قال ابن تيمية فينزولسورة(هل اتى) في اهل البيت(عليهم السلام): ((ان هذا الحديث من الكذب الموضوع باتفاق اهل المعرفة
بالحديث, الذين هم ائمة هذا الشان وحكامه, وقول هؤلاء هو المنقول في هذا الباب, ولهذا
لم يرو هذا الحديث في شيء من الكتب التي يرجع اليها في النقل, لا في
الصحاح، ولا في المسانيد، ولا في الجوامع، ولا السنن, ولا رواه المصنفون في الفضائل, وان
كانوا قد يتسامحون في رواية احاديث ضعيفة…
ان الدلائل على كذب هذا كثيرة, منها: ان عليا انما تزوج فاطمة بالمدينة… وسورة(هل اتى) مكية باتفاق اهل التفسير والنقل, لم يقل احد منهم: انها مدنية)).(منهاج السنة 7/177
– 179).
فما هو رده وجوابه؟
الاخ محمد المحترم
وبركاته
اولا:ان الجمهور على ان هذه السورةمدنية، نص على ذلك:
ابن الجوزي في(زاد المسير)، قال: ((وفيها ثلاثة اقوال: احداها انها مدنية كلها، قاله الجمهور، منهم:
مجاهد وقتادة))(1).
العز بن عبد السلام في تفسيره، قال: ((مدنية عند الجمهور))(2).
القرطبي في (الجامع لاحكام القران)، قال: ((وقال الجمهور: مدنية))(3).
الخازن في (لباب التاويل)، قال: ((وهي مدنية، كذا قال مجاهد وقتادة والجمهور))(4).
الحاكم الحسكاني في (شواهد التنزيل)، قال: ((قول الاكثر: انها مدنية))(5).
الشوكاني في (فتح القدير)، قال: ((قال الجمهور: هي مدنية))(6).
الالوسي في (روح المعاني)، قال: ((هي مكية عند الجمهور على ما في البحر))، ولكنه عاد
وحكى عن ابن عادل: مدنيتها على الاطلاق عن الجمهور، ثم قال: ((وعليه الشيعة))(7).
وذكر العيني في (عمدة القاري) عن ابن النقيب قوله: ((انها مدنية كلها، قاله الجمهور))(8).
واما من قال انها مدنية من المفسرين:
محمد بن جرير الطبري في (جامع البيان)(9).
السمرقندي في تفسيره(10).
البغوي في (معالم التنزيل)(11).
الغرناطي الكلبي في (التسهيل لعلوم التنزيل)(12).
ابو حيان الاندلسي في (البحر المحيط)(13).
وهناك من نقل روايات واقوال عن الصحابة والتابعين انها مدنية:
منهم: الحافظ احمد بن محمد العاصمي في كتابه (زين الفتى في شرحسورةهل اتى)؛ روى بطريقه عن الكلبي، عن ابي صالح، عن ابن عباس: تعداد السور المكية
والمدنية وعدسورةهل اتى من المدني.. وروى بطريقه عن عثمان بن عطاء، عن ابيه، عن ابن عباس:
تعداد المكي والمدني، وعد (هل اتى) في المدني.. وروى عن سعيد بن المسيب، عن علي(عليه
السلام): تعداد (هل اتى) في المدني(14).
ومنهم: ابو عمرو الداني؛ روى في (البيان في عد اي القران) بسنده عن جابر بن
يزيد: عد (هل اتى) في المدني(15).
ومنهم: الحاكم الحسكاني، روى في (شواهد التنزيل) بعدة طرق عن عطاء، عن ابن عباس: انها
مدنية، وروى ذلك عن مجاهد، عن ابن عباس؛ وعن الكلبي، عن ابن عباس؛ عن مجاهد،
عن ابن عباس؛ وعن الكلبي، عن ابن عباس؛ وعن عطاء، وعن عكرمة، وعن الحسن بن
ابي الحسن(16).
وقال الزركشي في (البرهان) بعد ان سمى السور النازلة بمكة: ((فهذا ترتيب ما نزل من
القران بمكة، وعليه استقرت الرواية من الثقات وهي خمس وثمانونسورة))، ثم ذكر السور النازلة في المدينة وعد منها (هل اتى)(17).
