داوود عبد السيد (23 نوفمبر 1946 -)، مخرج مصري. بدا حياته العملية بالعمل كمساعد مخرج
في بعض الافلام، اهمها الارض ليوسف شاهين، (الرجل الذي فقد ظله) لكمال الشيخ، (اوهام الحب)
لممدوح شكري. ثم بعد ذلك توقف عبد السيد عن مزاولة هذا العمل….. لم احب مهنة
المساعد، كنت تعسا جدا وزهقان اوي.. لم احبها، انها تتطلب تركيزا افتقده.. انا غير قادر
على التركيز الا فيما يهمني جدا.. عدا ذلك، ليس لدي اي تركيز.
ولهذا السبب، قرر ان يحمل الكاميرا وينطلق بها في شوارع القاهرة، يرصد الحزن والالم في
عيون الناس، ويصنع افلاما تسجيلية اجتماعية عنهم. حيث قدم العديد من الافلام التسجيلية، اهمها (وصية
رجل حكيم في شؤون القرية والتعليم 1976)، (العمل في الحقل 1979)، (عن الناس والانبياء والفنانين
1980). وهي بالطبع افلام قد حققت لعبد السيد فرصة للاحتكاك المباشر مع الناس، ومعرفة اوسع
واعمق بالمجتمع المصري بكافة طبقاته، اضافة الى انها اكسبته الاحساس بنبض الحياة المتدفق.
يتحدث عبد السيد عن بداية اهتمامه وعلاقته بالسينما، فيقول :… لم يكن ضمن طموحي في
الطفولة ان اصبح مخرجا سينمائيا، ربما اردت ان اكون صحفيا.. الا ان ما غير حياتي
هو ابن خالتي، وكان يعشق مشاهدة الرسوم المتحركة. وتطور معه الامر لشراء كاميرا، وعمل بعض
المحاولات في المنزل. وتدريجيا تعددت علاقاته بالعاملين في مجال السينما. واذكر، وكنا انذاك في السادسة
عشر، ان اخذني لاستوديو جلال، وهو القريب من سكننا بمصر الجديدة، وكانوا يصورون فيلما من
اخراج احمد ضياء الدين، الذي كنت اعرفه بحكم زمالتي وابنه في المدرسة. ما حدث يومها
اني انبهرت بالسينما بصورة مذهلة. وهذا الامر افشل تماما في تفسيره حتى الان، المؤكد انه
ليس النجوم وليس الاخراج وليس التكنولوجيا، بل شيء اخر غامض حقا.. قررت بعدها دخول معهد
السينما….
اما عن تجربته مع السينما التسجيلية، فيقول :… ان الفيلم التسجيلي يتيح لك حرية التجريب
بدون خوف من الخسارة المادية مثلا.. اقصد بالتجريب هو ان تعبر عن المضمون الذي لديك
بصورة متحررة.. وحين تعبر فقد صار في امكانك التجريب، ولو نجح التجريب فستكسب الثقة فيه
وتجد القدرة على المزيد منه….حوارية الصمت[عدل]
وعلى مدى خمسة عشر عاما، ظل عبد السيد يصنع بافلامه حوارا من طرف واحد.. حوارا
مفرداته الصورة لا الكلمة، يصنع الحوار الصامت بالكاميرا. لكن عبد السيد لم يستطع الاستمرار في
هذا الصمت.. شعر بضياع جهده، حيث لا يصل الى جمهوره الحقيقي. فكان قراره بان يكتب
ويخرج فيلما روائيا، ليخرج من دائرة الافلام التسجيلية المغلقة، ويلتقي بالطرف الاخر.. الجمهور….. عشت احلم
بهذه اللحظة، وللاسف رحلتي مع الافلام التسجيلية لم تحقق اي شيء، لانه لا يوجد من
يهتم بها.. وطالما نادينا بعرضها في دور السينما فبل الفيلم الروائي. من هنا وجدت انه
لا يمكن الوصول لعقل المشاهد الا من خلال الفيلم الروائي الطويل.
