حكم تعزية النصارى
ارجو الاجابة عن هذا السؤال: ما حكم عزاء النصارى، وهل يجوز الدعاء لامواتهم بالرحمة، وماذا
نقول لهم حينما نعزيهم؟ وجزاكم الله خيرا.
الجواب:
لا يجوز الدعاء للكافر بالرحمة، فان ذلك حرام بالاجماع، لقوله تعالى : {ما كان للنبي
والذين امنوا ان يستغفروا للمشركين ولو كانوا اولي قربى}، وانما يدعى لهم بما يناسب حالهم،
بحثهم على الصبر، ومواساتهم، وتذكيرهم بان هذه سنة الله في خلقه.
واما بشان حكم تعزية الكافر، فان من المعلوم كراهة بعض السلف لعزاء النصارى، وتحريم بعضهم
له، ولكن الذي يترجح لدي – والله اعلم – القول بجواز ذلك، وهو قول اكثر
اهل العلم، وهنالك الكثير من السلف الصالح قد عزى غير المسلمين.
والقول بجواز تعزية النصارى او الكفار عموما هو رواية عن ابي حنيفة، وهو قول الامام
الشافعي وقول في مذهب الامام احمد وغيره، شرط الا يكونوا محاربين، وخصوصا ان كان في
ذلك رجاء اسلامهم، وتاليف قلوبهم، او دفع اذاهم.
ومما يمكن الاستشهاد به على جواز ذلك انه: (كان غلام يهودي يخدم النبي -صلى الله
عليه وسلم- فمرض، فاتاه النبي -صلى الله عليه وسلم- يعوده ، فقعد عند راسه، فقال
له: (اسلم) ، فنظر الى ابيه وهو عنده، فقال له : اطع ابا القاسم -صلى
الله عليه وسلم- فاسلم ، فخرج النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يقول : (الحمد
لله الذي انقذه من النار). اخرجه البخاري (1356) .
واما الفاظ العزاء التي تقال للكافر غير المحارب فهي: اخلف الله لكم خيرا منه، ونحو
ذلك من الكلمات، كما ذكر ذلك ابن القيم رحمه الله قال في: (احكام اهل الذمة):
«قال الحسن اذا عزيت الذمي، فقل: لا يصيبك الا خير، وقال عباس بن محمد الدوري:
سالت احمد بن حنبل قلت له: اليهودي والنصراني يعزيني اي شيء ارد اليه، فاطرق ساعة،
ثم قال: ما احفظ فيه شيئا، وقال حرب: قلت لاسحاق: فكيف يعزي المشرك؟ قال: يقول
اكثر الله مالك وولدك».ا.ه.
ومن الالفاظ التي ذكرها العلماء في ذلك -اي في تعزية الكافر-: اخلف الله عليك ولا
نقص عددك، ذكر ذلك النووي وابن قدامة (انظر في ذلك: المجموع شرح المهذب: 5/275) (وانظر
المغني لابن قدامة: 2/410). وقال بعضهم يقول له: اعطاك الله على مصيبتك افضل مما اعطى
احدا من اهل دينك. ولو قال ايضا: جبر الله مصيبتك او احسن لك الخلف بخير،
وما اشبهه من الكلام الطيب، فلا باس.
وورد عن الصحابي الجليل عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه : (انه مر برجل
هيئته هياة مسلم، فسلم فرد عليه: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته، فقال له الغلام: انه
نصراني! فقام عقبة فتبعة حتى ادركه، فقال: ان رحمة الله وبركاته على المؤمنين، لكن اطال
الله حياتك، واكثر مالك وولدك).
قال الشيخ الالباني رحمه الله تعالى : (في هذا الاثر اشارة من الصحابي الجليل الى
جواز الدعاء بطول العمر، ولو للكافر، فللمسلم من باب اولى، ولكن لا بد ان يلاحظ
ان لا يكون الكافر عدوا للمسلمين، ويترشح منه جواز تعزية مثله بما في هذا الاثر).
والله ولي التوفيق.