حسن الظن عبادة قلبية جليلة لم يدرك حقها كثير من المسلمين فانها تدل على سلامة
العقيدة وسلامة الفطرة وتدعم روابط الالفة والاخوة بين ابناء المجتمع فلا تحمل القلوب غلا ولا
حقدا ولقد اوجب الاسلام على المسلم ان يحسن الظن باخوانه المسلمين فلا يحل لاحد منهم
ان يتهم غيره بفحش او ينسب اليه الفجور او يسند اليه الاخلال بالواجب او النقص
في الدين او المروءة او اي فعل من شانه ان ينقص من قدره او يحط
من مكانته،
بل قد امر الله بالتثبت؛ ونهى عن تصديق الوهم والاخذ بالحدس والظن والتعليل بالتحليل، فقال
( ولا تقف ما ليس لك به علم ان السمع والبصر والفؤاد كل اولئك كان
عنه مسئولا ) الاسراء 36
وعن ابي هريرة قال نصر بن علي : عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال : { حسن الظن حسن العبادة } رواه احمد
الاسباب المعينة على التحلي ب حسن الطن :
1- الدعاء
2- انزال النفس منزلة الخير
3- حمل الكلام على احسن المحامل قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه ” لا
تظن بكلمة خرجت من اخيك المؤمن شرا وانت تجد لها في الخير محملا ”
4- التماس الاعذار للاخرين ول ننظر الى هذا المثال الرائع من حياة الامام الشافعي رحمه
الله حين مرض الامام الشافعي رحمه الله واتاه اخوانه يعوده فقال للشافعي قوى الله ضعفك
قال الشافعي لو قوي ضعفي لقتلتني قال والله ما اردت الا الخير فقال الامام اعلم
انك لو سببتني ما اردت لي الا الخير
5- تجنب الحكم على النيات ” وهذه مهمة جدا لان النية محلها القلب و يعلمها
الا الله عز وجل ”
6- استحضار افات سوء الظن وعدم تزكية النفس لان من نتائج سوء الظن انه يحمل
صاحبه على اتهام الاخرين مع احسان الظن بنفسه، وهو نوع من تزكية النفس التي نهى
الله عنها في كتابه: {فلا تزكوا انفسكم هو اعلم بمن اتقى} النجم:32
وعلى العكس فاذا قدمنا سوء الظن فان النفوس تتحطم والبيوت تتهدم والاسر تتشرد وتتقطع الاوصال
والاعراض تتهم وتشوه صور مضيئة وتتردى مجتمعات والسبب سوء الظن باخيك المسلم و المسلمة
سوء الظن مهلكة وبلاء لا يكاد الناس يسلمون منه فسوء الظن داء خفي له دافع
من خير ودافع من شر فهذا يسيء الظن بقصد الشر والفتنة وذلك يسيء بقصد الخير
والعافية وكلاهما في الحقيقة سيء الظن ولو ان القاصد للخير ما قصد الا الخير الا
ان اساءته الظن باخيه المسلم لربما كان اشد وطئا وفتنة ممكن اساء الظن قاصدا للنشر
والوقيعة
وقد تعرض لمثل هذا النبي صلى الله عليه وسلم في زوجه عائشة ام المؤمنين رضي
الله عنها والقصة تبدا وجيش المسلمين قافل من غزوة بني المصطلق حصل ان عائشة ذهبت
لقضاء الحاجة، فلما عادت فقدت عقدها، فرجعت تبحث عنه، فجاء الذين يحملون هودجها، فحملوه ووضعوه
على ظهر الناقة وهم يظنون ان عائشة فيه، وكانت جارية حديثة السن لم تثقل وسار
الجيش وجدت عائشة العقد وعادت فلم تر للجيش اثرا فمكثت في مكانها، وهي تظن انهم
سيفقدونها ثم يعودون اليها، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يضع في مؤخرة الجيش رجلا
يكون عينا وحافظا، وكان صفوان بن المعطل، فجاء فراى عائشة رضي الله عنها فاسترجع، ثم
ارخى لها الدابة، وما كلمها، فركبت، وسار بها، حتى دخل المدينة ظهرا، على مراى من
الناس فوقع بعض الناس فيهما بالافك وكان الذي تولى كبره المنافق عبد الله بن ابي
بن سلول وهلك من هلك، وتناولوا عائشة بما هي بريئة منه، ومكثوا على هذا شهرا،
لا ينزل الوحي ولنا ان نتصور كيف يكون حال النبي صلى الله عليه وسلم وعائشة
في هذه المدة لقد كانت ماساة كبرى حيث لم يكن المنافق ابن سلول وحده الخائض
في هذا الافك، بل بعض الصحابة ايضا كحسان بن ثابت ومسطح بن اثاثة وحمنة بن
جحش لقد بلغ بالنبي صلى الله عليه وسلم ان صار يستشير اصحابه في فراق اهله
