة عن مكتب تعليمي، يتعلم فيه اطفال المسلمين القراءة والكتابة واحكام تلاوة القران الكريم،
ويقوم بتعليمهم اساتذة متخصصون في علوم القران، ويعد الكتاب خطوة جديدة نحو تطوير المنشات التعليمية
بعد ان ضاقت المساجد عن استيعاب اعداد المتعلمين صغارا وكبارا، فانتشرت هذه الكتاتيب في كل
بلاد المسلمين، وهذه مرحلة متطورة تدل على ازدهار العلم وارتفاع شان العلماء والمتعلمين.
المكتبات:
وقد قام الحكام المسلمون بانشاء المكتبات المملوءة بالكتب النافعة في مجالات العلوم، واشتهرت بغداد ودمشق
والقاهرة بمكتباتها الزاخرة بامهات الكتب في كل فروع المعرفة الاسلامية، ومن بين المكتبات التي نالت
شهرة واسعة دار الحكمة التي انشاها الخليفة الفاطمي الحاكم بامر الله عام 395 ه، ووضع
فيها الكثير من الكتب، وقسمها الى حجرات متعددة، بعضها للاطلاع وبعضها الاخر لحلقات الدراسة، وزينها
بمفروشات جميلة، وجعل بها عمالا لخدمة طلاب العلم، وكانت بها فهارس تسهل للطلاب الحصول على
الكتب، وكان بها نظام الاستعارة.
المدارس:
وتعددت المدارس، وتنوعت ما بين خاصة بالخلفاء والحكام وابنائهم، حيث المعاملة والخدمة المتميزة التي تؤهلهم
لتولى المناصب القيادية في الدولة الاسلامية، وعامة لرعاية ابناء المسلمين في مختلف فروع المعرفة.
وقد برع الوزير السلجوقي (نظام الملك) في انشاء العديد من المدارس، وكانت على درجة عالية
من النظام والفخامة، وقد انتشرت هذه المدارس في بغداد واصفهان والبصرة والموصل وغيرها، ومن اشهر
هذه المدارس: مدرسة نور الدين محمود زنكي، وتعرف بالمدرسة النورية الكبرى بدمشق، وانشاها سنة 563
ه على مساحة واسعة، وجعل فيها قاعات للمحاضرات، ومسجدا للصلاة، وحجرتين للمعلمين، ومسكنا لخادم المدرسة،
ومراحيض ليستخدمها الطلاب، وقد تميزت بروعة البناء ودقة وجمال تصميمها، وارتفاع مستوى التعليم فيها.
وكانت هذه المدارس منارات لتخريج العلماء، وقد وضعت بها نظم عالية لاختبار قدرات الطلاب، وتوجيههم
حسب كفاءاتهم ومواهبهم ومصاحبة الطلاب لاساتذتهم في مكان واحد، وتمتع الطلاب وخاصة المتفوقين بكافة الميزات
والمكافات؛ تشجيعا لهم، الى جانب العناية بالترفيه عنهم، واقامة الرحلات المفيدة لهم، والاهتمام بتنمية اجسامهم
وعقولهم. هذا بالاضافة الى العناية بتعليم الفتيات، فقد اهتموا بهن اهتماما لا يقل عن الفتيان.
مجالات العلوم
ومن اهم مجالات العلوم التي اهتم المسلمون بتعليمها: العلوم الاصيلة، والعلوم المقتبسة.
