غرور الرجل

غرور الرجل 59d4a617bcd8317d0640ab6af87e9567

ما هو الغرور؟
وما هي الاسباب المؤديه اليه؟
وما هي طريقة اجتنابة و التخلص منه اذا اصيبت النفس بهذه الافة؟!
فهذا السؤال سؤال عظيم القدر؛
فان هذي الافه – الغرور – من محبطات الاعمال و من اعظم ما يضر العبد فدينة بل و فدنياة ايضا،
ويظهر هذا عند بيان حقيقة الغرور الذي طلبت تعريفة و ذكر اسبابة و طريقة الخلاص منه.


فاما عن الغرور فهو نوعيات،
الا ان سؤالك يسال عن نوع خاص من الغرور،
ويمكن ان نحدد ذلك النوع بان نقول: انه الذي يتعلق بالكبر و العجب،
فالكبر و العجب مجموعان يرادفان الغرور الذي ربما اشرت اليه،
واصل الغرور هو: ان يغتر العبد بما اتاة الله تعالى من النعمة،
وهذا الاغترار انما يحصل من مجموع امرين اثنين: فالاول انه ينظر الى هذي النعمه بعين الاستعظام،
كمن اوتى علما او اوتى عباده او اوتى ما لا او اوتى جاها او نسبا؛
فهو يستعظم هذي النعمة،
ثم يحصل له الامر الثاني: و هو ان يغفل عن المنعم بها،
فينظر الى هذي النعمه و كانها من تحصيلة و كسبة و كانها من جهتة هو،
فيصبح غافلا فقلبة عن ردها الى الله جل و علا.


وقد يقع ها هنا امر دقيق غايه الدقة،
وهو انه بلسانة يرد النعمه الى الله تعالى و لكن فحقيقة قلبة و فطوايا نفسة ينظر الى هذي النعمه و كانها من جهتة هو،
فيحصل له مجموع امرين اثنين: فاولهما العجب و ثانيهما الكبر،
والعجب هو ان ينظر الى هذي النعمه بعين الاستعظام و ان ينسبها الى نفسة اما باطنا و اما باطنا و ظاهرا،
ولكن لا يلزم من هذي الحالة ان يتكبر على الناس و ان يتكبر على الخلق،
فحقيقة العجب: شعور باطن فالنفس يؤدى الى استعظام هذي النعمه او ذلك العمل مع قطع النظر الى مسببها و المنعم فيها و هو الله جل و علا،
ولكن العجب لابد ان يولد الكبر،
وهو ان يتكبر فنفسة و يتعاظم بحيث يري لنفسة فضلا على غيره،
فان حصل له ذلك المعني و ذلك الشعور – و هو الكبر فالنفس – ادي هذا الى التكبر فالافعال و ذلك هو الغالب،
وقد يقع ان يصبح فالقلب كبر و لا يصبح فالاعمال تكبر،
كمن يخفى شجره الكبر فنفسة و لا يريها للناس لانة يكبح جماحها حتي لا يسقط من اعين الناس و ان كان هو فداخله نفسة متكبرا متعاظما.

فانتظم من ذلك الكلام ان العجب يولد الكبر و ان العجب مع الكبر هو حقيقة الغرور الذي سالت عنه،
وها هنا معني لطيف فتفطنى له،
وهو: ان ما ده الغرور دائره على اصل واحد و هو الخداع و الباطل،
فالذى يغتر بعملة مثلا ربما خدع نفسة و ربما طمع بالباطل،
والذى يخادع غيرة هو غرور اي مخادع،
كما قال الله تعالى: (( <a=6003501>فلا تغرنكم الحياة الدنيا و لا يغرنكم بالله الغرور ))[لقمان:33]،
فالغرور- بالفتح – هو المخادع الذي يغر الانسان،
والغرور – بالضم – هو نفس الخداع و هو نفس الطمع بالباطل.

