يسبح لله ما في السماوات وما في الارض الملك القدوس العزيز الحكيم هو الذي بعث
في الاميين رسولا منهم يتلو عليهم اياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وان كانوا من قبل
لفي ضلال مبين واخرين منهم لما يلحقوا بهم وهو العزيز الحكيم ذلك فضل الله يؤتيه
من يشاء والله ذو الفضل العظيم مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار
يحمل اسفارا بئس مثل القوم الذين كذبوا بايات الله والله لا يهدي القوم الظالمين قل
يا ايها الذين هادوا ان زعمتم انكم اولياء لله من دون الناس فتمنوا الموت ان
كنتم صادقين ولا يتمنونه ابدا بما قدمت ايديهم والله عليم بالظالمين قل ان الموت الذي
تفرون منه فانه ملاقيكم ثم تردون الى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون يا
ايها الذين امنوا اذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا الى ذكر الله وذروا البيع
ذلكم خير لكم ان كنتم تعلمون فاذا قضيت الصلاة فانتشروا في الارض وابتغوا من فضل
الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون واذا راوا تجارة او لهوا انفضوا اليها وتركوك
قائما قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة والله خير الرازقين .[1]
سبب التسمية
سميت بهذا الاسم لانها تناولت احكام ” صلاة الجمعة ” فدعت المؤمنين الى المسارعة
لاداء الصلاة ، وحرمت عليهم البيع وقت الاذان ، ووقت النداء لها وختمت بالتحذير من
الانشغال عن الصلاة بالتجارة وغيرها .
التعريف بالسورة
1) سورة مدنية .
2) من المفصل .
3) اياتها 11 .
4) ترتيبها الثانية والستون .
5) نزلت بعد سورة الصف و قبل سورةالمنافقون .
6) بدات بفعل مضارع ” يسبح ” وهو احد اساليب الثناء .
7) الجزء ( 28 ) الحزب ( 56 ) الربع ( 5 ) .
سبب نزول السورة
عن جابر بن عبد الرحمن قال كان رسول الله يخطب يوم الجمعة اذا اقبلت عير
قد قدمت فخرجوا اليها حتى لم يبق معه لا اثنا عشر رجلا فانزل الله تبارك
وتعالى( واذا راوا تجارة او لهوا انفضوا اليها وتركوك قائما) رواه البخاري عن حفص بن
عمر عن خالد بن عبد الله عن حصين . ان النبي كان يقرا في الجمعة
سورة الجمعة واذا جاءك المنافقون .( رواه الترمذي)
تفسير السورة
{ بسم الله الرحمن الرحيم يسبح لله ما في السماوات وما في الارض الملك القدوس
العزيز الحكيم }
اي: يسبح لله، وينقاد لامره، ويتالهه، ويعبده، جميع ما في السماوات والارض، لانه الكامل الملك،
الذي له ملك العالم العلوي والسفلي، فالجميع مماليكه، وتحت تدبيره، { القدوس } المعظم، المنزه
عن كل افة ونقص، { العزيز } القاهر للاشياء كلها، { الحكيم } في خلقه
وامره.
فهذه الاوصاف العظيمة مما تدعو الى عبادة الله وحده لا شريك له.
