العقود الادارية

العقود الادارية 063d5faff8e3e7c51574828ee6c88557

لقد اناط المشرع المغربي على غرار الكثير من التشريعات للقضاء الادارى سلطة البت فالمنازعات التي تكون بها الادارة العامة باعتبارها صاحبه سياده و سلطان طرفا فالدعوي يقاضية بها الطرف الخاص او العام،
واذا كان للادارة كسلطة عامة حق التعديل او انهاء العقود الادارية،
فان هذي السلطة تبقي خاضعه لرقابه القاضى الادارى الذي يعد المختص الاصيل بالبت فمنازعات الادارة بشكل عام.

ان الفصل فالمنازعات بشكل عام و المنازعات الاداريه على الخصوص غالبا يستغرق و قتا و جهدا و يستنزف طاقة المتقاضين فتتبع الاجراءات و المساطر التي ممكن ان تتصف بالبطىء و وتتميز المناقشه بها بالعلنيه ذلك الذي ممكن ان يهدد احيانا مصالح المتنازعين،
لذا اضحي التحكيم حاليا و سيله فعاله فانهاء الخلافات التي ربما تنشا عنها كل نوعيات المنازعات،
لكنها و سيله يراها البعض فمجال المنازعات الاداريه اعتداء و تدخل فالاختصاص الاصيل للقاضى الادارى و مخالفه لقواعد الاختصاص الامره التي تلزم المتعاقدين مع الادارة باللجوء للقضاء الادارى فحال نشوب نزاع معها،
ويجد مبدا  حظر لجوء اشخاص القانون العام الى التحكيم اساسة فمبدا احترام قواعد الاختصاص القضائى بشكل عام.

وقد عرفت المجتمعات القديمة التحكيم و اتخذت منه اداه لحسم المنازعات التي نشات بين افرادها على اساس من الاعراف و التقاليد فتلك العصور،
وقد تحدث الفيلسوف الاغريقى ارسطو عن التحكيم فقال: ان القاضى يحكم و هو ينظر الى القانون،
اما المحكم فهو يحكم و هو ينظر الى العداله “،
وهذا الذي يجعل من اللجوء للتحكيم و سيله تحقق روح القانون و هو العداله و الانصاف و هي الغايه التي يبتغى المتنازعين تحقيقها و ان خارج مؤسسة القضاء و ردهات المحاكم.

ظهرت اهمية التحكيم كوسيله لتسويه المنازعات و خاصة المنازعات الاداريه فاوائل الثمانينات من القرن الماضي،
وذلك تزامنا مع اتجاة الدول الى الاقتصاد الحر و خوصصه المؤسسات و شركات القطاع العام،
وتوجهها نحو تفويت تدبير المرافق العامة عن طريق التدبير المفوض بالخصوص،
واختلفت التشريعات فاعطاء تعريف للتحكيم حسب مقاربتها و نظرتها للوسائل البديله لفض المنازعات و منها التحكيم.

فقد عرف المشرع الفرنسي التحكيم فالمادة 1442 من قانون المسطره المدنيه ” بانه اتفاق يتعهد بمقتضاة الاطراف فعقد من العقود باخضاع المنازعات التي ممكن ان تنشا بينهم للتحكيم “.

كما عرفة المشرع المصري فالفقره الاولي من المادة 10 من القانون رقم 27 لسنه 1994 بانه: ” اتفاق بين الطرفين على الالتجاء الى التحكيم لتسويه بعض او جميع المنازعات التي تنشا او ممكن ان تنشا بينهم بمناسبه علاقه قانونيه عقديه كانت او غير عقدية”[1].

فيما عرفة المشرع المغربي من اثناء الفصل 306 ضمن الباب الثامن من القسم الخامس المعنون بالتحكيم و الوساطه الاتفاقيه من قانون المسطره المدنية[2] بانه: ” حل نزاع من لدن هيئه تحكيميه تتلقي من الاطراف مهمه الفصل فالنزاع بناء على اتفاق تحكيم”،
اما اتفاق او شرط التحكيم فعرفة بكونه: ” التزام الاطراف باللجوء الى التحكيم قصد حل نزاع نشا او ربما ينشا عن علاقه قانونيه معينة تعاقديه او غير تعاقدية”،
واضاف فالفقره المواليه من نفس الفصل ان اتفاق التحكيم “يكتسي  شكل عقد تحكيم او شرط تحكيم”.
فى حين منح تعريفا لعقد التحكيم من اثناء الفقره الاولي من الفصل 314 من ق.م.م  بانه: ” الاتفاق الذي يلتزم به اطراف نزاع نشا بينهم بعرض ذلك النزاع على هيئه تحكيمية”.