اولا: العلوم الاصيلة:
هي العلوم التي تتصل بالقران الكريم والسنة النبوية واصول الدين وما يخص الامة من اداب
وتاريخ، وقد ابدعها المسلمون انفسهم، ولم يقتبسوها من غيرهم، ومن ابرز هذه العلوم:
– علم القراءات القرانية:
وجدت القراءات مع وجود القران الكريم، فقد كان جبريل -عليه السلام- يقرئ النبي ( باكثر
من طريقة؛ تيسيرا على الناس؛ لاختلاف لهجاتهم، واهتم صحابة الرسول ( بحفظ القران وتدوينه وتعليمه،
واشتهر من بينهم بحفظ القران علي بن ابي طالب، وعثمان بن عفان، وابي بن كع
المطلب الرابع الجوانب الدينية :
لقد جاء الاسلام بتشريعات وقوانين حفظت للناس حقوقهم، وضمنت لهم الفلاح في الدنيا والاخرة. والمصادر
الاساسية للتشريع الاسلامي هي:
القران الكريم
القران الكريم هو المصدر الاول للتشريع الاسلامي، قال تعالى: {وان احكم بينهم بما انزل الله}
[المائدة: 49].
وشرع الله لا ياتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد،
ولذلك لا يجوز لاحد ان يتركه ويحكم بما سواه، وكل من جاء بتشريع يخالف شرع
الله فيحل ما حرم الله، او يحرم ما احل الله، فهو خارج عن الملة.
ولقد اعتبر الله عز وجل المشرعين الهة يعبدون من دونه، ولقد شرح النبي ( هذا
الامر لعدي بن حاتم عندما دخل عليه (، وهو يقرا قوله تعالى:
{اتخذوا احبارهم ورهبانهم اربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما امروا الا ليعبدوا الها
واحدا لا اله الا هو سبحانه عما يشركون} [التوبة: 31].
وكان عدي قد دخل النصرانية في الجاهلية واسرت اخته وجماعة من قومه، ثم اطلق رسول
الله ( سراح اخته، فرجعت الى اخيها، فرغبته في الاسلام وفي القدوم على رسول الله
(، فقال عدي لما سمع النبي يتلو هذه الاية: انهم لم يعبدوهم. فقال رسول الله
(: (بلى، انهم حرموا عليهم الحلال، واحلوا لهم الحرام، فاتبعوهم، فتلك عبادتهم اياهم) [احمد والترمذي].
والقران الكريم لم يترك شيئا الا ذكر حكمه اما نصا واما ضمن القواعد العامة التي
جاءت فيه لما يجد من امور في كل عصر من العصور، قال تعالى: (ما فرطنا
في الكتاب من شيء) [الانعام: 38].
والقران الكريم به نوعان من الاحكام:
– احكام ثابتة وردت فيها نصوص قرانية، وهذه لا دخل للعقل فيها الا الاستنباط من
النصوص وتوجيهها.
– قواعد عامة غير ثابتة، للقادرين على الاستنباط حق الاجتهاد فيها، ووضع النظريات والقواعد، بشرط
الا يتعارض ذلك مع القواعد العامة للاسلام.
ومن هذه القواعد العامة غير الثابتة، ما جاء به الاسلام في مجال السياسة والاقتصاد وغير
ذلك.
السنة النبوية الصحيحة:
وهي المصدر الثاني للتشريع الاسلامي بعد القران الكريم، قال تعالى: {وما اتاكم الرسول فخذوه وما
نهاكم عنه فانتهوا} [الحشر: 7] . وقال تعالى:
{فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في انفسهم حرجا
مما قضيت ويسلموا تسليما} [النساء: 65].
ولذلك يجب علينا ان نحتكم الى سنة الرسول في الامور التي لا نجد لها حكما
ظاهرا في القران الكريم، وان نرضى بها دون شك، ولا تحرج؛ لان السنة
اما ان تبين احكاما موجودة في القران،
او تفصل احكاما عامة مجملة فيه،
او تاتي باحكام جديدة،
فمثلا ذكر القران الصلوات وامرنا بها، ولكنه لم يذكر عدد ركعاتها، ولا هيئاتها ولا طريقة
ادائها، فجاءت السنة ووضحت ذلك بالتفصيل، وغير ذلك كثير في امور العبادات والمعاملات.
الاجماع
لا خلاف بين العلماء على ان الاجماع مصدر من مصادر التشريع الاسلامي بعد كتاب الله
وسنة رسوله (، والاجماع هو اتفاق المجتهدين من امة رسول الله ( في عصر من
العصور بعد وفاته ( على حكم شرعي اجتهدوا فيه ليس فيه نص من الكتاب او
السنة، ولا اجماع عند الفقهاء الا بسند من كتاب الله وسنة رسول الله .