فثبت بهذا ان الذي يغتر بعملة انما خدع نفسة و انما خدعة الشيطان بان نظر الى عملة و نظر الى عبادتة و نظر الى صلاحة فاغتر بذلك و ظن ان لنفسة عند الله شانا و ان له عند ربة منزلة،
فصار يتعاظم فنفسة و صار يدل بعملة و اصبح ينظر الى الناس بعين الانتقاص،
وهذا له سبب كثيرة،
وهو جواب سؤالك الثاني:


فان من سبب الغرور و من اعظم اسبابة ان يقع الانسان فالغرور لاجل العمل الصالح،
كمن يحافظ على الطاعه و يحافظ على عباده ربة و على البعد عن معاصيه؛
فيقع فنفسة تعاظم لهذه النعمه التي من الله عليه بها،
ويكون ينظر الى غيرة نظره الاحتقار،
فاذا راي رجلا و قع فمعصيه نظر الية نظره الازدراء و نظره الاحتقار و تعاظم فنفسه،
ولم ينظر الى ذلك العاصى على انه ربما و قع فمعصيه و لابد ان يحذر هو نفسة مما و قع فيه،
ولم ينظر الية بعين الشفقه و عين الرحمة،
بل لم ينظر الى ذلك العاصى على انه ربما و قع فالخطا بحكم الطبيعه البشرية،
ولكنة نظر الية نظره المتعالى المتغطرس الذي يري من نفسة الفضل و يري من نفسة و كانة عصم من ذلك العمل فهو يتعالى على الناس بخلقه،
وهذا يخرج فالافعال و يخرج فالاقوال؛
فتجدة ان خاطب الناس خاطبهم باستعلاء او عاملهم على انه هو صاحب الفضل و على انهم دونة فذلك،
وربما صدرت منه افعال كافعال المتكبرين من اهل الدنيا،
وهذا كثير فالعاده لا يسلم منه الا من سلم الله تعالى،
و لذا كان الخلاص من الغرور من اوكد ما ينبغى ان يحرص عليه المؤمن كما سياتينا ان شاء الله تعالى.

ومن سبب الغرور كذلك غرور العلم و تعاظم العالم بعلمه،
فان ذلك من اعظم و اخطر نوعيات الغرور،
بل ربما نصف طائفه من اصحاب المعرفه و البصيره باحوال النفس ان اخطر نوعياته – اي الغرور – هو العجب و الكبر فالعلم،
فان للعلم عظمه فالنفس و جاها فالناس،
فتجدين الناس يعظمون صاحب العلم و يقدمونة فيحصل بذلك تعاظم و تيه،
وربما قاد الى اعمال توجب ان يصبح صاحبها من المتكبرين الذين قال الله تعالى فيهم: (( <a=6001099>ساصرف عن اياتى الذين يتكبرون فالارض بغير الحق و ان يروا جميع ايه لا يؤمنوا فيها و ان يروا سبيل الرشد لا يتخذوة سبيلا و ان يروا سبيل الغى يتخذوة سبيلا ))[الاعراف:146].


ومن سبب الغرور كذلك: المال و الجاة و النسب الشريف،
ومن اسبابة كذلك سداد الراى بحيث يجد الانسان من نفسة اصابة فالراى و ان الناس يرجعون اليه،
فيحصل له فذلك تعاظم و تية و كبر.

والمقصود ان الاسباب عديده و ضابطها انها نعمه يراها الانسان بنظره التعظيم و يغفل عن مصدرها و عن مسببها و هو الخالق الجليل،
فيحصل له بذلك ذلك الغرور و ذلك العجب و ذلك الكبر.

واما عن علاج ذلك البلاء العظيم فان هذا يصبح باسباب:

فاولها: معرفه مضار ذلك الخلق الذميم،
وانة خلق مرذول و ان صاحبة ابعد ما يصبح عن الله جل و علا،
فصاحب الكبر ربما نازع الله جل و علا فكبريائه؛
كما قال الله جل و علا فالحديث القدسي: (<h=7023479>العزه ازارى و الكبرياء ردائي،
فمن نازعنى عذبته) اخرجة مسلم فصحيحه،
وقال صلى الله عليه و سلم: (<h=7023480>لا يدخل الجنه من كان فقلبة مثقال ذره من كبر) اخرجة مسلم ايضا،
وفى الصحيحين عن النبى صلى الله عليه و سلم قال: (<h=7023481>الا اخبركم باهل النار؟
كل عتل جواظ مستكبر)،
وايضا فالحديث الذي به احتجاج الجنه و النار،
ان النار قالت: (<h=7023482>ما لى لا يدخلنى الا الجبارون و المتكبرون؟!
وقالت الجنة: ما لى لا يدخلنى الا ضعفاء الناس و سقطهم؟!).

