احلى مواضيع جديدة

بحث حول التنمية

بحث حول التنمية Proxy?Url=Http-3A-2F-2F4-Bp-Blogspot-Com-2F Tv29Ugqokr4-2Fu Khminzhdi-2Faaaaaaaaeay-2Fsqwo6Foersc-2Fs1600-2Fworld
مفهوم التنمية
مقدمه
نظر لاهمية التنمية، والسعي الحثيث لتحقيقها في واقع المجتمعات الانسانية، ولاسيما المتخلفة منها، فان «مفهوم
التنمية اصبح عنوانا للكثير من السياسات والخطط والاعمال، على مختلف الاصعدة، كما اصبح هذا المصطلح
مثقلا بالكثير من المعاني والتعميمات، وان كان يقتصر في غالب الاحيان على الجانب الاقتصادي، ويرتبط
الى حد بعيد بالعمل على زيادة الانتاج الذي يؤدي بدوره الى زيادة الاستهلاك، لدرجة اصبحت
معها حضارات الامم تقاس بمستوى دخل الفرد، ومدى استهلاكه السنوي للمواد الغذائية والسكنية بعيدا عن
تنمية خصائصه ومزاياه واسهاماته الانسانية، واعداده لاداء الدور المنوط به في الحياة، وتحقيق الاهداف التي
خلق من اجلها»([3]). ناهيك عن ان هذه النظرة المادية لعمليةالتنمية قد استكنت في عقول معظم
شعوب العالم الاسلامي، وسيطرت على تفكيرهم، نتيجة الهيمنة الغربية، وسيطرة ثقافتها.
وبناء على ذلك، فان هذا الامر يدعونا الى اعادة النظر في مفهوم التنمية من منظور
اسلامي، وبيان مجالاتها، وايها اولى بالاهتمام، ثم التركيز على التعليم بوصفه محورا اساسا للتنمية والنهوض
بالعالم الاسلامي، اذ تعد التنمية التعليمية خلاصا له من تراجعه الحضاري، ولكن قبل ذلك لابد
من بيان مفهوم التنمية في الدراسات التنموية، حتى يتبين لنا اثناء المقارنة ما بين المنظورين
– المنظور الاسلامي والمنظور التنموي – من تمايز وتباين.
1- مفهوم التنمية في الدراسات التنموية:
التنمية من الناحية اللغوية ماخوذة من نما نموا، بمعنى الزيادة في الشيء، فيقال: نما المال
نموا اي زاد وكثر. واما من الناحية الاصطلاحية فقد اختلفت الاقوال في تحديد مفهوم التنمية،
وسبب ذلك اختلاف الاراء حول عملية التنمية من حيث مجالاتها وشموليتها؛ فبعضهم يقتصر في تحديد
مفهوم التنمية على مجال معين كالمجال الاقتصادي مثلا، فيقوم بتعريفها من خلال هذا المجال المحدد
للتنمية، بينما بعضهم الاخر يرى انها عملية شاملة لمختلف المجالات، فيكون تحديد المفهوم تبعا لهذه
الرؤية الشمولية للعملية التنموية.
وعلى الرغم من ذلك، فان كلمة التنمية بوصفها مصطلحا ذا معنى محددا اذا اطلقت فتنصرف
الى معنى التنمية الاقتصادية في الغالب، ذلك ان الفكر الاقتصادي الغربي هو الذي وضع مؤشرات
التنمية في العصر الحديث، من خلال منظور اقتصادي.
فضلا عن ذلك، فان التلازم بين التنمية والاقتصاد في الفكر الغربي، وانتشار هذا المنظور وهيمنته
الناتجة عن الهيمنة الغربية على العالم، والتبعية التي تميز بها العالم الثالث، جعلت المؤسسات الرسمية
في العالم العربي والاسلامي، ولاسيما المسؤولين عن مجال التنمية، يتجهون هذا الاتجاه الغربي في حصر
التنمية في المجال الاقتصادي واهمال ما سواها، ظنا منهم ان هذا التبني سيقود حتما الى
تنمية بلدانهم والخروج بها من التخلف والانحطاط الاقتصادي، ولكن الواقع خيب ظنهم.
