تعلم المشي.. من جديد
تدرب مرة اخرى على وسائل الحفاظ على مشيتك الصحيحة
كمبردج (ولاية ماساشوستس الاميركية): «الشرق الاوسط»*
رغم اننا قد تدربنا على اساسيات المشي منذ عقود من السنين، فان اعادة التدريب اليسير
عليه بمقدوره تصحيح بعض العادات الخاطئة.
المشي ياتي بشكل طبيعي للانسان، بحيث انه “يوصف” لهم مرارا وتكرارا من دون تفكير. وعلى
سبيل المثال فان دليل وزارة الصحة والخدمات الانسانية حول التمارين الرياضية المنشور في اكتوبر عام
2008 الماضي، ينصح كل البالغين، بغض النظر عن اعمارهم ووضعهم الصحي، بممارسة المشي الحثيث لمدة
ساعتين ونصف الساعة اسبوعيا. ومع ذلك فان الدليل لا يشير في اي صفحة له، الى
كيفية مشي الانسان.
ونحن بدورنا ايضا لا نتوقع من الدليل ان يشير الى ذلك، فبالنسبة للبالغين الاصحاء يحدث
المشي اوتوماتيكيا، بحيث لا يمكنهم تذكر الكيفية التي تعلموه بها. هذا ومع انطلاقنا في المشي
لمسافات كبيرة فان الكثير منا قد مارس عادات سيئة في طريقه هذا، ادت بنا الى
ان يصبح مشينا اقل كفاءة، بل وربما جلب الاضرار لنا.
الاخبار الجيدة تشير الى ان عقودا من اعوام البحث قد اظهرت انه يمكن لنا اعادة
قلب الانماط المتبعة للمشي خلال فترة حياتنا.
* «تحقيقات جنائية» للمشي
* هناك عدد من المؤسسات التي تبحث في مشية الانسان، ومستشفى هيلين هايس في ويستهيفيرسترو
في ولاية نيويورك احدى هذه المؤسسات، حيث قام باحثو الفسلجة فيه بتطوير منظومة لتقييم مشية
الانسان، وذلك برصد نقاط معينة في الراس، والكتفين، والمرفقين، والمعصمين، وعظمي الحوض، واربتي الرجلين، والكاحلين،
واصابع القدم، والكعبين، في اثناء مشي الانسان.
ووظف باحثو الفسلجة «علامات هيلين هليس» هذه في تحديد العناصر التي تقود الى ان يمشي
الانسان بشكل اقل كفاءة من مشيته المثالية. كما وظف اختصاصيون في علاجات اعادة التاهيل هذه
المنظومة مع وسائل اخرى، لتدريب المرضى الذين يتماثلون للشفاء من المرض او الاضرار، على المشي
وتقييم مشيتهم. كما استخدمت ادوات ووسائل مماثلة ايضا لمساعدة الرياضيين على تحسين مشيتهم، وادت الى
وضع نصائح مفيدة لكل الناس الاخرين ايضا.
اننا لا نتذكر خطواتنا الاولى، الا اننا كلنا راقبنا الخطوات الاولى للاطفال الصغار بعد انتصابهم
على اقدامهم. ومشية الاطفال الصغار الاولى غير مستقرة وغير كفاة، لان القسم الاعلى من اجسامهم
يترنح الى الامام والخلف ومن جهة الى اخرى. وبالتالي فان الطفل المبتدئ في المشي يتقدم
في مشيته الى الامام مقدار نصف ما يتقدمه الشخص البالغ باستهلاك نفس الكمية من الطاقة.
