احلى مواضيع جديدة

تفسير سورة النبا

تفسير سورة النبا A692Bec41D96Bac88644Fbc0745C5F18

تفسير سورة النبا A692Bec41D96Bac88644Fbc0745C5F18

{عم يتساءلون (1)} اي عن اي شىء يتساءل المشركون، وذلك لما روي انهم حين بعث
رسول الله صلى الله عليه وسلم جعلوا يتساءلون بينهم فيقولون: ما الذي اتى به، ويتجادلون
فيما بعث به فنزلت هذه الاية. رواه ابن جرير عن الحسن.

{عن النبا العظيم (2)} وهو امر رسول الله صلى الله عليه وسلم وما جاء به
من القرءان العظيم وذكر البعث ويوم القيامة.

{الذي هم فيه مختلفون (3)} وهو يوم القيامة لان كفار مكة كانوا ينكرونه والمؤمنين كانوا
يثبتونه.

{كلا سيعلمون (4)} “كلا” هي رد على الكفار الذين ينكرون البعث ويوم القيامة، وفي الاية
ردع للمشركين ووعيد لهم، وسيعلمون ما ينالهم من العذاب.

{ثم كلا سيعلمون (5)} التكرار هنا توكيد للوعيد، وحذف ما يتعلق به العلم على سبيل
التهويل.

{الم نجعل الارض مهادا (6)} في الايات الاتية دلالة على قدرته تعالى على البعث وهو
الخالق، وقد بدا بذكر ما هم دائما يباشرونه، فالارض ذات مهاد، والمهد والمهاد: هو الفراش
الموطا، اي انها لهم كالمهد للصبي يمهد له فينوم عليه، فالله ذللها للعباد حتى سكنوها.

{والجبال اوتادا (7)} اي ان الله تعالى ثبت الارض بالحبال كي لا تميد باهلها.

{وخلقناكم ازواجا (8)} اي ان الله تعالى خلق انواعا في اللون والصورة واللسان لتختلف احوال
الخلق فيقع الاعتبار فيشكر الفاضل ويصبر المفضول.

{وجعلنا نومكم سباتا (9)} اي ان الله جعل النوم سكونا وراحة لينقطع الناس عن حركاتهم
التي تعبوا بها في النهار.

{وجعلنا الليل لباسا (10)} اي سكنا وغطاء تستترون به عن العيون فيما لا تحبون ان
يظهر عليه منكم.

{وجعلنا النهار معاشا (11)} وكذلك جعل الله النهار وقت اكتساب تتصرفون فيه في قضاء حوائجكم
وهو معاش لانه وقت عيش.

{وبنينا فوقكم سبعا شدادا (12)} اي ان الله جعل السموات السبع محكمة الخلق وثيقة البنيان.

{وجعلنا سراجا وهاجا (13)} اي وخلق الله تعالى الشمس مضيئة كما روى البخاري عن ابن
عباس، وهي حارة مضطرمة الاتقاد.

{وانزلنا من المعصرات ماء ثجاجا (14)} والمعصرات السحاب وهي الغيم ينزل الله منها الماء المنصب
بكثرة.

{لنخرج به حبا ونباتا (15)} اي ان الله يخرج بذلك الماء الحب كالحنطة والشعير وغير
ذلك مما يتقوت به.

{وجنات الفافا (16)} وكذلك يخرج الله بذلك الماء البساتين ذات الزرع المجتمع بعضه الى جنب
بعض، واذا علم الكفار ذلك فهلا علموا ان الله قادر على ان يعيد الخلق يوم
القيامة.

فبعد ان عد الله على عباده بعض وجوه انعامه وتمكينهم من منافعهم قال تعالى {ان
يوم الفصل كان ميقاتا (17)} اي ان يوم القيامة يفصل فيه بين الحق والباطل وهو
في تقدير الله حد تؤقت به الدنيا وتنتهي عنده.

{يوم ينفخ في الصور فتاتون افواجا (18)} وهو عبارة عن قرن ينفخ فيه الملك اسرافيل،
والمراد هنا النفخة الاخيرة التي يكون عندها الحشر فينفخ في الصور للبعث فياتي الناس من
القبور الى الموقف افواجا اي زمرا زمرا، رواه البخاري عن مجاهد.

