هذه صورة لزبد البحر، وهي ظاهرة معقدة تحدث في جميع البحار نتيجة امتزاج شديد لما
تحمله مياه البحر من شوائب ومواد عضوية واملاح ونباتات ميتة واسماك متعفنة… مما يؤدي لتشكل
رغوة خفيفة جدا، ولكنها تمتد احيانا لمسافة خمسين كيلو مترا.
ويفسر العلماء هذه الظاهرة بانها تشبه وضع كمية من الحليب في الخلاط وخلطه بسرعة فتتشكل
رغوة، لا تلبث ان تتبدد في الهواء. وكلما كانت حركة الامواج اعنف، كانت كمية الزبد
اكبر واخف.
ومن الحقائق العلمية حول هذا الزبد ما يلي:
1- ان الزبد لا يتشكل الا في حالة الحركة السريعة التي تحدث نتيجة اعصار او
نتيجة السيول العنيفة. وتتشكل دائما على سطح الماء في الاعلى.
2- ان وزن هذه الرغوة او الزبد خفيف جدا ويتطاير في الهواء مثل البخار.
3- ان كمية صغيرة من الماء تكفي لتشكيل كمية كبيرة من الزبد، اي ان الزبد
ليس له قيمة او وزن او فائدة!
هذه الظاهرة تناولها القران الكريم في اية عظيمة يقول فيها تبارك وتعالى: (انزل من السماء
ماء فسالت اودية بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية
او متاع زبد مثله كذلك يضرب الله الحق والباطل فاما الزبد فيذهب جفاء واما ما
ينفع الناس فيمكث في الارض كذلك يضرب الله الامثال) [الرعد: 17]. ولو تاملنا هذه الاية
وجدناها تتطابق مع الحقائق العلمية:
1- ان الزبد يتشكل نتيجة سيلان الماء عبر الوديان بحركة سريعة وعنيفة، ومن المعلوم للجميع
الاثار المدمرة للسيول، وبالتالي فان الاية تصف لنا طريقة تشكل الزبد كنتيجة لحركة الماء السريعة:
(فسالت اودية بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا)، وانظروا معي الى كلمة (رابيا) والتي جاءت من
فعل ربى يربو اي كبر، وبالفعل يقول العلماء ان الزبد هو عبارة عن رغوة مليئة
بالهواء، وتكفي كمية قليلة من الماء لانتاج كمية كبيرة من الزبد.
2- تشير الاية الى قانون فيزيائي معروف لدى علماء الفيزياء، وهو قانون الكثافة، حيث نجد
المادة الاثقل تغوص الى الاسفل بفعل الجاذبية الارضية، اما المادة الاخف فترتفع الى الاعلى. ويمكن
تسريع هذه العملية باستخدام الحرارة. لذلك تقوم المعامل بصهر الحديد الخام لتنقيته من الشوائب، فبعد
رفع درجة الحرارة الى حد معين تبدا الشوائب الموجودة مع الحديد بالتحرك للاعلى وتشكل رغوة
(او زبد) يتم تصريفه من فتحات خاصة. اما الحديد الصافي فيتجمع في الاسفل. وهذه الخاصية
تنطبق على جميع المواد في الطبيعة.
وقد اشار القران الى هذه العملية بقوله تعالى: (ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية
او متاع زبد مثله)، ولو قمنا بمقارنة لدراسة تشكل الرغوة الناتجة عن البحار او السيول،
ودرسنا الرغوة المتشكلة في مصانع الحديد الخام (الفرن العالي) فاننا نجد العمليات الفيزيائية ذاتها تحدث
في كلتا الحالتين! وهذا وصف دقيق للقران لا يمكن ان يكون قد صدر من انسان
امي لم يختبر البحار والسيول ولا طرق صناعة الحديد او الذهب!
3- في قوله تعالى: (فاما الزبد فيذهب جفاء)، لو تاملنا طريقة ذهاب الزبد نجد العلماء
يقولون انه بمجرد ان تهب عليه نسمات من الهواء فان الزبد يذهب ويتطاير ويجف، لانه
اساسا عبارة عن رغوة خفيفة او فقاعات هواء! اي ان التعبير القراني دقيق علميا.
زبد البحر والذنوب
استخدم النبي الاعظم صلى الله عليه وسلم تشبيها دقيقا علميا عندما شبه الذنوب الكثيرة بالزبد،
وذلك عندما قال: (من قال “سبحان الله وبحمده” مئة مرة حطت عنه خطاياه ولو كانت
مثل زبد البحر)! وهناك احاديث كثيرة استخدم النبي فيها هذا التشبيه من اجل التعبير عن
كثرة الذنوب وكيفية الغائها، وقد استخدم النبي هذا التشبيه ليرسل لنا رسالة وهي ان الذنوب
العظيمة مهما كبرت وكثرت، فان ذكر الله والاعمال الصالحة تزيل هذه الذنوب بسهولة كما يزول
زبد البحر بسهولة