ولكن، ومع تحسن التوازن، فان مشي الطفل يتحسن، ومن الناحية المثالية فان الشخص البالغ سيمشي
منتصب الراس، بظهر مستقيم منتصب، وبذراعين منحنيتين، وبركبتين تتمددان وتنثنيان، وبقدمين تضربان الارض بكعبيهما وتدفعانها
باطراف اصابعهما. وهنا يتوجب ان تدور منطقة الحوض الى الخلف والامام نحو 8 درجات، وان
تميل الى الاسفل قليلا على الجهة التي لا تحمل فيها ثقلا. كما ان على ركبة
الرجل التي يزداد عليها الثقل ان تنثني عندما ندفع باصابع اقدامنا. وبينما نقوم بالارتفاع والانخفاض
قليلا في اثناء مشينا فان دوران الحوض وميلانه وبالترافق مع حركات الركبة والكاحل والقدم، كلها
تخفف من الحركة العمودية.
القسم الاعلى من جسمنا ينفذ دوره ايضا، ففي السرعات المعتدلة من المشي ينبغي ان يكون
دوران الجذع والكتفين في طور مغاير للطور الذي يدور فيه الحوض. وبالنتيجة فان التارجح او
الاندفاع باحدى الرجلين الى الامام يقود الى تارجح احدى الذراعين الموجودة على الجانب الاخر من
الجسم. وهذه عملية توازن يمكن ملاحظتها في حركة الجنود في اثناء مشيتهم العسكرية.
ولسوء الحظ فان القليل منا يصلون الى مرحلة المشية المثالية، وعدد محدود اقل يظلون يمارسونها.
فخلال فترات الزمن قد نحني رؤوسنا وندفع باجسامنا الى الامام من منطقة الوسط، بحيث ينزاح
مركز الثقل لدينا الى الامام، كما لو اننا دوما اقرب ما نكون الى حالة التعثر.
وبدلا من التمايل بشكل جيد فقد تتهدل ذراعانا من دون حركة على جنبينا. وبهذا تتحول
حركة الكعب، اطراف اصابع القدم، الايقاعية، الى مجرد ضربة على ارضية الرصيف.
وربما احست اجسامنا بتاثيرات المشي السيئ، الا اننا لا نعزو ذلك الاحساس الى مصدره الحقيقي.
والمشية السيئة لا تقود الى حدوث اوجاع في الرجلين او القدمين فحسب، بل ايضا الى
تيبس الرقبة والام في الكتفين وفي اسفل الظهر، كما تزداد احتمالات الوقوع على الارض.
* حالات مرضية
* العادات السيئة ليست السبب الوحيد للمشية السيئة، فهناك انواع من الحالات المرضية التي يمكنها
ايضا التاثير على المشي. وغالبية هذه الحالات يمكن علاجها، ولذا فان كنت تعاني من صعوبة
المشي فان التعرف على اسباب حالتك ومعالجتها قد يقود الى تحسن مشيتك.
ولعل التهاب المفاصل اكثر الحالات التي تؤثر على مشية الانسان شيوعا، والانسان يقوم بتعديل طريقة
مشيته، حتى من دون التفكير في ذلك، لكي يتفادى وضع ضغط اكبر على مفصل غير
قوي لانه سيشعر بالاذى ان فعل ذلك. ويطلق الاطباء على هذا الوضع اسم «مشية تفادي
الالم» gait antalgic.
والمصابون بالتهاب المفاصل في عظم الحوض تظهر لديهم احيانا مشية غريبة مندفعة، يقومون فيها بخفض
الكتف عندما يضعون الثقل على عظم الحوض المريض، ويرفعون الكتف المعاكسة الثانية. اما الركبة المصابة
بالتهاب المفاصل فانها تدفع المريض الى المشي بركبة منثنية بدلا من تمديدها ووضعها في شكل
الاستقامة عندما يضرب كعب القدم الارض، وتخفف الركبة المنثنية جزءا من الضغط الواقع على المفصل،
الا انها تضع جهدا على باقي اجزاء الرجل وتتداخل مع خطوة القدم، فبدلا من الحركة
من الكعب نحو اصابع القدم تكون الحركة باصابع القدم فقط.
