وقصة النبي صالح عليه السلام مع قومه ثمود وردت في سور متعددة: فجاءت مفصلة في
سور: (الاعراف)، و(هود)، و(الحجر)، و(الشعراء)، و(فصلت). وجاءت اقل تفصيلا في سور: (الاسراء)، و(النمل)، و(الذاريات)، و(الحاقة)،
و(الفجر)، و(الشمس)، واشير اليها في سور: (التوبة)، و(ابراهيم)، و(الحج)، و(الفرقان)، و(العنكبوت)، و(ص)، و(غافر)، و(ق)، و(النجم)،
و(البروج).
حاصل القصة
ارسل الله نبيه صالحا عليه السلام الى قبيلة ثمود، وهي من قبائل العرب، وكان صالح
واحدا منها، وكانت مساكنها ب (الحجر)، وهو مكان يقع الان بين الحدود الشمالية للمملكة العربية
السعودية وشرق المملكة الاردنية. وكان قوم صالح عليه السلام قد انعم الله عليهم بمظاهر الحضارة
من العمران والبنيان، بيد انهم كانوا جاحدين لانعمه، منكرين لوحدانيته. وقد طالبوا نبيهم بمعجزة تثبت
انه رسول من الله اليهم، فاتاهم بالناقة. وامرهم ان يتركوا الناقة وشانها، ولا يمسوها بسوء،
غير انهم لم يلتفوا لامره، وقتلوا الناقة، فعاقبهم سبحانه شر عقاب، ونجى نبيه صالحا والذين
امنوا معه.
تحليل عناصر القصة
تدور وقائع هذه القصة واحداثها على ستة عناصر رئيسة، هي على النحو التالي:
العنصر الاول: دعوة النبي صالح عليه السلام قومه الى عبادة الله وحده والاخلاص له، ونبذ
كل معبود سواه، سواء اكان المعبود صنما، ام وثنا، ام غير ذلك. وقد تعددت الايات
الواردة في تقرير هذه الدعوة، منها قوله تعالى: {قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم
من اله غيره} (الاعراف:73). وقوله عز وجل: {اذ قال لهم اخوهم صالح الا تتقون} (الشعراء:142).
ومنها ايضا قوله سبحانه: {ان اعبدوا الله} (النمل:45). وقوله عز من قائل: {فاستغفروه ثم توبوا
اليه} (هود:61). وقوله تعالى: {لولا تستغفرون الله لعلكم ترحمون} (النمل:46).
العنصر الثاني: ذكر المعجزة التي جاءهم بها، تصديقا لرسالته، وانقيادا لدعوته، جاء ذلك في قوله
تعالى: {قد جاءتكم بينة من ربكم هذه ناقة الله لكم اية} (الاعراف:73). وقوله سبحانه: {واتينا
ثمود الناقة مبصرة} (الاسراء:59). وقوله عز وجل: {قال هذه ناقة لها شرب ولكم شرب يوم
معلوم} (الشعراء:155).
العنصر الثالث: تذكيرهم بما انعم الله عليه من نعم، وما من عليهم من منن، جاء
في ذلك قوله عز من قائل: {واذكروا اذ جعلكم خلفاء من بعد عاد وبواكم في
الارض تتخذون من سهولها قصورا وتنحتون الجبال بيوتا} (الاعراف:74). وقوله سبحانه: {هو انشاكم من الارض
واستعمركم فيها} (هود:61).
العنصر الرابع: الانكار عليهم لما هم عليه من فساد عريض وطغيان كبير، وايثار للحياة الدنيا
على الحياة الاخرة، نقرا في ذلك قوله تعالى: {فاذكروا الاء الله ولا تعثوا في الارض
مفسدين} (الاعراف:74). وقوله سبحانه: {وكانوا ينحتون من الجبال بيوتا امنين} (الحجر:82). وقوله عز وجل: {اتتركون
في ما ها هنا امنين * في جنات وعيون * وزروع ونخل طلعها هضيم *
وتنحتون من الجبال بيوتا فارهين} (الشعراء:146-149). وقوله عز من قائل: {يا قوم لم تستعجلون بالسيئة
قبل الحسنة} (النمل:46).
