بيع التقسيط
بيع التقسيط هو احد اوجه البيع في الاسلام.
البيع
البيع في الفقه الاسلامي له صور عديدة، منها التعجيل والتاجيل. تعجيل الثمن وتاجيل المبيع هو
بيع السلم، واما تعجيل المبيع وتاجيل الثمن فهو بيع النسيئة. وبيع التقسيط هو صورة من
صور بيع النسيئة، ويختلف في تاجيل الثمن، كله او بعضه، على اقساط معلومة لاجال معلومة.وكتاب
بيع التقسيط يقسم الى ثمان مباحث.
تعريف
البيع: معاوضة مال بمال تمليكا وتملكا.
التقسيط: لغة: تقسيم الشيء وتنجيمه الى اجزاء متفرقة.
اصطلاحا: هو بيع الشيء بثمن مؤجل يدفع على اقساط معلومة في اوقات محددة، اكثر من
ثمن الحال.
حكم بيع التقسيط
بيع التقسيط هو صورة من صور بيع النسيئة. وبيع النسيئة جائز، وبالتالي فبيع التقسيط جائز
ايضا حتى مع اختلاف ان يكون الثمن مقسط اقساط. والدليل على جواز بيع النسيئة قول
تعالى:﴿يا ايها الذين امنوا اذا تداينتم بدين الى اجل مسمى فاكتبوه…﴾. وايضا ما اخرجه البخاري
ومسلم عن عائشة – ا- قالت: (اشترى رسول الله من يهودي طعاما بنسيئة، فاعطاه درعا
له رهنا). ومن الادلة على جواز الزيادة لاجل التاجيل او التقسيط:- من القران: ﴿يا ايها
الذين امنوا لا تاكلوا اموالكم بينكم بالباطل الا ان تكون تجارة عن تراض منكم﴾. وبيع
التقسيط من قبيل التجارة التي تمت عن تراض فكان جائز. من السنة: ما جاء عن
ابن عباس مرفوعا:(من سلف في تمر فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم). ووجه الدلالة ان
البيع بثمن مؤجل او بالتقسيط هو عكس لصورة السلم، لكنه من جنسه، لان الثمن فيها
يختلف عن البيع، ففي السلم يدفع المشتري راس مال السلم ليستلم المبيع بعد اجل، ودائما
يكون راس مال السلم اقل من سعر السلعة المسلمة، بينما الثمن المؤجل او مجموع الاقساط
تكون اكثر من سعر السلعة المبيعة، ومن هنا كان البيع بالتقسيط عكس السلم. فمثلا اذا
كان ثمن كيلة القمح درهمين، فقد اجاز الشارع ان تسلف درهمين لتاخذ كيلتين من القمح
بعد اجل. او تاخذ كيلتين حالا وتدفع درهمين او ثلاثة الى اجل.
اعتراضات واجابات
اثار المحرمون للبيع بالتقسيط عددا من الشبه والاعتراضات، واحتجوا ببعض الاحاديث التي فيها النهي عن
صور بعض البيوع، واعتبروا هذا البيع داخلا ضمنها.
1- ما جاء في النهي عن بيعتين في بيعة او صفقتين في صفقة:
عن ابي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من باع بيعتين في
بيعة فله اوكسهما او الربا). وقيل معنى صفقتين في صفقة ان يقول الرجل للرجل:ابيعك هذا
نقدا بكذا ونسيئة بكذا ويفترقان عليه. وقال الشيخ الالباني عن النهي عن بيعتين في بيعة
:اختلف العلماء قديما وحديثا على ثلاثة اقوال: الاول: انه باطل مطلقا. وهو مذهب ابن حزم.
الثاني: انه لا يجوز الا اذا تفرقا على احدهما. ومثله اذا ذكر سعر التقسيط فقط.
الثالث: انه لا يجوز، ولكنه اذا وقع ودفع اقل السعرين جاز. ان القول الثاني اضعف
الاقوال، لانه لا دليل عنده الا الراي، مع مخالفة النص، ويليه القول الاول، لان ابن
حزم الذي قال به ادعى ان حديث الترجمة منسوخ باحاديث النهي عن بيعتين في بيعة
وهذه دعوة مردودة لانها خلاف الاصول. ومعنى الحديث بتفسير ما نهي عنه من بيعتين في
بيعة على وجهين: الاول: ان يقول: بعتك هذا الثوب نقدا بعشرة ونسيئة بخمسة عشر، فهذا
لا يجوز، لانه لا يدري ايهما الثمن الذي يختاره منهما فيقع به العقد، واذا جهل
الثمن بطل البيع. ولكنه اذا تحدد الثمن واختار احدهما ثم افترقا، فهذا جائز. الثاني: ان
يقول: بعتك هذا العبد بعشرين دينارا، على ان تبيعني جاريتك بعشرة دنانير. فهذا ايضا فاسد،
لانه جعل ثمن العبد عشرين دينارا، وشرط عليه ان يبيع جاريته بعشرة دنانير. وذلك لم
يلزمه. فاذا لم يلزمه سقط بعض الثمن، واذا سقط بعضه صار الباقي مجهولا.
