احلى مواضيع جديدة

تلخيص رواية قراءة ثانية لشعرنا القديم

تلخيص رواية قراءة ثانية لشعرنا القديم 0728Fa49E4899D6244Ccb736493986A6

تلخيص رواية قراءة ثانية لشعرنا القديم 0728Fa49E4899D6244Ccb736493986A6

 

يعتبر الدكتور مصطفى ناصف من اهم نقاد العرب الذين اشتغلوا على التراث العربي القديم والحديث
من زوايا منهجية مختلفة تتراوح بين الدراسة البلاغية والاسلوبية والتفكيكية والتاويلية والاسطورية. ولقد كان الشعر
العربي القديم هدفا لكثير من دراساته ولاسيما كتابه القيم” قراءة ثانية لشعرنا القديم”، وهو عبارة
عن فصول نقدية متنوعة انكب فيها على الشعر الجاهلي بالفحص والتحليل والتقويم من خلال رؤية
جديدة وهي الرؤية الانتروبولوجية او المنهج الاسطوري. اذا، ماهي القضايا النقدية التي يطرحها هذا الكتاب؟
وماهي خصائصه المنهجية والفنية؟ وماهي الملاحظات التقويمية التي يمكن ان نخرج بها بعد قراءتنا لهذا
المتن النقدي؟

1- بيوغرافية المؤلف:

ولد مصطفى ناصف بمحافظة الغربية في جمهورية مصر العربية سنة 1922م، وحصل على دكتوراه الدولة
في البلاغة من جامعة عين شمس عام 1952 م. وقد اهتم بالنقد النظري والتطبيقي منذ
امد طويل. واهتم كثيرا بالتراث العربي القديم ومناهجه البلاغية والنقدية مقارنا اياها بمستجدات الفكر الغربي
المعاصر. وكان هدفه من مقارباته النقدية التاصيل والتاسيس لنقد عربي جديد وقراءة واعية للتراث الادبي
دون الانسياق وراء مفاهيم التجريب وما تراكم في الغرب من نظريات نصية وممارسات تطبيقية اجرائية
.

وللدكتور مصطفى ناصف كتب عديدة منها: نظرية المعنى في النقد العربي، ودراسة الادب العربي، والصورة
الادبية، ونظرية التاويل، والنقد العربي نحو نظرية ثانية،واللغة بين البلاغة والاسلوبية،وخصام مع النقاد، وطه حسين
والتراث، وصوت الشاعر القديم، والوجه الغائب، واللغة والبلاغة والميلاد الجديد، واللغة والتفسير والتواصل.

2- طبيعة الكتاب:

يندرج كتاب” قراءة ثانية لشعرنا القديم” للدكتور مصطفى ناصف ضمن الدراسات النقدية الادبية النصية التطبيقية
التي تحاول قراءة الشعر الجاهلي من خلال التصور الاسطوري الانتروبولوجي مستندا الى اللاشعور الجمعي لدى
كارل يونغ على غرار الدراسات الادبية والنقدية الاخرى التي درست الشعر الجاهلي على ضوء المناهج
الحديثة والمعاصرة(المنهج الاجتماعي، والاسطوري، والبنيوي، والتوثيقي، والفني ، والجمالي، و التاريخي،و النفسي، والفلسفي ، والتاويلي،
والتفكيكي، والسيميائي،….) على غرار كتاب” في الشعر الجاهلي” لطه حسين “، و ” قراءة جديدة
لشعرنا القديم” لصلاح عبد الصبور، وكتاب”المرشد الى فهم اشعار العرب وصناعتها” للدكتور عبد الله الطيب،
و”المعلقة العربية الاولى او عند جذور التاريخ” للدكتور محمد نجيب البهبيتي، و”العصر الجاهلي” للدكتور شوقي
ضيف،و”الصورة الفنية في الشعر الجاهلي في ضوء النقد الحديث” للدكتور نصرت عبد الرحمن، و” مصادر
الشعر الجاهلي وقيمتها التاريخية” للدكتور ناصر الدين الاسد،و” نحو منهج بنيوي لتحليل للشعر الجاهلي (الرؤية
الشبقية)” و” الرؤى المقنعة نحو منهج بنيوي في دراسة الشعر الجاهلي ” للدكتور كمال ابوديب،
و”المنهج الاسطوري في تفسير الشعر الجاهلي” لعبد الفتاح محمد احمد، و”عناصر الوحدة والربط في الشعر
الجاهلي” للدكتور سعيد الايوبي، و”المدخل الى الادب الجاهلي” للدكتور احسان سركيس، و”الشعراء الصعاليك في العصر
الجاهلي” ليوسف خليف، و”مقالات في الشعر الجاهلي” ليوسف اليوسف، و” الخطاب الابداعي الجاهلي والصورة الفنية”
لعبد الاله الصائغ، و” الرحلة في القصيدة الجاهلية” لوهب رومية، و” الشعر الجاهلي” لمحمد النويهي،
و” مقدمة القصيدة العربية في الشعر الجاهلي” للدكتور حسين عطوان، و” في النقد الجمالي ،
رؤية في الشعر الجاهلي” للدكتور احمد محمود خليل، و” الفضاء المتخيل في الشعر الجاهلي” لرشيد
نظيف، و” الاصول الفنية للشعر” للدكتور سعد اسماعيل شلبي، و” خصوبة القصيدة الجاهلية ومعانيها المتجددة”
لمحمد صادق حسن عبد الله، و” دراسات في الشعر الجاهلي” ليوسف خليف،و” الشعر الجاهلي” للدكتور
محمد عبد المنعم خفاجي، و” الشعر الجاهلي خصائصه وفنونه” للدكتور يحيى الجبوري،و” الشعر الجاهلي قضاياه
الفنية والموضوعية” للدكتور ابراهيم عبد الرحمن محمد…

ويستند كتاب مصطفى ناصف” قراءة ثانية لشعرنا القديم” الى المنهج الانتروبولوجي الاسطوري الذي يبحث عن
الثوابت العقلية اللاشعورية للمجتمعات وخاصة غير المتحضرة ورصد الثوابت المشتركة من المشاعر والشعائر والطقوس والعادات
والعقائد التي تتكرر ثقافيا واجتماعيا عند المبدعين والفنانين والتي تعبر عن الرغبات اللاواعية لكل فرد
داخل المجتمع الانساني. ويضم الكتاب مائة وسبع و ثمانين صفحة من الحجم الكبير ومقدمة وثمانية
فصول. ومن المرجح ان تكون هذه الفصول مقالات نشرت في مواقع صحفية ومنابر ثقافية متفرقة،
ثم جمعت في شكل كتاب تولت دار الاندلس ببيروت اللبنانية طبعه ونشره، ونحن في دراستنا
التقويمية نعتمد الطبعة الثانية لسنة 1981م.

3- القضايا النقدية في الكتاب:

ينطلق الدكتور مصطفى ناصف في مقدمة كتابه ” قراءة ثانية لشعرنا القديم” من فرضية اساسية
وهي ان الادب العربي قبل الاسلام لم يقرا قراءة حسنة كما اثبت ذلك عميد الادب
العربي الدكتور طه حسين مرارا وتكرارا ، وذلك لعدة موانع تحول دون قراءته قراءة واعية
ممتازة . وتتمثل هذه الموانع في الحواجز العقلية والنفسية. وكتابنا هذا يهدف الى اعادة النظر
في الشعر العربي القديم الذي اتهم بانه ناتج عن” عقل مادي قاس رتيب لايتجاوز المحسوس
ولا يعلو على العلاقات الفردية، ولا يستطيع ان يحيط بالاشياء من حيث هي كل. همه
محصور في ان يتعلق بجزء من الاجزاء ينكب عليه دون ملل. ثقافته محدودة، وتطلعه الفلسفي
سطحي يسير”[1].