والمجتهدون هم العلماء العارفون بادلة الفقه من القران والسنة واراء العلماء، وكيفية استخراج واستنباط الاحكام،
ولقد استشهد العلماء على ان الاجماع مصدر من مصادر التشريع بعدة ادلة من القران والسنة؛
اما ادلة القران فمنها قوله تعالى:
{ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما
تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا} [النساء: 115].
وسبيل المؤمنين الحق هو ما اتفق عليه المجتهدون منهم.
واما ادلة السنة: فقد وردت احاديث كثيرة صحيحة؛ منها قوله (: (ثلاث لا يغل عليهن
قلب امرئ مسلم: اخلاص العمل لله تعالى، والنصح لائمة المسلمين، ولزوم جماعتهم) [ابن ماجه]. وقال
(: (يد الله مع الجماعة، ومن شذ؛ شذ في النار) [الترمذي].
القياس
وهو المصدر الرابع من مصادر التشريع الاسلامي بعد كتاب الله وسنة رسول الله ( والاجماع.
وقد جاءت امراة الى رسول الله ( فقالت: ان امي نذرت ان تحج، فماتت قبل
ان تحج، افاحج عنها؟ قال: (حجي عنها، ارايت لو كان على امك دين، اكنت قاضيته؟).
قالت: نعم، قال: (فاقضوا الذي لله، فان دين الله احق بالوفاء) [متفق عليه]. فهذه الحادثة
توضح استخدام الرسول ( للقياس، فقد قاس امر الحج على امر اخر، وهو قضاء الدين،
فان كانت تستطيع ان تقضي الدين عن امها، فهي تستطيع ان تحج عنها.
فالمجتهد اذا قابلته مسالة ولم يجد لها حلا او حكما صريحا في كتاب الله وسنة
رسول الله (، ولم يكن في هذه المسالة اجماع من الفقهاء، لم يكن امامه الا
ان يبحث عن مسالة شبيهة بها، وحكمها معروف، وتوجد علة (سبب) تجمع بينهما، فان حكم
المسالة المجهولة يكون حكم المسالة المعلومة الحكم، وهذا هو القياس.
وجمهور الفقهاء مجمعون على ان القياس حجة، ويستدلون على حجيته بالكتاب والسنة وافعال الصحابة، فاما
ادلة القران فيقول الله عز وجل: {يا ايها الذين امنوا اطيعوا الله واطيعوا الرسول واولي
الامر منكم فان تنازعتم في شيء فردوه الى الله والرسول ان كنتم تؤمنون بالله واليوم
الاخر ذلك خير واحسن تاويلا} [النساء:59]. ورد الامر الى الله ورسوله معناه ان يرجع ما
فيه خلاف الى كتاب الله وسنة رسوله (، فيقاس ما ليس فيه حكم على ما
فيه حكم، لوجود علة تجمع بينهما.
واما الادلة عليه من السنة النبوية المطهرة فكثيرة، منها الحديث الذي ذكرناه في اول الكلام
عن القياس، واما افعال الصحابة، فمنها ان الصحابة -رضي الله عنهم- اختاروا ابا بكر -رضي
الله عنه- خليفة وبايعوه، لان النبي ( اختاره لامامة الصلاة وامامتهم فيها، فقاس المسلمون الامامة
العامة على امامة الصلاة، وقالوا: اختاره لامر ديننا افلا نختاره لامر دنيانا؟!
