ابن رشد احد اهم الفلاسفة، ويشاع ان الفلسفة الاسلامية انتهت بوفاته، اسمه باللاتينية “افيروس” “Averroes”،
ولد في عاصمة الفكر الاسلامي قرطبة في الاندلس وكان ابوه قاضي وجده قاضي فدرس القانون،
واتاح له ذلك ان يكون قاضي لاشبيلية. درس الطب وعلم الكلام والفلسفة والفقه، لقب بالشارح
الاكبر لانه افضل من شرح ما جاء به ارسطو.
كانت هناك ضغوط لقطع حبل الصلة بين الخليفة وابن رشد لان الحركة السلفية انذاك رات
ان العلوم المتصلة بالكفار مثل ارسطو حرام وحاربوه، حبس ابن رشد لكن لم يطل حبسه
وانتقل الى مراكش ومات هناك. اثر ابن رشد في العالم الاسلامي والمسيحي واوروبا وقد بحث
عن اسباب انتهاء حضارة المسلمين في الاندلس فراى انها بسبب تراجع دور المراة انذاك. دارت
حول شروحه نقاشات عديدة في جامعة السربون وترجمت كل شروح ابن رشد للعبرية. ولقد اكد
ابن رشد على كروية الارض. من مؤلفاته: شروح اعمال ارسطو، تهافت التهافت.
هناك 3 مسائل مهمة في ابن رشد وهي:
- انه يمثل ردة الفعل الفلسفية على الهجمة القوية على الفلسفة التي اقدم عليها الغزالي. فابن
رشد يمثل محاولة رد اعتبار الفلسفة بعد ان اصابها الغزالي في كتابه تهافت الفلاسفة ووضع
هذا الجهد في كتابه تهافت التهافت. - ابن رشد يجسد خير من شرح مؤلفات ارسطو، وشروح ابن رشد على ارسطو هي افضل
شروح نعرفها في تاريخ الفلسفة وهو شارح لارسطو اكثر من كونه فيلسوفا مبدعا ذا فلسفة
خاصة، بل ان البعض اعتبروه تلميذا لارسطو- رغم وجود 16 قرن بينهم- مع تبنيه معظم
ارائه في الطبيعة وما وراء الطبيعة. - قدم نظرية او موقف متميز وخاص ومهم في مسالة العلاقة بين الشريعة والحكمة اي بين
الدين والفلسفة وذلك في كتاب “فصل المقال وتقرير ما بين الشريعة والحكمة من الاتصال”، المسالة
التي شغلت جميع الفلاسفة من الكندي، الفارابي، الغزالي، ابن سينا، وابن رشد. والغزالي وحده اعتقد
ان الفلاسفة يخرجون عن الدين عندما كفرهم في قضايا ثلاث وبدعهم في سبع عشرة اخرى.
اذ يستانف ابن رشد موقف الكندي مع شيء من التعديل ويقول ان لا تعارض بين
الدين والفلسفة، اي لا اختلاف بين الامرين (الشريعة والحكمة)، واذا كان هناك من تعارض فالتعارض
ظاهري بين ظاهر نص ديني وقضية عقليه، ويرى بان حله متاح بالتاويل وفقا لقواعد واساليب
اللغة العربية.
عندما ننظر الى كتاب فصل المقال لابن رشد نجد ان ابن رشد قد اخى بين
الفلسفة والمنطق فجعلهما مرتبطتين.
تعريف ابن رشد للفلسفة: تعني المصنوعات التي يصنعها الصانع تدل عليه، وكلما عرفنا الموجودات معرفة
اتم تكون معرفتنا بصانعها اتم. والشرع ندب (المندوب اي المستحب) الى اعتبار الموجودات والنظر بها
وبيان دلالتها. حيث دعا الشرع الى اعتبار الموجودات لان النظر في الموجودات نظر عقلي، وهناك
اكثر من اية تشير الى اعتبار الموجودات بالعقل
- “فاعتبروا يا اولي الابصار”
- “اولم ينظروا في ملكوت السماوات والارض”
- “افلا ينظرون الى الابل كيف خلقت والى السماء كيف رفعت”
- “ويتفكرون في خلق السماوات والارض”
وهذا النصوص- وفقا لابن رشد- تشير الى وجوب استعمال القياس العقلي.وبهذا يتضح تشديده على كلمات
النظر، والاعتبار، والتفكر، والرؤية، ويعتبرها ادلة دينية على وجوب النظر العقلي في الموجودات. يفسر ابن
رشد كلمة الاعتبار فيقول اننا من مقدمات معلومة نستنتج نتيجة مجهولة، اي من مقدمة كبرى
فمقدمة صغرى نستنتج نتيجة، اذا سلمنا بالمقدمات الكبرى والصغرى ينتج عنها بالضرورة نتيجة، وبهذا الشكل
سوغ ابن رشد دراسة المنطق.