{وفتحت السماء فكانت ابوابا (19)} اي تتشقق السماء حتى يكون فيها شقوق، وقرا ابن كثير
ونافع وابو عمرو وابن عامر: “وفتحت” بالتشديد، وقرا عاصم وحمزة والكسائي بالتخفيف.

{وسيرت الجبال فكانت سرابا (20)} وازيلت الجبال عن مواضعها فنسفت.

{ان جهنم كانت مرصادا (21)} وجهنم ترصد من حقت عليه كلمة العذاب فيدخلها الكافر ويحبس
فيها اعاذنا الله من ذلك.

{للطاغين مابا (22)} اي ان جهنم مرجع ومنقلب من طغى في دينه بالكفر والعياذ بالله.

{لابثين فيها احقابا (23)} وقرا حمزة “لبثين” والمعنى فيهما واحد، اي ان الكفار سيمكثون في
النار ما دامت الاحقاب، وهي لا تنقطع كلما مضى حقب جاء حقب وهكذا الى ما
لا نهاية له، والحقب ثمانون سنة، قال الامام القشيري: اي دهورا، والمعنى مؤبدين. وليس في
الاية ولا في غيرها متعلق لمن يقول بفناء النار كجهم ابن صفوان وهو راس الجهمية.
وقد عد علماء الاسلام القول بفناء جهنم من الضلال المبين المخرج من الاسلام والعياذ بالله
كما قال الامام الحافظ المجتهد تقي الدين السبكي رحمه الله في رسالته التي سماها “الاعتبار
ببقاء الجنة والنار” رد فيها على ابن تيمية الذي من جملة ضلالاته قوله بازلية نوع
العالم، وذكر عقيدته هذه في اكثر من خمسة من كتبه، وهذا القول كفر اجماعا كما
قال الزركشي وابن دقيق العيد وغيرهما كالحافظ ابن حجر في شرح البخاري والقاضي عياض المالكي،
فلا يغرنك زخرفه.

{لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا (24)} اي ان الكفار في جهنم لا يذوقون الشراب
البارد المستلذ.

{الا حميما وغساقا (25)} هو استثناء متصل من قوله تعالى :{ولا شرابا} والحميم: هو الماء
الحار الذي يحرق، والغساق: هو القيح الغليظ، وقرا ابن كثير ونافع وابو عمرو وابن عامر
وشعبة :”غساقا” بالتخفيف، وقرا حمزة والكسائي وحفص عن عاصم بالتشديد.

{جزاء وفاقا (26)} فوافق هذا العذاب الشديد سوء اعمالهم وكفرهم.

{انهم كانوا لا يرجون حسابا (27)} قال مجاهد: لا يخافونه، رواه البخاري، فهم كانوا لا
يؤمنون بيوم الحساب فيخافون من العقاب.

{وكذبوا باياتنا كذابا (28)} وكانوا مبالغين في تكذيب القرءان الكريم.

{وكل شىء احصيناه كتابا (29)} اي ان كل شىء مما يقع عليه الثواب والعقاب من
الاعمال مكتوب في اللوح المحفوظ ليجازي الله عليه، ومن ذلك تكذيبهم للقرءان، فالملائكة يحصون زلات
العاصين ويكتبونها في صحائفهم.

{فذوقوا فلن نزيدكم الا عذابا (30)} فزيادة العذاب لهم الى ما لا نهاية له هو
مسبب عن كفرهم بيوم الحساب وتكذيبهم بالايات. وفي هذا الخطاب توبيخ لهم وشدة غضب عليهم،
وقد روى ابن ابي حاتم عن ابي برزة الاسلمي رضي الله عنه ان هذه الاية
هي اشد ءاية في كتاب الله على اهل النار.

واعلموا ايها الاحبة انه يستحب اذا سمع الشخص عن عذاب جهنم او عن اهوال يوم
القيامة ان يقول: حسبنا الله ونعم الوكيل، على الله توكلنا.