{ 2-4 } { هو الذي بعث في الاميين رسولا منهم يتلو عليهم اياته ويزكيهم
ويعلمهم الكتاب والحكمة وان كانوا من قبل لفي ضلال مبين * واخرين منهم لما يلحقوا
بهم وهو العزيز الحكيم * ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم
}
المراد بالاميين: الذين لا كتاب عندهم، ولا اثر رسالة من العرب وغيرهم، ممن ليسوا من
اهل الكتاب، فامتن الله تعالى عليهم، منة عظيمة، اعظم من منته على غيرهم، لانهم عادمون
للعلم والخير، وكانوا في ضلال مبين، يتعبدون للاشجار والاصنام والاحجار، ويتخلقون باخلاق السباع الضارية، ياكل
قويهم ضعيفهم، وقد كانوا في غاية الجهل بعلوم الانبياء، فبعث الله فيهم رسولا منهم، يعرفون
نسبه، واوصافه الجميلة وصدقه، وانزل عليه كتابه { يتلو عليهم اياته } القاطعة الموجبة للايمان
واليقين، { ويزكيهم } بان يحثهم على الاخلاق الفاضلة، ويفصلها لهم، ويزجرهم عن الاخلاق الرذيلة،
{ ويعلمهم الكتاب والحكمة } اي: علم القران وعلم السنة، المشتمل ذلك علوم الاولين والاخرين،
فكانوا بعد هذا التعليم والتزكية منه اعلم الخلق، بل كانوا ائمة اهل العلم والدين، واكمل
الخلق اخلاقا، واحسنهم هديا وسمتا، اهتدوا بانفسهم، وهدوا غيرهم، فصاروا ائمة المهتدين، وهداة المؤمنين، فلله
عليهم ببعثه هذا الرسول صلى الله عليه وسلم، اكمل نعمة، واجل منحة، وقوله { واخرين
منهم لما يلحقوا بهم } اي: وامتن على اخرين من غيرهم اي: من غير الاميين،
ممن ياتي بعدهم، ومن اهل الكتاب، لما يلحقوا بهم، اي: فيمن باشر دعوة الرسول، ويحتمل
انهم لما يلحقوا بهم في الفضل، ويحتمل ان يكونوا لما يلحقوا بهم في الزمان، وعلى
كل، فكلا المعنيين صحيح، فان الذين بعث الله فيهم رسوله وشاهدوه وباشروا دعوته، حصل لهم
من الخصائص والفضائل ما لا يمكن احدا ان يلحقهم فيها، وهذا من عزته وحكمته، حيث
لم يترك عباده هملا ولا سدى، بل ابتعث فيهم الرسل، وامرهم ونهاهم، وذلك من فضل
الله العظيم، الذي يؤتيه من يشاء من عباده، وهو افضل من نعمته عليهم بعافية البدن
وسعة الرزق، وغير ذلك، من النعم الدنيوية، فلا اعظم من نعمة الدين التي هي مادة
الفوز، والسعادة الابدية.
{ 5-8 } { مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل اسفارا
بئس مثل القوم الذين كذبوا بايات الله والله لا يهدي القوم الظالمين * قل يا
ايها الذين هادوا ان زعمتم انكم اولياء لله من دون الناس فتمنوا الموت ان كنتم
صادقين * ولا يتمنونه ابدا بما قدمت ايديهم والله عليم بالظالمين * قل ان الموت
الذي تفرون منه فانه ملاقيكم ثم تردون الى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون
}
لما ذكر تعالى منته على هذه الامة، الذين ابتعث فيهم النبي الامي، وما خصهم الله
به من المزايا والمناقب، التي لا يلحقهم فيها احد وهم الامة الامية الذين فاقوا الاولين
والاخرين، حتى اهل الكتاب، الذين يزعمون انهم العلماء الربانيون والاحبار المتقدمون، ذكر ان الذين حملهم
الله التوراة من اليهود وكذا النصارى، وامرهم ان يتعلموها، ويعملوا بما فيها ، وانهم لم
يحملوها ولم يقوموا بما حملوا به، انهم لا فضيلة لهم، وان مثلهم كمثل الحمار الذي
يحمل فوق ظهره اسفارا من كتب العلم، فهل يستفيد ذلك الحمار من تلك الكتب التي
فوق ظهره؟ وهل يلحق به فضيلة بسبب ذلك؟ ام حظه منها حملها فقط؟ فهذا مثل
علماء اليهود الذين لم يعملوا بما في التوراة، الذي من اجله واعظمه الامر باتباع محمد
صلى الله عليه وسلم، والبشارة به، والايمان بما جاء به من القران، فهل استفاد من
هذا وصفه من التوراة الا الخيبة والخسران واقامة الحجة عليه؟ فهذا المثل مطابق لاحوالهم.
بئس مثل القوم الذين كذبوا بايات الله الدالة على صدق رسولنا وصدق ما جاء به.
{ والله لا يهدي القوم الظالمين } اي: لا يرشدهم الى مصالحهم، ما دام الظلم
لهم وصفا، والعناد لهم نعتا ومن ظلم اليهود وعنادهم، انهم يعلمون انهم على باطل، ويزعمون
انهم على حق، وانهم اولياء الله من دون الناس.
ولهذا امر الله رسوله، ان يقول لهم: ان كنتم صادقين في زعمكم انكم على الحق،
واولياء الله: { فتمنوا الموت } وهذا امر خفيف، فانهم لو علموا انهم على حق
لما توقفوا عن هذا التحدي الذي جعله الله دليلا على صدقهم ان تمنوه، وكذبهم ان
لم يتمنوه ولما لم يقع منهم مع الاعلان لهم بذلك، علم انهم عالمون ببطلان ما
هم عليه وفساده، ولهذا قال: { ولا يتمنونه ابدا بما قدمت ايديهم } اي من
الذنوب والمعاصي، التي يستوحشون من الموت من اجلها، { والله عليم بالظالمين } فلا يمكن
ان يخفى عليه من ظلمهم شيء، هذا وان كانوا لا يتمنون الموت بما قدمت ايديهم،
و يفرون منه [غاية الفرار]، فان ذلك لا ينجيهم، بل لا بد ان يلاقيهم الموت
الذي قد حتمه الله على العباد وكتبه عليهم.