لكن هذا المفهوم للتنمية الذي يجعل من الانتاج مقياسا لها بحيث اذا توفر نمو وزيادة
في الانتاج كانت هناك تنمية، واذا انتفى انتفت، قد ضيق من مجالات التنمية في المجتمعات
الانسانية، ثم حصر طاقات الانسان المتنوعة، والتي يمكن تنميتها، في طاقة واحدة هي الطاقة المادية
المتمثلة في الانتاج والاستهلاك لما انتج. زد على ذلك، فان جعل الانتاج مقياسا للتنمية، بحيث
تكون التنمية الاقتصادية متوقفة على الانتاج ليس بمقياس سليم في حد ذاته، بل ان الواقع
يشهد بخلاف ذلك؛ فهذا المقياس قد حقق نجاحا باهرا في البيئة الغربية، لان هذا التوجه
في العملية التنموية كان متماشيا ومنسجما مع النظرة الغربية للكون والانسان والحياة.
واما بلدان العالم الاسلامي فقد تبنت المنظور الغربي للتنمية وقامت بتطبيقه رجاء حصول نمو وتطور
اقتصادي، لكن هذا الرجاء باء بالخسران المبين، لا لضعف في الموارد الاولوية او لقلة في
الموارد الطبيعية. ولكن هذا التصور والتوجه الغربي في التنمية كان دخيلا على العالم الاسلامي الذي
له نظرة او تصور خاص للكون والانسان والحياة. وبناء على ذلك، فقد «انقضت ثلاثة عقود
من «التنمية» وما تزال الدول -التي اصطلح على تسميتها بالنامية او المتخلفة- تعاني من نفس
الازمات السياسية للمجتمع المتخلف، ولم تحقق تقدما ملحوظا في معظم المجالات السياسية والاقتصادية، بل انها
تراجعت في كثير من هذه النواحي الى مستويات من الممارسة والاداء والفعالية ادنى مما كانت
عليه»([4]).
فهذا الخلل في مفهوم التنمية جعل المهتمين بها يعيدون النظر في تحديد معنى التنمية ادراكا
منهم ان عملية التنمية ليست بمقصورة على الجانب الاقتصادي، لان هناك جوانب اخرى لها اهميتها
في تحقيق نجاح التنمية الاقتصادية، فضلا عن الاهتمام بالانسان بوصفه المحور الاساس للتنمية. وبناء على
ذلك بدا يظهر التوجه نحو التنمية الشاملة لمختلف مجالات الحياة والانشطة الاجتماعية فنجمت «التنمية الاجتماعية»
التي تهدف الى احداث تنمية بشرية.
وعلى الرغم من ظهور هذا النوع من التوجه نحو التنمية الاجتماعية، فان بعضا من علماء
الاقتصاد حاولوا تسخير التنمية الاجتماعية لخدمة التنمية الاقتصادية بحيث تستثمر الاولى لحساب الثانية. وهذا التصور
للتنمية الاجتماعية نجده عند هيجنز (Higgins) الذي عرفها بقوله: «عملية استثمار انساني تتم في المجالات
او القطاعات التي تمس حياة البشر مثل التعليم والصحة العامة والاسكان والرعاية الاجتماعية…الخ، بحيث يوجه
عائد تلك العملية الى النشاط الاقتصادي الذي يبذل في المجتمع»([5]). لكن علماء الاجتماع يخطئون هذا
المفهوم للتنمية الاجتماعية ويرون انها «العملية التي تبذل بقصد ووفق سياسة عامة لاحداث تطور اجتماعي
واقتصادي للناس وبيئاتهم، سواء كانوا في مجتمعات محلية او اقليمية او قومية، بالاعتماد على المجهودات
الحكومية والاهلية المنسقة، على ان يكتسب كل منهما قدرة اكثر على مواجهة مشكلات المجتمع نتيجة
لهذه العمليات»([6]).
2- مفهوم التنمية من منظور اسلامي:
ليس خافيا من خلال ما تقدم ذكره من تعاريف لمصطلح التنمية ان مفهومها ليس بثابت
ولا بمتفق عليه، بل كل يتناوله من الزاوية التي هي محل اهتمامه، بحيث يقصر نظره
في العملية التنموية من خلال اختصاصه. وهذا الاختلاف يدعونا الى محاولة تقديم مفهوم للتنمية يتماشى
مع المنظور الاسلامي للكون والحياة والانسان، وذلك بالاعتماد على المصادر الاساس لشريعة الاسلام.
وبعد الاطلاع على كم هائل من تعاريف متنوعة لمفهوم التنمية، وجدتها لا تفي بالمقصود ولا
تستوعب مجالات التنمية الكثيرة، بل لا نعدو الصواب ان قلنا: ان كل تعريف يركز على
مجال معين من مجالات التنمية فيكون تعريفه لها مقصورا على ذلك المجال، فلا يتعداه لغيره.
