التثاؤب والتثاوب لغتان؛ واشهرهما الاولى، وهي فترة تعتري الشخص فيفتح عندها فمه. وهو فعل طبيعي
من افعال التنفس يشترك فيه الانسان مع غيره من الكائنات؛ فالسمك، والطيور، والزواحف بل معظم
الثدييات ومنها القطط تتثاءب، وفي الانسان يبدا التثاؤب في رحم الام، ولا يتوقف الا مع
انتهاء العمر.
وللتثاؤب عند المسلم اداب برع الهدي النبوي في وضعها وبيان حكمها في احاديث؛ احدها ما
ورد في البخاري عن ابي هريرة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم
قال: (ان الله يحب العطاس، ويكره التثاؤب، فاذا عطس احدكم وحمد الله تعالى كان حقا
على كل مسلم سمعه ان يقول له: يرحمك الله، واما التثاؤب فانما هو من الشيطان
فاذا تثاءب احدكم فليرده ما استطاع، فان احدكم اذا تثاءب ضحك منه الشيطان)، وتخلص الروايات
المتعددة الى اداب منها:
(1) محاولة كظم التثاؤب ورده قدر الامكان.
(2) وضع اليد على الفم.
(3) عدم قول: اه، اه.
(4) عدم رفع الصوت بالتثاؤب.
واضيف التثاؤب الى الشيطان لانه يدعو الى الشهوات، اذ يكون مع ثقل البدن واسترخائه وامتلائه،
والمراد التحذير من السبب الذي يتولد عنه ذلك وهو التوسع في الاكل، وما يكون معه
من ميل الى الكسل والنوم. وقد صرح العلماء بكراهة التثاؤب مطلقا في كل حالة، وانه
غير مقيد بعبادة كصلاة وقراءة قران.
والتثاؤب قد يكون تمهيدا للنوم، واية على الرغبة الدالة عليه، ولكنها ليست رغبة فيه. وهو
عند الاطباء فعل من افعال التنفس الذي يتم بطريقة رد الفعل! كغمض العين مثلا، اذا
رات شيئا سيصيبها، كما قد يكون مفيدا للصحة (او علامة اعتلال). ومن غرائبه تلك (العدوى
النفسية) الموجودة فيه، فما ان يتثاءب شخص ما في مجلس، حتى تسري (العدوى التثاؤبية) الى
معظم الحاضرين (55%)، بل ان المتثائب الجيد يصيب سبعة اخرين بعدواه، فهل هناك فعلا عدوى
نفسية ام حقيقية؟، وهل يمكن اعتبار الادب النبوي في ضبط تصرف (التثاؤب) تقليلا من فرص
تلك العدوى؟، وما هي الشواهد العلمية في اضرار الانسياق مع داعية التثاؤب، والحمد لله رب
العالمين.
الاحاديث والاثار
لم يرد التثاؤب لفظا او معنى في ايات القران الكريم البتة، بينما ورد (النعاس) في
موضعين هما: (.. امنة نعاسا..) ال عمران 154، و(اذ يغشيكم النعاس..) الانفال 11(1)، وهو اي
(النعاس) بحث ساتناوله لاحقا ان شاء الله تعالى لذا فسيكون مجال بحثي هو موضوع الاعجاز
العلمي في السنة، لان (التثاؤب) تناولته الاحاديث النبوية الشريفة فقط. ومن ذلك:
1 ما اورده الامام النووي في باب (اداب التثاؤب) ولفظه: عن ابي هريرة رضي الله
عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ان الله يحب العطاس، ويكره التثاؤب، فاذا
عطس احدكم وحمد الله تعالى كان حقا على كل مسلم سمعه ان يقول له: يرحمك
الله. واما التثاؤب فانما هو من الشيطان فاذا تثاءب احدكم فليرده ما استطاع، فان احدكم
اذا تثاءب ضحك منه الشيطان) رواه البخاري(2). وموجز شرحه ما يلي: التثاؤب: بمثناة ثم مثلثة
وبعد الالف همزة، وجاء في مسلم: (اذا تثاوب) بالواو بدل الهمزة فمصدر التثاؤب بالواو، وقال
السيوطي: قال غير واحد: انهما لغتان والهمز والمد اشهر. (ان الله تعالى يحب العطاس ويكره
التثاؤب) قال الخطابي: (معنى المحبة والكراهة فيهما يتصرف الى سببهما، وذلك: ان العطاس يكون: عن
خفة البدن وانفتاح المسام وعدم الغاية في الشبع، وهو بخلاف التثاؤب فانه يكون عن غلبة
امتلاء البدن وثقله مما يكون ناشئا عن كثرة الاكل والتخليط فيه، والاول (العطاس) يستدعي النشاط
والعبادة والثاني (التثاؤب) عكسه.
