وجوب طاعة ولاة الامر في غير معصية الله
ملخص الخطبة
1-نعم الله كثيرة ومن بينها الامن والامان الذي نعيشه.
2-ادلة وجوب طاعة ولاة الامر على المسلمين اذا امروا بالطاعة.
3-تحريم الخروج على الامراء وان جاروا وظلموا.
الخطبة الاولى
اما بعد:
فان الناس في اي زمان ومكان لا تستقيم امورهم وشؤونهم وهم فوضى لا سراة لهم،
وجميع البشر على وجه الارض جعلهم الله درجات، فمنهم الحاكم والمحكوم والامير والمامور والرئيس والمرءوس،
وهذه سنة كونية من الله عز وجل في عباده.
والمسلمون اذا طبقوا اسلامهم كاملا ورضوا به حكما في جميع شؤونهم فسوف يعيشون في غاية
العزة والسعادة والرفعة باذن الله في الدنيا، ولهم في الاخرة من الله الاجر العظيم.
الاسلام خير كله على اهله العاملين به والمقصرين، وهو خير كله ايضا على البشرية جميعها،
لم يترك فيه شيء الا طرق، ولا مسالة او مشكلة الا وجد فيه الحل الامثل.
وان من اهم الامور التي يشطح فيها ابناء الاسلام وتزل بهم الاقدام وتتباين بهم حولها
الاراء والاتجاهات والاختلافات والاهواء خاصة في هذا الزمان الذي تعددت فيه المشارب والثقافات واختلط فيه
الغث بالسمين ودس السم في العسل وكثرت فيه الشبهات والشهوات واختلفت النيات والمقاصد، واختلط على
كثير من الناس فهم ومعرفة طرق اهل الباطل واساليبهم في كثير من دروب الغواية والضلالة
الواضحة الجلية لاهل العلم والبصيرة، فضلا عن ان يعرفوا اساليب وطرق بني جلدتهم الذين يتكلمون
بالسنتهم ولغتهم واسلامهم احيانا.
فمن تلك الامور التي شطحوا فيها طاعة اولي الامر من المسلمين وبيعتهم، ولو انصفوا من
انفسهم واتبعوا كتاب الله وسنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم قراءة وتدبرا واستنباطا بعد
الفهم الصحيح الذي لن يكون الا على ايدي العلماء المخلصين الخائفين من الله عز وجل
والذين لا تطيش بهم الاهواء والاراء والاعتبارات ايا كانت، لو فعلوا ذلك لما تفرقوا شيعا
واحزابا كل بما لديهم فرحون. قال تعالى: ( ان الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست
منهم في شيء انما امرهم الى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون ) [الانعام:159]. وقال
تعالى: ( ولا تكونوا من المشركين * من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب
بما لديهم فرحون ) [الروم:31-32].
واننا في هذا البلد الطيب المبارك باذن الله محسودون بين الامم المعاصرة لنا، ويوشك ان
تداعى علينا تلك الامم كما تداعى الاكلة الى قصعتها، محسودون حسد غبطة بين المؤمنين في
بقاع الارض حيث يتمنون الحياة الكريمة الامنة التي يحكم فيها شرع الله بيننا، ويريدون ان
يكون حالهم كحالنا او افضل مع تقصيرنا الذي يعلمه الله، ومحسودون ايضا حسد تمني زوال
هذه النعم المتعددة التي نعيشها، محسودون من قبل اعداء ديننا الاسلامي الحنيف ابتداء من بني
جلدتنا اصحاب الشهوات والشبهات والمعاصي والمنكرات والمنافقين والرافضة واليهود والنصارى والشيوعيين وجميع ملل الكفر ونحله،
ولن يرضوا عما نحن فيه وعليه، ولن يقر لهم قرار او يهدا لهم بال في
ليل او نهار حتى يسعوا لتقويض معالم دين الاسلام باي طريقة كانت، سواء منهم وبايديهم
او بايدي بني جلدتنا، فهم السلاح الفتاك الذي عن طريقهم تدخل الشرور وترتكب المعاصي والاثام
دون انتباه عامة الناس لخطط الاعداء الالداء للاسلام والمسلمين، وقد بلغوا كثيرا مما ارادوه وخططوا
له على غفلة من اهل الاسلام الغيورين، وكان نفسهم طويلا خلال عشرات السنين ولكنهم مهما
مكروا وفكروا ودبروا وقدروا فالله لهم بالمرصاد فهو سبحانه حافظ دينه وناصر لاهل طاعته وهو
يدافع عنهم وينصرهم في الحياة الدنيا وفي الاخرة (ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين) [الانفال:30].
