قوله تعالى : ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل ان هدى
الله هو الهدى ولئن اتبعت اهواءهم بعد الذي جاءك من العلم ما لك من الله
من ولي ولا نصير
[ ص: 90 ] قوله تعالى : ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع
ملتهم فيه مسالتان :
الاولى : قوله تعالى : قوله تعالى : ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى
تتبع ملتهم المعنى : ليس غرضهم يا محمد بما يقترحون من الايات ان يؤمنوا ،
بل لو اتيتهم بكل ما يسالون لم يرضوا عنك ، وانما يرضيهم ترك ما انت
عليه من الاسلام واتباعهم . يقال : رضي يرضى رضا ورضا ورضوانا ورضوانا ومرضاة ،
وهو من ذوات الواو ، ويقال في التثنية : رضوان ، وحكى الكسائي : رضيان
. وحكي رضاء ممدود ، وكانه مصدر راضى يراضي مراضاة ورضاء . تتبع منصوب بان
ولكنها لا تظهر مع حتى ، قاله الخليل . وذلك ان حتى خافضة للاسم ،
كقوله : حتى مطلع الفجر وما يعمل في الاسم لا يعمل في الفعل البتة ،
وما يخفض اسما لا ينصب شيئا . وقال النحاس : تتبع منصوب بحتى ، وحتى
بدل من ان . والملة : اسم لما شرعه الله لعباده في كتبه وعلى السنة
رسله . فكانت الملة والشريعة سواء ، فاما الدين فقد فرق بينه وبين الملة والشريعة
، فان الملة والشريعة ما دعا الله عباده الى فعله ، والدين ما فعله العباد
عن امره .
الثانية : تمسك بهذه الاية جماعة من العلماء منهم ابو حنيفة والشافعي وداود واحمد بن
حنبل على ان الكفر كله ملة واحدة ، لقوله تعالى : ملتهم فوحد الملة ،
وبقوله تعالى : لكم دينكم ولي دين ، وبقوله عليه السلام : لا يتوارث اهل
ملتين على ان المراد به الاسلام والكفر ، بدليل قوله عليه السلام : لا يرث
المسلم الكافر . وذهب مالك واحمد في الرواية الاخرى الى ان الكفر ملل ، فلا
يرث اليهودي النصراني ، ولا يرثان المجوسي ، [ ص: 91 ] اخذا بظاهر قوله
عليه السلام : لا يتوارث اهل ملتين ، واما قوله تعالى : ملتهم فالمراد به
الكثرة وان كانت موحدة في اللفظ بدليل اضافتها الى ضمير الكثرة ، كما تقول :
اخذت عن علماء اهل المدينة – مثلا – علمهم ، وسمعت عليهم حديثهم ، يعني
علومهم واحاديثهم .
قوله تعالى : قل ان هدى الله هو الهدى المعنى ما انت عليه يا محمد
من هدى الله الحق الذي يضعه في قلب من يشاء هو الهدى الحقيقي ، لا
ما يدعيه هؤلاء .
قوله تعالى : ولئن اتبعت اهواءهم الاهواء جمع هوى ، كما تقول : جمل واجمال
، ولما كانت مختلفة جمعت ، ولو حمل على افراد الملة لقال هواهم . وفي
هذا الخطاب وجهان : احدهما : انه للرسول ، لتوجه الخطاب اليه . والثاني :
انه للرسول والمراد به امته ، وعلى الاول يكون فيه تاديب لامته ، اذ منزلتهم
دون منزلته . وسبب الاية انهم كانوا يسالون المسالمة والهدنة ، ويعدون النبي صلى الله
عليه وسلم بالاسلام ، فاعلمه الله انهم لن يرضوا عنه حتى يتبع ملتهم ، وامره
بجهادهم .
فائدة جليلة : قوله تعالى : من العلم سئل احمد بن حنبل عمن يقول :
القران مخلوق ، فقال : كافر ، فقيل : بم كفرته ؟ فقال : بايات
من كتاب الله تعالى : ولئن اتبعت اهواءهم بعد الذي جاءك من العلم والقران من
علم الله . فمن زعم انه مخلوق فقد كفر