يعد مصطلح المجتمع المدني من المطلحات الحديثة النشاة اثر تاثرها بالثقافة السياسية، فنجد هذا المفهوم
مرتبطا بشكل كبير مع مجالات السياسة، والثقافة والاجتماع مع نظرة مستحدثة الى ما سبق ليعكس
من خلال هذه العملية التوظيفية انتقالا حقيقيا من حقبة التاريخ الوسيط الى التاريخ الحديث.
ان انشاء المجتمع المدني يرجع في حقيقة الامر الى العالم الحديث، فالحياة الحديثة وحدها من
اعترف له بالحق الذي مكنه من التواجد، بكل ما يحمله هذا المصطلح من معنى، اما
الحديث الاولي والافكار الاولية المتعلقة به فتعود الى نظريات حقوقية برزت في القرن17، والمتمثلة بشكل
رئيسي في نظرية التعاقد التي نادى بها كل من طوماس هوبس، جون لوك بالاضافة الى
جون جاك روسو، مونتيسكيو، واشخاص اخرين مثل ماكس فيبر، باريتو، دوتوكوفيل، لاسويل.
وبناء على عدة مفاهيم ودراسات وللاختصار، فيمكن ان نعرف المصطلح و بشيء من التجاوز، بمقابلة
مصطلح “المجتمع المدني” اذ ما تم ترجمته الى اللغة العربية بمقابلها في المعنى والذي يتمثل
بمصطلح “المجتمع البدوي”، تماما كما فعل ابن خلدون حينما قام باستعمال لفظ “الاجتماع الحضري” بمقابته
ب”الاجتماع البدوي” كمفهومين توضيحيين يستخدمان في تحليل المجتمع العربي في عهده الان والعهود السابقة والمستقبلية،
وبما ان القبيلة هي المكون الرئيسي في البادية العربية ف “المجتمع المدني” سيصبح الاختلاف المقابل،
الى حد التضاد اي اختلاف 180 درجة مع ما يعرف، بل “المجتمع القبلي”.
هذا في حين ان اللفظ الاجنبي civil الذي يتم ترجمته ب “مدني”، في قولنا “مجتمع
مدني”، يقوم في الفكر الاوروبي على استبعاد ثلاثة معاني اساسية والتي تشكل الاضداد بالنسبة لهم
لمفهوم المدنية: واولها معنى “التوحش” حيث يقوم بمقارنة عبارة “الشعوب البدائية/ المتوحشة” مع مقابلها اي
عبارة “الشعوب المتحضرة”، وتعريف معنى “الاجرام” بالنسبة له – اي في مفهوم المجتمع المدني –
تحدث باجراء مقارنة بين مصطلح “مجرم” في مقابل “جنائي” في المحاكم، ومقارنة معنى الانتماء الى
الجيش (قارن “مدني”: في مقابل “عسكري”)، وكما قام بمقابلة معنى الانتماء الى الدين (“التعاليم الدينية”
ووضعها في مقابل “القوانين المدنية”)، وهكذا تم تعريف عبارة “المجتمع المدني” في الفكر الاوربي على
اساس مقابلته للمعاني السابقة ،و بناء على ما سبق، فالمجتمع المتحضر او المدني، هو المجتمع
الذي لا سلطة فيه لاي من العسكر او الكنيسة، فاذن وبهذا التفصيل المقتضب نجد الفارق
الواضح بين ما تشير اليه عبارة “المجتمع المدني” في مفاهيم اللغة العربية، وبين مفهومها في
الفكر والمجتمع الاوربي.