والاجماع والقياس يحتاجان الى جهد كبير واجتهاد مضن من العلماء في استخراج الاحكام، كما اضاف
العلماء مصادر وادلة اخرى لاستنباط الاحكام، كالمصلحة المرسلة، والاستحسان، والاستصحاب، وشرع من قبلنا، ما لم
يخالف شرعنا، وقول الصحابي اذا كان ملائما لروح الشريعة، وهكذا يتضح مدى تميز الجانب التشريعي
في الاسلام، واثره في بناء حضارته
المبحث الثالث عوامل انحطاط الحضارة الاسلامية :
المطلب الاول عوامل السياسية الحضارة الاسلامية :
– ما اصاب العالم العربي الاسلامي من تمزق في وحدته السياسية، اذ حلت الكثرة محل
الوحدة، وقامت على انقاض الدولة الواحدة ممالك ودول عدة، في مشرق العالم الاسلامي ومغربه، فاذا
كانت سلطة الخليفة في العصر الاموي قد امتدت من الاندلس غربا الى سمرقند شرقا، فان
هذه السلطة لم تعد تتجاوز في القرن الاخير من التاريخ العباسي (السابع للهجرة ) الثالث
عشر للميلاد ( مدينة بغداد وضواحيها. ولقد تعزز هذا الانقسام السياسي بتمزق الوحدة الدينية، اذ
اخذ يتنافس على زعامة المسلمين، منذ القرن الرابع للهجرة (العاشر للميلاد) ثلاثة خلفاء: عباسي في
بغداد واموي في قرطبة، وفاطمي في القاهرة.
ولاشك في ان هذه الانقسامات جميعا، ادت الى اندلاع الحروب بين القوى الاسلامية، ودفع المسلمون
عامة الثمن غاليا من ارواحهم واقتصادهم ومدنيتهم. ويكفي ان نقرا ما دار في المشرق العربي
والاسلامي من حروب بين السلاجقة والفاطميين والعباسيين. لندرك كيف استنفدت طاقات الامة، المادية والادبية، وكيف
قطف الصليبيون ثمار هذه الحروب في اواخر القرن الخامس للهجرة (الحادي عشر للميلاد). كما علينا
ان نتذكر قصة الحروب التي دارت في الاندلس بين ملوك الطوائف واثرها على مصير العرب
المسلمين وحضارتهم.
2 – ان الارهاب السياسي الذي عم العالم العربي والاسلامي، كان له ابلغ الاضرار على
كل الوان النشاط الحضاري في المجتمع الاسلامي. فقد اصبحت مبادئ الاسلام في الشورى والمساواة والعدالة
والتسامح في واد، والممارسات السياسية في واد اخر. فقد تحكم الاتراك المرتزقة بمصير الخلفاء العباسيين
منذ اواسط القرن التاسع الميلادي، فكم من خليفة قتل او خلع وسملت عيناه او القي
في نهر دجلة. ثم حل طغيان البويهيين منذ اواسط القرن الحادي عشر الميلادي. واستمر هذا
الارهاب السياسي في عصر المماليك (1250 – 1517م) الذي كان فيه الحكم لمن غلب. ولنتذكر،
مثلا، كيف كان مصير السلطان عز الدين ايبك وشجر الدر والسلطان قطز.. الخ.
وخلال هذه العصور من الارهاب السياسي والصراع على الحكم لم تتردد القوى الاسلامية في استخدام
اكثر الاساليب وحشية لتثبيت سلطانها وتصفية المنافسين لها. اما جماهير الامة، فقد كانت تحتضن همومها
والامها، ولا علاقة لها بصنع القرار، بل سحق شعورها بالانتماء الى الارض والحضارة، واخذت تبحث
عن قوتها اليومي قبل القرطاس والقلم.
المطلب الثاني عوامل الاقتصادية من الحضارة الاسلامية :
ا يستطيع اي باحث، مهما كان انتماؤه الايديولوجي ان يتجاهل اثر الاقتصاد في ازدهار الحضارة
وسقوطها. فالزراعة في المشرق العربي والاسلامي خضعت منذ القرن الخامس للهجرة (الحادي عشر للميلاد)، الى
نمط جديد في الانتاج، وهو ما عرف بالنظام الاقطاعي – العسكري، ويقضي هذا النظام، بان
يقطع السلطان كل قائد في جيشه اقطاعا من الارض بدلا من المرتبات التي كان يتقاضاها
من الدولة، وفي المقابل يتعهد هذا القائد، اي المقطع، بان يخضع للسلطان مباشرة، ويؤدي ما
عليه من التزامات مادية واجتماعية وعسكرية، وهذا النظام اطلق ايدي القادة والاجناد في الارض والفلاحين
الذين يعملون فيها، دون ان يكون هناك رقيب او قانون يحاسبهم، اللهم الا السلطان نفسه.
