من هم ياجوج وماجوج ؟ وما هي اوصافهم ؟ وهل حقا ان فيهم اناسا طوالا
كشجر الارز، واخرين قصارا لا يتجاوزون شبر الانسان العادي ؟ وهل صحيح ان البعض منهم
يفترش اذنا ويتغطى باخرى ؟ ولا يموت الرجل منهم حتى يولد له الف ذكر كل
قد حمل السلاح .
اسئلة ندرك من خلالها حرص الكثير من الناس على استكشاف هذا العالم ومعرفة خفاياه، وربما
دفعهم الفضول الى التزيد في اوصافهم والمبالغة فيها الى حد الخرافة او قريبا منها، الا
ان القران الكريم والسنة الصحيحة قد اوضحا قصتهم وقدما وصفا تفصيليا عنهم .
ذكر ياجوج وماجوج في القران
ورد ذكر ” ياجوج وماجوج ” في القران الكريم في قوله تعالى:{ حتى اذا بلغ
بين السدين وجد من دونهما قوما لا يكادون يفقهون قولا * قالوا يا ذا القرنين
ان ياجوج وماجوج مفسدون في الارض فهل نجعل لك خرجا على ان تجعل بيننا وبينهم
سدا .. الايات } ( الكهف: 93 وما بعدها ). وهذه الايات تبين لنا كيف
كان “ياجوج” و”ماجوج” في قديم الزمان اهل فساد وشر وقوة لا يصدهم شيء عن ظلم
من حولهم لقوتهم وجبروتهم، حتى قدم الملك الصالح ذو القرنين، فاشتكى له اهل تلك البلاد
ما يلقون من شرهم، وطلبوا منه ان يبني بينهم وبين “ياجوج وماجوج” سدا يحميهم منهم،
فاجابهم الى طلبهم، واقام سدا منيعا من قطع الحديد بين جبلين عظيمين، واذاب النحاس عليه،
حتى اصبح اشد تماسكا، فحصرهم بذلك السد واندفع شرهم عن البلاد والعباد .
وقد تضمنت الايات السابقة اشارة جلية الى ان بقاء “ياجوج” و”ماجوج” محصورين بالسد انما هو
الى وقت معلوم { فاذا جاء وعد ربي جعله دكاء }، وهذا الوقت هو ما
اخبر عنه النبي – صلى الله عليه وسلم – في احاديثه، من ان خروجهم يكون
في اخر الزمان قرب قيام الساعة .
كما ورد ذكر “ياجوج” و”ماجوج” ايضا في موضع اخر من القران يبين كثرتهم وسرعة خروجهم
وذلك في قوله تعالى: { حتى اذا فتحت ياجوج وماجوج وهم من كل حدب ينسلون
}(الانبياء:96).
ذكر ياجوج وماجوج في الحديث النبوي
رسمت الاحاديث النبوية ملامح اكثر وضوحا عن عالم “ياجوج” و”ماجوج” وكشفت عن كثير من نواحي
الغموض فيهم . فبنيت ان لديهم نظاما وقائدا يحتكمون لرايه، وان السد الذي حصرهم به
ذو القرنين ما زال قائما، وانه يمنعهم من تحقيق مطامعهم في غزو الارض وافسادها، ولذا
فمن حرصهم على هدمه يخرجون كل صباح لحفر هذا السد، حتى اذا قاربوا هدمه اخروا
الحفر الى اليوم التالي، فياتون اليه وقد اعاده الله اقوى مما كان، فاذا اذن الله
بخروجهم حفروا حتى اذا قاربوا على الانتهاء قال لهم اميرهم: ارجعوا اليه غدا فستحفرونه –
ان شاء الله – فيرجعون اليه وهو على حاله حين تركوه، فيحفرونه ويخرجون على الناس
فيشربون مياه الانهار، ويمرون على بحيرة طبرية فيشربها اولهم، فياتي اخرهم فيقول: لقد كان هنا
ماء !! ويتحصن الناس خوفا منهم، وعندئذ يزداد غرورهم ويرمون بسهامهم الى السماء فترجع وعليها
اثار الدم فتنة من الله وبلاء، فيقولون: قهرنا اهل الارض وغلبنا اهل السماء، فيرسل الله
عليهم دودا يخرج من خلف رؤوسهم فيقتلهم، فيصبحون طعاما لدواب الارض حتى تسمن من كثرة
لحومهم . كما روى ذلك ابن ماجة في سننه .
وقد دلت الاحاديث على ان الزمان الذي يخرجون فيه يملكون اسباب القوة ويتفوقون فيها على
سائر الناس، وذلك اما لكونهم متقدمين عسكريا ووصلوا الى تقنيات تمكنهم من ابادة غيرهم والسيطرة
على بلادهم، واما لان زمن خروجهم يكون بعد زوال هذه الحضارة المادية، ورجوع الناس الى
القتال بالوسائل البدائية والتقليدية، ويؤكد ذلك ما ورد عند ابن
ورد في بعض الروايات من ان المسلمين سيوقدون من اقواس وسهام وتروس “ياجوج وماجوج” سبع
سنين . كما عند ابن ماجة وغيره .
كما بينت الاحاديث بعض صفاتهم الخلقية وانهم عراض الوجوه، صغار العيون، شقر الشعور، وجوهم مدورة
كالتروس . رواه احمد .