{ان للمتقين مفازا (31)} فالتقي وهو من ادى الواجبات واجتنب المحرمات يفوز وينجو ويظفر حيث
يزحزح عن النار ويدخل الجنة.

{حدائق واعنابا (32)} ويكون له في الجنة البساتين التي فيها انواع الاشجار المثمرة.

{وكواعب اترابا (33)} اي جواري متساويات في السن.

{وكاسا دهاقا (34)} اي كاسا مملوءة بالشراب الصافي.

{لا يسمعون فيها لغوا ولا كذابا (35)} فلا يسمعون في الجنة باطلا من القول ولا
كذبا، ولا يكذب بعضهم بعضا، وقراءة علي رضي الله عنه :”كذابا” بالتخفيف، وكان الكسائي يخفف
هذه ويشدد، والباقون بالتشديد.

{جزاء من ربك عطاء حسابا (36)} ويجزي الله المتقين اكراما منه العطاء والنعيم الكثير.

{رب السموات والارض وما بينهما الرحمن لا يملكون منه خطابا (37)} فالله مالك السموات والارض
وكذلك ما بينهما وهو الرحمن، فلا يملك اهل السموات والارض الاعتراض على الله في ثواب
او عقاب لانهم مملوكون له على الاطلاق فلا يستحقون عليه اعتراضا وذلك لا ينافي الشفاعة
باذنه تعالى. قال مجاهد “لا يملكون منه خطابا” اي لا يكلمونه الا ان ياذن لهم،
رواه البخاري.

{يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون الا من اذن له الرحمن وقال صوابا (38)}
اي يقوم يوم القيامة الروح وهو جبريل والملائكة وهم من اعظم مخلوقات الله قدرا وشرفا
مصطفين فلا يتكلمون في موقف القيامة اجلالا لربهم وخضوعا له، فلا يشفع الا من اذن
الله له في الشفاعة من المؤمنين والملائكة، قال مجاهد “وقال صوابا” اي حقا في الدنيا
وعمل به، رواه البخاري. فعند اهل الغفلة هو بعيد ولكنه في التحقيق قريب لتحقق وقوعه
بلا شك فيرى المؤمن والكافر ما عمل من خير او شر لقيام الحجة له او
عليه، وقد قال ابو هريرة وابن عمر رضي الله عنهما: ان الله يبعث الحيوان فيقتص
لبعضها من بعض ثم يقال لها بعد ذلك: كوني ترابا، فيعود جميعها ترابا فيتمنى الكافر
لنفسه مثلها، ويؤيده قول الله عز وجل :{واذا الوحوش حشرت} اي بعثت للقصاص، وما رواه
مسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم :”لتؤدن الحقوق الى اهلها يوم القيامة حتى
يقاد للشاة الجلحاء (وهي التي لا قرن لها) من الشاة القرناء” (وفي رواية لتؤدن الحقوق)،
قال مجاهد: يبعث الحيوان فيقاد للمنقورة من الناقرة وللمنطوحة من الناطحة.

وفي الاية والحديث المذكورين دليل على ان البهائم لها ارواح ونمو، اما النبات ففيه نمو
فقط وليس فيه روح، فالزرع لا يتالم حين الحصاد كالشاة التي تذبح فان الشاة تتالم،
فمن قال: ان البهائم لا ارواح لها فقد كذب القرءان والحديث.

{ذلك اليوم الحق فمن شاء اتخذ الى ربه مابا (39)} اي ان يوم القيامة ثابت
ليس فيه تخلف ومن اراد السلامة من العذاب يوم القيامة يسلك سبيل الخير، وفي الاية
معنى الوعيد والتهديد لا التخيير.

{انا انذرناكم عذابا قريبا} وهو عذاب الاخرة {يوم ينظر المرء ما قدمت يداه} اي يرى
عمله مثبتا في صحيفته خيرا كان او شرا {ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا (40)}
تاكيد للتهديد والوعيد والتخويف من عذاب الاخرة. والله سبحانه وتعالى اعلم.

السابق
التكامل السمعي
التالي
تعلم التنويم المغناطيسي باليد