فدل هذا على استحقاق المتكبرين المتعالين ان يعذبوا و ان يدخلوا نارا تحطم كبرياءهم و تحطم ذلك الغرور الذي تعالوا فيه على الخلق،
والذى فالحقيقة ربما نازعوا به رب الارض و السماوات،
وقد اخرج الترمذى عن النبى صلى الله عليه و سلم انه قال: (<h=7023483>لا يزال الرجل يذهب بنفسة حتي يكتب فيديوان الجبارين فيصيبة ما اصابهم).

والمقصود ان معرفه ضرر هذي الافه هو الذي يجعل القلب ينفر منها و يجعل النفس حذره من ذلك الخلق الذميم،
وفى المقابل ان يعرف الانسان فضل التواضع و فضل خفض الجناح للمؤمنين؛
فان هذا يورث العبد معرفه و بصيرة،
فقد عرف الحق و عرف ما يضادة و هو الباطل،
و لذا ثبت عن النبى صلى الله عليه و سلم انه قال: (<h=7023484>ان الله اوحي الى ان تواضعوا حتي لا يفخر احد على احد و لا يبغى احد على احد) اخرجة مسلم فصحيحه،
وخرج كذلك عن النبى صلى الله عليه و سلم انه قال: (<h=7023485>ما نقصت صدقة من ما ل،
وما زاد الله عبدا بعفو الا عزا،
وما تواضع احد لله الا رفعة الله).

ومن هذا كذلك ان يحرص على ان يوظف اعمال التواضع على نفسه،
بحيث يتجافي عن شعور المتكبرين و اعتقاد اهل الاستعلاء و يتجافي ايضا عن اعمالهم و ياخذ باعمال اهل التواضع،
وهذه هي سيره النبى صلوات الله و سلامة عليه و ذلك نهجه،
فقد كان صلى الله عليه و سلم اذا مر بصبيان سلم عليهم،
والحديث متفق على صحته،
وهذا من تواضعة و من تاديبة و تربيته صلوات الله و سلامة عليه،
و(<h=7023486>كانت الامه المملوكه من اهل المدينه تاتى لتاخذ بيد النبى صلى الله عليه و سلم فتنطلق فيه حيث شاءت فحاجتها) اخرجة البخارى فصحيحه،
بل كان صلوات الله و سلامة عليه اذا دخل بيته يصبح فمهنه اهله،
اي: فخدمه اهله،
كما سئلت عائشه رضى الله عنها: (<h=7023487>ما كان النبى صلى الله عليه و سلم يصنع فبيته؟
قالت: كان يصبح فمهنه اهلة – تعني خدمه الاهل – فاذا حضرت الصلاة خرج الى الصلاة) اخرجة البخارى فصحيحه.

والمقصود ان ذلك الداء يعالج بما يضادة من الاعمال،
وهذا هو الذي يعبر عنه فالاصطلاح الحديث بالاعمال السلوكية،
فالانسان يعالج نفسة بان يحرص على اقامه امور التواضع على نفسه،
فيبدا اولا بالتحرر من الاعتقادات و الارادات الفاسده فقلبة و نفسه،
ثم بعد هذا يوظف اعمال الجوارح فطاعه الله و فخفض الجناح للمؤمنين،
فان خفض الجناح للمؤمنين امر ربما امر الله تعالى فيه رسولة و نبية محمد صلوات الله و سلامة عليه بقوله: ((<a=6001889>واخفض جناحك للمؤمنين ))[الحجر:88]،
بل وصف الله جل و علا احباءة و اصفياءة من خلقة بانهم اذله على المؤمنين،
كما قال الله تعالى: (( <a=6000722>يا ايها الذين امنوا من يرتد منكم عن دينة فسوف ياتى الله بقوم يحبهم و يحبونة اذله على المؤمنين اعزه على الكافرين يجاهدون فسبيل الله و لا يخافون لومه لائم هذا فضل الله يؤتية من يشاء و الله و اسع عليم ))[المائدة:54].

والمقصود بالذله فهذا الموضع هو خفض الجناح و التواضع للمؤمنين و عدم الاستعلاء عليهم و غفران زلتهم و العفو عن مذنبهم و اعانه ضعيفهم و بشاشه الوجة لهم،
فهذا كله من الذله المقصوده فهذا اللفظ،
وهذا نظير قوله جل و علا فحق الوالدين: (( <a=6002052>واخفض لهما جناح الذل من الرحمه و قل رب ارحمهما كما ربيانى صغيرا ))[الاسراء:24].