وينطلق مصطفى ناصف من فلسفة الشك على غرار طه حسين في كتابه ” في الشعر
الجاهلي” قصد الوصول الى اليقين وذلك بالتشكيك في كل المسلمات والثوابت التي التصقت بالشعر العربي
القديم قبل الاسلام. وهذا المنطلق المنهجي نجد مرتكزاته النظرية لدى الفيلسوف العربي المسلم الغزالي والفيلسوف
الفرنسي ديكارت. كما ان القراءة تختلف من عصر الى اخر ومن شخص الى اخر ومن
مكان الى اخر. لذلك فقراءة مصطفى ناصف ستكون قراءة جديدة همها الاستكشاف والاستنباط والاستقراء والانطلاق
من مجموعة من الفرضيات قصد البرهنة عليها وعدم التسلم بالمعطيات الثابتة والاحكام الجاهزة عن الشعر
الجاهلي.

ا‌- الفصل الاول: الاحساس بالتراث:

يرى الدكتور مصطفى ناصف ان الادب العربي القديم – يقصد به الادب الجاهلي- يتميز بصفائه
ونقائه لكونه بقي بعيدا عن المؤثرات الفارسية واليونانية والهندية. ووصلنا هذا الادب ناضجا ومكتملا وثابتا
باصوله الفنية التي صارت فيما بعد قواعد للكتابة الشعرية والابداعية بعدما ان نزل القران الكريم
بلغة هذا الادب الرائع في شعريته وكتابته النثرية. وقد عمل القران على تهذيب لغة الشعر
الجاهلي وتنقيتها وصقل بيانها وتطعيمها بالفاظ دينية وروحية. وقد حارب النقاد القدماء الشعراء المحدثين الذين
يريدون ان يتمردوا عن بنية القصيدة الجاهلية التي صارت معيارا للاحتذاء والتقليد بعمودها الاصيل الذي
يثبت مجموعة من القواعد الدلالية والفنية التي لا ينبغي الخروج عنها كما اسهب في شرحها
المرزوقي في مقدمة ديوان الحماسة لابي تمام. ويشكل هذا العمود الشعري الاساس الحقيقي لكل شعرية
عربية على غرار القران الكريم والسنة النبوية اللذين يمثلان مصدرين اساسيين للتشريع والعمل.

ولقد واكب النقد الكلاسيكي تطور الشعر العربي من خلال مدارسة الشعر القديم والحديث من خلال
ربط الماضي بالحاضر ومقارنة القيم القديمة والجديدة والبحث عن مواطن التقليد والتجديد. واعتبر الشعر الجاهلي
مصدرا ومنبعا للشعر العربي قاطبة، ودرعا واقيا صامدا في وجه التيارات الثقافية والحضارية القادمة الى
ساحة الفكر العربي وابداعه ضمن حركية المثاقفة و جدلية الاحتكاك الثقافي و الحوار الحضاري بين
الشعوب.

وقد ناقش مصطفى ناصف ماذهبت اليه مدرسة الديوان ابان عصر النهضة مع عباس محمود العقاد
وعبد الرحمن شكري وعبد القادر المازني التي كانت تنطلق في فلسفتها من التوجه الرومانتيكي الغربي
معتمدة على الحرية وتقديس الذات الفردية والتغني بالبطولة الفردية و الحرية القومية. وكانت لا تعد
بشعر لايعكس ذات صاحبه وجوانيته الداخلية ومشاعره الباطنية . اي ان الشعر عند مدرسة الديوان
هو شعر الشخصية والوجدان والشعور الداخلي والاحساس بالجمال النابع من الروح. وبما ان شعر شوقي
كان شعرا غيريا ولا يعكس روحه الشخصية وحياته الفردية، فقد هاجمه العقاد هجوما عنيفا ونفى
عنه امارته الشعرية من خلال نقد ه لقصيدة “الربيع” التي اعتبرها العقاد قصيدة سطحية لاروح
فيها ولا معنى. وهذا الصراع في الحقيقة ما هو الا صراع مذهبي وفني ، صراع
بين مدرستين ادبيتين : المدرسة الكلاسيكية التي كانت تهتم كثيرا بالغير والاخر، والمدرسة الرومانسية التي
كانت تؤمن بالفرد والقلب والعاطفة والطبيعة والحرية الانسانية.