وبينت ايضا مدى كفرهم، وعنادهم وانهم اكثر اهل النار، ففي الحديث ان الله عز وجل
يقول لادم يوم القيامة: اخرج بعث النار، فيقول: وما بعث النار ؟ فيقول الله: من
كل الف تسعمائة وتسعة وتسعين، ففزع الصحابة – رضي الله عنهم – وقالوا: يا رسول
الله واينا ذلك الواحد ؟ فقال – عليه الصلاة والسلام-: ( ابشروا فان منكم رجلا
ومن ياجوج وماجوج الفا ) رواه البخاري .
وبينت الاحاديث كذلك ان خروجهم سيكون في اخر الزمان قرب قيام الساعة، وفي وقت يغلب
على اهله الشر والفساد، قال – صلى الله عليه وسلم -: ( لن تقوم الساعة
حتى يكون قبلها عشر ايات؛ طلوع الشمس من مغربها، وخروج الدابة، وخروج ياجوج وماجوج ..
) رواه ابو داود .
وعندما دخل – صلى الله عليه وسلم – على زوجته زينب بنت جحش – رضي
الله عنها – فزعا وهو يقول: ( لا اله الا الله، ويل للعرب من شر
قد اقترب، فتح اليوم من سد “ياجوج وماجوج” مثل هذه، وحلق باصبعه الابهام والتي تليها،
قالت له زينب: يا رسول الله انهلك وفينا الصالحون ؟ قال: نعم اذا كثر الخبث
) رواه البخاري .
اما ترتيب خروجهم ضمن اشراط الساعة الكبرى فقد دلت الاحاديث على ان الدجال عندما يخرج،
ينزل المسيح عليه السلام بعده، ثم يخرج ياجوج وماجوج، فيامر الله عيسى – عليه السلام
– الا يقاتلهم، بل يتوجه بمن معه من المؤمنين الى جبل الطور، فيحصرون هناك، ويبلغ
بهم الجوع مبلغا عظيما، فيدعون الله حينئذ ان يدفع عنهم شرهم فيرسل الله عليهم الدود
في رقابهم فيصبحون قتلى كموت نفس واحدة، وتمتلئ الارض من نتن ريحهم، فيرسل الله طيرا
كاعناق الابل فتحملهم وتطرحهم حيث شاء الله . ويامن الناس وتخرج الارض بركتها وثمرتها، حتى
تاكل الجماعة من الناس الرمانة الواحدة، ويكفي اهل القرية ما يحلبونه من الناقة في المرة
الواحدة .
ويحج المسلمون الى البيت بعد هلاكهم، كما في الحديث : ( ليحجن البيت وليعتمرن بعد
خروج ياجوج وماجوج ) رواه البخاري .
الاحاديث الضعيفة والموضوعة في ياجوج وماجوج
بعد ان اتضحت بعض الملامح عن عالم “ياجوج” و”ماجوج” من خلال الايات القرانية والاحاديث الصحيحة،
لعل من المناسب ذكر بعض الاحاديث الضعيفة والموضوعة في وصفهم، والتي ساهمت في اضفاء نوع
من الهالة والغموض حولهم، فمن تلك الاحاديث:
حديث ( ياجوج امة، وماجوج امة، كل امة اربعة الاف امة، لا يموت الرجل منهم
حتى ينظر الى الف ذكر من صلبه كلهم قد حمل السلاح ) رواه الطبراني و
ابن عدي في الكامل وقال: “هذا حديث منكر موضوع”.
ومنها ( ان ياجوج وماجوج من ولد ادم، وانهم لو ارسلوا الى الناس لافسدوا عليهم
معايشهم، ولن يموت منهم احد الا ترك من ذريته الفا فصاعدا، وان من ورائهم ثلاث
امم تاويل وتاريس ومنسك ) رواه الطيالسي وقال الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية :
“حديث غريب جدا واسناده ضعيف وفيه نكارة شديدة “.
ومنها ان حذيفة بن اليمان – رضي الله عنه – سال رسول الله – صلى
الله عليه وسلم – عن “ياجوج” و”ماجوج” فقال له: ( ياجوج امة وماجوج امة، كل
امة اربعمائة الف امة، لا يموت الرجل حتى ينظر الى الف ذكر بين يديه من
صلبه، كل قد حمل السلاح ) قلت: يا رسول الله: صفهم لنا ؟ قال: (
هم ثلاثة اصناف: فصنف منهم امثال الارز . قلت: وما الارز ؟ قال: شجر بالشام
طول الشجرة عشرون ومائة ذراع في السماء، هؤلاء الذين لا يقوم لهم خيل ولا حديد،
وصنف منهم يفترش باذنه ويلتحف بالاخرى، لا يمرون بفيل ولا وحش ولا جمل ولا خنزير
الا اكلوه، ومن مات منهم اكلوه، مقدمتهم بالشام، وساقتهم بخراسان، يشربون انهار المشرق وبحيرة طبرية
) قال الهيتمي : رواه الطبراني في الاوسط، وفيه يحيى بن سعيد العطار وهو ضعيف،
وحكم عليه ابن عدي في الكامل بالوضع والنكارة .
كانت تلك معلومات مختصرة عن عالم ” ياجوج وماجوج” عرفنا من خلالها مبلغ الخوف الذي
يصيب الناس بسبب خروج هذا الجيش الجرار، ويمتنعون معه من اداء الحج والعمرة، حتى يرفع
الله هذه الغمة، ويهلك ياجوج وماجوج، ويعيش المسلمون بعد هلاكهم في رخاء ونعمة وامن، ويرسل
الله ريحا تاخذ نفوس المؤمنين، ويبقى في الارض شرارها، وعليهم تقوم الساعة .