والمقصود ان دواء الكبر يصبح بمجموع امور:


فاولها: معرفه انه امر ممقوت يبعد عن الله جل و علا؛
فان الله لا يحب المتكبرين؛
كما قال جل و علا: (( <a=6003486>ان الله لا يحب جميع مختال فخور ))[لقمان:18]،
ويقابل هذا ان الله جل و علا يحب المتواضعين؛
كما قال جل و علا فالايه المشار اليها: (( <a=6000722>فسوف ياتى الله بقوم يحبهم و يحبونة اذله على المؤمنين اعزه على الكافرين ))[المائدة:54].


ومن سبب علاج النفس تعلم الادب و تعلم الاخلاق الفاضله بمخالطه الصالحين،
فان الانسان اذا خالط الصالحين اصحاب الخلق العالى و اصحاب التواضع المتجافين عن الكبر و عن الاستعلاء و الدعاوي الفارغه حصل له اقتداء و تاس بهم،
و لذا قال صلى الله عليه و سلم: (<h=7023488>المرء على دين خليله،
فلينظر احدكم من يخالل) رواة ابو داود.

ومن الدواء العظيم ان يجعل الانسان همة اذا راي عباد الله ان ينظر اليهم على انهم عباد مؤمنون و ان لهم خيرا و فضلا مستورا،
وقد يكونون عند الله خيرا منه و ربما يكونون عند الميزان اثقل منه و ارجح،
فينظر الى كبيرهم على انه اكثر منه عملا و اقدم سابقة فالاسلام،
وينظر الى صغيرهم على انه اقل منه ذنبا و انه ربما عوفى من كثير مما و قع فيه،
فيحصل له بذلك انخفاض فالنفس و يحصل له بعد هذا شعور بان المؤمنين فيهم خير و فيهم فضل و ان و قعوا فبعض الاخطاء،
ومن هنا يجتث شجره الكبر من نفسه،
و لذا لما جاء عبدالله بن المبارك الى بعض الزهاد العباد – ممن يتعاظمون و ممن لهم الدعاوي الفارغه – فدخل عليه لم يكترث ذلك الزاهد بعبد الله بن المبارك مع فضل ذلك الامام و مع قدره؛
لانة لم يعرفة انه عبدالله بن المبارك،
ولما خرج عبدالله قيل لهذا الزاهد: ان ذلك هو عبدالله بن المبارك امير المؤمنين فالحديث!
فخرج الية ذلك العابد يسرع يطلبة فقال له: لم اعرفك؟
يعتذر عما بدر منه،
ثم قال: يا ابا عبدالله!
عظني،
فقال له عبدالله بن المبارك: نعم.
لا تقع عيناك على رجل من المسلمين الا رايت انه خير منك.
فهذه هي العظه البالغة،
وهكذا فليداو الانسان نفسه.

وكذلك من الاسباب الدعاء و الاستغاثه بالله،
فقد كان من دعاء النبى صلى الله عليه و سلم فقيام الليل و فاستفتاح الصلاة: (<h=7023489>اللهم اهدنى لاقوى الاخلاق و الاعمال لا يهدى لاحسنها الا انت،
وقنى سيء الاخلاق و الاعمال لا يقى سيئها الا انت).

وهذا السؤال الذي قدمتة هو سؤال عظيم القدر و هو يحتمل ان يصنف فمجلده كاملة،
وقد كفينا المؤنه بما صنفة الائمه الاعلام فذلك من الابواب و الفصول،
فراجعى ان شئت للاستزاده ما ذكرة الامام ابو عبدالله ابن القيم – عليه رحمه الله – فكتابة (مدارك السالكين)،
وما ذكرة الشيخ ابو حامد الغزالى – عليه رحمه الله – فكتاب (احياء علوم الدين) فالجزء الثاني،
ففيهما كلام نافع غايه النفع.

نسال الله عز و جل ان يشرح صدرك و ان يعافيك من جميع سوء و ان يجعلك من عباد الله الصالحين،
وان يتمم لك الخير و الفضل،
وان يفرج كربك و ان يجعل لك من لدنة سلطانا نصيرا.


وبالله التوفيق.



  • عرور الرجل
  • غرور الزوج على زوجته


غرور الرجل