ولا ننسى الاشارة الى ان جانبا من اسباب تاخر تجربة عبد السيد في مجال الفيلم
الروائي، تعود الى انه قد رفض الاستمرار بالعمل كمساعد مخرج، وكان دخوله المجال الروائي من
ميدان خارجي، ومظلوم اعلاميا، هو مجال الفيلم التسجيلي، الذي هيئه حقيقة لخوض المجال الاخر….. تخلصت
من بعض الخوف من الكاميرا، وشعرت انني قادر على تجسيد فكرة في شكل سينمائي.. هذا
اعطاني ثقة في اني قادر على تجسيد فكرة، لا تكون مجرد ورق.. والجزء الاساسي في
التعليم هو من كتابة السيناريو. فلا ارى ان هناك اخراجا وهناك كتابة سيناريو.. عندما تتعلم
كتابة سيناريو تتعلم الاخراج.. والاساسي الذي تتعلمه كيفية ان توصل فكرة.
وخلال هذه الرحلة مع الفيلم التسجيلي لم ينسى حلمه، وهو اخراج فيلم روائي. لهذا كان
يكتب القصص والسيناريوهات، حيث بدا في كتابة اول سيناريو له بعد بضعة اشهر فقط من
تخرجه من معهد السينما. البدايات كانت محاولات غير ناضجة، حتى كتب سيناريوهات (كفاح رجال الاعمال
+ الوباء + الصعاليك + بيت الست حياة).
ويقول عبد السيد….. ان المحاولات الاولى لم تكن ناضجة بما يكفي، لكي تقنعني بمحاولة اخراجها
للنور.. ولكن بمجرد انتهائي من اول اعمالي الناضجة (كفاح رجال الاعمال)، لم اتردد لحظة واحدة
(…) وبالفعل تعاقدت على اخراج هذا العمل سنة 1980.. ولكن للاسف ولاسباب تخص المنتج، لم
اتمكن من تنفيذ الفكرة….الى هنا، نكون قد اشرفنا على نهاية موضوعنا هذا. ولكن قبل ان
نفعل ذلك، كان لابد لنا من تسجيل بعض الملاحضات، واستخلاص بعض اهم الخصائص والمميزات التي
تميز بها اسلوب مخرجنا داود عبد السيد. فبالرغم من انه لم يقدم سوى ثلاثة افلام
روائية طويلة، وهي بالطبع ليست كافية لاستنتاج اسلوب خاص به، الا اننا هنا امام حالة
خاصة جدا. اذ ان عبد السيد استطاع ان يقدم سينما خاصة وجديدة، واثبت بانه فنان
متمرد على السائد والتقليدي باحثا عن سينما مختلفة ذات اسلوب خاص يحمل رؤيته الفنية والفكرية،
ومصرا على صنع السينما التي يريدها.. السينما الذاتية والخاصة به.
ذاتية الفيلم[عدل]
ان عبد السيد يؤكد في احد تصريحاته الصحفية، بان السينما الجديدة هي نتاج للسينما القديمة
وتراثها. وان السينما الجديدة ليست سينما مختلفة، وانما لها طابعا شخصيا. فذاتية المخرج تظهر في
العمل بشكل واضح.. انه يؤكد دائما على السينما الذاتية….. انا اقدم الموضوعات التي اشعر بها
واتفاعل معها، دون النظر لاي ظروف اخرى. والحمد لله فقد استطعت ان اقدم جزءا يسيرا
من احلامي، واتمنى بان اوفق في تقديم الكثير من هذه الطموحات….
كاميرا القلم[عدل]
ولتحقيق طموحاته في السينما التي يصنعها عبد السيد، فهو يمتب بنفسه سيناريوهات افلامه.. اي انه
يتبنى مفهوم “سينما المؤلف”. وهذا بالطبع يجعله في حرية فنية، يستطيع بها تجسيد ما يريده
هو من رؤى فنية وفكرية، يصبح مسئولا عنها مسئولية كاملة….. انا اكتب لانني اريد ان
اخرج افلامي. والحقيقة انني احب الكتابة، فهي مهنة صعبة ومتعبة، ولكني في الاساس مخرج احاول
ان ابحث عن كاتب يجسد رؤيتي على الورق، فلا اجده بسهولة….