ناهيك عن ان جل التعريفات ان لم تكن كلها قد حصرت التنمية في الجانب المادي
فحسب، محاكاة للفكر الغربي.
ومن ثم، فقد عن لي ان اقدم تعريفا للتنمية ينسجم مع النظرة الاسلامية للكون والحياة
والانسان، فضلا عن استيعاب مجالات التنمية جميعها، بعيدا عن اي تاثيرات غريبة على تعاليم الاسلام.
وعليه، فاقول: ان التنمية من منظور اسلامي تعني: «عملية تطوير وتغيير قدر الامكان نحو الاحسن
فالاحسن، وتكون مستمرة وشاملة لقدرات الانسان ومهاراته المادية والمعنوية، تحقيقا لمقصود الشارع من الاستخلاف في
الارض، برعاية اولي الامر، ضمن تعاون اقليمي وتكامل اممي، بعيدا عن اي نوع من انواع
التبعية». هذا التعريف يعبر – في نظري – عن التصور الاسلامي لمفهوم التنمية بوصفها مصطلحا
يعبر عن عملية حضارية مستانفة او مستحدثة. ولذا، فيمكن ايضاح التعريف الذي قدمته من خلال
بيان خصائص التنمية الاسلامية الواردة في التعريف مرتبة حسب ورودها فيه.
3- خصائص التنمية الاسلامية:
ا – التطوير والتغيير: ان اهم خاصية للتنمية هي كونها عملية تهدف الى تطوير وتغيير
حياة الناس في مجتمع ما، ولذلك لا يكاد يخلو تعريف من الاشارة الى هذا العنصر
الاساس في عملية التنمية او ما يشاكله، مثل التقدم والرقي والتحسين وغيرها. ولكن عملية التطوير
والتغيير هذه لابد ان يراعى فيها مدى قابلية الافراد واستطاعتهم لذلك، حتى لا يكلف الناس
اكثر من وسعهم او يحملوا ما لا يطيقون فتفشل العملية من حيث يراد لها النجاح.
ولذا، ورد في التعريف تقييد عملية التطوير والتغيير بعبارة «قدر الامكان» مراعاة لاختلاف الناس من
حيث قابليتهم للعملية التنموية.
ثم ان عملية التغيير تكون في التنمية دائما نحو الاحسن فالاحسن، وذلك لوجود فرق مهم
بين كلمتي التغيير والتنمية؛ فالتنمية دائما تعني التحسين والرقي والزيادة في الشيء، بينما التغيير قد
يكون لما هو حسن كما يكون لما هو سيئ. وقد ورد لفظ التغيير في موضعين
من القران الكريم، اولهما في سورة الانفال في قوله تعالى: ((ذٰلك بان ٱلله لم يك
مغيرا نعمة انعمها علىٰ قوم حتىٰ يغيروا ما بانفسهم وان ٱلله سميع عليم)) (الانفال:53)، وثانيهما
في سورة الرعد وهي قوله تعالى: ((ان الله لا يغير ما بقوم حتىٰ يغيروا ما
بانفسهم)) (الرعد:11). فالتغيير الوارد في الاية الاولى انما هو تغيير نحو السيئ، بحيث ان الله
لا يغير نعمته الى نقمة الا اذا حصل ما يقتضي ذلك، وهو التغيير السيئ لانفس
قوم ما. فنظرا لهذا الفرق المهم بين التنمية والتغيير قيدت التغيير الوارد في التعريف بكونه
«نحو الاحسن فالاحسن».
ب- الاستمرارية: ان العملية التنموية وتحقيق مهمتها الحضارية لا تتم في يوم وليلة او في
عشية وضحاها، بل تاخذ زمنا يطول ويقصر على قدر عزائم الناس الساعين الى التنمية. ولكن
عملية التنمية لا تتوقف عند تحققها، بل لابد من المحافظة عليها وتحقيق المزيد منها، وبذلك
تكون التنمية عملية مستمرة نحو الاحسن فالاحسن. وهذه الديمومة والاستمرارية للعملية التنموية تكون مستغرقة لحياة
الافراد والمجتمعات على حد السواء؛ بمعنى ان الافراد يستنفدون اعمارهم من اجل التنمية، ويحرصون على
نقل ذلك لمن يخلفهم في المجتمع.
