مقدمة
كانت فلسطين ولا زالت منذ فجر التاريخ هي محور الاحداث في العالم، فكل حدث مهما
كان صغيرا يؤثر على كل دول العالم وذلك لانها مهد الديانات السماوية، ومقصد الغزاة على
مر التاريخ، وما يجري من احداث منذ ان احتل اليهود فلسطين والى يومنا هذا تتفاعل
معه الامة الاسلامية بكل مكوناتها وخصوصا ما جرى ولا يزال الى وقت كتابة هذا الموضوع
من ماسي وويلات لاهلنا في غزة الصمود، اثار قريحة فئة معينة من الامة وهم الشعراء
فجادوا بما في قريحتهم من هموم وحزن وايضا ما يعتمل في نفوسهم من غضب وغيرة
على اهلنا المحاصرين هناك، اضع هنا غيض من فيض مما قاله بعض شعراءنا.
محمود درويش
صمت من اجل غزة
خاصرتها بالالغام.. وتنفجر.. لا هو موت.. ولا هو انتحار
انه اسلوب غزة في اعلان جدارتها بالحياة
منذ اربع سنوات ولحم غزة يتطاير شظايا قذائف
لا هو سحر ولا هو اعجوبة، انه سلاح غزة في الدفاع عن بقائها وفي استنزاف
العدو
ومنذ اربع سنوات والعدو مبتهج باحلامه.. مفتون بمغازلة الزمن.. الا في غزة
لان غزة بعيدة عن اقاربها ولصيقة بالاعداء.. لان غزة جزيرة كلما انفجرت وهي لا تكف
عن الانفجار خدشت وجه العدو وكسرت احلامه وصدته عن الرضا بالزمن.
لان الزمن في غزة شيء اخر.. لان الزمن في غزة ليس عنصرا محايدا انه لا
يدفع الناس الى برودة التامل. ولكنه يدفعهم الى الانفجار والارتطام بالحقيقة. الزمن هناك لا ياخذ
الاطفال من الطفولة الى الشيخوخة ولكنه يجعلهم رجالا في اول لقاء مع العدو.. ليس الزمن
في غزة استرخاء ولكنه اقتحام الظهيرة المشتعلة.. لان القيم في غزة تختلف.. تختلف.. تختلف.. القيمة
الوحيدة للانسان المحتل هي مدى مقاومته للاحتلال هذه هي المنافسة الوحيدة هناك.
وغزة ادمنت معرفة هذه القيمة النبيلة القاسية.. لم تتعلمها من الكتب ولا من الدورات الدراسية
العاجلة ولا من ابواق الدعاية العالية الصوت ولا من الاناشيد. لقد تعلمتها بالتجربة وحدها وبالعمل
الذي لا يكون الا من اجل الاعلان والصورة.
ان غزة لا تباهي باسلحتها وثوريتها وميزانيتها انها تقدم لحمها المر وتتصرف بارادتها وتسكب دمها.
وغزة لا تتقن الخطابة.. ليس لغزة حنجرة.. مسام جلدها هي التي تتكلم عرقا ودما وحرائق.
من هنا يكرهها العدو حتى القتل. ويخافها حتى الجريمة. ويسعى الى اغراقها في البحر او
في الصحراء او في الدم. من هنا يحبها اقاربها واصدقاؤها على استحياء يصل الى الغيرة
والخوف احيانا. لان غزة هي الدرس الوحشي والنموذج المشرق للاعداء والاصدقاء على السواء.
ليست غزة اجمل المدن..
ليس شاطئها اشد زرقة من شؤاطئ المدن العربية
وليس برتقالها اجمل برتقال على حوض البحر الابيض.
وليست غزة اغنى المدن..
وليست ارقى المدن وليست اكبر المدن. ولكنها تعادل تاريخ امة. لانها اشد قبحا في عيون
الاعداء، وفقرا وبؤسا وشراسة. لانها اشدنا قدرة على تعكير مزاج العدو وراحته، لانها كابوسه، لانها
برتقال ملغوم، واطفال بلا طفولة وشيوخ بلا شيخوخة، ونساء بلا رغبات، لانها كذلك فهي اجملنا
واصفانا واغنانا واكثرنا جدارة بالحب.
نظلمها حين نبحث عن اشعارها فلا نشوهن جمال غزة، اجمل ما فيها انها خالية من
الشعر، في وقت حاولنا ان ننتصر فيه على العدو بالقصائد فصدقنا انفسنا وابتهجنا حين راينا
العدو يتركنا نغني.. وتركناه ينتصر ثم جفننا القصائد عن شفاهنا، فراينا العدو وقد اتم بناء
المدن والحصون والشوارع.