وعليه، فان مدرسة الديوان تقصي الماضي الشعري و الابداع التراثي، لان الادب القديم صار عاجزا
وقاصرا عن العطاء والتجديد بالمقارنة مع الحاضر الذي يتطلع الى الابداع والحداثة الشعرية اعتمادا على
مقاييس الشخصية والذات والروح الفردية. وعندما عاد زعماء الديوان الى التراث الشعري القديم لنقده وغربلته،
فان همهم الوحيد هو البحث عن القمم الفردية التي تغنت بشعر الشخصية والحرية الذاتية و
خاصية التحول كما فعل ابو نواس الذي ثار على بنية القصيدة الجاهلية التقليدية وابن الرومي
الذي عبر كثيرا عن ذاته الشخصية المتازمة. وابعد هؤلاء النقاد كل شعر يلتزم بالقبيلة والتغني
بالروح الجماعية واعتبروه شعرا رديئا غير مطبوع فيه صنعة وتكلف. ويعني هذا ان كل شعر
غير ذاتي يقصى ويعد مصنوعا لاقيمة له ولا جدوى منه مادام لايعكس شخصية الشاعر وفرديته
الوجودية وكينونته الداخلية. وهذا المقياس يخالف ما كان يعتمد عليه النقاد القدامى الذين كانوا يحتكمون
الى المقاييس الفنية والجمالية وليس الى مقاييس الذات والجماعة، لذالك عد ابو نواس شاعرا عاديا
ضمن المنظور الفني على الرغم من محاولته للخروج عن عمود الشعر العربي الذي بقي وفيا
واسيرا لمعاييره واصوله الفنية الثابتة. ويعني هذا ان النقاد القدامى اهتموا بالشعر بدلا من الشاعر
كما تؤمن بذلك مدرسة الديوان التي تسعى جاهدة للبحث عن ما هو شخصي وفردي في
التراث الشعري القديم. بيد ان هذه المدرسة لم تجد ماكانت تبحث عنه من تجارب شعرية
فردية بالمفهوم الرومانسي الغربي؛ لذلك تجاوزت الماضي نحو الحاضر وادارت الظهر له. ويقول مصطفى ناصف
في هذا الصدد:” ان الاستاذ العقاد لم يستطع- وسط همومه الثقافية المتزايدة- ان يشعر بان
الادب العربي فيه كثير من اهوائه التي تتركز في عبادة الانسان وعبادة حياته، فعبادة الانسان
عبارة موجزة تنفع في الايماء الى تفصيلات كثيرة اذا حللت. والاستاذ العقاد مشغول بهذه النزعة،
وكل اقواله في دنيا الادب والنقد انما اراد بها ان يحيي فكرة الانسان الباحث عن
التجربة، المتلذذ بالوعي، الشاعر بالانتصار، الذي ينسخ كل ماعداه، الذي ياخذ من كل شيء اخر
ما سلبه بلاحق. الانسان الذي يسترد مملكته من ايدي الغيب. ومن ثم كان على التراث
– في نظره- ان يستجيب لما اراد. وقد لقف قليل من الباحثين هذا التيار وبحثوا
عن اصدائه في مجالات اخرى غير الشعر العربي، ووقر في انفس الناس راي العقاد حين
يجعل القيمة صنوا لهذا النوع من التفكير، مما عداه في عالم الشعر العربي، وكل شعر
اخر، كثير. فيلقى هذا الشعر في النار وقد كتبت عليه عبارة الشعر المصنوع.”[2].