بناء على ذلك، تكون هذه العملية تواصلية استمرارية؛ مستمرة على مستوى الافراد، متواصلة على مستوى
المجتمعات، بحيث تتواصل العملية التنموية من جيل الى اخر دون توقف. فاذا توقف جيل ما
عن القيام بذلك يؤدي ذلك الى خلل في العملية غالبا ما يؤدي الى تراجع حضاري،
كما حصل في العالم الاسلامي الذي شهد نهضة حضارية، ومن ثم بدا تراجع طويل، والسبب
في ذلك راجع الى عدم استمرارية العملية التنموية وتواصلها بين اجيال مجتمع ما. فضلا عن
ذلك، فان خاصية الاستمرارية في التنمية نابعة من النظرة الاسلامية السامية للكون والحياة والانسان؛ فالانسان
خلقه الله ليكون خليفة له في الارض كما قال تعالى: ((واذ قال ربك للملٰئكة اني
جاعل فى ٱلارض خليفة)) (البقرة:30). وهذا الاستخلاف لا مجال فيه للعبث واضاعة الوقت فيما لا
ينفع: ((ايحسب ٱلانسٰن ان يترك سدى )) (القيامة:36)، وقوله تعالى: ((افحسبتم انما خلقنٰكم عبثا وانكم
الينا لا ترجعون)) (المؤمنون:115).
ثم ان هذه النظرة السامية للحياة مبنية على التصور القراني لخلق هذا الكون وانه ليس
للعب ولا للعبث كما قال تعالى: ((وما خلقنا ٱلسماء وٱلارض وما بينهما لاعبين)) (الانبياء:16)، وقوله
تعالى: ((وما خلقنا ٱلسمٰوٰت وٱلارض وما بينهما لٰعبين)) (الدخان:38). اذن، فالانسان لم يخلق سدى، ولا
الكون خلق عبثا او لعبا، فلابد ان يستثمر الانسان حياته لتنمية ما في الكون، وهي
المتمثلة في عملية التعمير: ((هو انشاكم من ٱلارض وٱستعمركم فيها فٱستغفروه ثم توبوا اليه ان
ربى قريب مجيب)) (هود:61)، حتى يؤدي مهمة الاستخلاف التي نيطت به من قبل خالقه U،
ويقوم بعملية التنمية والتعمير خير قيام.
ويضاف الى ذلك، ان الله Y كلف الانسان بتعمير الكون، وتنمية ما فيه، واستثماره. وهذا
كله في مقدور الانسان واستطاعته وليس فيه تكليف له بما لا يطيق، لان المولى I
حين كلف عباده بذلك يسر عليهم القيام به، وذلك بان سخر لهم ما في الكون
وذلل لهم الارض تذليلا. وقد وردت عدة اشارات الى ذلك في القران الكريم منها قوله
تعالى: ((ٱلله ٱلذى سخر لكم ٱلبحر لتجرى ٱلفلك فيه بامره ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون
، وسخر لكم ما فى ٱلسمٰوٰت وما فى ٱلارض جميعا منه ان فى ذلك لايٰت
لقوم يتفكرون)) (الجاثية:12-13)، وقوله تعالى: ((هو ٱلذى جعل لكم ٱلارض ذلولا فٱمشوا فى مناكبها وكلوا
من رزقه واليه ٱلنشور)) (الملك:15).
ثم ان قول الرسول e: « ان الرهبانية لم تكتب علينا»([7]) ينسجم انسجاما تاما مع
المنظور القراني للحياة والكون والانسان. والرهبانية ليست بتشريع سماوي، بل هي اشتراع بشري ابتدعته الامة
العيسوية (المسيحية) فجعله الله فرضا عليهم ابتلاء لهم. وهذا الامر تدل عليه الاية دلالة صريحة
وهي قوله تعالى: ((ثم قفينا علىٰ ءاثٰرهم برسلنا وقفينا بعيسى ٱبن مريم وءاتينٰه ٱلانجيل وجعلنا
فى قلوب ٱلذين ٱتبعوه رافة ورحمة ورهبانية ٱبتدعوها ما كتبنٰها عليهم الا ٱبتغاء رضوٰن ٱلله
فما رعوها حق رعايتها فئاتينا ٱلذين ءامنوا منهم اجرهم وكثير منهم فٰسقون)) (الحديد:27).
