مقدمة
جاءت شريعة الله تعالى لتحث الناس على فعل الخير وتبعدهم عن الشر، لكي تزداد حسناتهم
وتمحى سيئاتهم، والاستغفار هو زيادة لحسنات المسلم وتكفير لسيئاته، وبذلك يرزقه الله تعالى مالا حلالا،
وولدا صالحا، وطمانينة في قلبه، وراحة في باله، وصحة لجسده، وهو مهم جدا خاصة للنساء،
حيث ان النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (يا معشر النساء تصدقن، واكثرن من الاستغفار،
فاني رايتكن اكثر اهل النار)، والاستغفار انما يدل على الستر، فاذا قيل اغفروا هذا الامر
كان المقصد استروا، وهو طلب للمغفرة، والتي هي وقاية من شر الذنب.
الانسان يخطئ في كثير من الاحيان، وهو ليس معصوما من ذلك بحكم الطبيعة الانسانية، والدنيا
والنفس والشيطان هم من اعداء الانسان، الذين يؤدوا به الى التهلكة، والغفلة عن طاعة الله،
والتقصير في حقوقه، ولكن شريعته العادلة اوجبت على الانسان الاستغفار؛ كي ياخذ حقه من تكفير
ذنبه وتعويضه بالحسنات، ومن ذلك قوله تعالى: “واستغفروا الله ان الله غفور رحيم” [البقرة: 199]،
وقوله: “وان استغفروا ربكم ثم توبوا اليه” [هود: 3]، فاذا تاب الانسان واستغفر سيعود ذلك
بالنفع عليه، فالله تعالى يكرمه بالكثير من الكرامات العظيمة، ويغدق عليه بالنعم الكثيرة.
يرتكب الانسان اخطاء وافعال منافية لتقاليده وعاداته، ودينه الذي يمتثل اليه، والذي شرعه ربه، وانزله
على نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم-، حيث ان للمسلم شرع انزله الله على نبيه
محمد، واصبح للمسلمين مصادرا للتشريع في جميع جوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، الا وهو القران
الكريم، والسنة النبوية، واجماع العلماء اصحاب العلم المتين، حيث تضمن هذا الشرع اوامرا ونواهيا لا
يجوز ان نخالفها باي حال من الاحوال، واذا رجعنا الى سنة نبينا الاعظم، فاننا نجد
انه يحث على الاستغفار، ويبين حالة المسلم عندما يستغفر، وانه اذا ما عصى الله فانه
يمنحه فرصة بالتوبة والاستغفار، وبالتالي فانه يجعل له مخرجا، ودليل ذلك الحديث الذي رواه مسلم
عن ابي هريرة –رضي الله عنه– ان النبي -صلى الله عليه وسلم- قال في حديثه:
(والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا فتستغفروا لذهب الله بكم، و لجاء بقوم يذنبون فيستغفرون
الله، فيغفر الله لهم).
فوائد الاستغفار
التاكيد على استجابة الانسان المسلم للنصوص التي جاء بها الكتاب والسنة الشريفة، والاقتداء بالانبياء السابقين
والتشبه بهم؛ لانهم كانوا يكثرون من الاستغفار والتوبة.
الاستغفار الذي يتبعه اقلاع عن الذنب، وعدم العودة اليه، فان الله تعالى ينزل المطر، ويقوي
القوم المستغفرين، وما دل على ذلك ان الله تعالى ذكر هود –عليه السلام-، عندما قال
لقومه: “ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا اليه يرسل السماء عليكم مدرارا ويزدكم قوة الى
قوتكم ولا تتولوا مجرمين” [هود: 52].
اجابة الدعاء: وعد الله تعالى من استغفره وتاب اليه باجابة دعاءه.
من يستغفر الله تشمله رحمته ووده تعالى.
الاستغفار يدفع عن الانسان النقم والبلاء، ويجلب له النعم، قال تعالى: “وما كان الله معذبهم
وهم يستغفرون”.
يمنع الله عن المستغفر العقوبة، ويدفع عنه نزول المصائب، فاذا قل الاستغفار، وكثرت الذنوب والفساد،
فان الله تعالى يمحق المذنبين ويعاقبهم لا محالة.
من فوائد الاستغفار ايضا انه يهلك الشيطان، فيقول الشيطان: اهلكت بني ادم بالذنوب، واهلكوني بالاستغفار.
يشرح الصدر، ويطمئن وينقي القلب.
تحل به كل العقد والمشاكل الصعبة والامور المستعصية.
لكل داء دواء، والاستغفار دواء الذنوب.
زيادة في الرزق وسعة فيه.