* مشكلات البصر
* كما ان التوازن السيئ يؤثر ايضا على مشية الانسان، فردود الافعال، والمفاصل السليمة، والعضلات
القوية، وجهاز التوازن في الاذن، الذي يمنحنا الاحساس بمواضع الفضاء الذي حولنا، كلها تلعب دورها
في الحفاظ على انتصاب قامتنا. وان فقد اي منها فاننا سنترنح. ونحن نتوجه الى التعويض
عن التوازن السيئ بتقليص مدى خطواتنا، او بالمشي احيانا بتوسيع المسافة بين رجلينا.
والتوازن الجيد مرهون بالبصر الجيد، اذ انه يتيح للمخ القيام بعملية ضبط سريع اوتوماتيكي للمشي
على السطوح غير المستوية وتفادي الاشياء الموجودة على الارض. وبالطبع فان عينينا تساعداننا على المناورة
الواعية على الارصفة ودرجات السلالم والحواجز الاخرى في طريقنا. والبصر السيئ يقود الى المشي بخطوات
قصيرة يمكن ان تتحول الى حركة لجر القدم ببساطة، والتي لا تتعرض فيها القدم الى
مغادرة الارض تقريبا.
وتؤثر على المشي ايضا مشكلات البصر مع تقدم العمر، مثل الضمور الشبكي macular degeneration، واعتام
عدسة العين cataract. وتزداد المشية سوءا مع الاصابة بحالات تؤثر على الجهاز العصبي المركزي (المخ
والحبل الشوكي)، وكذلك بمشكلات الاعصاب المحيطية التي تتحكم في العضلات، والتي ترسل اشارات الاحاسيس الى
المخ. ومرض باركنسون الذي يؤثر على الحركة هو احسن مثال هنا، فالكثير من المصابين به
وبامراض مماثلة له تظهر لديهم حالات جر القدم، او تكون مشيتهم شديدة الانحناء. كما ان
تجمد الحركة يمكن ان يتحول الى مشكلة، اذ يجد المصابون انفسهم عاجزين لا يمكنهم المبادرة
بالخطوة المقبلة.
اما مرض الزهايمر فليس بمرض «حركي» مثل باركنسون، وهو لا يؤثر على المشي مباشرة، الا
انه يؤثر على العقل. وقد يصبح المشي مخاطرة لان المصابين بهذا المرض قد ينسون اتخاذ
خطوات احترازية بسيطة، مثل اشعال الضوء لدى ذهابهم ليلا الى الحمام.
* المشي بحذر
* حتى مع التمتع بصحة جيدة في العمر الطويل فان مشيتنا تتغير، ربما بسبب الخوف
من الوقوع على الارض، الذي قد لا نكون واعين به كليا. وفي هذه المرحلة فان
ايقاع خطواتنا (عددها لكل دقيقة) cadence يقل، ولذلك فاننا نقضي وقتا اطول على ارجلنا، كما
تصبح الخطوة اقصر، الامر الذي يقصر من مدى تارجح او اندفاع الرجل. وبعض الناس يرفعون
اقدامهم اكثر قليلا الى الاعلى خلال الجزء الاول من اندفاع الرجل، احترازا لتعثرهم بسبب وجود
شيء ما على الارض.
ومن المعقول جدا ان تصبح مشيتنا اكثر حذرا مع التقدم في العمر، اذ اننا نتكيف
بشكل مناسب مع فقداننا للقوة والعضلات والتوازن، وهي امور طبيعية عند الهرم. الا ان الناس
يكونون حذرين اكثر من اللازم ويقل مشيهم، وبذا يصبحون اضعف حالا واقل توازنا.
* رسالة هارفارد الصحية،
* افحص طريقة مشيك
* مشية الانسان الذاتية يمكن ان تكون متميزة مثل بصمات اصابعه، كما يظهر ذلك من
افلام تشارلي شابلن ومارلين مونرو، الا ان – ومن سوء الحظ – بعض العادات الشخصية
الغريبة التي تجعلنا نمشي مشية فريدة من نوعها تكون ضارة ايضا، خصوصا عندما تظل معنا
لزمن طويل (فمشية شابلن المترنحة ومشية مونرو باحذية الكعب العالي جدا كانتا ستؤديان بالنتيجة الى
تدمير وضع الركبة لديهما). وان كنت تشعر بالم متواصل او بمشكلات في التوازن، وتعتقد ان
طريقة المشي لديك هي المسؤولة، فهناك عدة طرق للتاكد من ذلك.