وفي تقديري ان الله سبحانه لم يشرع الرهبنة لعباده، بل كانت مبادرة من اتباع سيدنا
عيسى u، فضلا عن نهي الرسول u عن ذلك لان الرهبنة بمعنى الانقطاع الى اداء
العبادات فحسب تؤدي الى تعطيل مهمة الانسان الاستخلافية، وما ينتج عنها من تعطيل لعمارة الارض
وتنمية لما في الكون. ولذا، فهناك تعارض بين الرهبنة وعمارة الارض، او قل بين الرهبنة
والتنمية، ولا يزول ذلك الا بذهاب احداهما وبقاء الاخرى؛ فجعل الله سبحانه وتعالى عمارة الارض
مناطة بالانسان ((هو انشاكم من ٱلارض وٱستعمركم فيها فٱستغفروه ثم توبوا اليه ان ربى قريب
مجيب)) (هود:61)، ونهانا رسوله الكريم u عن الرهبنة، وبذلك رفعت الرهبنة المبتدعة، واستمرت عمارة الارض
المشرعة من الله، وفي ذلك اشارة الى ان عملية التعمير والتنمية متواصلة ومستمرة، ليست بمقصورة
على جيل دون اخر، لان مهمة الاستخلاف للناس جميعا، فليست مهمة جيل دون اخر.
ج – الشمولية: ان العملية التنموية لا تقف عند التطوير والتغيير المستمر نحو الاحسن فالاحسن،
بل لابد ان يضاف الى ذلك كله ميزة اخرى وهي الشمولية. والمقصود بالشمولية في عملية
التنمية الاسلامية ان تكون فيها مراعاة لقدرات الانسان وامكانياته المختلفة، سواء اكانت مادية ام معنوية
(روحية، نفسية، عقلية…). فهذه الشمولية بالمعنى المتقدم تعد من خصوصيات التنمية الاسلامية التي تنفرد بهذه
الخاصية عن سواها، حيث «ان القران الكريم يخلو تماما من ثنائية النفس والجسد التي شغلت
الفكر الاروبي الديني والفلسفي، ذلك ان الانسان في المنظور القراني هو روح وجسم، ولم يرد
في القران قط ما يحط من قدر الجسم»([8]).
وبناء على ذلك، فلا غرابة ان يكون الجسم احيانا سببا للاختيار والتفوق على الاخرين كما
ورد في قوله تعالى: ((وقال لهم نبيهم ان ٱلله قد بعث لكم طالوت ملكا قالوا
انىٰ يكون له ٱلملك علينا ونحن احق بٱلملك منه ولم يؤت سعة من ٱلمال قال
ان ٱلله ٱصطفٰه عليكم وزاده بسطة في ٱلعلم وٱلجسم)) (البقرة:247). وحتى في مسالة الحقوق تختفي
ثنائية الجسم والروح وذلك لتكاملهما ولتسوية الاسلام بينهما، فلكل منهما حق على الانسان كما ورد
في قول الرسولe:«… ان لجسدك عليك حقا، وان لعينك عليك حقا»([9]).
وفي تقديري المتواضع ان فشل العمليات التنموية في العالم الثالث، ولاسيما العالم الاسلامي، سببه الرئيس
انها لم تكن شاملة لقدرات الانسان ومهاراته المادية والمعنوية، حيث ان اكثرها يركز على الجانب
المادي الذي يراعي التنميةالاقتصادية المحصورة في زيادة الانتاج وتنميته ولو كان ذلك على حساب الجانب
المعنوي في الانسان، اذ لا عبرة به في عملية التنمية. ولا شك ان هذا الامر
يقود حتما الى فشل العملية التنموية عاجلا او اجلا، بل ان واقع العالم العربي والاسلامي
اليوم يعاني من هذه المشكلة في عملية التنمية، حيث «يشهد نسق القيم في المنطقة (العربية
والاسلامية) صعودا للقيم المادية والفردية وتراجعا للقيم المعنوية والمجتمعية. وهذا التحول في القيم يهدد دون
شك التوجه الايجابي لقيم المجتمع ومسلكيات افراده وجماعته، ويطرح تحديا لعملية التنمية، والتكامل المنشودين»([10]). ولذا،
فان عملية التنمية في العالم الاسلامي لابد ان تتصف بالشمولية حتى تحقق ما تصبو اليه
من تطوير وتغيير لهذا الواقع المتردي، فلا تكون مقصورة على قطاع دون اخر ولا مجال
دون اخر.
د – الوعي بمقصود الشارع من الاستخلاف: غني عن البيان ان الله سبحانه وتعالى استخلف
الانسان في الارض، وسخر له ما في الكون جميعا، وجعل الارض له ذلولا، لييسر له
عملية القيام بمهمة الاستخلاف وتعمير الارض. ولكن الامر المعضل الذي يعسر علاجه هو غياب الوعي
من قبل ابناء العالم الاسلامي بمقصود الشارع من الاستخلاف. وقد تقدم الكلام على معنى الاستخلاف
اثناء بيان ما المقصود بالاستمرارية في عملية التنمية من منظور اسلامي، ولست اريد ان اعيد
ما تقدم هناك، ولكن اريد ان ابين اهمية الوعي بمقصود الشارع من الاستخلاف في عملية
التنمية، اذ لا يكفي مجرد العلم بذلك ومعرفته، بل لابد ان يكون هذا الوعي حاضرا
اثناء القيام بهذه المهمة ومصاحبا لها، بل لابد ان يكون دافعا قويا نحو قيام ابناء
العالم الاسلامي بمهمتهم نحو حصول التنمية الحضارية.