يميز ابن رشد بين انواع الاقيسة: القياس البرهاني: القياس الذي كلتا مقدمتاه صادقة. (وهو القياس
السليم عنده) مثل: كل انسان فان..سقراط انسان.. اذن سقراط فان.
القياس الجدلي: القياس الذي احدى مقدمتيه احتمالية او كلتا مقدمتيه احتماليتان.
القياس المغالطي: هو القياس الذي فيه احدى المغالطات.
اقر ابن رشد بشرعية المنطق، واكد القياس باية “واعتبروا يا اولي الابصار”. ويقول ابن رشد
مثل قول الكندي في اننا يجب ان ناخذ الحقائق حتى لو كان قائلها من ملة
غير ملتنا، وان النظر في كتب القدماء واجب بالشرع وان الفرد لا يستطيع ان يحصل
العلم وحده ويجب ان نستفيد من بعضنا البعض ومن السابقين. شرعيا، اوجب ابن رشد النظر
العقلي في القضايا التي توصل الى الله وينبغي ان يتوفر في من ينظر بهذه العلوم
امران:
- ذكاء الفطرة.
- العدالة الشرعية والفضيلة الخلقية.
ويقول ابن رشد اذا غوى (اي ضل وانحرف) غاو بسبب النظر في الوجود لا يمكن
ان ننكر الصنعة نفسها عن الاكفاء بالنظر فيها ودراستها لان بعض غير الاكفاء للنظر قد
اخطا.
قال ابن رشد ايضا ان الناس مختلفون في جبلتهم فهناك اناس يجري عليهم القياس البرهاني
واناس القياس الجدلي. نظر ابن رشد الى العلاقة بين الدين والفلسفة وخلاصة موقفه في المسالة:
اذا قررنا قضية مثل قضية العالم مخلوق، فلا يخلو هذا الوضع (اي خلق الوجود) ان
يكون الشرع قد سكت عنه او قال قولا ما. اليقين الفلسفي البرهاني حق ولا يمكن
ان يتعارض مع حقيقة ذكرها الشرع:
- قول سكت عنه الشرع: يجوز الكلام فيه.
- قول قرر بشانه الشرع قولا ما: اما قرر بشانه قولا موافقا لما قدره العقل: فلا
نتكلم فيه، او اما قرر بشانه قولا مخالفا لما قدره العقل: فنلجا للتاويل.
تتلخص اطروحة ابن رشد في هذه المسالة في:
- ان الشرع اوجب النظر بالعقل في الوجود و اوجب دراسة المنطق من ناحية مفسرا اية
“واعتبروا يا اولي الابصار”. معنى الابصار القياس، واوجب النظر في الوجود من علل الموجودات. - الوجه الثاني ان هذا النظر ليس بدعة وينبغي ان ناخذ به و لا يمكن ان
يتحقق لفرد واحد فهو اسهام لافراد كثيرين فيجب ان نلجا للامم الاخرى. - العلاقة بين ما يقرره العقل البرهاني وما تتفق به الشريعة، كل منهما يعبر عن الحق،
والقضايا البرهانية العقلية هي حق، وما نطق به الشرع حق، والحق لا يضاد الحق بل
يؤكده ويشهد له، اي ليس هناك تناقض بين الحكمة (الفلسفة) والشريعة.
فيكون مرجع ابن رشد النهائي هو العقل
يقول لويج رينالدي في بحث عنوانه “المدينة الاسلامية في الغرب”:
“ومن فضل المسلمين علينا انهم هم الذين عرفونا بكثير من فلاسفة اليونان. وكانت لهم الايدي
البيضاء على النهضة الفلسفية عند المسيحيين. وكان الفيلسوف ابن رشد اكبر مترجم وشارح لنظريات ارسطو.
ولذلك كان له مقام جليل عند المسلمين والمسيحيين على السواء. وقد قرا الفيلسوف ورجل الدين
النصراني المشهور توماس الاكويني، نظريات ارسطو بشرح العلامة ابن رشد. ولا ننسى ان ابن رشد
هذا مبتدع مذهب “الفكر الحر”. وهو الذي كان يتعشق الفلسفة، ويهيم بالعلم، ويدين بهما. وكان
يعلمهما لتلاميذه بشغف وولع شديدين، وهو الذي قال عند موته كلمته الماثورة:”تموت روحي بموت الفلسفة
وتحيا بالروبيض من الخنا واشعا العسيسة في الكرا”.
