لم يعد سرا ان عنوسة الفتيات والشباب، اصبحت ظاهرة اجتماعية تدعو للقلق الحقيقي وتستوجب جراة
في ايجاد الحلول وفي تذليل العقبات المادية والاجتماعية والمعنوية التي جعلت الزواج وبناء الاسرة مشكلة
تفوق طاقة الشباب الذين يعانون من ضعف الحال، ومن ضخامة المتطلبات، ومن اتساع دائرة المثيرات
والمغريات.
اظهرت بعض الدراسات ان نسبة العزوبة لدى الفتيات والشباب ارتفعت جدا في الاونة الاخيرة مما
يشكل مشكلة حقيقية تستوجب تكاتف جميع المؤسسات الرسمية والاجتماعية. لكن الشباب انفسهم يتحملون بالتاكيد مسؤولية
اساسية في الجراة على تذليل الكثير من المعيقات.
لكن ماهو المقصود بالعنوسة؟ وبالتحديد ما هو سن العنوسة الذي عنده يبدا همس الاهل والاقارب
والاصحاب يقلق الفتاة والشاب؟ منذ خمسين عاما كان سن العشرين هو بداية التحذير من عنوسة
الفتاة، والان بعد الدراسة الجامعية اصبحت عزوبة الفتاة حتى سن الخامسة والعشرين والثلاثين امرا طبيعيا،
وبالنسبة للشاب حتى سن الخامسة والثلاثين وربما الاربعين. وفي كل الاحوال فان تعبير العنوسة على
صعوبته هو عرف اجتماعي يختلف من بيئة محلية الى اخرى، لكن الجميع يتفقون على انه
اضحى مشكلة تحتاج الى مواجهة جماعية جريئة، طليعتها الشباب انفسهم.
الشباب هم اصحاب القرار! شريحة واسعة من الشباب اتفقت اراؤهم على ان الاسباب المادية هي
العائق الاساسي امامهم للزواج، غلاء المعيشة وضعف ايجاد فرص عمل، انخفاض الاجور وارتفاع تكاليف الزواج
هي من اهم اسباب عزوف الشباب عنه. اذ يصعب الزواج في ظل ظروف اقتصادية صعبة،
وارتفاع تكاليف الزواج لا يعطي للشاب فرصة للتفكير فيه. الرسالة تبدا بالتربية في الاسرة والجامعة
ومؤسسات رعاية الشباب لانشاء جيل واع يتحمل المسؤولية ويقدر معنى الزواج والاسرة.
وهذه بعض الاراء حول موضوع العنوسة:
الاباء متهمون بتاخير زواج ابنائهم سواء لاسباب التعليم، او حتى من اجل تزويجهم بالشكل اللائق-
تقليدا للاخرين في المغالاة بمتطلبات الزواج. ان الدراسة شيء مهم، يجب ان يكمل الابناء دراستهم
اولا، فالشاب عليه ان يعمل ويبني نفسه قليلا، خاصة اذا لم يكن باستطاعة اهله مساعدته.
اما الفتاة فانها تتزوج عندما ياتي نصيبها مع رجل يستطيع توفير حياة كريمة لها. ايام
زمان كان الابناء يسكنون عند اهلهم، اما الان الحياة مختلفة والعوائق المادية كبيرة، هذا مايسبب
تاخر الزواج. العنوسة للفتاة بعد سن ال3، رغم زواج بعضهن بعد هذا العمر الا انه
ليس قاعدة. اما الرجل فعمره ليس مهما حيث يستطيع الزواج متى شاء.
دور الشباب ومسؤوليتهم
ان العنوسة لفظ يطلق على المراة والرجل على حد سواء، اما التركيز في المصطلح على
المراة فهو لاعتبارات اجتماعية. يتم التركيز على الفتاة في هذه المسالة بسبب ارتباط عمر المراة
بقدرتها على الانجاب، كلما تقدمت بالسن تقل احتمالية الانجاب، والتعرض للامراض يزيد. السبب الاخر اجتماعي
حيث النظرة للمراة من ناحية جمالية وصغر السن، ويرتبط ذلك بالصحة وتقدمها بالعمر والهرم قبل
الرجل. ايضا الرجل هو من يتقدم للزواج عندما يقرر ذلك وليس العكس، واذا حدثت المراة
نفسها بالزواج فليس بيدها شيء، فهي ليست صاحبة القرار. اما لقب عانس بعد تجاوز المراة
سن ال30 / فهو ليس حكما شخصيا، انما هي نظرة المجتمع والرجل لذلك.
الشباب بحاجة للوعي والقوة لتخطي افكار المجتمع السلبية. هناك اسباب تتعلق بالفتاة في تاخر سن
الزواج، منها اشتراط الفتيات لمواصفات معينة بالرجل وهو من حقها، لكن شروطها اصبحت متاثرة بالمسلسلات
وقصص فارس الاحلام، حيث تتضمن الشكل والوظيفة والوضع المادي والعائلي.