واسامة بن زيد يقول: ” يا رسول الله! اهلك، وما نعلم الا خيرا ” واما
علي فيقول :” يا رسول الله ! لم يضيق الله عليك والنساء سواها كثير” وعائشة
تبكي الايام لا يرقا لها دمع، ولا تكتحل بنوم، ويقوم رسول الله صلى الله عليه
وسلم في الناس مستعذرا يقول “من يعذرني من رجل قد بلغني اذاه في اهل بيتي؟،
فو الله ما علمت على اهلي الا خيرا ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه الا
خيرا” حتى اذا طال البلاء قال لعائشة ” يا عائشة! فانه بلغني عنك كذا وكذا،
فان كنت بريئة فسيبرؤك الله وان كنت الممت بذنب فاستغفري الله وتوبي اليه، فان العبد
اذا اعترف بذنبه ثم تاب الى الله، تاب الله عليه ” فاجابت :” اني والله
لقد علمت، لقد سمعتم هذا الحديث، حتى استقر في انفسكم وصدقتم به، فلئن قلت لكم
اني بريئة والله يعلم اني بريئة لا تصدقوني بذلك، ولئن اعترفت لكم بامر والله يعلم
اني منه بريئة لتصدقني، والله ما اجد لكم مثلا الا قول ابي يوسف، قال: فصبر
جميل، والله المستعان على ما تصفون” فانزل الله تعالى براءة عائشة عائشة رضي الله عنها
من الافك:” ان الذين جاءوا بالافك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير
لكم لكل امريء منهم ما اكتسب من الاثم والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم
” لقد كانت حادثة الافك درسا كبيرا لكل من يقدم سوء الظن على حسن الظن
فعلى المسلم والمسلمة تقديم حسن الظن على سوء الظن مهما بلغت بنا الشكوك فاحوال العباد
وظروفهم وجميع ما يحيط بهم لا يعلمه الا الله الواحد الاحد وقال ابن سيرين رحمه
الله : ” اذا بلغك عن اخيك شيء فالتمس له عذرا ، فان لم تجد
فقل : لعل له عذرا لا اعرفه “. فهكذا تكون الاخوة الحقيقية احسان الظن بالاخوان
. وعن الفضيل بن عياض عن سليمان عن خيثمة قال قال عبدالله ” والذي لا
اله غيره ما اعطي عبد مؤمن شيئا خيرا من حسن الظن بالله تعالى ”
ان احسان الظن بالناس يحتاج الى كثير من مجاهدة النفس لحملها على ذلك خاصة وان
الشيطان يجري من ابن ادم مجرى الدم ولا يكاد يفتر عن التفريق بين المؤمنين والتحريش
بينهم واعظم اسباب قطع الطريق على الشيطان هو احسان الظن بالمسلمين عن ابي هريرة قال
: قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم (( حسن الظن من حسن العبادة
)) رواه الحاكم وابو داود واحمد
و ان من ثمرات سوء الظن ايضا التجسس ( وهذا يوصل الى هتك ستر المسلم
). بخلاف حسن الظن
اسباب سوء الظن: ان اهم اسباب سوء الظن هي ما يفعله الشيطان من تسويل وتحريش
في قلب المسلم
فيدفعه الى سوء ظنه، قال بعض الصالحين:«ويلكم عبيد السوء ترون القذى في اعين غيركم ولا
ترون الجذع في اعينكم» السلف الصالح قد ناوا بانفسهم عن هذا الخلق الذميم فتراهم يلتمسون
الاعذار للمسلمين، حتى قال بعضهم: اني لالتمس لاخي لمعاذير من عذر الى سبعين، ثم اقول:
لعل له عذرا لا اعرفه… وقد قال العلماء: ان كل من رايته سيئ الظن بالناس
طالبا لاظهار معايبهم فاعلم ان ذلك لخبث باطنه، وسوء طويته؛ فان المؤمن يطلب المعاذير لسلامة
باطنه، والمنافق يطلب العيوب لخبث باطنه.. فان المؤمن يطلب المعاذير لسلامة باطنه , والمنافق يطلب
العيوب لخبث باطنه . كماجاء في “الحديث المؤمن غر كريم، والفاجر خب لئيم”. اخرجه البخاري
وابو داود، والترمذي، والحاكم،وصححه الالباني
“( الغر ) في كلام العرب هو: الذي لا غائلة و لا باطن له يخالف
ظاهره، ومن كان هذا سبيله امن المسلمون من لسانه و يده، و هي صفة المؤمنين،
و(الفاجر) ظاهره خلاف باطنه؛ لان باطنه هو ما يكره، و ظاهره مخالف لذلك، كالمنافق الذي
يظهر شيئا غير مكروه منه، و هو الاسلام الذي يحمده اهله عليه،و يبطن خلافه وهو
الكفر الذي يذمه المسلمون عليه” اه.