ونظلم غزة حين نحولها الى اسطورة لاننا سنكرهها حين نكتشف انها ليست اكثر من مدينة
فقيرة صغيرة تقاوم
وحين نتساءل: ما الذي جعلها اسطورة؟
سنحطم كل مرايانا ونبكي لو كانت فينا كرامة او نلعنها لو رفضنا ان نثور على
انفسنا
ونظلم غزة لو مجدناها لان الافتتان بها سياخذنا الى حد الانتظار، وغزة لا تجيء الينا،
غزة لا تحررنا، ليست لغزة خيول ولا طائرات ولا عصي سحرية ولا مكاتب في العواصم،
ان غزة تحرر نفسها من صفاتنا ولغتنا ومن غزاتها في وقت واحد وحين نلتقي بها
ذات حلم ربما لن تعرفنا، لان غزة من مواليد النار ونحن من مواليد الانتظار والبكاء
على الديار.
صحيح ان لغزة ظروفا خاصة وتقاليد ثورية خاصة ولكن سرها ليس لغزا: مقاومتها شعبية متلاحمة
تعرف ماذا تريد (تريد طرد العدو من ثيابها)
وعلاقة المقاومة فيها بالجماهير هي علاقة الجلد بالعظم. وليست علاقة المدرس بالطلبة.
لم تتحول المقاومة في غزة الى وظيفة ولم تتحول المقاومة في غزة الى مؤسسة. لم
تقبل وصاية احد ولم تعلق مصيرها على توقيع احد او بصمة احد. ولا يهمها كثيرا
ان نعرف اسمها وصورتها وفصاحتها لم تصدق انها مادة اعلامية، لم تتاهب لعدسات التصوير ولم
تضع معجون الابتسام على وجهها.
لا هي تريد.. ولا نحن نريد.
من هنا تكون غزة تجارة خاسرة للسماسرة ومن هنا تكون كنزا معنويا واخلاقيا لا يقدر
لكل العرب.
ومن جمال غزة ان اصواتنا لا تصل اليها لا شيء يشغلها، لا شيء يدير قبضتها
عن وجه العدو، لاشكال الحكم في الدولة الفلسطينية التي سننشئها على الجانب الشرقي من القمر،
او على الجانب الغربي من المريخ حين يتم اكتشافه، انها منكبة على الرفض.. الجوع والرفض
والعطش والرفض والتشرد والرفض والتعذيب والرفض والحصار والرفض والموت والرفض.
قد ينتصر الاعداء على غزة (وقد ينتصر البحر الهائج على جزيرة قد يقطعون كل اشجارها)
قد يكسرون عظامها
قد يزرعون الدبابات في احشاء اطفالها ونسائها وقد يرمونها في البحر اوالرمل او الدم ولكنها
لن تكرر الاكاذيب ولن تقول للغزاة: نعم
وستستمر في الانفجار
لا هو موت ولا هو انتحار ولكنه اسلوب غزة في اعلان جدارتها بالحياة..
وستستمر في الانفجار
لا هو موت ولا هو انتحار ولكنه اسلوب غزة في اعلان جدارتها بالحياة..
نزار قباني
من ثلاثية اطفال الحجارة
يا تلاميذ غزة علمونا
بعض ما عندكم فنحن نسينا
علمونا بان نكون رجالا
فلدينا الرجال صاروا عجينا
علمونا كيف الحجارة تغدو
بين ايدي الاطفال ماسا ثمينا
كيف تغدو دراجة الطفل لغما
وشريط الحرير يغدو كمينا
كيف مصاصة الحليب
اذا ما اعتقلوها تحولت سكينا
يا تلاميذ غزة لا تبالوا
باذاعاتنا ولا تسمعونا
اضربوا اضربوا بكل قواكم
واحزموا امركم ولا تسالونا
قصيدة الشموخ
في غزة نبت الشموخ واثمرا
وتجاوزت اغصانه هام الذرا
وزها الاباء وراح يعزف لحنه
فشدت به شفة المدائن والقرى
الصامدون، الصابرون جبينهم
ابدا لغير الله لن يتعفرا
ارذال اهل الارض قد جمعوا لهم
جوعا وتشريدا وموتا احمرا
لكنهم نحو السماء رؤوسهم
والله ينصر من به استنصرا
لا ترقبي يا غزة في جيلنا
شهما الى نصر الضعيف مشمرا
رباننا في سكره مستغرق
يصحو ويرجع بعدها كي يسكرا
ولعله رضع المذلة يافعا
وبكل اثواب الخنوع تازرا
ربوه لا يعدو للهفة ضارع
واذا ينادى للفداء استدبرا