وقد اكتمل تطبيق هذه النظم في مصر والشام في العصر المملوكي. وبغض النظر عن التفاصيل
المتعلقة بهذا النظام، فانه الحق الكوارث بالارض والفلاح. وقد تجلى ذلك في الضرائب الشرعية وغير
الشرعية، النقدية والعينية، التي انتزعت من الفلاحين، هذا فضلا عن الطرق الوحشية التي كانت تجبى
بها. وبالرغم من شكاوى الفلاحين، فانها لم تصل في معظمها الى مع السلاطين. وقد دفعت
هذه الاضطهادات الفلاحين الى الفرار من الارض الى المدن، مما ترتب عليه خراب الارض الزراعية
من ناحية، وخلق المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والامنية في المدن من ناحية اخرى. وبالاضافة الى هذا،
علينا ان نتذكر ما اصاب عناصر الانتاج الزراعي من تعاقب الاوبئة والطواعين والفياضانات والجفاف.
كما تدهورت التجارة في العالم العربي والاسلامي تدهورا كبيرا لا بسبب الضرائب والمكوس الشرعية وغير
الشرعية وعمليات الابتزاز والمصادرة التي كان يعاني منها التجار فحسب، وانما ايضا نتيجة تجزئة العالم
العربي والاسلامي والحروب الاهلية، وما ترتب عليها من انعدام الامن والسلام على امتداد الطرق التجارية
وانتشار القرصنة في البر والبحر، واهمال الطرق والمسالك والمحطات البريدية ووضع العراقيل امام انتقال التجار
بين الدول الاسلامية المتنازعة.
كما ان احتلال الصليبيين للساحل الشامي، ولمدة قرنين تقريبا (1098 – 1291م) ادى الى حرمان
التجار العرب والمسلمين من البحر المتوسط واسواقه وموانئه، ومن دورهم كوسطاء بين الشرق والغرب، حيث
انتزع هذا الدور الاوربيون عامة والايطاليون خاصة. كما اصيبت الحركة التجارية باضرار بالغة من جراء
الصراع بين العرب والصليبيين والغارات الصليبية على القوافل التي كانت تنقل السلع والمتاجر بين الشام
ومصر والجزيرة العربية، كما الحقت الغزوات المغولية المتلاحقة بدءا من ايام جنكيز خان ( 1227م)
وهولاكو (1265م) وحتى تيمور لنك ( 1406) كوارث حقيقية بالتجارة العربية والاسلامية، حيث نهب المغول
ودمروا عشرات من المدن التي كانت تشكل مراكز تجارية كبرى مثل سمرقند وبخارى وبغداد.. الخ.
واخيرا تلقت التجارة العربية والاسلامية ضربة مميتة على يد البرتغاليين، ذلك ان اكتشاف راس الرجاء
الصالح عام 1498 على يد فاسكو دو جاما، فتح طريق جديدا بين اوربا والهند، وبالتالي
خسر العرب والمسلمون دورهم في التجارة الدولية، كما فقد البحر الاحمر اهميته كطريق رئيس بين
الشرق الاقصى واوربا، وخسرت دولة المماليك في مصر والشام موردا ضخما من مواردها الاقتصادية.