والكتابة كما يقول عبد السيد مهمة صعبة، باعتبار ان الكاتب يعمل على ورق ابيض، اي
على فراغ، اما المخرج فعنده جسم يحققه. لذلك فتحقيق الرؤية في الكتابة، بالنسبة لعبد السيد،
اصعب من تحقيقها في الاخراج. فعبد السيد لا يمانع في اخراج سيناريو لكاتب اخر، ولكن
المشكلة كما يقول هي انه لا يجد الكاتب الذي يشاركه نفس الهدف في العمل. لذلك
فهو لا يرحب باخراج سيناريوهات الاخرين….. انا اقوم بكتابة افلامي لانني مؤمن بانه يجب ان
يكون هناك تفاهم كامل بين كاتب السيناريو والمخرج. ومن هنا فانا لا افكر لحظة واحدة
في اخراج اعمال من تاليف الاخرين، مهما استهوتني الافكار التي تطرحها.
الحائط الرابع[عدل]
ثم ان هناك خاصية اخرى لسينما عبد السيد، تتعلق باماكن التصوير. فهو يفضل التصوير في
الاستوديو على الاماكن الطبيعية، حيث يقول :… لا اكره التصوير في الاستوديو، بالعكس افضله، وهذه
هي السينما. ان تكون لك الحرية في فتح الحائط الرابع للديكور، وان تعيد الواقع في
شكل قد يكون اقوى اكتمالا من الواقع…. وهو بذلك مقتنع بان الاستوديو والديكورات هي ما
يوفر الامكانيات المثلى للتصوير. وهذا بالطبع لا يمنعه من اللجوء احيانا الى الواقع والاماكن الطبيعية
اذا لزم الامر….. لوكان في امكاني بناء الميناء في الصعاليك، لما ترددت….
ومن الواضح جدا بان عبد السيد دقيق وحذر في اختياره لاماكن التصوير والديكور والاكسسوارات، وحريص
اكثر على مطابقتها للواقع.. وذلك لاضفاء مصداقية وواقعية على كادراته، لتكون اكثر قربا واقناعا للمتفرج.
وعبد السيد، كما سبق واشرنا، قد صور في الاستوديو وفي الاماكن الطبيعية، ولكن لا احد
يستطيع التفريق بين الاثنين، ولا يمكن ان ننسى على سبيل المثال لا الحصر بانه قد
توصل الى اعلى درجات الايهام بالتماثل مع الواقع في فيلم (الكيت كات).
اشكالية التوصيل[عدل]
اما بالنسبة لقضية التوصيل والتواصل مع الجمهور، فهي قضية هامة بالنسبة لعبد السيد، هذا لانه
فنان تهمه قضايا ومشاكل واقعه، بل وحريص على مخاطبة اكبر عدد من الناس. كما انه
في نفس الوقت يريد ان يكون راضيا عن عمله، ويحقق من خلال العملية الابداعية نضجا
فنيا. انها طبعا معادلة صعبة، لكنه مصر على تحقيقها، بل ونجح فعلا في تحقيقها، وافلامه
تشهد له بذلك. فهو يتحدث في هذا الصدد، ويقول :… اريد فيلمي فيه الحد الادنى
من الجاذبية.. احد اهدافي المهمة جدا هو الاتصال، وداخل هذا الاطار في الوصول، يقف الواحد
ويقول : عايز اعمل اللي انا عايزه، داخل اطار ان هناك مبدئيا جسرا بينك وبين
الناس….
سينما الشخصيات[عدل]
ان عبد السيد يهتم كثيرا بشخصياته اكثر من اهتمامه بالقضية المطروحة كقضية، مقتنعا تماما بان
اية قضية انما تبرز عندما تتالق الشخصية وتعبر عن احلامها وطموحاتها بصدق. وهو بذلك لا
يبحث اطلاقا عن حكاية تقليدية، وانما يبحث عن نماذج وحالات نمطية تعيشها شخصياته. ثم انه
يقدم هذه الشخصيات ويتركها تعيش واقعها وتتصرف بتلقائية حتى ولو ادى ذلك الى تصرفات لا
اخلاقية.. انه يتابعها فقط، ويقدمها كما هي.. لا يدينها بل ينظر اليها برحمة ويتلمس لها
الاعذار والدوافع، ويتفهم حاجات النفس والجسد….. عندما اكتب افلامي اكون في حالة خاصة ولا اتدخل
في تطور الشخصيات، بل اتركها كما هي، تاخذ امتدادها الطبيعي….