(واما التثاؤب): بالواو في الاصول المصححة. والتثاؤب معروف، والاسم الثؤباء، وانما جعله من الشيطان كراهة
له، لانه انما يكون مع ثقل البدن وامتلائه وميله الى الكسل والنوم.
واضافه الى الشيطان لانه الذي يدعو الى اعطاء النفس شهوتها، واراد به التحذير من السبب
الذي يتولد منه وهو الشبع المثقل عن الطاعات) ا.ه. ملخصا من النهاية. قال العيني في
شرح البخاري: (التثاؤب هو: النفس الذي ينفتح منه الفم لدفع البخارات المختلفة في عضلات الفك)
ا.ه. (فانما هو من الشيطان) قال ابن بطال: (اضافته الى الشيطان بمعنى اضافة الرضا والارادة:
اي ان الشيطان يحب ان يرى الانسان متثاوبا لانها حالة تتغير فيها صورته فيضحك منه.
وليس المراد ان، (الشيطان نفس التثاوب).
وقال ابن العربي: بيتا ان كل فعل مكروه نسبه الشرع الى الشيطان لانه واسطته، وان
كل فعل حسن نسبه الشرع الى الملك لانه واسطته).
قال: (والتثاوب من الامتلاء، وينشا عن التكاسل وذلك الشيطان، والعطاس من تقليل الغذاء، وينشا عنه
النشاط وذلك بواسطة الملك). وقال المصنف: (اضيف التثاؤب الى الشيطان لانه يدعو الى الشهوات اذ
يكون من ثقل البدن واسترخائه وامتلائه. والمراد التحذير من السبب الذي يتولد عنه ذلك وهو
التوسع في الاكل. (فاذا تثاءب): بالهمزة كما قاله السيوطي قال: وروى مسلم؛ اي في حديث
اخر: تثاوب بالواو. (احدكم فليرده): بالحركات الثلاث في اخر الفعل والضم اتباع لحركة الضمير (ما
استطاع) اي قدر استطاعته وذلك باطباق فيه، فان لم يندفع بذلك فبوضع اليد عليه. (فاذا
تثاءب ضحك الشيطان منه) فرحا بذلك لما فيه من تغير صورة الانسان ودخوله في فيه.
واشار ابن بطال الى ان الشيطان يضحك حينئذ من جوفه(3).
2 عن ابي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: (اذا تثاءب (تثاوب) احدكم فليمسك بيده على فيه (فمه)، فان الشيطان يدخل فيه) رواه
مسلم. اشار السيوطي في الجامع الصغير الى ان البخاري اخرجه ايضا. وموجز شرحه ما يلي:
(احدكم فليمسك بيده على فيه (فمه) وذلك كراهية صورة التثاؤب المحبوبة للشيطان. (فان الشيطان يدخل
فيه): اي في الانسان عند انفتاح فمه حال التثاؤب فيمنعه من ذلك بوضع اليد على
الفم سدا لطريقه ومبالغة في منعه وتعويقه(4،5).
3 وقد اخرجه احمد وابو داود بلفظ: (فان الشيطان يدخل من التثاؤب).
4 وعند ابن ماجه من حديث ابي هريرة بلفظ: (اذا تثاوب احدكم فليضع يده على
فيه، ولا يعوي فان الشيطان يضحك منه).
5 ويذكر عنه صلى الله عليه وسلم: (ان التثاؤب الشديد، والعطسة الشديدة. من الشيطان).
6 ويذكر عنه صلى الله عليه وسلم: (ان الله يكره رفع الصوت بالتثاؤب والعطاس).
7 (فائدة) اخرج ابن ابي شيبة والبخاري في التاريخ من مرسل يزيد بن الاصم قال:
(ما تثاءب النبي صلى الله عليه وسلم قط).
8 واخرج الخطابي من طريق مسلمة بن عبدالملك بن مروان قال: (ما تثاوب نبي قط)،
قال السيوطي: ومسلمة ادرك بعض الصحابة وهو صدوق(6).
اللغة والتعريف
اللغة: التثاؤب والتثاوب. لغتان اشهرهما الاولى. والمعنى الاصطلاحي في هذا لا يخرج عن المعنى اللغوي.