العنصر الخامس: موقف قوم صالح عليه السلام من دعوته نحا منحى السخرية والتكبر والاستعلاء في
الارض، وهو ما اشارت اليه الايات التاليات: قوله سبحانه: {فعقروا الناقة وعتوا عن امر ربهم
وقالوا يا صالح ائتنا بما تعدنا ان كنت من المرسلين} (الاعراف:77). وقوله تعالى: {قالوا يا
صالح قد كنت فينا مرجوا قبل هذا اتنهانا ان نعبد ما يعبد اباؤنا واننا لفي
شك مما تدعونا اليه مريب} (هود:62). وقوله سبحانه: {واتيناهم اياتنا فكانوا عنها معرضين} (الحجر:81). وقوله
عز وجل: {قالوا انما انت من المسحرين * ما انت الا بشر مثلنا فات باية
ان كنت من الصادقين} (الشعراء:153-154). وقوله عز من قائل: {قالوا اطيرنا بك وبمن معك} (النمل:47).
وقوله تعالى: {فقالوا ابشرا منا واحدا نتبعه انا اذا لفي ضلال وسعر * اؤلقي الذكر
عليه من بيننا بل هو كذاب اشر} (القمر:24-25).
العنصر السادس: بيان عاقبة المعرضين عن دعوة الله، والمنكرين لها، وعاقبة المستجيبين لها، والمنقادين لامرها،
وهو ما عبرت عنه الايات الاتية: قوله تعالى: {فاخذتهم الرجفة فاصبحوا في دارهم جاثمين} (الاعراف:78).
{واخذ الذين ظلموا الصيحة فاصبحوا في ديارهم جاثمين * كان لم يغنوا فيها الا ان
ثمود كفروا ربهم الا بعدا لثمود} (هود:67-68). وقوله سبحانه: {فاخذتهم الصيحة مصبحين} (الحجر:83). وقوله عز
وجل: {فلما جاء امرنا نجينا صالحا والذين امنوا معه برحمة منا ومن خزي يومئذ} (هود:66).
وقوله تعالى: {فاخذهم العذاب ان في ذلك لاية وما كان اكثرهم مؤمنين} (الشعراء:158). وقوله عز
وجل: {فانظر كيف كان عاقبة مكرهم انا دمرناهم وقومهم اجمعين * فتلك بيوتهم خاوية بما
ظلموا ان في ذلك لاية لقوم يعلمون} (النمل:51-52). وقوله تعالى: {فاخذتهم صاعقة العذاب الهون بما
كانوا يكسبون} (فصلت:17). وقوله سبحانه: {فاخذتهم الصاعقة وهم ينظرون * فما استطاعوا من قيام وما
كانوا منتصرين} (الذاريات:44-45)، وقوله تعالى: {فاما ثمود فاهلكوا بالطاغية} (الحاقة:5). وقوله عز وجل: {فدمدم عليهم
ربهم بذنبهم فسواها} (الشمس:14).
ويلاحظ ان الايات الكريمة عبرت عن {العذاب} الذي اصاب قوم صالح عليه السلام، تارة ب
{الصيحة}، وتارة ب {الرجفة}، وتارة ب {الصاعقة}، وتارة {بالطاغية}، ولا تعارض بين هذه التعبيرات؛ لانها
متقاربة في معناها، ويكمل بعضها بعضا، وهي تدل على شدة ما اصابهم من عذاب.
وعلى العكس من ذلك، فقد كانت عاقبة المؤمنين النجاة والتاييد من الله رب العالمين؛ وذلك
ببركة تقواهم، وخوفهم من عذاب خالقهم، واتباعهم للحق الذي جاءهم به، قال تعالى: {نجينا صالحا
والذين امنوا معه برحمة منا ومن خزي يومئذ} (هود:66). وقال عز وجل: {وانجينا الذين امنوا
وكانوا يتقون} (النمل:53). وقال سبحانه: {ونجينا الذين امنوا وكانوا يتقون} (فصلت:18). وفي هذا البيان تاكيد
لسنة من سنن الله التي لا تتخلف ولا تتبدل، الا وهي عقاب الظالمين، ونجاة المؤمنين.
