اما ” الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ” فمعناها – عند جمهور العلماء
– : من الله تعالى : الرحمة ، ومن الملائكة : الاستغفار ، ومن الادميين
: الدعاء ، وذهب اخرون – ومنهم ابو العالية من المتقدمين ، وابن القيم من
المتاخرين ، وابن عثيمين من المعاصرين – الى ان معنى ” الصلاة على النبي صلى
الله عليه وسلم ” هو الثناء عليه في الملا الاعلى ، ويكون دعاء الملائكة ودعاء
المسلمين بالصلاة عليه صلى الله عليه وسلم بان يثني الله تعالى عليه في الملا الاعلى
، وقد الف ابن القيم – رحمه الله – كتابا في هذه المسالة ، سماه
” جلاء الافهام في فضل الصلاة والسلام على خير الانام ” وقد توسع في بيان
معنى الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، واحكامها ، وفوائدها ، فلينظره من
اراد التوسع .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :
” قوله : ” صل على محمد ” قيل : ان الصلاة من الله :
الرحمة ، ومن الملائكة : الاستغفار ، ومن الادميين : الدعاء .
فاذا قيل : صلت عليه الملائكة ، يعني : استغفرت له .
واذا قيل : صلى عليه الخطيب ، يعني : دعا له بالصلاة .
واذا قيل : صلى عليه الله ، يعني : رحمه .
وهذا مشهور بين اهل العلم ، لكن الصحيح خلاف ذلك ، ان الصلاة اخص من
الرحمة ، ولذا اجمع المسلمون على جواز الدعاء بالرحمة لكل مؤمن ، واختلفوا : هل
يصلى على غير الانبياء ؟ ولو كانت الصلاة بمعنى الرحمة لم يكن بينهما فرق ،
فكما ندعو لفلان بالرحمة نصلي عليه .
وايضا : فقد قال الله تعالى : ( اولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة واولئك
هم المهتدون ) البقرة157 ، فعطف ” الرحمة ” على ” الصلوات ” والعطف يقتضي
المغايرة فتبين بدلالة الاية الكريمة ، واستعمال العلماء رحمهم الله للصلاة في موضع والرحمة في
موضع : ان الصلاة ليست هي الرحمة .
واحسن ما قيل فيها : ما ذكره ابو العالية رحمه الله ان صلاة الله على
نبيه : ثناؤه عليه في الملا الاعلى .
فمعنى ” اللهم صل عليه ” اي : اثن عليه في الملا الاعلى ، اي
: عند الملائكة المقربين .
فاذا قال قائل : هذا بعيد من اشتقاق اللفظ ؛ لان الصلاة في اللغة الدعاء
وليست الثناء : فالجواب على هذا : ان الصلاة ايضا من الصلة ، ولا شك
ان الثناء على رسول الله صلى الله عليه وسلم في الملا الاعلى من اعظم الصلات
؛ لان الثناء قد يكون احيانا عند الانسان اهم من كل حال ، فالذكرى الحسنة
صلة عظيمة .
وعلى هذا فالقول الراجح : ان الصلاة عليه تعني : الثناء عليه في الملا الاعلى
” انتهى .
” الشرح الممتع ” ( 3 / 163 ، 164 ) .
ثانيا :
واما معنى ” السلام عليه صلى الله عليه وسلم ” : فهو الدعاء بسلامة بدنه
– في حال حياته – ، وسلامة دينه صلى الله عليه وسلم ، وسلامة بدنه
في قبره ، وسلامته يوم القيامة .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :
قوله : ” السلام عليك ” : ” السلام ” قيل : ان المراد بالسلام
: اسم الله ؛ لان النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” ان الله
هو السلام ” كما قال الله تعالى في كتابه : ( الملك القدوس السلام )
الحشر/23 ، وبناء على هذا القول يكون المعنى : ان الله على الرسول صلى الله
عليه وسلم بالحفظ والكلاءة والعناية وغير ذلك ، فكاننا نقول : الله عليك ، اي
: رقيب حافظ معتن بك ، وما اشبه ذلك .
وقيل : السلام : اسم مصدر سلم بمعنى التسليم ، كما قال تعالى : (
يا ايها الذين امنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ) الاحزاب/56 فمعنى التسليم على الرسول صلى
الله عليه وسلم : اننا ندعو له بالسلامة من كل افة .
اذا قال قائل : قد يكون هذا الدعاء في حياته عليه الصلاة والسلام واضحا ،
لكن بعد مماته كيف ندعو له بالسلامة وقد مات صلى الله عليه وسلم ؟
فالجواب : ليس الدعاء بالسلامة مقصورا في حال الحياة ، فهناك اهوال يوم القيامة ،
ولهذا كان دعاء الرسل اذا عبر الناس على الصراط : ” اللهم سلم سلم ”
، فلا ينتهي المرء من المخاوف والافات بمجرد موته .
اذا ؛ ندعو للرسول صلى الله عليه وسلم بالسلامة من هول الموقف .
ونقول – ايضا – : قد يكون بمعنى اعم ، اي : ان السلام عليه
يشمل السلام على شرعه وسنته ، وسلامتها من ان تنالها ايدي العابثين ؛ كما قال
العلماء في قوله تعالى : ( فردوه الى الله والرسول ) النساء/59 ، قالوا :
اليه في حياته ، والى سنته بعد وفاته .
وقوله : ” السلام عليك ” هل هو خبر او دعاء ؟ يعني : هل
انت تخبر بان الرسول مسلم ، او تدعو بان الله يسلمه ؟
الجواب : هو دعاء تدعو بان الله يسلمه ، فهو خبر بمعنى الدعاء .
ثم هل هذا خطاب للرسول عليه الصلاة والسلام كخطاب الناس بعضهم بعضا ؟ .
الجواب : لا ، لو كان كذلك لبطلت الصلاة به ؛ لان هذه الصلاة لا
يصح فيها شيء من كلام الادميين ؛ ولانه لو كان كذلك لجهر به الصحابة حتى
يسمع النبي صلى الله عليه وسلم ، ولرد عليهم السلام كما كان كذلك عند ملاقاتهم
اياه ، ولكن كما قال شيخ الاسلام في كتاب ” اقتضاء الصراط المستقيم ” :
لقوة استحضارك للرسول عليه الصلاة والسلام حين السلام عليه ، كانه امامك تخاطبه .
ولهذا كان الصحابة يقولون : السلام عليك ، وهو لا يسمعهم ، ويقولون : السلام
عليك ، وهم في بلد وهو في بلد اخر ، ونحن نقول : السلام عليك
، ونحن في بلد غير بلده ، وفي عصر غير عصره ” انتهى .
” الشرح الممتع ” ( 3 / 149 ، 150 ) .