تعددت الاسباب و الموت واحد
لا…ليس الموت سواء، و ليس الميتون سواسية، و ليست العواقب متشابهة،فحياة البشر انواع و اشكال
و كذلك موتهم، و كيفما نظرنا للموت وجدناه مصيبة، و كذلك وصفه القران، فهو خاتمة
لمرحلة الحياة و العمل،و مفارقة للاهل و الولد..
خاتمة لمرحلة الاستدراك و التصحيح و التعلم و الاستغفار، هو بداية القيامة و الحساب “موت
احدكم قيامته” و لا اظن ان احدا يتمنى الموت طواعية و يقبل عليه رغبة الا
الشهيد طالبا لحياة من الفرح الخالص و الرزق العميم و البشرى المنتظرة باللاحقين..
و قد نهانا الاسلام عن تمني الموت و بلوغ مرحلة السام من الحياة مهما بلغنا
من العمر و مهما تكالبت علينا هموم الدنيا، و جاء في ماثور الدعاء ان نسال
الله الحياة ما كانت خيرا لنا بعلمه و ان يميتنا اذا علم الموت خيرا لنا،
و لنا العبرة في يوسف عليه السلام الذي عانى قبل النصر و البراءة خيانة الاهل
و فتنة النساء و ظلمة السجن و تشويه السمعة،فلما جاءه الفرج و التمكين كانت عيناه
معلقتان بخاتمته، و كيف سيكون شكلها فدعى بان يموت مسلما في زمرة الصالحين.
و قد ادرك المصطفى صلى الله عليه و سلم ان الموت مصيبة فاراد ان يخفف
عن البشر مشاعر الفقد و الالم و يعزيهم بنفسه فقال: ايما احد من الناس اصيب
بمصيبة، فليتعز بمصيبته بي عن المصيبة التي تصيبه بغيري، فان احدا من امتي لن يصاب
بمصيبة بعدي اشد عليه من مصيبتي”و كيف يجد المرء العزاء اذا تذكر رسول الله؟ يجده
عندما يذكر ان الرسول يجب ان يكون احب اليه من نفسه و اهله و ماله
و ولده و الناس اجمعين ليصح ايمانه
و هناك امثلة يجب استذكارها عند الحديث عن الموت اولها:
موت النفس المطمئنة
غريب كان موقف بلال رضي الله عنه يقول للموت و هو على فراشه:حبيب جاء على
فاقة، و لكن بقية قوله تبين لماذا كان يرى الموت حبيبا طال انتظاره اذ قال:
غدا القى الاحبة محمدا و صحبه، فكان يرى بقاؤه بعد اصحابه هو المصيبة و اجتماعه
بهم غاية المنى
هذا هو موت النفس المطمئنة التي بعد ان وصف الله سبحانه و تعالى مشاهد القيامة
و الهول و الحسرة في سورة الفجر ناداها” يا ايتها النفس المطمئنة ارجعي الى ربك
راضية مرضية فادخلي في عبادي و ادخلي جنتي” لحظة من العطف و الحنو ينادي بها
الله تعالى اصحاب هذه النفس و ينسبهم له، يناديهم كمن ينادي على مغترب لكي يعود
الى دياره و وطنه الذي فارقه و في هذا قال ابن القيم:
فحي على جنات عدن فانها منازلنا الاولى و فيها المخيم
و لكننا سبي العدو فهل يا ترى نعود لاوطاننا و نسلم
ثم تنال النفس المطمئنة التي تنتقل بين الدنيا و الاخرة بسلاسة جريان الماء بشرى الرضى
و الجزاء المرتقب بالجنة، و قد وصف صاحب الظلال هذه النفس فقال: هي المطمئنة الى
ربها و طريقها و قدرها، المطمئنة في السراء و الضراء، المطمئنة فلا ترتاب و لا
تنحرف و لا تتلجلج في الطريق
العروس و استشهاد حنظلة العريس (الى ايمان)