ولم تكن الصناعة بمناى عما تعرضت له الزراعة والتجارة من مصاعب. بل ان تدهور الصناعة
ارتبط ارتباطا وثيقا بتدهورهما، فقد عانى الصناع والحرفيون من عمليات الابتزاز والمصادرة، التي كانت تمارسها
الدول الاسلامية، ومادامت معظم الصناعات كان تتركز في المدن، فقد عانت مما كان يجري في
المدن من دمار وخراب وقتل وسلب وحرائق، كام تلقت الصناعة ضربات مؤلمة على يد المغول،
حيث نقل جنكيز خان مئات الصناع والحرفيين من المدن الاسلامية، التي استولى عليها مثل نيسابور
وغيرها الى منغوليا
المطلب الثالث عوامل الاجتماعية من الحضارة الاسلامية :
يرى فريق من الباحثين ان انصراف الطبقات الحاكمة والفئات المتحالفة معها، ولاسيما منذ العصر البويهي
عن قيم الاسلام واخلاقه ومثله، السياسية والاجتماعية والاقتصادية، يعد عاملا مهما من عوامل انحطاط الحضارة
العربية الاسلامية، فالفصل بين الدين والحياة، وبين القيم والاخلاق الاسلامية والممارسات السياسية، ادى الى الانغماس
في الكثير من المفاسد والانحرافات الاخلاقية والامراض الاجتماعية التي هدت المجتمع من الداخل، واستنفدت قوى
ابنائه العقلية والجسدية معا. هذا فضلا عن هيمنة ثقافة الخوف وقيم الخنوع والاستسلام للواقع، وانتشار
الرياء والنفاق والتزلف الذي كانت تشجعه الطبقات الحاكمة.
الاسباب الخارجية
مع تسليمنا بما ذهب اليه الكثير من الباحثين، من ان العوامل الخارجية لا تسقط الحضارة
– ان لم تكن هذه الحضارة نفسها قاب قوسين او ادنى من السقوط – فاننا
لا نستطيع ان نغفل اثر بعض هذه العوامل في تدهور الحضارة العربية الاسلامية، واهمها:
1 – سقوط صقلية بايدي النورمان. من المعروف ان النورمان استغلوا الانقسامات التي دبت بين
الامراء العرب في صقلية ونجحوا في انتزاعها منهم عام (1091م)، وقد خسر العرب بذلك مركزا
مزدهرا ومتقدما لحضارتهم في جنوب اوربا، وموقعا استراتيجيا مهما في البحر المتوسط.
2 – الحروب الصليبية (1098 – 1291). لاشك في ان الحروب الصليبية قد استنفدت الموارد
الاقتصادية لدول المشرق العربي، التي حملت لواء الجهاد ضدهم، وبخاصة الدول الزنكية والايوبية والمملوكية. فقد
كانت مسالة شراء الاسلحة والحديد والاخشاب والرقيق وبناء القلاع والحصون، تاتي في اولويات مشاريعها ونفقاتها،
كما ان حالات التوتر والقلق والحماس الديني، الذي عم ابناء المشرق العربي، وعلى امتداد قرنين
من الصراع مع الصليبيين، قد شغل الناس عن مسائل العلم والثقافة من ناحية، والحق ابلغ
الاضرار بالاقتصاد الذي يستند اليه التقدم الحضاري من ناحية اخرى.
3 – الغزوات المغولية: تعد الغزوات المغولية اكثر الغزوات التي تعرض لها العالم العربي والاسلامي
قسوة ووحشية. فقد دمر المغول ايام جنكيز خان عواصم العلم والثقافة والتجارة في شرق العالم
الاسلامي مثل: سمرقند وبخارى ونيسابور وغيرها، وبما كانت تحتويه من مئات المساجد والمدارس والمكتبات والاسواق،
هذا فضلا عن قتل وتشريد الاف العلماء والادباء. ونهب كنوز وثروات تجمعت فيها عبر العصور.
وفي ايام حفيده هولاكو، اجتاح المغول المشرق العربي، وكان نهب بغداد (عاصمة الخلافة العباسية) وتدميرها
كارثة حضارية وانسانية. ثم جاءت غزوات تيمورلنك لتذكر العالم بفظائع اسلافه المغول.
