عن عائشة ام المؤمنين رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
( دخلت الجنة فسمعت فيها قراءة قلت من هذا ؟ فقالوا : حارثة بن النعمان
) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( كذلكم البر كذلكم البر [ وكان
ابر الناس بامه ] ) (1)
من روائع هذا الدين تمجيده للبر حتى صار يعرف به ، فحقا ان الاسلام دين
البر الذي بلغ من شغفه به ان هون على ابنائه كل صعب في سبيل ارتقاء
قمته العالية ، فصارت في رحابه اجسادهم كانها في علو من الارض وقلوبهم معلقة بالسماء
واعظم البر ( بر الوالدين ) الذي لو استغرق المؤمن عمره كله في تحصيله لكان
افضل من جهاد النفل ، الامر الذي احرج ادعياء القيم والاخلاق في دول الغرب ،
فجعلوا له يوما واحدا في العام يردون فيه بعض الجميل للابوة المهملة ، بعدما اعياهم
ان يكون من الفرد منهم بمنزلة الدم والنخاع كما عند المسلم الصادق
وبالوالدين احسانا
قال تعالى : ( واذ اخذنا ميثاق بني اسرائيل لا تعبدون الا الله وبالوالدين احسانا
) البقرة 83 والاحسان نهاية البر , فيدخل فيه جميع ما يحب من الرعاية والعناية
, وقد اكد الله الامر باكرام الوالدين حتى قرن تعالى الامر بالاحسان اليهما بعبادته التي
هي توحيده والبراءة عن الشرك اهتماما به وتعظيما له (2) وقال تعالى ( واعبدوا الله
ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين احسانا ) النساء 36 فاوصى سبحانه بالاحسان الى الوالدين اثر
تصدير ما يتعلق بحقوق الله عز وجل التي هي اكد الحقوق واعظمها تنبيها على جلالة
شان الوالدين بنظمهما في سلكها بقوله ( وبالوالدين احسانا ) وقد كثرت مواقع هذا النظم
في التنزيل العزيز كقوله تعالى ( وقضى ربك الا تعبدوا الا اياه وبالوالدين احسانا اما
يبلغن عندك الكبر احدهما او كلاهما فلا تقل لهما اف ولا تنهرهما وقل لهما قولا
كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا )الاسراء 23-
24
قال ذو النون ثلاثة من اعلام البر : بر الوالدين بحسن الطاعة لهما ولين الجناح
وبذل المال ، وبر الولد بحسن التاديب لهم والدلالة على الخير ، وبر جميع الناس
بطلاقة الوجه وحسن المعاشرة (3) ، وطلبت ام مسعر ليلة من مسعر ماء فقام فجاء
بالكوز فصادفها وقد نامت فقام على رجليه بيده الكوز الى ان اصبحت فسقاها (4) وعن
محمد ابن المنكدر قال : بت اغمز ( المراد بالغمز ما يسمى الان بالتكبيس )
رجلي امي وبات عمي يصلي ليلته فما سرني ليلته بليلتي ، وراى ابو هريرة رجلا
يمشي خلف رجل فقال من هذا ؟ قال ابي قال : لا تدعه باسمه ولا
تجلس قبله ولا تمش امامه (5)
ووصينا الانسان بوالديه
قال تعالى : ( ووصينا الانسان بوالديه حسنا وان جاهداك لتشرك بي ما ليس لك
به علم فلا تطعهما الي مرجعكم فانبئكم بما كنتم تعملون ) العنكبوت 8 قيل نزلت
في سعد بن ابي وقاص رضي الله عنه كما روى الترمذي : قال سعد انزلت
في اربع ايات فذكر قصة , وقالت ام سعد اليس قد امر الله بالبر والله
لا اطعم طعاما ولا اشرب شرابا حتى اموت او تكفر قال فكانوا اذا ارادوا ان
يطعموها شجروا فاها فنزلت هذه الاية ( ووصينا الانسان بوالديه حسنا وان جاهداك لتشرك بي..