2- ما جاء في النهي عن شرط وبيع وسلف وبيع:
عن عمرو بن شعيب عن ابيه عن جده قال:قال رسول الله : (لا يحل سلف
وبيع، ولا شرطان في بيع، ولا ربح ما لا يضمن، ولا بيع ما ليس عندك).
وقد فسر قوله (ولا شرطان في بيع) ان يقول: بعتك هذا الثوب حالا بدينار، ونسيئة
بدينارين. والجواب عن ذلك انه لا توجد علاقة البتة بين بيع التقسيط وبين النهي عن
شرط وبيع وسلف وبيع. وفسر بان يقول: (خذ هذه السلعة بعشرة نقدا، واخذها منك بعشرين
نسيئة) هي مسالة العينة بعينها، واذا هو المعنى المطابق للحديث، فانه اذا كان مقصوده الدراهم
العاجلة بالاجلة فهو لا يستحق الا راس ماله وهو اوكس الثمنين، فان اخذه اخذ اوكسهما،
وان اخذ الثمن الاكثر فاخذ الربا.
3- عن ابي اسحاق السبيعي عن امراته العالية بنت ايفع بن شراحيل انها قالت:
(دخلت انا وام ولد زيد بن ارقم، وامراته على عائشة ا، فقالت ام ولد زيد
بن ارقم: اني بعت غلاما من زيد بن ارقم بثمانمائة درهم الى العطاء، ثم اشتريته
منه بستمائة درهم. فقالت لها:بئس ما شريت، وبئس ما اشتريت؛ابلغي زيد بن ارقم انه قد
ابطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الا ان يتوب). قالوا: فهذا الخبر
يدل على ان الثمن النقدي اقل من الثمن المؤجل، كما يدل على ان المعاملة غير
جائزة، كما افادت عائشة ا، وهي لا تقول مثل هذا التغليظ، وتقدم عليه؛ الا بتوقيف
سمعته من الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فجرى مجرى روايتها عن ذلك. والغير جائز المقصود
هو بيع الشيء بثمن مؤجل ثم شراؤه بثمن معجل اقل من بائعه.
بيوع لا يجوز فيها الاجل
ثبت في الاحاديث الصحيحة ان هناك بعضا البيوع لا يجوز فيها الاجل مثل قوله صلى
الله عليه وسلم:( الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح،
مثلا بمثل، سواء بسواء، يدا بيد؛ فاذا اختلفت هذه الاشياء فبيعوا كيف شئتم؛ اذا كان
يدا بيد). فهذه الاصناف الستة وما في معناها مما تتحقق فيه علة الربا، لا يجوز
فيها الاجل؛ فلا يصح بيع ذهب مؤجل بذهب معجل، او فضة معجلة بفضة مؤجلة، او
قمح معجل بقمح مؤجل… الخ، سواء كان هناك تفاضل ام لا؛ غير ان التفاضل عند
اختلاف الاجناس يصح اذا كان يدا بيد. وما عدا ذلك من البيوع فالاصل الجواز فيها.
وايضا يجوز بيع الحنطة بالذهب او الفضة نساء، بمعنى انه يجوز بيع ربوي باخر لا
يشاركه في العلة، مؤجلا ومتفاضلا…
العلاقة بين بيع التقسيط وبعض البيوع المحدثة
اولا: بيع التقسيط والبيع الاجاري او الشراء الاستئجاري: البيع الاجاري هو ايجار ينتهي بالبيع (التمليك).
حيث يتم الاتفاق بين الطرفين على ان يبيع احدهما للاخر سلعة معينة وتحدد قيمتها، الا
ان هذه العلاقة لا تحدث اثارها فتنتقل ملكية السلعة الى المشتري مباشرة، ولكن تظل العلاقة
بينهما محكومة بقواعد عقد الاجارة لحين اتمام المشتري سداد اقساط ايجارية تعادل ثمن المبيع المتفق
عليه خلال مدة محددة، عند ذلك تنتقل ملكية السلعة نهائيا الى المشتري ويصبح له كامل
الحقوق عليها. ويلجا الى هذا الاسلوب بدل بيع التقسيط، رغبة من صاحب السلعة في الاحتفاظ
بملكيتها حتى الانتهاء من اخر قسط، وهذا يحقق له امرين: ضمان التزام المشتري وحرصه على
اتمام السداد، والامر الاخر انه لو افلس المشتري، لا تدخل السلعة في التفليسة. ثانيا: بيع
التقسيط والتمويل الايجاري: وهو كالبيع الاجاري الا ان السلعة التي يراد تاجيلها لم تدخل بعد
في ملك المؤجر، فهو ايجار قبل الشراء. وهو مشتمل على وعدين، وعد بالاجارة، ووعد ببيع
السلعة في نهاية الاجارة، وهذه المعاملة تكون جائزة شرعا اذا كان الوعدان غير ملزمين، اما
ان كان احد الوعدين ملزما، فلا يختلف الحكم فيها عن البيع الايجاري ومعها ايجار ما
لا يملك – اذا كان وعد الاجارة هو الملزم.