المصباح المنير: مادة (ثوب) التثاؤب التثاوب(7). وللتثاؤب في تعريفه العلمي صيغ عديدة منها:
(1) فتح الفم واسعا من غير ارادة، وهو ظاهرة فطرية تعتري الانسان عن كسل او
نعاس.
(2) ان التثاؤب وظيفة طبيعية تشير في الواقع الى زيادة في النشاط، او حتى الى
رغبة دفينة في تغيير الموضوع، وفق اعتبار باحث فرنسي.
(3) ان التثاؤب يعني نوبة قوية في دورة التنفس، يكون فيها حجم فتحة البلعوم اكبر
باربع مرات من حجمها في الاوقات العادية(8).
الاداب والاحكام، ومنها العين
حكمه التكليف: صرح العلماء بكراهة التثاؤب مطلقا في كل حالة، كونه من الشيطان. قال ابن
العربي: ينبغي كظم التثاؤب في كل حالة، وانما خص الصلاة لانها اولى الاحوال بدفعه لما
فيه من الخروج عن اعتدال الهيئة، واعوجاج الخلقة(9،7).
التثاؤب في الصلاة: مكروه، وهذا اذا امكن دفعه، فاذا لم يمكن دفعه فلا كراهة، وهو
راى الحنفية والشافعية. ولا شيء فيه عند المالكية والحنابلة.
التثاؤب في قراءة القران: ينبغي ان يمسك عن القراءة حتى ينقضي التثاؤب، ثم يقرا، لئلا
يتغير نظم قراءته (9،10).
ومجموعة الاحاديث تظهر ان من اداب التثاؤب المطلق والعبادي الافعال التالية:
* كظم التثاؤب ما استطاع، كان يطبق شفتيه او نحو ذلك.
* يغطي فمه بيده اليسرى، وقيل: باحدى يديه.
* يقوم مقام اليد كل ما يستر الفم كخرقة او ثوب مما يحصل به المقصود.
* يخفض صوته.
* لا يعوي، ولا يقول اه، اه، ثم:
* يمسك عن التمطي والتلوي الذي يصاحب بعض الناس، لانه من الشيطان. وقد روي: (انه
صلى الله عليه وسلم كان لا يتمطى، لانه من الشيطان).
وقد يكون التثاؤب من اعراض العين وقت القراءة:
حيث ان كثيرا من الناس يصابون بالعين وهم لا يعلمون، لانهم يجهلون او ينكرون تاثير
العين عليهم. فان اعراض العين في الغالب تكون كمرض من الامراض العضوية الا انها لا
تستجيب الى علاج الاطباء.
كثرة التثاؤب المصحوب بالدموع: اما في غير وقت الرقية فليس التثاؤب بدليل كاف على العين،
يقول الشاعر:
ولما ابت عيناي ان تملك البكا
وان تحبسا مسح الدموع السواكب
تثاءبت كي لا ينكر الدمع منكر
ولكن قليلا ما بقاء التثاؤب
التثاؤب والنعاس والرغبة في النوم:
يشعر المعيون بالرغبة بالتمغط. كالذي يفعله الانسان عندما يستيقظ من النوم، واحيانا يكون التمغط لعضو
واحد كاليد اليمنى او اليسرى.
اذا كانت العين مصحوبة بالمس فقد تظهر اعراض العين واعراض المس في ان واحد.
وقد يكون التثاؤب الشديد المتكرر وقت القراءة الذي يصاحبه صوت مرتفع من اعراض المس، وكذلك
للنوم العميق(11).
الدراسات والمعلومات، ومنها العدوى
تعددت الدراسات عن التثاؤب باحثة عن اسبابه وفرضيات حدوثه، وفوائده وما ينتج عنه. ويكفينا منها
هنا بعض الاشارات، فالتفصيل في ذلك، لا يخدم مجال بحثي الاعجازي(12،16).
من المعلوم ان فعل التثاؤب يشرك معه عدة اجزاء من الجسم:
فالفم ينفتح، والفكان يفترقان، مهيئة لشهيق كثير من الهواء، والذي بدوره يمدد الرئتين، فتنشد عضلات
البطن دافعة بالحجاب الحاجز باتجاه القدمين. ثم يتلو ذلك، زفير بعض من الهواء. (لا يوجد
ما هو عالمي وموحد اكثر من عملية التثاؤب)، وهو فعل طبيعي من افعال التنفس يشترك
فيه الانسان مع غيره من الكائنات. فالسمك، والطيور، والزواحف، بل معظم الثدييات، ومنها القطط تتثاءب.