ابحث في قدميك، دقق النظر في راحة قدميك وفي حذائك، لاحظ مواقع اجزاء الجلد المتصلبة
او الشقوق، ولاحظ ان كان حذاؤك قد اصابه البلى في منطقة دون اخرى. والبلى والتشقق
في قدميك او حذائك يعني ان لديك مشية غير معتدلة او ضعفا في انتصاب القامة
في اثناء المشي.
امش.. تجاه صديقك او المراة. حاول اعادة المشي مرارا، لاحظ في كل مرة جوانب مختلفة
من مشيتك (مدى الخطوة، تارجح الذراعين)، ووضع انتصابك (مواضع عظمي الحوض، الجذع، الكتفين، الراس). راجع
اختصاصيا. الاختصاصي في العلاج الطبيعي او المدرب الرياضي قد يكون بمقدورهما تقييم مشيتك في اثناء
المشي، وسيمكنهما ملاحظة حركة جسمك وزوايا الاطراف، وطول مدى الخطوات.
* نصائح.. لخطوة صحيحة
* من الممكن تصحيح العادات المتاصلة للمشي، التي اكتسبها الانسان على مدى عقود من السنين.
وحتى ان لم تكن تشعر بان مشيتك سيئة فان بامكانك الاستفادة من النصائح التالية:
انظر الى الامام، ارفع قمة راسك، لا تحن حنكك او تنظر الى الارض، بل وجه
انظارك الى الامام على مسافة 10 الى 20 قدما (3 الى 6 امتار تقريبا)، وان
اردت ان تدقق في الارض لتفادي الحواجز اخفض عينيك لا راسك، فالراس المنتصب يقلل من
احتمالات ظهور الام الرقبة والكتف.
مدد عمودك الفقري، يجب ان تكون كتفاك مفروشتين ومربعتين، ليستا ممدودتين نحو الخلف ولا متهدلتين
الى الامام، شد الردفين. وعندما يكون جسمك منتصبا تماما فسيكون بمقدورك ان تخط خطا مستقيما
وهميا من اذنك الى الكتف وعظم الحوض والركبة والكاحل، ويظهر هذا الخط عند رؤيته من
الجانب. ان الحفاظ على وضعية انتصاب صحيحة في اثناء المشي سيساعدك على تفادي الام عظم
الحوض واسفل الظهر.
احن ذراعيك، اثن مرفقيك بزاوية 90 درجة، ودع ذراعيك تتارجحان في مستوى الخصر. وينبغي ان
تكون اصابعك معكوفة وليست مضمومة في الكفين، وان كنت قد اكتسبت عادة تهدل الذراعين فقد
تحتاج الى بعض الجهود الواعية لرفعهما.
ادر عظمي الحوض. تدوير الحوض حول محوره يضيف قوة الى خطوتك. اثن قدميك، اضرب الارض
بكعبيك، ارفع اطراف اصابعك، افترض ان الشخص الذي يمشي خلفك يريد رؤية نعل حذائك في
اثناء المشي.
اخط خطوات متانية، الخطوات الطويلة المدى تؤدي الى الاخلال بالتوازن. ركز على الخطوات الاقصر، واخط
الكثير منها.
تشارك في الحمولة. هناك الكثير مما يقال عن حمل الاثقال فوق الراس، وكل ثقل على
الظهر او الكتفين يؤثر على الاكثر على وضع القامة، لانه يدفع الجذع الى الامام. اما
حقيبة الظهر التي يتوزع فيها الثقل بالتساوي على الكتفينن فهي افضل خيارين لحمل الاشياء. وان
كنت تستخدم حقيبة تعلق على الكتف فحاول تحويلها من كتف الى اخرى كل بضع دقائق
في اثناء مشيك.