نهايات متعددة[عدل]
ويتميز عبد السيد بتقديم نهايات مختلفة عن التقليد في افلامه. فبناء النهاية عنده يشكل اسلوبا
خاصا، حيث تبدو الافلام متعددة النهايات. ففي مشهد من (الكيت كات)، عندما يظهر الشيخ حسني
متوجها الى عمق الكادر وهو يجر العربة التي تحكل جثمان عم مجاهد، يعتقد المتفرج بان
هذا المشهد، المؤثر والمليء بالحزن والاسى، هو النهاية.. الا ان عبد السيد يتجاوز كل هذا
الحزن، ليدفع بنا الى اكثر مشاهد الفيلم مرارة وسخرية، وهو مشهد حديث الشيخ حسني في
الميكروفون.. وبالرغم من عبثية هذا المشهد وجماليته كنهاية طبيعية للفيلم، الا انه لا يحقق لعبد
السيد هدفه ورؤيته، ليعود الى يوسف بعد ان تخلص من عجزه وهو منطلق مع والده
في شوارع القاهرة في مغامرة مجنونة على الدراجة، لينتهي بهما المطاف في نهر النيل، مع
اشراقة الصباح الرائعة، ليخرجان بثياب مبللة تجمعهما ضحكات صافية وساخرة، معلنة انهزام الياس والاحباط والعجز.
هذا ما اراد عبد السيد الوصول اليه في فيلم (الكيت كات).
الفرسان الجدد والسينما المختلفة[عدل]
ان مخرجنا داود عبد السيد واحد من هؤلاء الفرسان الذين يغامرون بافلام مختلفة، تحاول الخروج
على التقاليد السائدة للسينما المصرية. ويجمعهم شيء رئسي واحد، وهو ان السينما بالنسبة لهم ليست
وسيلة لاكل العيش فقط.. يقول عبد السيد :… الترفيه جزء مهم لا ينكره احد، والاهم
هو كون السينما وسيلة تعبير، وهو ما لا نجده في السينما التقليدية. ان السينما من
وجهة نظري شخصية.. واعتقد بان هذا هو ما يجمعني بمحمد خان وخيري بشارة وعلي بدر
خان، مع اختلاف كبير جدا في الاساليب وفي الافكار الفنية والسياسية وغيرها.. اننا مهتمون بالسينما
كفن….
واخيرا، نختم موضوعنا هذا بتصريح للمخرج داود عبد السيد، عن افكاره ومشاريعه المستقبلية، حيث يقول
:… الافكار غزيرة والمشاريع كثيرة، واحيانا اخاف من غزارة الافكار.. لا اريد ورائي ديونا.. اشعر
بان كل سيناريو اكتبه دين وعلي ان احوله الى فيلم، ان اكمله واجعله فيلما.. والواحد
لا يريد ان يظل يكتب الافكار على الورق، بل يرغب في ان يكون هناك توازن
بين السيناريو وصنعه…
من افلامه[عدل]
في مجال السينما التسجيليه :
وصية رجل حكيم في شؤون القرية والتعليم
العمل في الحقل
عن الناس والانبياء والفنانين
و في مجال الافلام الروائيه الطويلة :
الصعاليك من تاليفه
البحث عن سيد مرزوق من تاليفه
ارض الاحلام وهو من تاليف : هاني فوزي
الكيت كات عن رواية (مالك الحزين) ل ابراهيم اصلان – السيناريو للمخرج
سارق الفرح عن قصه ل خيري شلبي بنفس الاسم – السيناريو للمخرج
ارض الخوف من تاليفه
مواطن ومخبر وحرامى من تاليفه
رسائل البحر من تاليفه. كان مرشحا لدور البطولة فيه الراحل احمد زكي ومن بعده خالد
صالح، حتى استقر عبد السيد على الفنان اسر ياسين