وفي الانسان يبدا التثاؤب في رحم الام ولا يتوقف الا مع انتهاء العمر. لكن ثمة
حالات معينة (طبيعية او مرضية) تولد او تتسبب في التثاؤب اكثر من غيرها.
فمن الطبيعية: الحمل عند النساء، والشعور بالشبع، او في فترة الصيام. اضافة الى اختيار الوقت
غير المناسب للتنقل والشعور بالغثيان. ومن المرضية: ما لاحظه اوليفيه فالوسينسكي؛ وهو طبيب خبير في
موضوع التثاؤب بعد عدة تجارب. فقد اعتبر التثاؤب الذي يوقظ الخلايا العصبية له علاقة ايضا
بالتفاعل الكيميائي داخل الدماغ. فهو عبارة عن ردة فعل مثارة نتيجة حدوث انخفاض في قوة
العضلات. فمرضى الشلل الرعاش (الباركنسون) الذين يعانون من خلل في مادة الدوبامين لا يتثاءبون. في
حين ان بعض المكتئبين الذين يعالجون بادوية تضاعف افراز السيروتينين، وهي مادة تولدها بعض خلايا
الامعاء، يصابون بنوبات قوية من التثاؤب لا يمكن وقفها(16).
وليس بكثير معلوم يجيب عن التساؤل: لماذا نتثاءب؟ او ما الذي يجعلنا نتثاءب؟، ومع ان
قليلا من البحوث عملت في هذا الموضوع، للاجابة على ما سبق، الا انها جميعها تستند
على نظريات عدة اشهرها ثلاثة(12،13):
1 النظرية التلقائية (الفسيولوجية): والتي تقول بان الجسم يحدث التثاؤب ليتمكن من جلب المزيد من
الاكسجين او طرد ما يتراكم من ثاني اكسيد الكربون. لكن صواب هذه الفرضية لا يتوافق
مع ملاحظة اننا نتثاءب اثناء التمارين الرياضية، وقد اختبرت هذه الفرضية من العالم النفسي: روبرت
بروفين من جامعة ميريلاند واحد خبراء التثاوب، ووجد ان اعطاء مزيد من الاكسجين لمجموعة من
الناس لا ينقص (التثاؤب)، كما ان انقاص كمية ثاني اكسيد الكربون في بيئة تنفس هؤلاء
الناس لم يمنع حدوث (التثاؤب). كما ان هذا الامر لا ينطبق على الاجنة فقد كشف
التصوير السمعي ان الاجنة بدءا من الشهر الثالث تتثاءب لدرجة يخال فيها المرء ان فكها
سينتزع من مكانه! وعلى الرغم من ذلك فان الجنين لا يسحب ادنى جزئية من الاوكسجين.
2 نظرية التطور: حيث يفكر البعض بان التثاؤب بدا مع ابائنا واجدادنا والذين اعتادوا استخدامه
(اي التثاؤب) لاظهار اسنانهم والحميمية مع الاخرين. وتتفرع فكرة من هذه النظرية تقول: بان التثاؤب
تطور منذ الانسان الاول كعلامة لنا لتغيير النشاطات.
3 نظرية السامة (الضجر، التبرم): يذكر في المعاجم العربية والانجليزية ان التثاؤب يتسبب من السامة،
او التعب. او النعاس. وعلى الرغم من اننا نميل الى النعاس عندما نسام او نتعب،
الا ان تلك النظرية لا تفسر لماذا يتثاءب رياضيو الاولمبياد مباشرة قبل اكمالهم هذه المناسبة
(المسابقات). حيث يشك بانهم سئموا من مشاهدة العالم لهم!!.
وعن عدد المرات واوقات التثاؤب ودلالته الطبيعية والمرضية، يقول الطبيب الباحث فالوسنسكي: ان (90%) من
البشر يؤكدون انهم يتثاءبون بين مرة الى (15) مرة يوميا، وعندما يتخطى العدد العشرين مرة،
فهذا يعني ان المتثائب يعيش كمن اصيب باعاقة ليست على الصعيد الجسدي او الطبي، انما
على صعيد المجتمع. ويتراوح عدد التثاؤبات بين (5) و(6) في الدقيقة الواحدة، وفي حالة زاد
العدد عن وتيرته المعتادة فقد يشير ذلك الى وجود مشكلات في الجهاز العصبي. وطبيعيا (غير
مرضي) يبلغ التثاؤب ذروته في اوقات محددة. لقد اعترف (75%) ممن شملتهم الدراسة بانهم يتثاءبون
كثيرا في الصباح في اثناء تمددهم، وقال (50%): انهم يتثاءبون في نهاية النهار، في حين
ان اكثر من (30%) يفعلون ذلك بعد الاكل. وفي الواقع، يبدو ان الجميع يتثاءب في
الصباح وعند الظهر وفي المساء(16).