ويمتاز التحكيم بعدم خضوعة لايه جهه رسمية،
فضلا عن عدم خضوعة لاى قانون غير الذي يختارة المحتكمين،
كما يتميز بقله تكاليفة مقارنة باجراءات التقاضى امام محاكم الدولة،
ويقابل هذا بعض مساوئة لعل ابرزها حرمان المتقاضين من الضمانات القضائية.

لكن التحكيم كوسيله لحسم المنازعات الاداريه يعرف اشكاليات تتمحور بالاساس حول مدي مشروعيته،
ذلك ان الاعتراف فيه ربما يؤدى الى طمس معالم و احكام المنازعات الادارية،
وبالتالي خضوع الادارة للقانون العادي و منه الى القضاء العادي،
خصوصا فالدول التي تاخذ بازدواجيه القانون و تنص بعض احكامها و قوانينها على حظر اللجوء الى التحكيم فالمنازعات الاداريه كما هو الشان بالنسبة للمغرب قبل صدور القانون 05.08 الذي نسخ مقتضيات التحكيم السابقة فالمسطره المدنيه التي كانت تحظر بصريح العبارة التحكيم فالمنازعات الادارية.

ان توسيع مجال اللجوء للتحكيم فالعقود الاداريه – القائمة على عدم تكافؤ العلاقه التعاقديه بين الادارة باعتبارها سلطة عامة و بين الخواص اي تغليب المصلحه العامة على المصالح الخاصة – يجعل منه و سيله ربما تهدد النظام العام،
ذلك ان التعاقد الادارى  تستعمل به الادارة الاموال العامة التي لا يجوز التصرف بها و قرار التحكيم ربما يمسها،
وبالتالي يمس استمراريه المرفق العام،
لذا حرمتة اغلب التشريعات فهذا المجال،
فيما استثنت تشريعات ثانية بعض المنازعات الاداريه التي سمحت باللجوء للتحكيم بها و منها التشريع المغربي.
 استنادا على هذا فما مدي مشروعيه التحكيم فالعقود الادارية؟
وما هي الاشكاليات التي تحول دون التوسع فالتحكيم فمجال العقود الادارية؟
والي اي حد تم تفعيل العلاقه بين القاضى الادارى و التحكيم؟

هذا ما سنحاول دراستة فهذا المقال الذي يكتسى الخوض به اهمية استراتيجيه فمجال البحث عن و سائل بديله لفض النزاعات عموما و المنازعات الاداريه على و جة اخص،
علي ان نقسم هذي الدراسه الى محورين نخصص الاول للحديث عن مدي مشروعيه اللجوء الى التحكيم فمنازعات العقود الادارية،
فيما نخصص المحور الثاني لدراسه سلطة القاضى الادارى على قرار المحكمين فنزاعات العقود الادارية

المحور الاول: مدي امكانيه اللجوء الى التحكيم فمنازعات العقود الادارية

لقد قام المشرع صراحه قبل صدور قانون 05.08 المتعلق بالتحكيم و الوساطه الاتفاقيه الناسخ لفصول التحكيم فالمسطره المدنيه بحظر التحكيم فالعقود الادارية[3]،
ويمكن تبرير موقف المشرع بشان حظر اللجوء للتحكيم بخصوص المنازعات الاداريه فان خضوع الاموال العامة للتصرفات المدنيه المختلفة ربما يؤدى الى اعاقه تخصيصة لتحقيق المنفعه العامة او تعريضة لخطر الضياع او الى التسبب فخسائر ما ديه لخزينه الدولة.

كما ممكن تبرير هذا بان اللجوء للتحكيم فهذا المجال- المنازعات الادارية- الذي ينصب على عمل حيوى للدوله محكوم بضروره الاستمراريه و بهاجس تحقيق النفع العام ربما يرسم معالم و اضحه لفقد الثقه فالقضاء الادارى للدوله الذي انشا خصيصا للمنازعات الخاصة باشخاص القانون العام،
كما ان اللجوء للتحكيم به ربما يمس بامتيازات السلطة العامة.

بالاضافه الى ان الحظر فهذا المجال يستمد اساسة من المبادئ العامة للقانون[4]،
اذ استنادا على هذا فالاشخاص المعنويه العامة لا تستطيع اللجوء فالمنازعات التي تكون طرفا بها الى التحكيم اذا كانت هذي المنازعات تتعلق بالنظام العام او النظام القانونى الداخلي،
كما ان الترابط الوثيق بين القانون الادارى و القضاء الادارى المختص الاصيل فالبت فالمنازعات الاداريه يجعل اللجوء الى حسم المنازعات بعيدا عنه اعتداءا جسيما على هذي الجهه القضائيه المتخصصه و التي حظر حتي على القضاء العادي التدخل فالاختصاصات المخوله اليها بمقتضي الفصل 8 من قانون 41.90 المحدث بموجبة المحاكم الادارية[5].

