هل الحب بين الفتيات والشباب قبل الزواج حرام خصوصا فترة الخطوبة او التعارف ارجو النصيحة؟
الجواب :
كانت مرحلة ما قبل الخطبة، هي المرحلة التي تشتعل فيها المشاعر، وتتاجج احاسيس اللهفة والاعجاب،
وحتي يعرف الفتى او الفتاة الفارق بين الوهم والحقيقة في هذه المشاعر.
وللحب مكانته وقدره في ديننا، فهو حقيقة انسانية واقعة، بعيدا عما اصابه من فكر خاطئ
وفهم مغلوط، ورسولنا (صلى الله عليه وسلم) هو اية المحبين عندما قال عن خديجة (رضي
الله عنها): “اني رزقت حبها”، لكن هذا الحب الذي اعترف به الاسلام، وجعل له قدره
وشانه، ليس هو ما نراه في الشوارع والطرقات، لقد تبدلت هذه العاطفة السامية، وصارت مرادفة
لنداء الرغبة والشهوة والجنس الرخيص، وخرجت على حدود العلاقة التي قررها التشريع الاسلامي، ونظمها بين
الرجل والمراة في اطار الزواج.
ولقد كان هلاك بعض الامم السابقة كاليونان والاغريق نتاجا طبيعيا لعدم مراعاة الضوابط الحاكمة للعلاقة
بين الجنسين، والانغماس في الشهوات والترف والزني.
في شراك الحب
ان الشيطان لا يياس من غواية ابن ادم، ويتدرج معه حتى يصل به الى الفاحشة
العظمى، وللعشق مراحل بعضها يسلم للاخر في خطوات هي: الاستحسان “بالنظرة المحرمة”، الاعجاب “تعلق قلبي”،
الهيام والعشق، وهكذا اثمر الاستحسان والنظر فكرا وانشغالا، صادف قلبا خاليا فتمكن منه، وبذلك يصبح
العاشق ذليل محبوبه.
لهذا قيل: الصبر على غض البصر ايسر من الصبر على الم ما بعده.
ان وقوع الفتى في حب الفتاة والعكس، وما يتبع ذلك من تجاوزات لا تابه لخوف
من اله او رادع من ضمير، او حساب لمجتمع له اسباب ودوافع عديدة يمكن اجمالها
في:
(1) الجهل بالدين.
(2) قلة الحياء من الله سبحانه وتعالى.
(3) غياب القدوة الصالحة عن الشباب.
(4) سوء التربية وانشغال الاب وغفلة الام، بعد ان صارت الاسرة -الا نادرا- مكانا للتعليم
فقط لا للتربية.
(5) الصحبة الفاسدة: فكما يقول الشاعر
عن المرء لا تسل وسل عن قرينه فكل قرين بالمقارن يقتدي
فللصحبة الصالحة اثار لا تنكر وللصداقة الفاسدة اضرار لا تخفي
(6) الفراغ القاتل:
فاذا كان القلب فارغا، فانه يامر الجوارح بكل خسيسة، ولذلك فان شباب اليوم يعاني فراغا
عظيما على كل المستويات، فراغا عقليا، وفراغا قلبيا، وفراغا نفسيا.
(7) المثيرات الخارجية من افلام ومسلسلات واغان تشجع على الرذيلة، وتدفع للهيام، والتعلق بالمحبوب، ومن
تبرج للنساء، وتعر فاضح، وهذا يستلزم وقفة من اولي الامر لبث ما هو نافع لشبابنا،
وفتياتنا، وما هو اجدى للامة، ففي دراسة اجريت على 500 فيلم تبين ان 72% منها
يتحدث عن الحب والجريمة والجنس.
كما اظهرت دراسة امريكية ان 29.6% من افلام الاطفال تتحدث عن الحب بمفهومه الشهواني الخاطئ.
(8) الاختلاط غير المنضبط والثقة المبالغ فيها بين الفتى والفتاة؛ لذا فقد اوصى بعض الباحثين
بالفصل بين الجنسين، واعتبروه علاجا لكثير من المشكلات الاخلاقية والاجتماعية.
العواقب والاثار
ومن الطبيعي ان يثمر الفهم المغلوط لعاطفة الحب بين الفتيان والفتيات عواقب وخيمة تترك اثارها
علي الجميع، ومنها:
– الصد عن الحق والنفور منه.
– ظلام القلب وسواده.
– دنو الغاية وحقارة الهدف.
– عذاب القلب وشغله بمن يحب، وما في ذلك من صد عن ذكر الله.
– ضياع الوقت فيما لا يفيد.