ومن الحقائق اللطيفة في موضوع التثاؤب ما يلي(12):
تستغرق التثاؤبة الواحدة (6) ثوان.
يزداد معدل نبض القلب بمقدار (30%) خلال التثاؤبة الواحدة.
يتثاءب (55%) من الناس خلال (5) دقائق من رؤيتهم لشخص يتثاءب.
يتثاءب كفيف البصر اكثر عند سماعه لشريط فيه تثاؤب الاخرين.
القراءة عن التثاؤب سيجعلك تتثاءب.
يعتاد رياضيو الاولمبياد التثاؤب قبل بدء المنافسة.
فوائده:
ويعتقد ان للتثاؤب بعض الفوائد، فهو يجبر المرء على استنشاق كمية اضافية من الهواء، ونتيجة
ذلك يتفتح المزيد من الحويصلات الرئوية والتي لا تنفتح بالتنفس العادي، وبهذا يجدد الهواء في
تلك الحويصلات وينشط عملها.. كما ان التثاؤب يعصر كيسي الدمع الملتحقين بالعينين عصرا قويا فيجدد
ما فيهما من مفرزات، ويطرد ما قد يكون تراكم فيهما من املاح، وبهذا يمنع انسداد
قنوات الدمع.. وربما كانت للتثاؤب فوائد اخرى ما زلنا نجهلها!؟.
واختم الفوائد بقول ابقراط (ابي الطب) الذي عاش في القرن الرابع قبل الميلاد، عندما طرح
على نفسه السؤال: (لماذا نتثاءب؟)
فاجاب: (ان التثاؤب يطرد الهواء الملوث من الرئتين، ويعيد تدفق الدم نحو الدماغ)(15).
العدوى التثاؤبية:
ومن غرائب التثاؤب تلك العدوى (ربما، النفسية) الموجودة فيه!. فما ان يتثاءب شخص ما في
مجلس، حتى تسري (العدوى التثاؤبية) الى معظم الحاضرين!. فهل هناك فعلا عدوى؟.
وما قصة هذه العدوى؟، ثمة قول ماثور يؤكد ان المتثائب الجيد يصيب سبعة اخرين بعدواه،
وقد تمكن الامريكي روبرت بروفين، استاذ علم النفس في جامعة ماريلاند، من تثبيت هذا القول
عبر سلسلة من التجارب اجراها على طلابه، لقد ارغمهم على مشاهدة شريط فيديو عن التثاؤب
ودون ملاحظاته. فتبين له ان الرؤية تؤدي دورا اساسيا في نقل العدوى. بيد ان مشاهدة
فم يتثاءب لا يثير اي ردة فعل عند الاخر، اذا كان باقي وجه المتثائب مغطى
بقناع. ومن المعروف ايضا ان الاطفال وقبل سن العامين، لا يتاثرون بتثاؤب الاخرين.
والسبب يعود الى ان (العدوى) تنتقل من خلال الفص الجبهي غير المتكون بعد عند الاطفال
في تلك السن (14،15).
اوجه الاعجاز والخلاصة
اوجه الاعجاز:
ظننت ان اختياري لباب الاعجاز سيكون طارئا وموجزا، عندما اخترت موضوع (التثاؤب)، فهو ببساطة سلوك
محمود يوجه المرء (المسلم) بوضع اليد على الفم ليمنع دخول الشيطان. لكن مثلي المبتدئ فتح
علي هذا البحث افاقا وابوابا متشعبة وبحوثا ممتدة.
وليست طارئة، واسال الله تعالى ان يعينني على اتمامه بالصورة الاعجازية المناسبة دونما اخلال او
تقصير.
لقد جمعت في بحثي عددا من الالفاظ النبوية، والشروحات السلفية، والمشاهدات النفسية والتجارب العلمية، مما
استطعت جمعه ودراسته منذ بدء اهتمامي بالموضوع (20 شعبان 1424ه)، ويظهر لي انه يوضح الجوانب
التالية:
1 ان التثاؤب امر فطري في البشر، كالاكل، والشرب، وقضاء الحاجة.