ب‌- الفصل الثاني: حلم المستقبل:

يقر مصطفى ناصف بان دراسة الادب الجاهلي عمل ممتع، وان هذا الادب كان له تاثير
كبير على باقي الاداب العربية الاخرى. ويعني هذا ان الادب العربي مر بعصور عدة: جاهلي،
واسلامي، واموي، وعباسي، الى عصرنا الحديث والمعاصر. ويعد الادب الجاهلي المصدر والمنبع الوحيد للادب العربي.
وقد تفاعل الادب العربي مع ظروفه وعصوره، وكانت له كثير من صفات العراقة والثبات والاصالة.
وان اوائل الادب العربي شكلت اواخره. والمقصود بهذا ان الادب الجاهلي بلغنا ناضجا ومكتملا في
كل مقوماته المضمونية والفنية والجمالية، بداية ناضجة شكلت منطلقا للشعر العربي ومنبعا بؤريا تنصهر فيه
كل الاداب تناصا وتضمينا واقتباسا. ومن ثم، فالادب العربي مدين في جوهره للادب الجاهلي. ولفهم
هذا الشعر لابد من ربطه بثقافة الشاعر وعقله الباطني وعصره الاجتماعي. وينبغي ان يدرس لا
كظواهر فردية بل كظواهر جماعية وثقافية وحضارية. وقد رفض الدكتور مصطفى ناصف كثيرا من الاحكام
التي ارتبطت بالشعر الجاهلي كالبداوة والفقر والجدب والحسية والمادية والامية والتناحر والصراع والتخلف والفكر التجزيئي
وتعدد اغراض الشعر الجاهلي وافتقاره للوحدة الموضوعية والترابط العضوي… بل اعتبره شعرا رائعا لا يمكن
التقليل من قيمته، وانه خير وثيقة عن فلسفة التاريخ والانسان في صراعه الانطولوجي مع الزمن
والقدر والمصير والحياة والموت. كما انه شعر مترابط ومتسق ويحمل ابعادا تجريدية رمزية اذا تعاملنا
مع قضايا الشعر الجاهلي كانماط اسطورية وانتروبولوجية، ولا ننسى كذلك براعة شعراء الجاهليين في تصوير
الاشياء براعة خارقة .

و يعبر هذا الشعر بكل صدق عن الازدهار الاقتصادي والاجتماعي والادبي والسياسي الذي يتمثل في
وحدة السلطة المركزية التي تتجسد في عاصمة الجزيرة العربية الا وهي مكة. كما استبعد الباحث
ان يكون مصطلح الامية بمفهوم الجهل والتخلف الثقافي وانعدام الكتابة. فالكلمة تدل على سرعة الغضب
والثورة والتمرد. وبالتالي، فهو مصطلح اسلامي اتى ليدل على المفاهيم السابقة التي تعاكس مضامين الرسالة
السماوية التي تدعو الى التمسك بامهات الاخلاق والفضائل النبيلة.

ان مصطفى ناصف يفند جملة وتفصيلا ماذهب اليه الباحثون المعاصرون الذين ربطوا الشعر الجاهلي بالصحراء
والبداوة والاستطراد والانتقال من فكرة الى اخرى دون رابطة واضحة ناهيك عن سذاجة هذا الشعر
وواقعيته وبساطته وسطحية افكاره وعدم تعمق الاشياء. انها “صورة هزيلة شاحبة، فالشعر الجاهلي شعر حسي
غليظ يعنى بوصف المحسوسات التي يراها الشعراء امامهم في الصحراء المفتوحة. وليس فيه- لذلك- اثر
من اثار الفكر والعقل. اما اذا وجدنا شيئا نسميه الحكمة فهو لايعدو ان يكون تعبيرا
عن خبرة الايام المباشرة التي لا تحتاج الى ثقافة. وسوف تكون كل دراسة تجري على
هذا المنوال – يقول مصطفى ناصف- ضربا من التكرار غير المفيد، وسوف تكون غير مستقيمة
ايضا، لان حياة العصر القديم اعمق مما يجري على اقلامنا حتى الان؛ وقد شهد هذا
العصر صراعا روحيا قويا لم يقدر تقديرا ملائما. وان نشاة الاسلام العظيم في نهاية هذا
العصر لا يمكن ان نهون من دلالتها ومغزاها. انها تعني – بكل اختصار- اننا امام
عصر يضطرم فيه القلق ويبلغ ذروته. اننا امام مجتمع تشغله اسئلة اساسية شاقة عن مبدا
الانسان ومنتهاه ومصيره وشقائه وعلاقته بالكون. ولكننا ننسى- كثيرا- ان ظهور الاسلام في ذاته علامة
على وجود مستوى من القلق في نواحي الحياة عامة، ونظل عاكفين على فكرة الجاهلية الحمقاء.
وكيف يمكن ان نفهم مكانة القران الكريم بطريقة منطقية مقنعة اذا دابنا على ان نجعل
الشعر الجاهلي- دون تمييز- سطحيا قريبا واقعيا خاليا من اثر القلق والصراع والنضج الادبي”. [3]