بعض الفتيات يرفضن الكثير من الفرص لهذه الاسباب، ايضا رغبة الفتاة بالعمل الذي يكون على
حساب الزواج حيث تنسى نفسها في اجواء العمل والصديقات والحرية. الكثير من العاملات في المؤسسات
غير متزوجات وهذه ظاهرة منظورة. وهناك اسباب اخرى تتعلق بالاسرة، بعض الفتيات يرفضن الزواج للاعتناء
بالوالدين وهذه نظرة بحاجة للتصحيح فالفتاة لا تعيش وحدها بعد وفاة والديها بل تذهب الى
بيوت الاخوة، ويسبب ذلك الكثير من المشاكل مع زوجاتهم.
فتيات اخريات يردن الزواج من شاب معين، اذا تم رفضه تعزف عن الزواج. الكثيرات يركزن
على النواحي المادية وشعورهن بان الزواج قيد لهن علما بان الزواج للمراة والرجل ليس قيدا
وانما تنظيم حياة جديدة فيها العديد من المسؤوليات. اذا المسؤولية هي القيد الذي يفترض ان
يكون قيدا محببا للنفس كما هي الاشارة الضوئية… قيد للسائق لكنها تنظم السير وتمنع الحوادث.
كما تتاثر بعض الفتيات بتجارب فاشلة في زواج من حولها، مثال: طلاق الوالدين حيث تتالم
نفسيا وتعزف عن الزواج.
اما الاسباب التي تتعلق بالشاب فهي اشتراط الشاب لمواصفات جمالية معينة مثالية وحتى خيالية، بالاضافة
الى مستوى علمي معين ووظيفة جيدة وسن صغيرة. هنا نلحظ التناقض فالدراسة والوظيفة ياخذان من
عمر الفتاة، ولذلك يجب الا تصبح الطلبات عائقا امام الزواج. كذلك عدم رغبة بعض الشباب
في تحمل المسؤولية، والشعور بان الزواج سيكلفه بمتطلبات قد لا يستطيع الوفاء بها، وعموما فان
النواحي الاقتصادية هي النقطة الاساسية التي تشغل الشاب اذ يواجه غلاء المعيشة والبطالة وتدني مستوى
الدخل وارتفاع تكاليف الزواج، وكل هذا يؤثر في نفس الشاب ويجعله يعزف عن الزواج.
لكن الشاب والفتاة ليسا المسؤولين الوحيدين عن تاخر الزواج، فهناك جزء من المسؤولية يقع على
عاتق الاهل، فعادات وتقاليد بعض الاسر مثل عدم تزويج الصغرى قبل الكبرى حتى لا يؤثر
ذلك على نفسيتها، بينما هم بذلك يقفون عائقا امام ابنتهم. كذلك العلاقات الاجتماعية الضعيفة فلا
يدري احد بوجود فتاة في العائلة في سن الزواج، ايضا اذا كان في الاسرة حالات
طلاق او مشاكل اجتماعية.
اذا ما هو الحل؟
الوعي باهمية الزواج وبناء الاسرة هو احد الحلول للعنوسة التي لا بد ان تشارك فيها
عدة جهات مثل: وسائل الاعلام والمؤسسات التعليمية والمؤسسات الشبابية والمنظمات النسائية. وهؤلاء يتوجب عليهم العمل
لتيسير سبل الزواج من خلال تقليل متطلبات الزواج الكمالية، الى جانب بناء القدوة الحسنة والنماذج
الايجابية من قبل الشخصيات الاجتماعية المختلفة.
ولا ننسى دور الاعلام في ابراز مثل هذه النماذج. من الحلول ايضا دعم المؤسسات المعنية
بالزواج والاعراس الجماعية باعتبارها وسيلة عملية لتقليل التكاليف، وكذلك التوسع في تقديم القروض الحسنة للمقبلين
على الزواج. ومن الممكن ايضا ان تقوم كل مؤسسة بمساعدة موظفيها على الزواج عن طريق
المنح او القروض، كما ينبغي احياء التكافؤ الاجتماعي بين افراد المجتمع بتقديم العون والهدايا النافعة
للمتزوجين، وايجاد مشاريع سكنية للمقبلين على الزواج من ذوي الدخل المحدود.
ان تقديس الغرائز الانسانية بالطرق المشروعة هي من الامور المهمة لكل شاب وفتاة. وتعلمنا كلمة
الله الكثير حيث اغلقت جميع الابواب التي تدعو للفساد، وحذرت من التسيب والعبث في النظام
الطبيعي الذي وضعه الله ليكون لكل رجل امراته، ولكل امراة رجلها لكي يتم قصد الله
في ان يستمر الجنس البشري بترتيب مقدس وتلبية لكل حاجات الانسان وغرائزه بطريقة صحيحة.