والذي اريده بعد هذه التوطئة هي الذكرى التي ينتفع بها المؤمنون وشكر الله عز وجل
على جميع النعم التي انعم الله بها واسبغها علينا نعما ظاهرة وباطنة والاعتصام بحبل الله
وعدم التفرق والاختلاف والتعاون على البر والتقوى، ونعم الله علينا كثيرة لا تعد ولا تحصى،
ومن تلك النعم المفقودة في العالم والتي نتفيؤ ظلالها ونعيش تحت مظلتها ونجني ثمارها ونعيش
امنها ورخاءها هي نعمة تطبيق الشريعة الاسلامية واقامة حدودها والترابط والتالف بين ولاة الامر من
الحكام والعلماء وبين المؤمنين الصادقين وعامة الناس، هذا الترابط والتلاحم والاعتزاز بالاسلام واحكامه يزيدهم عزة
ورفعة بين الامم ويشيع الامن والطمانينة بين افراد المجتمع، يفرح بهذا المؤمنون وتنشرح صدورهم ويزداد
المنافقون والفاسقون والكافرون غيظا وحقدا وحسدا وكفرا ونفاقا.
لقد جاءت الادلة في القران الكريم والسنة النبوية تدل على وجوب طاعة ولاة الامر من
المسلمين ولزوم جماعة المسلمين والنهي عن الفرقة والاختلاف ومعصية ولاة الامر. قال تعالى: ( يا
ايها الذين امنوا اطيعوا الله واطيعوا الرسول واولي الامر منكم فان تنازعتم في شيء فردوه
الى الله والرسول ان كنتم تؤمنون بالله واليوم الاخر ذلك خير واحسن تاويلا [النساء:59]. وقال
تعالى: واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم اذ كنتم اعداء فالف
بين قلوبكم فاصبحتم بنعمته اخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فانقذكم منها كذلك يبين
الله لكم اياته لعلكم تهتدون) [ال عمران:103]. ( ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد
ما جاءهم البينات واولئك لهم عذاب عظيم * يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فاما الذين
اسودت وجوههم اكفرتم بعد ايمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون * واما الذين ابيضت وجوههم
ففي رحمة الله هم فيها خالدون ) [ال عمران:105-107].
فالاية الاولى نص صريح في وجوب طاعة اولي الامر من الحكام والامراء والعلماء من المسلمين،
وجاءت السنة الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تبين ان هذه الطاعة لازمة
وفريضة في المعروف، فيجب على المسلمين طاعة ولاة الامر في المعروف وليس في المعاصي، فاذا
امروا بمعصية فلا يطاعون فيها، ولكن لا يجوز الخروج عليهم باسباب تلك المعاصي او الامر
بها، بل على المسلم السمع والطاعة في المعروف واعتزال المعصية وعدم الخروج على ولي الامر
لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من راى من اميره شيئا من معصية الله
فليكره ما ياتي من معصية الله، ولا ينزعن يدا من طاعة، فان من خرج عن
الطاعة وفارق الجماعة مات ميتة جاهلية» .
وقال صلى الله عليه وسلم: «على المرء المسلم السمع والطاعة فيما احب وكره، في اليسر
والعسر، في المنشط والمكره الا ان يؤمر بمعصية، فاذا امر بمعصية فلا سمع ولا طاعة»
. وقال صلى الله عليه وسلم: «انما الطاعة في المعروف». وقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم : «انه يكون امراء تعرفون منهم وتنكرون» . قال بعض الصحابة رضي الله
عنهم جميعا فما تامرنا يا رسول الله؟ قال: «ادوا اليهم حقهم واسالوا الله الذي لكم»
.
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى احمده سبحانه واشكره واثني
عليه الخير كله واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان
سيدنا ونبينا وحبيبنا محمدا عبد الله ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد
وعلى اله وصحبه.
اما بعد:
فلا يجوز للمسلمين منازعة ولاة امورهم المسلمين ولا الخروج عليهم الا اذا راوا كفرا بواحا
قائم البرهان، لان الخروج على ولاة الامور يسبب فسادا كبيرا وشرا عظيما يختل به الامن
وتضيع معه الحقوق ويصعب ردع الظالم ونصرة المظلوم، ويروع الامن، وتنتهك الحرمات والاعراض وتختل السبل
وتقطع الطرق ولا ياتيها الامان.