وفى لسان العرب: وفي الحديث: المؤمن غر كريم اي ليس بذي نكر، فهو ينخدع لانقياده
ولينه، وهو ضد الخب. يقال: فتى غر، وفتاة غر، يريد ان المؤمن المحمود من طبعه
الغرارة وقلة الفطنة للشر وترك البحث عنه، وليس ذلك منه جهلا، ولكنه كرم وحسن خلق؛
قلت: كما كان عليه الصلاة والسلام اذن خير. وقال ابن الاثير فى النهاية: والخب بالفتح:
الخداع، وهو الجزبر الذي يسعى بين الناس بالفساد. ثم اعقب الالباني – رحمه الله –
“الصحيحة” عن ابن عمر مرفوعا: “المؤمنون هينون لينون مثل الجمل الالف، الذي ان قيد انقاد،
و ان سيق انساق، و ان انخته على صخرة استناخ”.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “اياكم والظن، فان الظن اكذب الحديث. ولا تحسسوا،
ولا تجسسوا، ولا تنافسوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا. وكونوا عباد الله اخوانا كما امركم. المسلم
اخو المسلم، لا يظلمه، ولا يخذله ولا يحقره. التقوى ههنا -ويشير الى صدره- بحسب امرئ
من الشر ان يحقر اخاه المسلم. كل المسلم على المسلم حرام. دمه وعرضه وماله. ان
الله لا ينظر الى اجسادكم ولا الى صوركم، ولكن ينظر الى قلوبكم واعمالكم”. رواه الشيخان
عن ابي هريرة رضي الله عنه
قال الامام ابن حجر: سوء الظن بالمسلم من الكبائر الباطنة وقال: وهذه الكبائر مما يجب
على المكلف معرفتها ليعالج زوالها لان من كان في قلبه مرض منها لم يلق الله
والعياذ بالله بقلب سليم، وهذه الكبائر يذم العبد عليها اعظم مما يذم على الزنا والسرقة
وشرب الخمر
ونحوها من كبائر البدن؛ وذلك لعظم مفسدتها، وسوء اثرها ودوامه اذ ان اثار هذه الكبائر
ونحوها تدوم بحيث تصير حالا وهيئة راسخة في القلب، بخلاف اثار معاصي الجوارح فانها سريعة
الزوال، تزول بالتوبة والاستغفار والحسنات الماحية قال ابن قدامه المقدسي رحمه الله تعالى: متى خطر
لك خاطر سوء على مسلم : فينبغي ان تزيد في مراعاته وتدعو له بالخير ,فان
ذلك يغيض الشيطان ويدفعه عنك , واذا تحققت هفوة مسلم ,
فانصحه في السر. وقال ايضا: فليس لك ان تظن بالمسلم شرا , الا اذا انكشف
امرا لا يحتمل التاويل , فان اخبرك بذلك عدل , فمال قلبك الى تصديقه ,
كنت معذورا لانك لو كذبته كنت قد اسات الظن بالمخبر فلا ينبغي ان تحسن الظن
بواحد وتسيئه باخر , بل ينبغي ان تبحث هل بينهم عداوة او حسد ,فتتطرق التهمة
حينئذ بسبب ذلك . وكان سعيد بن جبير يدعو ربه فيقول : ” اللهم اني
اسالك صدق التوكل عليك وحسن الظن بك “