ولذا، فان الوعي بمقصود الشارع من الاستخلاف يكون خير دافع للعالم الاسلامي من اجل قيامه
بالعملية التنموية وتحقيق عمارة الارض واستثمار ما في الكون. وسبب ذلك ان الانسان لابد ان
يكون له هدف يسعى اليه، ودافع ديني او عقدي يكون حافزا له للعمل وبذل الجهد،
بغض النظر عن قيمة هذا الدافع ونوعيته. وكلما كان واعيا ومستحضرا لذلك الدافع الديني او
العقدي كان جهده اكثر وعمله افضل، ولاسيما اذا كان المطلوب منه مستمرا طيلة حياته ومتواصلا
بين الاجيال، مثلما هو الحال بالنسبة للاستخلاف في التصور الاسلامي.
وهذا الامر يستدعي من المسلمين اليوم استعادة الوعي الذي كان عليه حال الجيل الاول، الذي
قام بالتنمية وانجز تبعا لذلك حضارة وقام بمهمة الاستخلاف خير قيام. ولا اقصد بالوعي هنا
مجرد العلم النظري بمقصود الشارع من الاستخلاف، بل ينبغي ان يكون هذا الوعي او هذا
العلم مقترنا بالعمل، فلا يكون مجردا عن العمل، فان مثل هذا الوعي، وهو حال الاكثرية
من ابناء العالم الاسلامي اليوم، لا يحقق المراد منه، ولذا اقترن الاستخلاف بالعمل والتكليف، كما
في قوله تعالى: ((ثم جعلنٰكم خلٰئف فى ٱلارض من بعدهم لننظر كيف تعملون)) (يونس:14).
ه – الرعاية: ان ما نقوله عن التنمية والتعليم وما ينتج عن ذلك من نهوض
حضاري، كله يبقى حبرا على ورق اذا لم تتم رعايته، لان التنمية التي تحقق نهضة
حضارية ليست بعملية فردية، بل هي عملية حضارية يشترك فيها افراد العالم الاسلامي جميعا، وتتضافر
جهودهم لتحقيق التنمية المطلوبة للنهضة. ولذا، فمن الاهمية بمكان ان يتولى اولو الامر في العالم
الاسلامي تبني المشروع التنموي والسهر على تنفيذه وان يحظى برعايتهم ويحثوا الناس على ذلك ف«ان
الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقران»([11]) كما قال بحق سيدنا عثمان t.
وبناء على ذلك، فان المقصود بالرعاية هنا ان يهتم اولو الامر في العالم الاسلامي بامر
التنمية، وان تكون الرعاية شاملة لمجالاتها جميعا. فضلا عن ذلك، فلابد ان تكون هذه الرعاية
متوفرة للجميع فلا تكون متوفرة لفئة وغير متوفرة لاخرى، لان ذلك من شانه ان يجعل
عملية التنمية مقصورة على فئة معينة، وبذلك تكون التنمية تنمية نخبوية لا تؤتي اكلها لتحقيق
نهضة حضارية. ثم ان عملية التنمية لكي تؤدي مهمتها لابد ان يتوفر فيها عنصر التخطيط
والتنظيم الذي يحرص على ذكره كثير من التنمويين اثناء تقديم مفهوم لمصطلح التنمية. وزيادة على
ذلك، فان حديثنا هنا عن التنمية وليس عن النمو، لوجود فوارق بينهما، اهمها ان التنمية
تعني تدخل الدولة بالتخطيط والتنظيم لاجراء عملية التطوير والتغيير السريع، بينما النمو يكون تلقائيا دون
تخطيط ويعبر عنه ايضا بالنمو الطبيعي([12])، ومعنى ذلك ان التنمية لابد ان تتم تحت رعاية
وتدخل الدولة.