ما يستفاد من القصة
قصة النبي صالح عليه السلام مع قومه -كسائر قصص القران- غنية بالعبر، وزاخرة بالعظات، نذكر
منها:
اولا: ان صالحا عليه السلام بذل مع قومه غاية الوان الترغيب والترهيب، وهو يدعوهم الى
عبادة الله، ونبذ كل شيء سواه. وقد داوم على هذه الدعوة دون ياس او ملل
الى ان بلغ رسالة ربه على الوجه الاكمل.
ثانيا: ان العقلاء من الناس يعتبرون باثار الظالمين، ويربؤون بانفسهم عن ان يسلكوا، او ان
يسكنوا مساكن الذي ظلموا انفسهم؛ خوفا ان يصيبهم ما اصاب اولئك الظالمين.
ثالثا: ان الايمان اذا خالطت بشاشته القلوب، واستقر في النفوس، ولد فيها الشجاعة، والقوة، والاقدام،
والصراحة.
رابعا: ان العقلاء المخلصين يستعملون دائما في دعوتهم الاساليب المنطقية الحكيمة مع غيرهم، وهذا نراه
واضحا في جدال صالح عليه السلام مع قومه، كما تجلى ذلك في قوله سبحانه: {لم
تستعجلون بالسيئة قبل الحسنة لولا تستغفرون الله لعلكم ترحمون} (النمل:46). وان صالحا سلك في دعوته
لقومه احكم الاساليب واقومها واقواها.
خامسا: ان النعم التي ينعم الله بها على عباده، اذا لم يحسن العباد تسخيرها في
طاعة الله، فانها تنقلب عليهم نقما.
غرائب مما ذكرته التفاسير حول هذه القصة
كان التركيز في قصة النبي صالح عليه السلام مع قومه على المعجزة التي جاءهم بها
وهي الناقة. وقد ذكر المفسرون قصصا كثيرة واخبارا عن هذه الناقة، كذكرهم ان الناقة خلقت
من صخرة، او هضبة من الارض، ونحو ذلك من الاخبار التي لا تستند الى دليل
نقلي او عقلي ينهض بها. يقول الشيخ رشيد رضا في هذا الصدد: “ولا يصح شيء
يحتج به في خلق الناقة من الصخرة، او من هضبة من الارض، كما روي عن
ابي الطفيل”. كما ان بعض المفسرين خاض في وجه كون هذه الناقة {اية}، وذكر اقوالا
لا مستند لها، ما دفع الامام الرازي الى القول: “واعلم ان القران قد دل على
ان فيها {اية}، فاما ذكر انها كانت اية من اي الوجوه، فهو غير مذكور، والعلم
حاصل بانها كانت معجزة من وجه ما لا محالة”. وهذا هو المسلك الاسلم في الوقوف
عند ظاهر القران، وعدم الخوض في تفاصيل الوقائع من غير دليل معتبر. فما دام القران
نفسه -وهو الحجة البالغة- لم يذكر تفصيلا عن {الناقة} اكثر من انها {بينة} من ربهم،
وانها {ناقة الله}، وفيها {اية} منه، فليكتف بما اخبر به القران، دون الخوض في ذلك
الخضم من الاساطير والاسرائيليات التي تفرقت بها اقوال المفسرين حول {ناقة} صالحعليه السلام.
نعم، نستلهم من الايات الواردة في هذا الصدد، انها كانت {ناقة} غير عادية، او انها
اخرجت لهم اخراجا غير عادي، ما يجعلها {بينة} من ربهم، ومما يجعل اضافتها الى الله
له دلالته التشريفية، ويجعلها اية على صدق نبوته. ولا نزيد على هذا شيئا، مما لم
يرد ذكره من امرها في هذا المصدر المستيقن، وفيما جاء في هذه الاشارة كفاية عن
كل تفصيل اخر. {وكفى الله المؤمنين القتال} (الاحزاب:25).