فاصبر اخي المظلوم واشمخ صامدا
لابد يوما ان تعود مظفرا
لا يسلم المجد الرفيع قياده
طول المدى الا فتاه الاصبرا
يا غزة الامجاد بئست امة
لا تصحب الصمصام كي تتحررا
سلم اليهود خرافة، لم يعرف الت
تاريخ منهم ذات يوم اغدرا
فطرت يهود على الخساسة والخنا
فعلى طباع غيرها لن تفطرا
والمدعون حضارة من خلفها
وبطبلهم عزف الغبي وزمرا
هم جوعوا في غزة اطفالنا
هم يسفكون دماءهم فوق الثرى
في كل شبر من ربوع مدينتي
يختال سيف ضلالهم متجبرا
يا امة المليار اني شاعر
شعري تضرم بالاسى فتفجرا
لو صغته ذا اليوم مفتخرا بكم
لكن حزني انني لن افخرا
بل غزة يوم الفخار قصيدتي
في تربها زرع الشموخ وازهرا
ولسوف تهدي الخيرين شموخها
وتعلم التاريخ درسا اخضرا
لا تياسي يا اخت انا امة
لا بد يوما ان تثور وتطهرا
ما امة المليار تضحي سلعة
وتباع في سوق العبيد وتشترى
بل امة المليار ات فجرها
فبفضلها هذا الوجود تحررا
من قلب قلب الليل يبزغ بارق
فترى الظلام امامه متقهقرا
ان اليهود سحابة في ارضنا
لابد يوما ان تزول وتدحرا
محمد الشفيع
غزة صبرا
اشعل من شعري قنديلا
وانر ظلمات الديجور
سجل بالانفاس طريقا
نحو العزة نحو النور
حطم بالاهات دروعا
هدم بالاذكار السور
زلزل بالصبر المتوالي
جبلا يدعى باسم الطور
اثبت للتاريخ بانا
وعد بالنصر المقدور
اخرج من بيتك شذاذا
فرحوا بكلام البلفور
ادحر اكذوبة هيكلهم
فجر بالعزم المغرور
ادع عليهم صبح مساء
شعب الزيف هو المقبور
غزة صبرا ان يقينا
شعب القدس هو المنصور
رغم ظلام رغم حصار
سنرى بعد من المسرور
هذا شهيد بعد شهيد
بل اعراس وسط الحور
سنرى بعد العتمة ضوءا
يعلنها فجرا وحبور
بن يوسف مويسي
مهما تمادت
مهما تمادت عصبة الانذال
لن يشعر الاحرار بالاذلال
في كل يوم نستزيد ضراوة
لن نخضع بالعنف والاهوال
لن يستطيع القهر سد طريقنا
بالقصف والتجويع والانزال
قنص البراءة في الشوارع خلسة
يا ويح من يجني على الاطفال
حبس الاسود لن يميت جهادها
خلف الاسود عصبة الاشبال
في كل شبر من رباطك قدسنا
دم يضيء الدرب للاجيال
وفي كل شبر من ربوعك غزة
كتيبة من خيرة الابطال
شجب المجازر في المحافل خدعة
لا تنطلي الا على الجهال
لا تطمعي يا امتي في ظالم
قد باعنا الاقوال بالافعال
لا تخضعي يا امتي لحاكم
في موكب نراه في الاذيال
سيري الى النصر العزيز بقوة
لا تحفلي بالهم والاثقال
واذا اردت رد حق ضائع
اتلي عليه سورة الانفال
حزني على وطن تشتت شعبه
حزني عليه مقطع الاوصال
حزني على الثكلى تزف وليدها
كيف تسر بحلمها المغتال
حزني على شيخ جليل مقعد
قصف فلاح الفجر بالاقبال
حزني على الشجر المبارك اصله
حزني على الازهار والامال
حزني على الاقصى يعفر وجهه
بالرجس والانجاس والاوحال
حزني على الجبل الجليل محاصرا
حزني عليه يموت في الاغلال
حزني على العربي يرقد ساليا
حزني على الاعمام والاحوال
ارض الرباط الحر يا ارض المنى
قد جئتنا باروع الامثال
ولقد حفظت العهد عهد نبينا
من عليك الله باستقلال
وقال اخر
حطم بالاهات دروعا
هدم بالاذكار السور
زلزل بالصبر المتوالي
جبلا يدعى باسم الطور
اثبت للتاريخ بانا
وعد بالنصر المقدور
اخرج من بيتك شذاذا
فرحوا بكلام البلفور
ادحر اكذوبة هيكلهم
فجر بالعزم المغرور
ادع عليهم صبح مساء
شعب الزيف هو المقبور