ونظرا لتعلق فكرة النظام العام بالمصلحه العامة،
ومادام ان الهدف الاسمي هو تحقيق هذي المصلحه العامة اينما و جدت،
فمن الممكن ان يري المشرع ان اعتبارات هذي الاخيرة تقضى باللجوء الى التحكيم لحسم بعض المنازعات الادارية،
ففى هذي الحالة يستطيع ان يظهر بعض هذي المنازعات من مجال عدم القابليه للتحكيم الى مجال القابليه للتحكيم[6]،
وهذا ما تبناة فعلا المشرع المغربي فقانون 05.08 السالف الذكر،
والذى يعتبر خطوه ايجابيه و منسجمه مع توجهات الدول التي بدات تضمن للتحكيم و باقى الوسائل البديله لفض المنازعات مكانا مميزا فتشريعاتها.

ان حظر التحكيم فالعقود الاداريه كان يعتبر الاصل فحين تعتبر الاباحه بها هي الاستثناء من القاعده العامة،
لكن هذي المعادله اصبحت مع تطور و تشعب مجال تدخل الادارة كسلطة عامة فالانشطه المختلفة التي كان يحظر عليها التدخل بها فو قت ليس بالبعيد،
اصبحت تتجة نحو جعل الاباحه هي الاصل و الحظر هو الاستثناء،
وهذا التوجة يراة فريق من المعارضين للتحكيم فالعقود الاداريه مسا خطيرا بالنظام العام و تطاولا غير مبرر على قواعد الاختصاص القضائي،
وتهديدا لامتيازات الادارة العامة الهادفه الى تحقيق النفع العام فتعاقداتها الاداريه و قراراتها التي يبقي للقضاء المختص و حدة سلطة البت فمدي مشروعيتها.

بالاضافه لذا يري ذلك الفريق المعارض للتحكيم فالعقود الاداريه التي تستعمل بها الادارة الاموال العامة،
ان ااثناء هذي الاخيرة بالتزاماتها التعاقديه مع الخواص يصعب معه عرض البت فهذا الااثناء على هيئه خاصة بعيدا عن القضاء الادارى الضامن لحقوق طرفى التعاقد و فق قاعده الشروط الغير المالوفه فالتعاقد الخاص و نظريه امتياز الادارة الهادفه للمصلحه العامة على الخواص الهادفين بشكل اساسى لتحقيق مصالحهم الخاصة.

وفى ذلك الاتجاة المعارض للتحكيم عبر الفقية “فيرناند” (Fernand ) بان: “القضاء الادارى يستطيع ان يمارس الرقابه على اعمال الادارة،
اروع من المحكمين”[7]،  كما اعرب الفقية ” لافيريير” (Lafrriere) فمجال اباحه التحكيم فالعقود الاداريه و حظر البت بها على القضاء العادي بالقول: “كيف للدوله ان تقبل منح المحكمين سلطة النظر فالمنازعات التي لم توافق منحها للقضاه العاديين؟”[8].

ان التحكيم فالعقود الاداريه يعد الوسيله الانجع لحسم النزاعات بعيدا عن تعقيدات القضاء الاداري،
هذا الراى هو الذي تبناة اتجاة مؤيد للتحكيم و له اسس و ركائز يستند عليها فتاييده،
فيري ان تطور و ظائف الادارة العامة يجعلها ملزمه بابرام عقود سعيا لتحقيق التنميه الاقتصادية،
كما ان اعتراف الدوله بالتحكيم كوسيله لفض النزاعات التي تكون الادارة باعتبارها سلطة عامة طرفا بها يشجع المواطنين و الشركات فابرام العقود معها و هو ما يؤدى الى توسيع مجال الاستثمار داخل الدوله و منها تحقيق التنميه بها،
هذا ارتباطا بالمزايا الخاصة التي يتمتع فيها التحكيم،
ومنها السرعه فحسم المنازعات و توفير للوقت و الجهد و فعديد من الاحيان توفير المصاريف و الرسوم.

وتظهر اهمية التحكيم اكثر بالنسبة للمستثمر الاجنبي المتعاقد مع الدولة،
فهي بطبيعه الحال طرف قوي يتمتع بالسياده التي من شانها فنظرة ان تؤثر على التوازن الاقتصادى للعقد الرابط بينهما،
فضلا عن امكانيه تاثيرها على القضاء الوطنى ليحكم فالنهاية لصالحها[9]،
وبالتالي فالمتعاقد الاجنبي يفضل اللجوء الى التحكيم خوفا من مساس الدوله بحيادها و التاثير على قضائها،
وهذا ابرز مبدا يبحث عنه المستثمرون قبل الاستثمار فالدوله و المتمثل فنزاهه القضاء و البحث عن مدي امكانيه اللجوء الى التحكيم فالعقود المبرمة  مع الادارة.

 

 


العقود الادارية