وفي كتابه “تاريخ موجز للفكر الحر” كتب المفكر الانكليزي جون روبرتسون : “ان ابن رشد اشهر
مفكر مسلم، لانه كان اعظم المفكرين المسلمين اثرا وابعدهم نفوذا في الفكر الاوروبي، فكانت طريقته
في شرح ارسطو هي المثلى”.
وكتب المستشرق الاسباني البروفيسور ميغيل هرنانديز : “ان الفيلسوف الاندلسي ابن رشد سبق عصره، بل سبق
العصور اللاحقة كافة، وقدم للعلم مجموعة من الافكار التي قامت عليها النهضة الحديثة”.
وراى هرنانديز ان ابن رشد قدم رؤية اكثر شمولا وانسانية للمدينة الفاضلة. وكان يرى ان
في الامكان قيام كثير من المدن الفاضلة، تقوم بينها علاقات سلمية فاضلة -والمدينة هنا تكاد
تعني الدولة تماما- واعتقد ان قيام الحروب بين الدول هو نهاية العالم.
ويقول العلامة الخزرقي عليه رحمة الله :(ان ابن رشد اضاء للغربيين الطريق الى فلسفة خيالية يسطع
منها نور الترديد ). وشرح الترديد بقوله الترديد نقطة في اواسط الخنا.
من مؤلفات ابن رشد
تقع مؤلفات ابن رشد في اربعة اقسام: شروح ومصنفات فلسفية وعملية، شروح ومصنفات طبية، كتب
فقهية وكلامية، وكتب ادبية ولغوية.
احصى جمال الدين العلوي 108 مؤلف لابن رشد، وصلنا منها 58 مؤلفا بنصه العربي. وابن
رشد كان قد كتب المقالات، والف الكتب، وشرح النصوص الكثيرة ولكنه اختص بشرح كل التراث
“الارسطي”. وشروحه على ارسطو تنقسم الى ثلاثة اقسام:
- مختصرات وجوامع: وهي عبارة عما فهمه ابن رشد من “ارسطو” دون ان يتعلق الشرح بالنص
مباشرة. - تلاخيص: وتسمى ايضا شروح صغرى: وهي عبارة عن مواكبة ارسطو دون ايراد متونه.
- شروح كبرى: وفيها يورد ابن رشد قول الحكيم، ثم ياتي بالشرح المسهب – وهاهي بعض
الكتب المؤلفات المهمة بتواريخ كتابتها التقريبية:
الكليات 1162: كتاب في اصول الطب
بداية المجتهد ونهاية المقتصد 1168: كتاب في اصول الفقه
تلخيص القياس 1166: شرح صغير
تلخيص الجدل 1168: شرح صغير
جوامع الحس والمحسوس 1170
تلخيص الجمهورية 1177: وهو تلخيص “لجمهورية افلاطون”. اصله العربي مفقود ولكنه ترجم في 1999
مقالة في العلم الالهي 1178
فصل المقال وتقرير ما بين الشريعة والحكمة من الاتصال 1178: وهو تاصيل لشرعية الفلسفة. من
اشهر كتبه
الكشف عن مناهج الادلة في عقائد الملة 1179: يحاول تصحيح العقيدة الاسلامية
شرح ارجوزة ابن سينا في الطب 1180
تهافت التهافت 1181: نقض كتاب الامام الغزالي المسمى “تهافت الفلاسفة”. من اشهر كتبه
شرح البرهان 1183: شرح كبير على ارسطو
شرح السماء والعالم 1188: شرح كبير على ارسطو
شرح كتاب النفس 1190: شرح كبير على ارسطو
شرح ما بعد الطبيعة 1192 – 1194: لعله اغنى شروحه، واكثر انتاجه ابداعا.
مؤلفات اضافية:تلخيص كتاب المزاج لجالينوس، كتاب التعرق لجالينوس، كتاب القوى الطبيعية لجالينوس، كتاب العلل والاعراض لجالينوس،
كتاب الحميات لجالينوس، كتاب الاسطقسات لجالينوس، تلخيص اول كتاب الادوية المفردة لجالينوس، تلخيص النصف الثاني
من كتاب حيلة البرء لجالينوس، مقالة في المزاج، مقالة في نوائب الحمى، مقالة في الترياق.