سؤال: ذكر لي احد الاشخاص دعاء يقول : ” يا حي يا قيوم ، برحمتك
استغيث ، اصلح لي شاني كله ، ولا تكلني الى نفسي طرفة عين ” اريد
ان اتبين ان كان هذا الدعاء من الحديث الصحيح ، واذا صح ، فما معناه
؟
الجواب:
الحمد لله
اولا :
ورد هذا الدعاء في حديث صحيح عن انس بن مالك رضي الله عنه قال :
قال النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة رضي الله عنها :
( ما يمنعك ان تسمعي ما اوصيك به ، او تقولي اذا اصبحت واذا امسيت
: يا حي يا قيوم برحمتك استغيث ، اصلح لي شاني كله ، ولا تكلني
الى نفسي طرفة عين )
رواه النسائي في “السنن الكبرى” (6/147) وفي “عمل اليوم والليلة” (رق/46) ، والحاكم في “المستدرك”
(1/730) ، والبيهقي في “الاسماء والصفات” (112) ، وغيرهم. ولفظه في بعض الروايات : (
ان تقولي اذا اصبحت واذا امسيت ) .
قال المنذري في “الترغيب والترهيب” (1/313) : اسناده صحيح . وقال الشيخ الالباني في “السلسلة
الصحيحة” (رقم/227) : اسناده حسن .
وقد ورد هذا الدعاء ، بلفظ مقارب للمذكور هنا ، من حديث ابي بكرة رضي
الله عنه ، ان النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( دعوات المكروب اللهم
رحمتك ارجو فلا تكلني الى نفسي طرفة عين اصلح لي شاني كله لا اله الا
انت ) .
رواه احمد (27898) ، وابو داود (5090) ، وحسنه الالباني في صحيح الجامع (3388) .
ثانيا :
هذا الدعاء من اعظم الادعية التي تتضمن تحقيق العبودية لله رب العالمين ، وتتضمن التوسل
الى الله تعالى باسمائه وصفاته ، فهو سبحانه الحي القيوم ، الرحمن الرحيم ، والعبد
يستمد العون والتاييد من قيوميته عز وجل ، كما يستغيث برحمته التي وسعت كل شيء
، لعله ينال منها ما يسعده في دنياه واخرته .
ثم يسال الله تعالى صلاح الامور والاحوال ، فيقول : ( اصلح لي شاني كله
) اي : جميع امري : في بيتي ، واهلي ، وجيراني ، واصحابي ،
وعملي ، ودراستي ، وفي نفسي ، وقلبي ، وصحتي…في كل شيء يتعلق بي ،
اجعل يا رب الصلاح والعافية حظي ونصيبي .
وذلك كله من فضل الله سبحانه وتعالى ، وليس باستحقاق العبد ولا بجاهه ، ولذلك
جاء ختم الدعاء بالاعتراف بالفقر التام اليه سبحانه ، والاستسلام الكامل لغناه عز وجل ،
فيقول : ( ولا تكلني الى نفسي طرفة عين ) : اي لا تتركني لضعفي
وعجزي لحظة واحدة ، بل اصحبني العافية دائما ، واعني بقوتك وقدرتك ، فان من
توكل على الله كفاه ، ومن استعان بالله اعانه ، والعبد لا غنى به عن
الله طرفة عين .
يقول ابن القيم رحمه الله :
” من ههنا خذل من خذل ، ووفق من وفق ، فحجب المخذول عن حقيقته
، ونسي نفسه ، فنسي فقره وحاجته وضرورته الى ربه ، فطغى وعتا ، فحقت
عليه الشقوة ، قال تعالى :
( كلا ان الانسان ليطغى ان رءاه استغنى ) وقال : ( فاما من اعطى
واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى واما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى )
فاكمل الخلق اكملهم عبودية ، واعظمهم شهودا لفقره وضرورته وحاجته الى ربه ، وعدم استغنائه
عنه طرفة عين .
ولهذا كان من دعائه : ( اصلح لي شاني كله ، ولا تكلني الى نفسي
طرفة عين ولا الى احد من خلقك ) ، وكان يدعو : يا مقلب القلوب
ثبت قلبي على دينك .
يعلم ان قلبه بيد الرحمن عز وجل ، لا يملك منه شيئا ، وان الله
سبحانه يصرفه كما يشاء ، كيف وهو يتلو قوله تعالى : ( ولولا ان ثبتناك
لقد كدت تركن اليهم شيئا قليلا )
فضرورته الى ربه وفاقته اليه بحسب معرفته به ، وحسب قربه منه ، ومنزلته عنده
” انتهى.
“طريق الهجرتين” (25-26) .
وقال المناوي رحمه الله ، في شرح الرواية الثانية ، دعاء المكروب : ” ومن
شهد لله بالتوحيد والجلال مع جمع الهمة وحضور البال فهو حري بزوال الكرب في الدنيا
والرحمة ورفع الدرجات في العقبى ” .
“فيض القدير” (3/526) .
والله اعلم .