وخير شاهد على هذا ما تعيشه دول العالم اليوم، ومنها الدول الاسلامية، وان كانت الشواهد
قائمة منذ الصدر الاول في الاسلام عندما سن الخوارج تلك الماسي في تاريخ الاسلام في
عهد الخليفتين الراشدين عثمان بن عفان وعلي بن ابي طالب رضي الله عنهما وما بعدهما
الى هذا الزمان. قال عبادة بن الصامت رضي الله عنه: «بايعنا رسول الله صلى الله
عليه وسلم على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره، وعلى اثرة علينا، والا ننازع
الامر اهله، الا ان تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان، وعلى ان نقول
الحق اينما كنا لا نخاف في الله لومة لائم» [البخاري ومسلم].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اسمعوا واطيعوا وان استعمل عليكم عبد حبشي كان
راسه زبيبة» [البخاري]. وقال صلى الله عليه وسلم: «من اطاعني فقد اطاع الله، ومن عصاني
فقد عصى الله، ومن يطع الامير فقد اطاعني، ومن يعص الامير فقد عصاني» [متفق عليه].
وقال صلى الله عليه وسلم: «من خلع يدا من طاعة لقي الله يوم القيامة ولا
حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية» [رواه مسلم].
ومن مقتضى البيعة النصح لولي الامر، ومن النصح الدعاء له بالتوفيق والهداية وصلاح النية والعمل
والبطانة، ومن اسباب صلاح الوالي ومن اسباب توفيق الله له ان يكون له وزير صدق
يعينه على الخير ويذكره اذا نسي، ويعينه اذا ذكر، عن عائشة رضي الله عنها انها
قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اذا اراد الله بالامير خيرا جعل له
وزير صدق ان نسي ذكره، وان ذكر اعانه، واذا اراد به غير ذلك جعل له
وزير سوء ان نسي لم يذكره، وان ذكر لم يعنه» [رواه ابو داود على شرط
مسلم].
ومن مستلزمات الدين النصيحة والمناصحة والوفاء بالبيعة الواردة في عدة احاديث، ومنها: عن ابي رقية
تميم بن اوس الداري رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الدين
النصيحة (ثلاثا) قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولائمة المسلمين وعامتهم» .
وقال صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر اليهم ولا
يزكيهم ولهم عذاب اليم: رجل على فضل ماء بالفلاة يمنعه من ابن السبيل، ورجل بايع
رجلا بسلعة بعد العصر فحلف له بالله لاخذها بكذا وكذا فصدقه، ورجل بايع اماما لا
يبايعه الا لدنيا، فان اعطاه منها وفى، وان لم يعطه منها لم يف» .
فعلينا ان نتقي الله تعالى ونشكره على نعمه التي لا تعد ولا تحصى، ومنها نعمة
الامن والاستقرار والطمانينة ورغد العيش والاعتصام بالكتاب والسنة والبعد عن الشقاق والخلاف بين الراعي والرعية،
ومن كان في شك في هذه النعم التي يعيشها ولا يعلم عنها فلينظر في دول
العالم القريبة منه والبعيدة ويتامل وينظر في واقعها وواقع شعوبها وحياتهم المليئة بالحروب الدامية التي
اكلت الاخضر واليابس منذ عشرات السنين، وامواج الفتن التي تعصف بهم والفقر والجوع والخوف وانتهاك
الاعراض والحرمات وسفك الدماء ، ومن لم يكفه التدبر والتامل وقصر نظره عن ذلك وعميت
بصيرته قبل بصره وفكره فليذهب الى بعض تلك الدول ليعيش الواقع ويرى فضل الله ونعمته
عليه وعلى جميع من يعيش على هذه الارض الطيبة، وعندها يعرف الفرق ويعيش الضد، لان
من لا يعي ويثمن مقدار النعمة التي يعيشها ولم يعرف ضدها لا يقدرها حق قدرها
الا اذا عاش ضدها، وامثلة الواقع كثيرة، قال تعالى: (وما بكم من نعمة فمن الله
) [النحل:53]. ( وان تعدوا نعمة الله لا تحصوها ان الانسان لظلوم كفار) [ابراهيم:34].
(الم تروا ان الله سخر لكم ما في السماوات وما في الارض واسبغ عليكم نعمه
ظاهرة وباطنة) [لقمان:20].
— سعد بن عبد الله العجمة الغامدي
شاركها !