وروى البيهقي في (دلائل النبوة) بسنده عن عكرمة والحسن بن ابي الحسن: عد (هل اتى)
من السور المدنية، ورواه ايضا عن مجاهد، عن ابن عباس، وقال: ((ولهذا الحديث شاهد من
تفسير مقاتل، وغيره من اهل التفسير))(18).
وروى ابن النديم في (الفهرست) بسنده عن عطاء، عن ابن عباس: ان (هل اتى) مما
نزل بالمدينة(19).
وروى السيوطي في (الاتقان) ما اورده البيهقي في (دلائل النبوة)، ثم اخرج عن ابن ضريس
في (فضائل القران) بسنده عن عطاء، عن ابن عباس: انسورة(الانسان) مما نزل في المدينة(20).
وعد اليعقوبي في تاريخهسورة(هل اتى) في ما نزل بالمدينة(21).
ونقل المقريزي في (امتاع الاسماع) عن ابي القاسم القشيري: عدسورة(هل اتى) في ما نزل بالمدينة(22).
وهناك من قال من المفسرين انها مكية، ولكنه روىنزولاية:(( ويطعمون الطعام على حبه… ))(الانسان:8) في حق علي واهل البيت(عليهم السلام)؛ والسورةيمكن ان يكون اولها مكي فتكتب مكية، ويلحق بها ايات مدنية؛ ففي رواية عطاء، عن
ابن عباس، قال: اذا نزلت فاتحةسورةبمكة كتبت بمكة، ثم يزيد الله فيها ما شاء(23).
وروى مثله عن ابي صالح عن ابن عباس، العاصمي في (زين الفتى)(24).
ومنهم: مقاتل بن سليمان في تفسيره(25)، والواحدي ذكر انها مكية في تفسيره (الوجيز)(26)، وروى في (اسبابنزول) اية:(( ويطعمون الطعام على حبه… ))(الانسان:8) في حق علي(عليه السلام) عن عطاء عن ابن عباس(27)، والنسفي في تفسيره(28)، والزمخشري في (الكشاف)(29)، والبيضاوي في تفسيره(30).
وهناك من ذكر الخلاف في السورة:
منهم: الثعلبي في تفسيره؛ قال بعد ان روى قصة النذر والصوم والاطعام: ((وعلى هذا القول
تكون السورةمدنية، وقد اختلف العلماء فينزولهذه السورة؛ فقال مجاهد وقتادة: هي كلها مدنية، وقال الحسن وعكرمة: منها اية مكية، وهي قوله
سبحانه :(( ولا تطع منهم اثما او كفورا ))(الانسان:24)، والباقي مدني، وقال الاخرون: هي كلها مكية، والله اعلم))(31).
ومنهم: السمعاني في تفسيره؛ قال: ((وهي مكية في قول بعضهم، مدنية في قول بعضهم، وقيل:
بعضها مكية وبعضها مدنية))(32).
ومنهم: البغوي في تفسيره؛ قال: ((قال عطاء: هي مكية، وقال مجاهد وقتادة: مدنية، وقال الحسين
وعكرمة: مدنية الا اية، وهي قوله:(( فاصبر لحكم ربك ولا تطع منهم اثما او كفورا ))))(33).
وقد عرفت ان ما روي عن عطاء عن ابن عباس بعدة طرق هو: انها مدنية،
فلا نعرف من اين جاءت النسبة الى عطاء انه يقول بمكيتها؟!
ومنهم: ابن عطية الاندلسي في تفسيره؛ قال: ((قال بعض المفسرين: هي مكية كلها، وحكى النقاش
والثعلبي عن مجاهد وقتادة: انها مدنية، وقال الحسن وعكرمة: منها اية مكية، وهي قوله تعالى:
(( ولا تطع منهم اثما او كفورا ))، والباقي مدني))(34)..
وانت ترى ان من قال بمكيتها: بعض المفسرين!!
