لو اراد الانسان ان يتخيل نعيم الجنة فيتمثل كل انواع الملذات والشهوات والنعيم في مخيلته
لكانت الجنة خلاف ذلك ، وليس لاحد من البشر ان يصل بفكره لبلوغ جوهرها وحقيقتها
وطبيعة النعيم فيها ، فهي لا خطر لها ، فهي نور يتلالا ، لبنة من
فضة ولبنة من ذهب ، ترابها المسك والزعفران ، قد اعد الله فيها للمؤمنين المتقين
ما تلذ اعينهم وتشتهي نفوسهم من الفواكه التي تشبه فواكه الدنيا شكلا واسما وتختلف عنها
رائحة وطعما ، وقد اعد الله لعباده من انواع لحوم الطير والانعام ما يشتهون ،
يطوف عليهم الغلمان المخلدون باكواب واباريق وكاس من معين ، فيذوقون فيها الوانا مختلفة متنوعة
من الطعام والشراب بلذة مضاعفة وشهوة لا تنقطع ولا تنقضي ، ويحلى اهل الجنة بالحلي
والجواهر ويلبسون الثياب الخضر التي صنعت من سندس واستبرق وحرير خالص ، ولكل واحد منهم
زوجات له من الحور العين يتمتع بهن ويعدن ابكارا كلما اتاهم ، وهن مقصورات في
خيامهم لازواجهن ، قاصرات طرفهن على ازواجهن فلا ينظرن الى غيره وهذا منتهى النعيم واللذة
، كلهن على سن واحدة عاشقات لازواجهن متدللات ، لا يسمع منهن الا احلى الالحان
يغنين بها ، ولا يجد المؤمن منها الا الروائح التي لم تخطر على قلب بشر
في طيبتها ، وان في الجنة لغرفا اعدها الله للمتقين لعباده اصحاب الدرجات يرى باطنها
من ظاهرها ، وان في الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها
، وهذا الظل الممدود الذي تكلم عنه رب العزة في كتابه ، وفي الجنة انهارا
من خمر وعسل لا يسكر ولا يذهب عقل المؤمن المتنعم ، وكل ذلك يتنعم المسلم
به من الخيرات يرشح من جلده رائحة كرائحة المسك .
فعلى المسلم وقد عرف صفة الجنة وما اعد الله للمتقين فيها ان يجتهد لنيلها بالعمل
الصالح وترك المنكرات ، ولا ريب ان من يضيع الجنة ونعيمها هو خاسر هالك ،
فهي جائزة الله لعباده فمن ادركها ادرك كل شيء ومن فاتته خسر كل شيء .