وبالاستغفار تاب اولاد يعقوب واعتذروا من ابيهم، وطلبوا منه ان يستغفر لهم الله.
سبب لدخول المسلم الجنة.
المتاع الحسن، لقوله تعالي: (يمتعكم متاعا حسنا).
الاستغفار هو سبب من اسباب نزول الرحمة، والنبي عندما كان يجلس مجلسا يستغفر في المجلس
الواحد سبعين مرة، وذكر في رواية اخرى مائة مرة.
يزيل الغم والحزن والهم.
يطرد الشيطان.
يقرب العبد من الله -عز وجل-.
يؤمن الانسان من الحسرة التي تكون يوم القيامة.
الاستغفار هو اساس الشكر، فمن خلاله يستطيع العبد ان يشكر ربه.
يسهل الصعاب، ويخفف الامور الشديدة، ويمنح الانسان الصبر.
سبب للنصر على الكفار والاعداء.
شروط قبول الاستغفار
صحة النية واخلاصها لله تعالى.
التادب في طلب المغفرة.
الندم على المعاصي والذنوب التي مضت.
العزم واخلاص النية على عدم العودة للمعصية.
اعادة الحقوق التي اخذت بردها الى اصحابها.
تادية حق الله تعالى في كل فرص.
اذا كانت المعصية اكلا او مالا حراما، فيتم التخلص منه واستبداله بالحلال.
ان تتعب نفسك بالطاعات، كما اتعبتها بلذة المعاصي.
اوقات الاستغفار
شرع الله تعالى جميع الاوقات للاستغفار، لكنه مستحب بعد الاعمال الصالحة، وواجب بعد فعل المعاصي
والذنوب، ومن الاستغفار بعد الاعمال الصالحة، الاستغفار تلاثا بعد كل صلاة، او الاستغفار بعد الحج،
او في وقت السحر.
صيغ الاستغفار
الدعاء المجمع عليه بانه سيد الاستغفار، وهو ان يقول العبد: ( اللهم انت ربي لا
اله الا انت، خلقتني وانا عبدك، وانا على عهدك ووعدك ما استطعت، اعوذ بك من
شر ما صنعت، ابوء لك بنعمتك علي وابوء بذنبي، فاغفر لي، فانه لا يغفر الذنوب
الا انت)
رب اغفر لي.
استغفر الله العظيم.
وهناك الكثير من صيغ الاستغفار التي كان ينوع باستخدامها النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقد
اكد الله تعالى على اهمية الاستغفار في كتابه العزيز، وذكره بصيغة الندب في 16 اية
قرانية، واعلى من شانه في اكثر من ثمان عشر اية، وهذا يدل على عظيم منزلته،
وحب الله لعبده الذي يفعله، وهو من العبادات التي اقرها الله على الانسان، وهي قربة
يتقرب بها العبد الى الله، فالجميع يحتاج للاستغفار ويلجئ له، ولكي يصح استغفار العبد يجب
ان يكون صادقا خالص النية لله تعالى، وهو ليس حالة لفظية فقط او تمتمات ينطق
بها المستغفر، ولكنها حالة باطنية من الاحساس بالندم والنية الخالصة على عدم العودة للذنب.
معرفة معاني الاستغفار وكيفية المحافظة على المواظبة عليه هو الاهم، فاذا اراد الله الخير لعبد
من عبادة، فانه يدله على طريق التوبة والاستغفار ويعينه عليه، فابليس لعنه الله وعاقبه؛ لانه
ترك التوبة ورفضها، اذا فالاستغفار حاجة من الحاجات الدائمة للمسلم، فالله تعالى يغفر الذنوب لبني
البشر الا ان يشرك به، لقوله تعالى: “ان الله لا يغفر ان يشرك به ويغفر
ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى اثما عظيما”.
قال -صلى الله عليه وسلم- : (من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم
فرجا ومن كل ضيق مخرجا ورزقه من حيث لا يحتسب)، فلا بد للانسان المسلم الذي
يرتكب المعاصي ان يكثر من الاستغفار، والتوبة والرجوع الى الله تعالى، فقد حث النبي -صلى
الله عليه وسلم- المسلمين واصحاب المعاصي والذنوب ان يكثروا من الاستغفار.
فسبحان الله الذي انعم على المسلمين بنعم كثيرة، وجعل الاستغفار من النعم التي يجب على
الانسان ان يحمد ربه، واما اذا جمع الاستغفار معاني التوبة وشطروها، فاننا نعتبره توبة واقلاع
عن الذنب، والفرق بينهما ان الاستغفار من اعظم واقدر الاذكار التي انعمها الله على الانسان،
اما التوبة فهي الرجوع الى الله والعزم على عدم العودة للمعصية.