ثم بعد الموت واستكمال الاجال، يرد الخلق كلهم يوم القيامة الى عالم الغيب والشهادة، فينبئهم
بما كانوا يعملون، من خير وشر، قليل وكثير.
{ 9-11 } { يا ايها الذين امنوا اذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا
الى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم ان كنتم تعلمون * فاذا قضيت الصلاة
فانتشروا في الارض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون * واذا راوا
تجارة او لهوا انفضوا اليها وتركوك قائما قل ما عند الله خير من اللهو ومن
التجارة والله خير الرازقين }
يامر تعالى عباده المؤمنين بالحضور لصلاة الجمعة والمبادرة اليها، من حين ينادى لها والسعي اليها،
والمراد بالسعي هنا: المبادرة اليها والاهتمام لها، وجعلها اهم الاشغال، لا العدو الذي قد نهي
عنه عند المضي الى الصلاة، وقوله: { وذروا البيع } اي: اتركوا البيع، اذا نودي
للصلاة، وامضوا اليها.
فان { ذلكم خير لكم } من اشتغالكم بالبيع، وتفويتكم الصلاة الفريضة، التي هي من
اكد الفروض.
{ ان كنتم تعلمون } ان ما عند الله خير وابقى، وان من اثر الدنيا
على الدين، فقد خسر الخسارة الحقيقية، من حيث ظن انه يربح، وهذا الامر بترك البيع
مؤقت مدة الصلاة.
{ فاذا قضيت الصلاة فانتشروا في الارض } لطلب المكاسب والتجارات ولما كان الاشتغال في
التجارة، مظنة الغفلة عن ذكر الله، امر الله بالاكثار من ذكره، فقال: { واذكروا الله
كثيرا } اي في حال قيامكم وقعودكم وعلى جنوبكم، { لعلكم تفلحون } فان الاكثار
من ذكر الله اكبر اسباب الفلاح.
{ واذا راوا تجارة او لهوا انفضوا اليها } اي: خرجوا من المسجد، حرصا على
ذلك اللهو، و [تلك] التجارة، وتركوا الخير، { وتركوك قائما } تخطب الناس، وذلك [في]
يوم جمعة، بينما النبي صلى الله عليه وسلم يخطب الناس، اذ قدم المدينة، عير تحمل
تجارة، فلما سمع الناس بها، وهم في المسجد، انفضوا من المسجد، وتركوا النبي صلى الله
عليه وسلم يخطب استعجالا لما لا ينبغي ان يستعجل له، وترك ادب، { قل ما
عند الله } من الاجر والثواب، لمن لازم الخير وصبر نفسه على عبادة الله.
{ خير من اللهو ومن التجارة } التي، وان حصل منها بعض المقاصد، فان ذلك
قليل منغص، مفوت لخير الاخرة، وليس الصبر على طاعة الله مفوتا للرزق، فان الله خير
الرازقين، فمن اتقى الله رزقه من حيث لا يحتسب.
وفي هذه الايات فوائد عديدة:
منها: ان الجمعة فريضة على جميع المؤمنين، يجب عليهم السعي لها، والمبادرة والاهتمام بشانها.
ومنها: ان الخطبتين يوم الجمعة، فريضتان يجب حضورهما، لانه فسر الذكر هنا بالخطبتين، فامر الله
بالمضي اليه والسعي له.
ومنها: مشروعية النداء ليوم الجمعة، والامر به.
ومنها: النهى عن البيع والشراء، بعد نداء الجمعة، وتحريم ذلك، وما ذاك الا لانه يفوت
الواجب ويشغل عنه، فدل ذلك على ان كل امر ولو كان مباحا في الاصل، اذا
كان ينشا عنه تفويت واجب، فانه لا يجوز في تلك الحال.
ومنها: الامر بحضور الخطبتين يوم الجمعة، وذم من لم يحضرهما، ومن لازم ذلك الانصات لهما.
ومنها: انه ينبغي للعبد المقبل على عبادة الله، وقت دواعي النفس لحضور اللهو [والتجارات] والشهوات،
ان يذكرها بما عند الله من الخيرات، وما لمؤثر رضاه على هواه.