حكم بعض الشروط المقترنة بعقد بيع التقسيط
اولا: شرط الاحتفاظ بالملكية: وهذه حيلة حديثة يلجا اليها للتخلص من اخطار مماطلة المشتري او
افلاسه. فيجعلون السلعة مؤجرة لهم بيد المشتري، وتبقى ملكا لهم، فان استمر في السداد حتى
اخر قسط شرطوه تم البيع، وكتبوا له ملكية السيارة او العقار مثلا، فان انقطع في
السداد استردوا سلعتهم، وجعلوا ما وصلهم اجرة لما مضى من استعمال المبيع، فهذا الشرط لهم
فيه مصلحة، فيدخل في تعريف الفقهاء للشرط بانه الزام احد المتعاقدين الاخر بسبب العقد ماله
فيه منفعة. والبعض قالوا انه فاسد والبعض الاخر قالوا انه جائز. ثانيا: شرط عدم التصرف
في المبيع الى حين استيفاء الثمن (الشرط المانع من التصرف): الاصل في عقد البيع انه
من العقود الناقلة للملكية. والمنع من التصرف مناف للاصل. ولكنه يمكن ان يجوز في بعض
الحالات، وهي اذا اشترط البائع ان المبيع يكون رهنا له في بقية الثمن، وذلك جائز
عند الجمهور، وحيث ان الاكثر على وجوب قبض المرتهن للرهن فانه قد يكتفي في هذه
الازمنة بقبض صك العقار، حتى لا يتمكن المشتري من التصرف فيه ببيع او هبة او
وقف او رهن.
التاخر عن سداد الاقساط او التخلف عنه
مسالة تاخر المشتري في السداد وما يتبع ذلك من اضرار على البائع، من اهم المسائل
التي تحتاج الى بحث ونظر من اهل العلم لوضع قيود والضوابط التي تحد من اثار
هذه المشكلة او تمنعها كليا، في اطار شرعي. فيجب وضع عقوبات على المشتري، ولكن لا
يجوز ان تكون عقوبات مالية، بل عقوبات بدنية او حبس او غيرها.ومن الوسائل المقترحة للتغلب
على مشكلة تخلف المشتري عن سداد الاقساط: لضمان حق البائع، يجب عليه قبل كاتبة العقد
التاكد من جدية المشتري والتزامه في معاملاته المادية السابقة، والتاكد من دقة البيانات ومحل الاقامة
بدقة للمشتري. ويجب عليه مع العقد ان يشترط ضمانات كان يشترط ان يقدم المشتري كفالة
او رهن.ومن الوسائل المقترحة لردع المستهترين: الحجر على المدين وحبسه ومنعه من السفر.
اداب البيع بالتقسيط
من الاداب على البائع عدم استغلال حاجة الناس الى التاجيل والتقسيط بالمغالاة في نسبة الربح
التي يضعها. ومن الاداب على المشتري:
1- عدم الاقدام على المعاملة الا اذا كان عازما على السداد، قادرا عليه.
2- عدم التوسع في المعاملة.
3- كتابة الدين والاشهاد عليه.
4- حسن القضاء وعدم المماطلة.
متى يكون بيع التقسيط مستحبا ؟
يكون بيع التقسيط مستحبا اذا قصد به الارفاق بالمشتري، فلا يزاد عليه في الثمن لاجل
الاجل، اذا كان محتاجا فقيرا، او يؤتمن على السداد، بدون ان يضيق عليه بطلب رهن
او كفالة مثلا. واذا كان البيع الى اجل لا يقصد به الارفاق، بل مجرد المعاوضة
الكاملة؛ حيث يزاد في الثمن لاجل الاجل، او تطلب كفالة او رهن، وهذا البيع مباحا
لا مستحبا.
تنبيهات متعلقة بالاجل وتحديده في بيع التقسيط
1- يلزم ان تكون المدة معلومة في البيع بالتاجيل والتقسيط.
2- اذا عقد البيع على تاجيل الثمن الى كذا يوما او شهرا او سنة، او
الى وقت عند العاقدين صح البيع. فان اجلها الى الحصاد ونحوه لم يصح . ويفسد
البيع ايضا ان اجل الثمن الى مدة غير معينة كالمطر.
3- تعتبر ابتداء مدة الاجل والقسط المذكورين في عقد البيع من وقت تسليم البيع.