ومنهم: ابن الجوزي في تفسيره؛ قال: ((وفيها ثلاثة اقوال: احدها: انها مدنية كلها؛ قاله الجمهور،
منهم: مجاهد وقتادة. والثاني: مكية؛ قاله ابن يسار، ومقاتل، وحكي عن ابن عباس. والثالث: ان
فيها مكيا ومدنيا. ثم في ذلك قولان: احدهما: ان المكي منها اية، وهو قوله عز
وجل:(( ولا تطع منهم اثما او كفورا ))، وباقيها جميعه مدني؛ قاله الحسن وعكرمة. والثاني: ان اولها مدني الى قوله عز وجل:
(( انا نحن نزلنا عليك القران ))(الانسان:23)، ومن هذه الاية الى اخرها مكي؛ حكاه الماوردي))(35).
وقد عرفت ان مقاتل وان قال انها مكية، لكنه روىنزولاية:(( ويطعمون الطعام… ))(الانسان:7-8) في حق علي واهل بيته(عليهم السلام)، وانه جاءت روايات بطرق عديدة عن عطاء بن
يسار، عن ابن عباس: انه يقول بمدنيتها، وان الاية:(( انا نحن نزلنا عليك القران تنزيلا ))، هي الاية رقم (23) من السورة، وما قبلها مدني، ومنها: قوله تعالى:(( يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا * ويطعمون الطعام… ))، وهي الايات من رقم (7) فما بعد.
ومنهم: العز بن عبد السلام في تفسيره؛ قال: ((مدنية عند الجمهور او مكية (ع)، او
مكية من قوله:(( انا نحن نزلنا ))، الى اخرها، وما تقدمه مدني))(36).
ومنهم: القرطبي في تفسيره؛ قال: ((مكية في قول ابن عباس ومقاتل والكلبي، وقال الجمهور: مدنية،
وقيل: فيها مكي من قوله:(( انا نحن نزلنا عليك القران تنزيلا ))، الى اخر السورة، وما تقدمه مدني))(37).
وقد عرفت ان الكلبي روى عن ابي صالح، عن ابن عباس: انها مدنية، اضافة الى
الطرق الاخر عن ابن عباس، وان مقاتل قد روىنزولاية:(( ويطعمون الطعام… ))(الانسان:7-8) في علي(عليه السلام).
ومنهم: ابو حيان الاندلسي في تفسيره؛ قال: ((هذه السورةمكية في قول الجمهور، وقال مجاهد وقتادة: مدنية، وقال الحسن وعكرمة: مدنية الا اية واحدة،
فانها مكية، وهي قوله تعالى:(( ولا تطع منهم اثما او كفورا ))، وقيل: مدنية الا قوله:(( فاصبر لحكم ربك ))الخ، فانه مكي؛ حكاه الماوردي))(38)..
وقد عرفت من عبارات المفسرين السابقة قولهم: انها مدنية، على قول الجمهور: منهم مجاهد وقتادة؛
فظاهر ما قاله ابو حيان: ان الجمهور على انها مكية.. خطا، اما غفلا او عمدا!
ومنهم: الثعالبي في تفسيره، قال: ((قيل مكية، وقال الحسن وعكرمة: منها اية مكية، وهي قوله
تعالى:(( ولا تطع منهم اثما او كفورا ))، والباقي مدني))(39).
ومنهم: الخازن في تفسيره؛ قال: ((وهي مدنية، كذا عن مجاهد وقتادة والجمهور، وقيل مكية؛ يحكى
ذلك عن ابن عباس، وعطاء بن يسار، ومقاتل، وقيل: فيها مكي ومدني، فالمكي منها، قوله:
(( ولا تطع منهم اثما او كفورا ))، وباقيها مدني، قاله الحسن وعكرمة.. وقيل: ان المدني من اولها الى قوله تعالى:(( انا نحن نزلنا عليك القران تنزيلا ))، ومن هذه الاية الى اخرها مكي؛ حكاه الماوردي))(40).
وقد عرفت ان الحكاية عن ابن عباس وعطاء غير صحيحة.
ومنهم: النحاس في (الناسخ والمنسوخ)، روى بسنده عن مجاهد: انه سال ابن عباس عن تلخيص
اي القران المدني من المكي، فقال عنسورةالمدثر؛ الى اخر اقرا باسم ربك (العلق): انهن نزلن بمكة(41)، وفيهنسورةالانسان.