ولذا، فالتخطيط والتنظيم، او الرعاية بتعبيرنا، لعملية التنمية يساهم اسهاما كبيرا في نجاحها، ولاشك ان
مثل هذا الامر لا يقوم به خير قيام الا من له القدرة على ذلك وهي
الدولة، من خلال اجهزتها ومؤسساتها التي تستطيع ان تشرف على تسيير العملية التنموية تخطيطا وتنظيما
وتنسيقا وتنفيذا، او قل كل ما تراه صالحا لذلك. وهذه الامور كلها تدخل تحت معنى
الرعاية. وعلى الجملة، فان الرعاية بالمعنى المتقدم لابد من توفرها في العملية التنموية، حيث ان
المبادرات الفردية والتنمية النخبوية مع غياب التخطيط والتنظيم لا تجدي نفعا ولا تحقق نهضة حضارية.
ناهيك عن ان الحقائق التاريخية تؤيد ذلك، اذ ان الامم التي حققت نهضة حضارية انما
كانت بفضل العملية التنموية الشاملة المخططة والمنظمة تحت رعاية اولي الامر منهم.
و – التعاون والتكامل: فاذا قام اولو الامر في العالم الاسلامي بواجب الرعاية للتنمية، من
حيث الاهتمام بها والتخطيط لها وتنظيمها وتوفيرها لافراد المجتمع جميعا، فبعد هذا كله لابد من
استجابة المعنيين بعملية التنمية وهم افراد الامة الاسلامية وذلك بالتعاون فيما بينهم، ولاسيما ان شرعنا
الحنيف يحثنا على التعاون فيما فيه خير وصلاح كما قال تعالى: ((وتعاونوا على ٱلبر وٱلتقوىٰ
ولا تعاونوا على ٱلاثم وٱلعدوان وٱتقوا ٱلله ان ٱلله شديد العقاب)) (المائدة:2)، وكما قال تعالى:
((ان هٰذه امتكم امة واحدة وانا ربكم فٱعبدون)) (الانبياء:92)، وقوله تعالى: ((وان هٰذه امتكم امة
وٰحدة وانا ربكم فٱتقون)) (المؤمنون:52). ولذا، فان عملية التنمية لابد ان تكون تنمية للامة الاسلامية
كلها، وذلك بتعاونهم فيما بينهم وتكاملهم، والا فلا تنمية بفقدان ذلك كله. وليس يخفى على
ذي لب ان التنمية في العالم الاروبي، التي كانت تنمية للامة الاروبية كاملة، شملت اروبا
كلها رغم ما بينهم من خلافات واختلافات تم تجاوزها من اجل التنمية.
وهذا النوع من التعاون يكون على مستوى اقليمي، بحيث ان كل اقليم من اقاليم العالم
الاسلامي يقوم افراده بتعاون داخلي من اجل احداث تنمية اقليمية. فان تحقق ذلك، ينتقل الى
نوع اخر من التعاون اسمى وارقى من الاول، بحيث يتجاوز حدود الاقليم الواحد ليحدث تعاون
خارجي بين اقاليم العالم الاسلامي جميعا. وهذا النوع من التعاون الخارجي عبرت عنه بالتكامل الاممي،
لان لكل اقليم اسلامي خصوصيات يتميز بها عن غيره كما ان له نقائص.
فاذا تم التكامل فيما بينهم في مجال التنمية؛ فيستفيد كل اقليم اسلامي من خصوصيات ومميزات
الاخر، كما يستكمل النقص الذي به من غيره، ولا يتحقق ذلك الا بالتكامل الاممي. فضلا
عن ذلك، فان هذا التعاون التكاملي يحقق وحدة العالم الاسلامي فيزداد امر التنمية قوة، على
خلاف ما لو كانت هناك فرقة واختلاف بين اقاليم العالم الاسلامي فتضعف عملية التنمية وتؤول
الى الفشل، وصدق الله العظيم اذ نبه على هذا الامر بقوله تعالى: ((وٱعتصموا بحبل ٱلله
جميعا ولا تفرقوا…)) (ال عمران:103)، وقوله تعالى: ((واطيعوا ٱلله ورسوله ولا تنٰزعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم
وٱصبروا ان ٱلله مع ٱلصٰبرين)) (الانفال:46).
ز – الاستقلالية: لكل امة خصائص تميزها عن غيرها، ولها تراثها الديني والمعرفي الذي يكون
بمجموعه ثقافتها الخاصة بها. وبناء على ذلك، فان العملية التنموية لابد ان تكون نابعة من
خصائص ومميزات تلك الامة، منسجمة مع تراثها الديني والمعرفي، ولا تكون مستعارة او مستوردة. وبعبارة
اخرى، فان عملية التنمية لابد ان تتم بعيدا عن اي نوع من انواع التبعية بحيث
يصح ان نطلق عليها «تنمية مستقلة». وعليه، فان العالم الاسلامي اذا اراد ان يقوم بعملية
تنموية ناجحة وان يحقق نهضة حضارية فليس من سبيل امامه الا التنمية المستقلة التي يعتمد
فيها على ذاته، ولا ينتظر تنمية او تطويرا من الاخرين ولكن ينتظر منهم تعميقا لتنمية
التبعية ومزيدا من الاستغلال.