2 ان الاسلام (الهدي النبوي)، لم يترك امرا صغيرا او كبيرا الا عالجه وبين حكمته
وحكمه في الاجمال، وهو دليل شمولية الاسلام.
3 ان التثاؤب يطرا على الانسان المسلم في حالة عبادته، وفي مطلق اوقاته الاخرى، وكلتا
حالتيه لها اداب واحدة واشارات واضحة.
4 ان التثاؤب قد يكون مفيدا للصحة او علامة اعتلال، وقد يكون دلالة على نعاس
او كسل او امتلاء.
5 ان الهدى النبوي في اداب التثاؤب قد يدل على التالي:
ا دلالة ايمانية غيبية:
لحبس دخول الشيطان في جوف المتثائب، كجولات الانسان مع الشيطان حال المبيت، والعشاء، والنوم.. الخ.
وعلينا تصديقها والايمان بها فقط دون تعليلها.
ب دلالة اجتماعية سلوكية:
للتقليل من اشاعة المظهر والسلوك غير المستحسن في المجتمع المسلم (اتيكيت)، كاظهار باطن الفم لدى
المتثائب، ونشر دواعي الكسل والاسترخاء في المجتمع المتثائب. والمجتمع المسلم، يفترض ان تغلب عليه مظاهر
النشاط والحيوية، والجد والاجتهاد. فان كان لابد منه (فطريا)، فلا اقل من التقليل من اثره
بسلوك الهدى النبوي في ذلك.
ج دلالة علمية اعجازية:
فكون التثاؤب له صفة (العدوى)، فقد يكون من دلالات الادب النبوي في التثاؤب ما يوحي
بان محاولة دفع التثاؤب ما امكن، وتغطية الفم، قد يقلل من فرص حدوث العدوى بين
الحاضرين. وهذه الدلالة لم اعثر عليها، بعد، في المراجع الغربية، كما لم استدل على بعض
الشواهد العلمية في اضرار الانسياق مع داعية التثاؤب، غير ما ذكرت من (عدواه). ولم تظهر
الدراسات ايضا، (السلوك العلمي) المطلوب لدفع دواعيه. وهو مجال التوسع في هذا البحث مستقبلا ان
شاء الله تعالى.
6 لم يتبين لنا، طبيعة العدوى في التثاؤب، هل هي عدوى نفسية، تتاثر بالرؤية والسماع؟
ام هي عدوى حسية لا نعرف كنهها حتى الان تخل بنسبة العلاقة بين الاكسجين وثاني
اكسيد الكربون، او الضغط ونحوه المحيط بالفم المتثائب؟، وبالتالي ما اثر السلوك النبوي بوضع اليد
على الفم، في ذلك.
7 واخيرا: وليس اخرا، هل للتثاوب علاقة مباشرة بمستوى الايمان والصلة بالله تعالى؟ فكون النبي
صلى الله عليه وسلم والانبياء عليهم السلام لم يتثاءبوا، وكونه يكره في الصلاة وقراءة القران،
وكونه يحتاج الى التخفيف من اسبابه كالامتلاء، وكونه يحتاج الى مغالبة ومران، وذكر الشيطان في
شانه، مع تامل اية مثل (والذين جاهدوا فينا..)، وحديث مثل: (اكمل المؤمنين ايمانا..)، كل تلك
اسئلة وغيرها لم اصل الى جوابها بعد، وتحتاج الى بحث مزيد.
الخلاصة
اجتهدت كباحث مبتدئ في علوم الاعجاز العلمي في القران والسنة، ان اتناول موضوع الاعجاز العلمي
في السنة. فوقع اختياري على موضوع (التثاؤب). واستهدفت من بحثي بيان وجه الاعجاز النبوي ودلالته
من زاوية بيان الحكمة من ذكر الاداب والسلوك النبوي المطلوب للمسلم المؤمن عند حدوث (التثاؤب)
الذي هو امر فطري وطبيعي في عموم البشر. ولكون التثاؤب له صفة (العدوى)، فقد يكون
للارشاد النبوي المفصل عند الاخذ به، في الحالات العبادية والمطلقة، حكمة علمية تخفف من عدواه
واشاعته في المجتمع. مع ما فيه من حكم اجتماعية سلوكية، وحقائق ايمانية غيبية كحبس دخول
الشيطان للفم. هذا اجتهادي وجهدي، وما توفيقي. الا بالله، عليه توكلت واليه انيب. وصلى الله
على محمد وعلى اله وسلم. والحمد لله رب العالمين. انتهى.