– العمي عن العيوب.
– ضياع المال وتبديده فيما لا يحل.
– سخط الله، وغضبه لما فيه من معاداة اوامره، وارتكاب نواهيه.
– تلويث السمعة وضياع العرض بحلو الكلام، وجميل الحديث.
وهنا سؤال علي لسان كل فتى وفتاة: هل الحب حرام؟!
والمقصود بالحب هنا تلك العلاقات الشهوانية الرخيصة بين الشباب والفتيات.
ونجيب بان الميل ليس جريمة، ولا نوعا من الافساد، ولا فسادا ينكر، انما الذي يرفضه
الشرع هو تلك الشهوانية المفتوحة بلا ضابط، يحارب الدين تلك اللحظات التي تعقبها الالام والحسرات،
فاذا كان مراد الله من العلاقة بين الجنسين استمرار الحياة، فان ذلك لا يكون الا
بتنظيم محكم وضبط جيد لصور هذه العلاقات، كي تكون اداة بناء وعامل استقرار، وتاسيسا على
ما تقدم يتضح ان هذه العلاقة -التي تسمى زورا الحب- ما هي الا عشق منكر
وحرام بين لا خفاء فيه.
وينطلق تحريم هذه العلاقة من القاعدة الفقهية “سد الذرائع”، فالذريعة هي الوسيلة؛ لذا حرم الله
تعالى الخمر، وحرم الخلوة بالاجنبية سدا لذريعة الزنى، فكما حرم الله الزنى حرم كل وسيلة
تدعو اليه.
سبل العلاج
من رحمة الله بعباده انه لم يخلق داء الا وضع له دواء، وداء العشق او
تلك العلاقة المستهترة بين الشباب والفتيات ليست بمناى عن العلاج والاصلاح اذا احسنت النفع بالنصائح
والوصايا التالية:
– الزواج: اذا تيسر السبيل لذلك لحديث النبي (صلى الله عليه وسلم): “لم نر للمتحابين
مثل النكاح”.
– حسم الامر قبل وقوعه: {ولا تقربوا الزني}، {تلك حدود الله فلا تقربوها}.
فمن المهم ابتعاد الشباب والفتيات عن دواعي الاثارة من نظر ولمس ولقاءات ومصافحة.
– تدبر الامر واشعار النفس بعيوب هذا المحبوب، وايثار المصلحة التي تعرفها الاسرة اكثر من
الشاب والفتاة في هذه المرحلة الحساسة من مراحل حياتهم.
– غض البصر عما حرم الله، فالنظر اساس الشرور، ورسول الشيطان للقلب.
– محاربة الفراغ وشغل الوقت بما ينفع في الدنيا والدين.
– استشعار عظمة الله سبحانه، وانه مطلع عليك، وان الملائكة والجوارح والارض كلها شهود عليك
امام الله سبحانه.
– معرفة ان الجزاء من جنس العمل، وان المرء السوي لا يرضي ذلك لاخته او
لاحد من ذويه.
وصدق القائل: عفوا تعف نساؤكم، وتجنبوا ما لا يليق بمسلم.
– تذكر وتدبر الاضرار الناجمة عن مثل هذه العلاقات من اضرار دنيوية مثل تشتت الذهن،
وضعف الذاكرة، وسوء السيرة، والغم العظيم.
– تخير الصحبة والبحث عن رفقة الخير، والخوف علي السمعة، والذكر الحسن بين الناس.
– قطع هذه العلاقة فورا، والهروب من كل ما يقرب منها، والصبر على ذلك مع
صعوبته في البداية.
“فمن صام عن الحرام في الدنيا افطر على النعيم في الاخرة”.
وفي الخاتمة اراء اهل العلم في تحديد طبيعة العلاقة بين الشباب والفتيات بابعادها الشرعية والاجتماعية
والنفسية، فراى علماء الاجتماع ان ابناءنا تاثروا بالمادية التي طغت على المجتمع، بينما ذهب اساتذة
الاعلام الى ان الاعلام يزيف الوعي، ويركز على القيم السلبية.
بينما يرى علماء الاخلاق ان اولادنا ضحيتنا، والدين هو قارب النجاة بما يدعو اليه من:
ادراك الذات والغاية من الخلق، والالتزام والتسلح بقيم الدين ومثله، وتنمية الوازع الديني، ومجاهدة النفس،
وتحقيق الامن العاطفي في البيت، وتحقيق الحب المتبادل بين جميع افراد الاسرة، والمتابعة، والتقويم المستمر
من الوالدين لابنائهما وقاية لهم من الوقوع في المحظور.