4 – سقوط الاندلس بايدي الاسبان: قبل سقوط جزيرة صقلية بيد النورمان كان قد بدا
الاسبان. ما عرف باسم «حرب الاسترداد»، اي استرداد الاندلس من العرب المسلمين. ونجح هؤلاء في
انتزاع الاندلس قطعة قطعة، حتى انتهى الوجود العربي فيها بتسليم بني الاحمر غرناطة للاسبان عام
987 – 1492. وقد خسر العرب بذلك بلدا متميزا بثروته الاقتصادية وموقعه الاستراتيجي على الشاطئ
الغربي للمتوسط. كما ان خروجهم يعني انه لم يعد لهم موطئ قدم في القارة الاوربية،
هذا فضلا عن انهم فقدوا بلدا حضاريا مزدهرا، بل كان متفوقا في الكثير من الميادين
على حضارة اخوانهم في المشرق انذاك.
ويهمنا ان نؤكد على انه قد رافقت الحروب الطويلة، بين العرب والاسبان، في الاندلس، الكثير
من اعمال التدمير لمظاهر الحضارة العربية، كما فر الالاف من العلماء العرب المسلمين الى المغرب
العربي ومصر والشام. ومما زاد الامر سوءا ان الاسبان انفسهم اتخذوا موقفا مناقضا لموقف نورمان
صقلية تجاه الحضارة العربية، حيث انتهجوا سياسة استهدفت محو اثار العرب المادية وتراثهم العلمي، بل
لم يتردد الاسبان المتعصبون، وفي مقدمتهم رجال محاكم التفتيش، في احراق الكثير من المكتبات ودور
العلم العربية التي كانت تزخر بها المدن الاندلسية، فاحد رؤساء الاساقفة، مثلا، قام باحراق ثمانين
الف مجلد من كتب التراث العربي بعد جلائهم عن الاندلس.
المطلب الرابع عوامل العلمية:
يعد تدهور الحياة العلمية سببا من اسباب انحطاط الحضارة العربية، ومظهرا من مظاهره. فقد غابت
الافكار المبدعة واختفت العقلية العلمية لتحل محلها الخرافات والغيبيات، فالادب انشغل – منذ العصر الايوبي
وحتى العثماني – في تطريز العبارات وزخرفة الكلمات دون الاهتمام بالمحتوى الفكري. كما استمر المؤرخون
– باستثناء بعضهم امثال ابن خلدون (ت 1406م) والمقريزي (ت1441م) – في الاهتمام بسير الخلفاء
والسلاطين والملوك والاعيان، ولاشك في ان هذا الانحطاط الفكري يعود الى اسباب عدة منها:
1 – غياب رعاة العلم من خلفاء ووزراء، فالضعف اصاب مؤسسة الخلافة نفسها، فقد انتهى
عصر العباسيين الاوائل الذي كان يعد فيه الخلفاء من العلماء، ويعقدون مجالس العلم والادب في
بلاطهم وينفقون على المؤسسات العلمية ورجالها، ويدفعون الذهب ثمنا لشراء المخطوطات وترجمتها. اما خلفاء العصور
العباسية المتاخرة فلم يعد العلم هما يشغلهم.
2 – ان الدول الاسلامية، ربطت العلم ومؤسساته ربطا محكما بمصالحها، منذ بدايات العصر السلجوقي،
حقيقة اسس الوزير السلجوقي نظام الملك (ت 1092م) المدارس وبنى الايوبيون والمماليك الكثير منها في
مصر والشام، ولكن ذلك لم يؤد الى نهضة علمية شاملة، لان هذه الدول هيمنت على
التعليم ومؤسساته ووجهتها نحو ميادين تخدم مصالحها السياسية والمذهبية والادارية. والدليل على ذلك:
ا – ارتباط التعليم في تلك المدارس بالاوقاف التي خصصت لها، اي ان النفقة عليها
كانت مرهونة بتنفيذ شروط الواقف، فاي خلل بهذه الشروط تتوقف النفقة وتغلق المدرسة. اي ان
استمرار هذه المدرسة او تلك مرهون برضاء صاحب الوقف – سواء اكان سلطانا او اميرا
– على مناهجها واساتذتها وطلابها.