وقد عرفت من رواية الحاكم الحسكاني في (شواهده) بسنده عن مجاهد، عن ابن عباس: ان
(هل اتى) مدنية، ونسبه بقية المفسرين اليه بغير خلاف، كما مضى.
ومنهم: السيوطي في تفسيره؛ قال: ((اخرج النحاس عن ابن عباس، قال: نزلتسورةالانسان بمكة. واخرج ابن مردويه عن ابن الزبير، قال: انزلت بمكةسورة(هل اتى على الانسان). واخرج ابن الضريس، وابن مردويه، والبيهقي، عن ابن عباس، قال: نزلت
سورةالانسان بالمدينة))(42).
وقد عرفت الجواب على ما اخرجه النحاس، واما ما قاله ابن الزبير فلا يؤخذ به؛
لانه كان يبغض عليا ويجاهر بذلك، وفي هذه السورةفضيلة ظاهرة لعلي(عليه السلام).
ومنهم: الشوكاني في (فتح القدير)؛ قال: ((قال الجمهور: هي مدنية. وقال مقاتل والكلبي: هي مكية.
واخرج النحاس عن ابن عباس: انها نزلت بمكة. واخرج ابن مردويه عن ابن الزبير مثله..
وقيل: فيها مكي، من قوله:(( انا نحن نزلنا عليك القران تنزيلا ))الى اخر السورة، وما قبله مدني))(43).
وقد عرفت الجواب عن هذه الاقوال مما مضى.
ومنهم: الالوسي في تفسيره؛ قال: ((وهي مكية عند الجمهور على ما قال في (البحر). وقال
مجاهد وقتادة: مدنية. وقال الحسن وعكرمة والكلبي: مدنية الا اية واحدة، فمكية، وهي:(( ولا تطع منهم اثما او كفورا )). وقيل: مدنية الا من قوله تعالى:(( فاصبر لحكم ربك ))الى اخرها، فانه مكي. وعن ابن عادل حكاية مدنيتها على الاطلاق عن الجمهور، وعليه الشيعة))
(44).
وقد عرفت خطا ما قاله ابو حيان في تفسيره (البحر المحيط)، وان الكل نسبوا مدنيتها
الى الجمهور، كما قال ابن عادل.
ومنهم: العيني في (عمدة القاري)؛ قال: ((وهي مكية، قاله قتادة والسدي وسفيان. وعن الكلبي: انها
مكية الا ايات:(( ويطعمون الطعام على حبه… ))الى قوله:(( قمطريرا ))(الانسان:8-10). ويذكر عن الحسن: انها مكية، وفيها اية مدنية:(( ولا تطع منهم اثما او كفورا )). وقيل: ما صح في ذلك قول للحسن ولا الكلبي. وجاءت الاخبار فيها: انها نزلت
بالمدينة في شان علي وفاطمة وابنيهما(رضي الله تعالى عنهم). وذكر ابن النقيب: انها مدنية كلها؛
قاله الجمهور))(45).
وقد عرفت خطا اكثر ما قاله مما مضى؛ فان قتادة والكلبي قالوا: انها مدنية، والحسن
قال: ان اية:(( ولا تطع منهم اثما او كفورا ))مكية، والباقي مدني.
واما قول الشيعة، فاتفاقهم واضح معروف على مدنيتها، ونزولها بحق علي واهل بيته(عليهم السلام)، وعليه يحصل الاتفاق بين الشيعة ومعظم اهل السنة على
مدنيتها، بل لا يصح القول بمكيتها وفيها ذكر الاسير الذي لم يكن بمكة، ولذا لم
يقل بمكيتها الا الشواذ والنواصب، وعلى راسهم ابن تيمية، وقد ظهر لك مما نقلنا: قيمة
اقواله التي ينسبها الى الجمهور، او ادعائه اتفاق اهل المعرفة بالحديث. وظهر لك من هذا:
ان الرجل لا يتورع عن الكذب في سبيل نصرة هواه.