… ) (6) وقال جل ذكره ( ووصينا الانسان بوالديه احسانا حملته امه كرها ووضعته
كرها وحمله وفصاله ثلاثون شهرا حتى اذا بلغ اشده وبلغ اربعين سنة قال رب اوزعني
ان اشكر نعمتك التي انعمتك التي انعمت علي وعلى والدي وان اعمل صالحا ترضاه واصلح
لي في ذريتي اني تبت اليك واني من المسلمين اولئك الذين نتقبل عنهم احسن ما
عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم في اصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون ) الاحقاف 15-16
وقال ايضا ( ووصينا الانسان بوالديه حملته امه وهنا على وهن وفصاله في عامين ان
اشكر لي ولوالديك الى المصير وان جاهداك على ان تشرك بي ما ليس لك به
علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من اناب الي ثم الي مرجعكم
فانبئكم بما كنتم تعملون ) لقمان 14- 15
كذلكم البر كذلكم البر
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: سالت النبي صلى الله عليه وسلم
اي العمل احب الى الله عز وجل؟ قال: ( الصلاة على وقتها) قال: ثم اي؟
قال: ( بر الوالدين ) قال ثم اي؟ قال: ( الجهاد في سبيل الله )
(7) ومن البر بهما والاحسان اليهما الا يتعرض لسبهما ولا يعقهما؛ فان ذلك من الكبائر
بلا خلاف، وبذلك وردت السنة الثابتة؛ فعن عمرو بن العاص رضي الله عنه ان رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال ( من الكبائر شتم الرجل والديه ) قالوا يا
رسول الله وهل يشتم الرجل والديه ؟ قال ( نعم يسب ابا الرجل فيسب اباه
ويسب امه فيسب امه ) (8)
وعن عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم (
رضا الرب في رضا الوالدين وسخطه في سخطهما ) (9) اي غضبهما الذي لا يخالف
القوانين الشرعية كما تقرر فان قيل : ما وجه تعلق رضى الله عنه برضى الوالد
قلنا : الجزاء من جنس العمل , فلما ارضى من امر الله بارضائه رضي الله
عنه , فهو من قبيل لا يشكر الله من لا يشكر الناس قال الغزالي :
واداب الولد مع والده : ان يسمع كلامه , ويقوم بقيامه , ويمتثل امره ,
ولا يمشي امامه , ولا يرفع صوته , ويلبي دعوته , ويحرص على طلب مرضاته
, ويخفض له جناحه بالصبر , ولا يمن بالبر له , ولا بالقيام بامره ,
ولا ينظر اليه شزرا , ولا يقطب وجهه في وجهه (10)
——————————-
الهوامش والمصادر
(1) رواه ابن وهب في الجامع واحمد في المسند باقي مسند الانصار برقم 22951 والبغوي
في شرح السنة 3/420 ط المكتب الاسلامي ، وابن النجار في ذيل التاريخ (10/134/2) من
طريق عبد الرزاق ، وعبد الرزاق في المصنف رقم 201999 ، والحاكم (3/208) وصححه ووافقه
الذهبي ، وقال الحافظ في الاصابة (1/ 618) اسناده صحيح ، قال الصدر المناوي وغيره
: وصح لنا برواية الحاكم والبيهقي ان قوله كان ابر الناس من كلام رسول الله
صلى الله عليه وسلم وليس بمدرج ثم بسطه ، وقال الالباني اسناده صحيح على شرط
الشيخين السلسلة الصحيحة برقم 913 ، صحيح الجامع برقم 3371 ، مشكاة المصابيح برقم 4854
(2) تفسير القاسمي محاسن التاويل ج1-2 ص 178دار الفكر (3) شعب الايمان ج: 6 ص:
187 (4) شعب الايمان ج: 6 ص: 207 برقم 7920 (5) الاداب الشرعية ابن مفلح
ج1 ص 479 مؤسسة الرسالة (6) رواه الترمذي وقال حسن صحيح كتاب تفسير القران برقم
3113 (7) رواه البخاري كتاب مواقيت الصلاة برقم 496 (8) رواه مسلم كتاب الايمان برقم
130 (9) رواه الطبراني (صحيح) انظر حديث رقم: 3507 في صحيح الجامع.السيوطي / الالباني
(10) فيض القدير للمناوي 2/528