ب – ان الذين كانوا يتخرجون في هذه المدارس لم يشكلوا طبقة من العلماء، وانما
طبقة من الموظفين، يعملون في دواوين الدولة ومرافقها العامة.
ج – ان معظم العلوم التي كانت تدرس انذاك هي العلوم الدينية، لان الهدف من
تدريسها كان دينيا ومذهبيا، وقد برز هذا واضحا في الدولة الايوبية، التي قامت على انقاض
الدولة الفاطمية، ومن ناحية اخرى، فقد اهملت العلوم الطبيعية والفلسفية، حيث عزفت المدارس – مثلا
– عن تدريس الفكر الاغريقي الذي كان مصدرا من مصادر الحضارة العربية الاسلامية في عصرها
الذهبي.
3 – وكان الارهاب الفكري الذي مارسته الدول الاسلامية منذ العصر العباسي الثاني عاملا اساسيا
في تدهور الحياة الفكرية للحضارة العربية، وقد بدات تباشر هذا الارهاب في القضاء على المعتزلة،
الذين كانوا يحملون راية العقل. ووصل الارهاب الفكري الى ذروته في العصرين البويهي والسلجوقي. وتروي
المصادر انه عندما دخل عضد الدولة البويهي (ت 983م) بغداد امر رئيس ديوان الرسائل (الانشا)
انذاك، وهو ابراهيم بن هلال الصابني، بان يؤلف كتابا في تاريخ دولة بني بويه، قديمه
وحديثه. فامتثل ابراهيم للامر واخذ يشتغل في تصنيفه، ولكن ابلغ عضد الدولة ان صديقا لابراهيم
دخل عليه فراه في شغل شاغل من التسويد والتبييض، فساله عما يفعل، فقال «اباطيل انمقها
اكاذيب الفقها». فامر عضد الدولة بان يلقى ابراهيم تحت ارجل الفيلة. ولولا شفاعة كبار كتاب
الديوان لقضى ابراهيم نحبه، حيث وافق عضد الدولة اخيرا على ابقائه على قيد الحياة، وان
تصادر املاكه ويزج به في السجن. وظل هذا المؤرخ العظيم في السجن الى ان اطلق
سراحه في اواخر ايام عضد الدولة.
الخاتمة :
ذه بعض جوانب قصة ضعف حضارتنا وانحطاطها، وهي قصة طويلة ومعقدة، ومسرح الاحداث فيها واسع
وفسيح. والعوامل التي اسهمت في صوغ فصولها كثيرة ومتداخلة، بحيث لا يمكن الفصل فيما بينها
فصلا قاطعا. وتبقى هذه القصة، في حقيقتها، هي حكاية تمزقنا، ومنازعاتنا، وفشلنا في حفظ حضارتنا
«كما يحفظها الرجال..»، هي قصة اغتيال العقل والحرية في تاريخنا، امة وافرادا.
قائمة المصادر والمراجع :
*القران الكريم
*الحياة الاقتصادية في العصور الاسلامية الاولى.د.محمد ضيف الله بصاينة دار الكندي للطباعة والنشر والتوزيع-الاردن.دار الطارف-عمان-مجمع
الفحيص التجاري
*عبد الرحمان بن خلدون ص.548 –تحقيق وتعليق وشرح د.علي عبد الواحد وافي.دار نهضة مصر القاهرة
* اطلس الحضارة الاسلامية.داسماعيل راجي الفاروقي د.لوس لمياء الفاروقي.المعهد العالمي للفكر الاسلامي
*جوانب من الحضارة الاسلامية عبد الرحمان علي الحجي.الطبعة الاولى 1399 ه-1979م-الصحوة النقرة-شارع بيروت –عمارة الزاحم-مقابل
السنترال الجديدة.
*اسباب الانحطاط للحضارة الاسلامية د.محمد عمر شابرا-الناشر معهد العالمي للفكر الاسلامي ص272 الطبعة الاولى