في نهاية الستينات ابتكر(Tony Buzan) استاذ الذاكرة ما يسمى ب(الخارطة الذهنية)، وهي: “تقنية تخطيطية قوية
تسخر جميع المهارات المرتبطة بالدماغ وتوسع امكاناته، بطريقة تساعد على التفكير والتعلم، وتعتمد على رسم
كل ما تريده في ورقة واحدة بشكل منظم مركز ومختصر وسهل التذكر”.
يمكننا ان نقول على ضوء هذا: ان الخارطة الذهنية اختصار بالغ يعطي صورة شاملة عن
الموضوع محل الدراسة او التحدث، بحيث يبدو بصورة اكثر شمولية، ويمكن من وضع اكبر قدر
ممكن من المعلومات والافكار التي تدور في الذهن.
هذه الفكرة الرائعة لادارة النشاط البشري باطره المتعددة والمتنوعة، وادارة النشاط العقلي بتشعباته المختلفة، يجعل
الطرق مهما طالت، والمنحنيات مهما تقوست، والافكار مهما تنوعت وتمددت بادية لصاحبها كصفحة كتاب واحدة
يستطيع من خلالها تحديد زمن الانطلاق، وتعيين زمن الوصول ونقطة وضع الرحال، ثم هي تعينه
ايضا عند فقد بعض المتاع من العودة الى النقطة التي فقد عندها متاعه لا من
النقطة التي بدا منها رحيله..
اقول: لو حاولنا ان نضعها في تعاملنا مع القران لربما ساعدنا كثيرا في حفظ القران،
وحسن تدبره، عند ما نضع هذه الخريطة نصب اعيننا ونحن نتناول سورة البقرة بالحفظ او
التدبر، فسورة البقرة هي اطول سور القران، وهي فسطاطه، نزلت في مدد شتى، فيها اية
قيل: هي اخر ما نزل من القران، هذه السورة تبدو في نظر كثير ممن يقراها
او يسمعها موضوعات شتى تزاحمه عند قراءتها او تدبرها وتظل مشاهدها تجول في خاطره دون
ان يلحظ رابطا عاما ينتظم عناصر محددة لهذه المشاهد المتعددة، لكن نقول: ان بامكاننا باستخدام
الخارطة الذهنية ان نحدد المحور العام لسورة البقرة، والذي نرى انها تدور على: (العبادة)
ونلحظ ان هذا المحور العام تنتظم تحته خمسة موضوعات:
الموضوع الاول: اصناف الناس في الحياة، من الاية: (1) الى الاية (20).
وياتي الموضوع الثاني، فينتقل بالقارئ للعبودية، اهميتها، وقصة بدايتها من الاية: (21) الى الاية (39).
اما الموضوع الثالث، فهو عن حقيقة العبودية مع صور ونماذج لها من الاية: (40) الى
الاية (152).
وياتي الموضوع الرابع، لياخذ المتدبر، والناظر الى شمولية العبادة لجميع نواحي الحياة من الاية: (153)
الى الاية: (253) وهو الفصل الاطول في هذه الموضوعات.
ثم الموضوع الخامس: الذي يدور على كون التعظيم اساس العبودية من الاية(254) الى الاية (286)
هذه الموضوعات لو وضعها الحافظ في مخيلته، واجاد الوقوف على خصائص كل موضوع، بل قسم
حفظه او تدبره على اساسها لفتحت له افاقا في الفهم، وجعلت حفظه من السداد والقوة
بمكان، لان كل موضوع منها ياخذك بين تضاعيفه ولا يتركك الا ليسلمك الى موضوع كلي
اخر له ارتباط بسالفه.