اذن، فالتنمية الحقيقية للعالم الاسلامي لا تتم عن طريق الاستيراد او تقليد نموذج معين في
التنمية، بل لابد ان تكون نابعة من داخله معبرة عن وعيه وادراكه بان عملية التنمية
لابد ان تكون مستقلة بعيدة عن اي تاثيرات خارجية وغريبة عنه. ولا غرابة ان يكون
السبب الرئيس لفشل المشاريع التنموية في العالم الاسلامي، ولاسيما العربي منه، انها لم تكن مستقلة،
بل كانت متصفة بالتبعية والتقليد للنموذج الغربي في التحديث والتطوير. فكانت عملية التنمية وافدة من
دول تختلف عن واقع المجتمعات الاسلامية.
ولذا، فقد ذهب كثير من المهتمين بالتنمية في العالم الثالث الى ان «ازمة التنمية التي
تعيشها الان الدول المتخلفة تعود الى هيمنة الفكر الغربي التقليدي وعدم قدرة هذا الفكر على
تحليل اوضاع الدول المتخلفة، هذا الفكر بما في ذلك التراث الفكري التنموي الغربي بعد الحرب
العالمية الثانية…اي يجب الاعتراف باننا مازلنا بعيدين عن تشكيل فكر تنموي عربي مستقل»([13]). زد على
ذلك، فان الواقع التاريخي يصدق ذلك، اذ ان الامم قديما وحديثا حققت شهودها الحضاري بالاعتماد
على ذاتها من خلال ما حققته من استقلالية في التنمية، وليس ببعيد عنا التنمية الحديثة
في اليابان وما نتج عنها من تحديث وتطوير لمجتمعها مع احتفاظها بثقافتها الخاصة ومعتقداتها ولغتها.
وبناء على ذلك، «نستطيع ان نجزم، من خلال الاستقراء التاريخي والتجارب الحديثة في المجتمعات الاسلامية
اليوم، ان عملية النهوض التي تعني التنمية بمعناها الشامل لا يمكن ان تحقق الا من
الداخل الاسلامي»([14])، اي عن طريق استقلاليتها بالعملية التنموية، فاذا تم تجاهل هذا الشرط الضروري في
التنمية او التخلي عنه فان ذلك يساهم في تكريس التخلف ويزيد في تنمية التبعية. وهذا
الامر يفسر لنا فشل التجارب التنموية في العالم الاسلامي منذ اربعة او ثلاثة عقود تقريبا،
اذ كانت تجاربهم تنمية للضياع، وضياعا لفرصة التنمية الحقيقية، وهي التنمية المستقلة، والتي عبر عنها
تعبيرا دقيقا بعض الباحثين اذ سماها: «التنمية المفقودة»، يقول جورج قرم في هذا الصدد: «ليست
قضية تخطيط اقتصادي باجراء بعض المعادلات الرياضية وبنقل معدات تجهيزية انتاجية من العالم المتقدم صناعيا،
واستقدام الاموال في حال نقصانها، انما القضية هي قبل اي شيء اخر اتساق مجتمعي واتزان
حضاري. وهذا بدوره يتطلب وجود قيادات فكرية ونخب اجتماعية لها رؤية واضحة في امور الرقي
والانحطاط الحضاري، ولها مواقف راسخة مستقلة ضمن هذه الرؤية هي على استعداد للتضحية في امتيازاتها
الانية لتامين مستقبل المجتمع»([15]). ولكن استقلاليةالتنمية لا تعني بالضرورة عدم الاستفادة من الاخرين ومن تجاربهم،
بل يبقى المجال مفتوحا للاستفادة من تجارب الاخرين، فليس هناك منافاة بين الاستقلالية والاستفادة، ولكن
المنافاة واقعة بين الاستقلالية والتبعية لكونهما ضدان لا يجتمعان؛ فاما استقلالية واما تبعية.
  • بحث كامل عن التنمية و التقدم و التطور
  • قولة حول التنمية
  • مقدمة عن التنمية و التخطيط
  • مواضيع جديدة حول التنمية
السابق
حجابات تركية 2024
التالي
ما هي المستحيلات السبع