هناك من يتعامل مع الدعاء بطريقة مشابهة لتقديم امر الى جهاز الحاسب ينتظر من الحاسوب
ان يقوم بمعالجته حرفيا و اخراج النتيجة المنتظرة.
و اذا لم تخرج النتيجة على النحو الذي نريد فقد نبحث عن سبب العطل
او عن الخطا في عملية الادخال فاذا لم تتحقق النتيجة المرجوة اغلقنا الحاسب و عدنا
الى
ممارسة حياتنا كان شئ لم يكن.
و حين كتبت عن تغيير القدر بالدعاء فلم يكن المقصود من ذلك ترسيخ ذلك
المفهوم الالي لعملية الدعاء و الاجابة.
فليس تغيير القدر معادلة رياضية او ضربا على لوحة مفاتيح حاسوبك. تغيير القدر
و اجابة الدعاء بصفة عامة قد يتم وفق سنن الهية، لكن هذه السنن ليست مؤشرا
على الالية و لكنها تعبير عن طلاقة قدرة الله و تدخله بما شاء كما يشاء.
سالني سائل: زوجتى حامل فى الشهر الخامس و بعد استشارة الطبيب
اوضح لنا انه 90% ان يكون المولود انثى- فهل يمكن للدعاء فى هذه الحالة ان
يغير القدر؟
و قد ادهشني السؤال للوهلة الاولى، لكنني عدت لنفسي و قلت لا يمكنني ان القي
كل اللوم على السائل.
الدعاء هو واحد من المفاهيم التي اعتراها كثير من اللبس الذي اعترى اكثر مفاهيم العقيدة
و الفكر الاسلامي حين غاب الفقه القائم على التفكر و التدبر و الوقوف على جوهر
الدين،
و انشغل الناس بالفروع و ما لا يضر الجهل به و لا يضيف العلم به
كثير نفع.
اكثر الناس يبدا رحلة العودة الى الله من عند اطراف الثياب.
و غيرهم يبداون رحلة الدعوة الى الله من الاعراف و العادات.
و ما بين العودة و الدعوة تتشعب السبل و تاخذنا دوما الى الاطراف التي يسهل
فيها الكلام
و الادعاء و لا يحتاج صاحبها لعناء التفكر و مشقة البحث و الفهم و التدبر.
نعود الى قضية الدعاء، و لا احاول هنا ان اقدم اي بحث تفصيلي و لكن
اكتفي بالرد الذي
اجبت به على سؤال السائل.
و اني حين انشر هذا السؤال و الرد عليه انما اقصد بذلك ان تعم الفائدة
و ليس في ذلك
اي انتقاص من شان السائل فله كل المحبة و التقدير. و اليكم الرد:
اعزائينحن حين ندعوا الله ندعوه من منطلق العبودية و الخضوع و التسليم له.
و لسنا ندعوه دعاء المستحق المستوجب لشئ من عطائه.
و الدعاء ليس عملية الية نقدم فيها لائحة طلباتنا فتخرج لنا مجابة كما اردنا.
الدعاء تذلل و تضرع.
والله عز و جل لا يعجزه ان يعطي كل انسان ما يريد او ان يجيب
اي طلب نساله اياه،
لكنه اراد الحياة الدنيا اختبارا لعبوديتنا و خضوعنا له و هو يجيب بحكمته ما شاء
لمن شاء.
و وضع لنا شروطا لاجابة الدعاء كان لا يكون الدعاء باثم
و ان تعف بطنك و فرجك و لسانك و ان تكون من المتقين.
و ليس شرطا ان تكون زاهدا صواما قواما كي يجيب الله دعائك.
يكفيك ان تكون مسلما صالحا و ان تكون نقي القلب خاشعا خاضعا لله ترضى عنه
و ترضى بما يقسمه.
و حين نسال الله عز وجل فنحن نساله لا استقلالا لعطائه و لا استصغارا لنعمته،
بل ندعوه استزادة من فضله لانه كريم يحب العطاء.
و لذلك يستحب ان تبدا دعاءك بحمد الله و الثناء عليه و اظهار الرضى عن
ربك و القبول بجميع قضائه
و الاعتراف بعظيم نعمته، ثم تسال بعد ذلك الله من خير الدنيا و الاخرة ما
شئت.
و الله عز وجل يقول “لان شكرتم لازيدنكم”.
فيا اخي واختي انصحكم و نفسي بالرضا.
الرضا بعطاء الله و الرضا عن الله، و ان تشعر بذلك في قلبك و ان
تحس بان الله لم يحرمك،
و ان ما اصابنا من خير فمنه و ما اصابنا من مصيبة فبما كسبت ايدينا
و يعفو عن كثير.
فيا اخي احمد الله على ما وهبك و اشكر له و ادعه ان يبارك لك
فيما اعطاك و ان يجعل فيه الخير،
و ان كنتم لا بد داعيا بالولد فقل:
اللهم ان علمت ان كون هذا الجنين الذي انعمت به على و احسنت
به الي ان علمت كونه ذكرا خير لي في ديني و دنياي فاكتبه لي ذكرا
و ان علمت كونه انثى خيرا لي في ديني و دنياي فاكتبه لي كذلك و
بارك لي في كل حال
و ارضني بما اعطيتني و زدني من فضلك و نعمتك فانك انت الكريم الرحيم.
فما دام نوع الجنين لم يعلم يقينا فهو في علم الله يجعله على النحو الذي
يراه بحكمته
و الله عز وجل قادر ان يكتب ما شاء،