حنظلة غسيل الملائكة: هكذا نعرفه في السيرة و الاخبار، و نعرف انه العريس الذي خرج
صباح عرسه للجهاد و هو جنب فاستشهد فغسلته الملائكة و مع عظم الشهادة و الاجر
لا تعليق و لا زيادة، و لكني اذ اكتب بقلم انثوي كنت دائما افكر في
زوجة حنظلة، جميلة بنت عبد الله، العروس التي ابتدات حياتها و اختتمتها في يوم واحد
فصارت عروسا و ارملة في نفس الوقت، لقد كان مصابها كبيرا و فقدها اليما و
كذا هو فقد الزوج، فقد قال الرسول لما راى المراة التي نعي اليها زوجها تصيح
بينما حمدت و استرجعت على ابيها و اخيها” ان للرجل لشعبة من المراة” اي مكانة
في قلبها، و لكن الله ربط على قلب زوجة حنظلة فرات رؤيا ان السماء قد
فرجت له فدخل ثم اطبقت فقالت ففهمتها الشهادة، ربط الله على قلبها و قلب كل
زوجة من بعدها في مثل موقفها تفقد زوجها بمرض او عرض فجعل سبحانه لهذا المصاب
الاليم و الاحتساب عليه اجرا عظيما فقال رسول الله” ما لعبدي المؤمن عندي جزاء اذا
قبضت صفيه من اهل الدنيا ثم احتسبه الا الجنة”
ان بعض مصائب الموت مما يذهل الانسان و لا يرى له حكمة مباشرة، و لكن
الايمان يقتضي ان نعلم بان الله ارحم بنا من امهاتنا و ابائنا، و في المصائب
يظهر فضل الايمان بالله، فغير المؤمنين قد لا يستطيعون قبول ما حصل فليجاون للانتحار او
الادوية او يصابون بالامراض، و لكن العقيدة امر عظيم، كما تقول الكاتبة نوال السباعي” تبنيك
و انت في اشد لحظاتك انهيارا، و الايمان يعطيك من اليقين ما يثبتك في اقسى
حالات الزلزلة فيجعلك مطمئنا الى قدر الله و رحمته”
موت الورعين الخائفين و المتاملين برحمة الله
قيل انه لما حضرت عمرو بن عبد العزيز الوفاة سئل: كيف اصبحت يا امير المؤمنين؟
فاجاب: اصبحت بطيا،بطينا،متلوثا بالخطايا،اتمنى على الله الاماني، و ليس قوله رضي الله عنه غريبا فهو
حفيد الفاروق،و يبدو ان جينات التقوى تنتقل بالوراثة، الذي تمنى عند موته لو ان امه
لم تلده او كان نسيا منسيا اشفاقا من ذنوبه و هو المبشر بالجنة، و قد
جاء في الحديث:لا يموتن احدكم الا و هو يحسن الظن بالله، فمن رجا رحمة الله
مع خوف ذنوبه اعطاه الله ما يرجو و امنه مما يخاف
الموت و الاحبة
كتب الياس خوري في رائعته عن النكبة الفلسطينية باب الشمس” يموت الاخرون فتموت اشياء في
دواخلنا،يموت من نحبهم فتموت اعضاء في اجسادنا، الانسان لا ينتظر موته بل يعيشه،يعيش موت الاخرين
في داخله و حين يصل الى موته يكون قد بتر الكثير من اجزائه و لم
يبق الا القليل”
ليس الموت سواء و ليس الاموات سواسية
اذا مات ذو علم و تقوى فقد ثلمت في الاسلام ثلمة
و موت العابد القوام ليلا يناجي ربه في كل ظلمة
و موت فتى كثير الجود محل فان بقاؤه خصب و نعمة
و موت الفارس الضرغام هدم فكم شهدت له بالنصر عزمة
و موت الحاكم العدل المولى لحكم الارض منقصة و نقمة
اولئك خمسة يبكى عليهم و باقي الناس تخفيف و رحمة
و باقي الخلق دهماء رعاع و في ايجادهم لله حكمة
عظم الله اجركم