هكذا يصل الباحث الى ان الشعر الجاهلي يطرح اسئلة ميتافيزيقية وانطولوجية تتعدى دلالات الشعر السطحية
الى ماهو اعمق ومجرد فيه من خلال تفكيك رموزه المشفرة وعلاماته المسننة سيميائيا واسطوريا. وبعد
ذلك ينطلق الدارس من فرضية اساسية يشكك فيها وهي ” النظرية المتداولة التي تزعم ان
الشعر الجاهلي كان ساذجا بدويا لا غور له ثم انتقل حينما اختلط العرب بغيرهم من
الاعاجم الى طور ارقى. لنقل ان الشعر الجاهلي ينافس اي شعر اخر اذا احسنا قراءته،
ولو احسنا قراءته لبدا امامنا وافر الحظ من العمق والثراء”.[4]

ينطلق مصطفى ناصف بعد فرشه النظري والنقدي والتاريخي الى دراسة الاطلال نصيا وتطبيقيا من خلال
استحضار معلقتي زهير بن ابي سلمى ولبيد بن ربيعة معتمدا على نظرية كارل يونغ في
تاويل القصيدتين وتفسيرهما ليصل بعد ذلك الى ان الاطلال ظاهرة جماعية وليس فردية ، اي
تعبر عن الانماط العليا الثابتة الراسخة في العقل الباطن واللاشعور الجماعي. والمقصود من ذلك ان
ظاهرة الاطلال تجربة فنية قائمة على التكرار واستعادة الماضي الموروث في شكل طقوس وشعائر جماعية،
او انها صلاة جماعية لدى جميع الشعراء تعبر عن تقليد طقوسي راسخ لدى شعوب الجزيرة
يصيغها الشاعر بطريقة رمزية وشعرية كمعادل موضوعي للواقع المادي. ومن ثم، فالاطلال التزام جماعي وظاهرة
فنية طقوسية وعادة مشتركة بين جميع الشعراء. وبذلك يعبر الطلل عن صلة الماضي بالحاضر، والمكان
المقترن بالطلل يمثل بؤرة انصهار الزمان. كما تشخص الاطلال علاقة الانسان بالمكان والزمان وجوديا وقدريا
على الرغم من ان هذه الاماكن ليست فردية ولا تجارب شخصية بل لها بعد جماعي
طقوسي. وهكذا يقر مصطفى ناصف باسطورية الطلل ضمن رؤيته المنهجية الانتروبولوجية التي تتجاوز التحليل النفسي
الفردي الى سيكولوجية اللاشعور الجماعي الذي يحيل على فطرية الانسان وثوابته المتعالية المخزنة في لاشعوره
، والمترسبة في عقله الباطن، و ليس هذا “الفن- اذا- ضربا من الشعور الفردي الذي
يعول في شرحه على بعض الظروف الخاصة بشاعر من الشعراء. وانما نحن بازاء ضرب من
الطقوس او الشعائر التي يؤديها المجتمع او تصدر عن عقل جماعي، ان صح التعبير، لا
عن عقل فردي او حالة ذاتية. والحق ان الشعر الجاهلي- كله- يوشك ان يكون على
هذا النحو، بمعنى ان مراميه فوق ذوات الشعراء. وهناك اذا قدر من المشاعر والافكار التي
يسهم في بنائها كل شاعر كبير. والذي يلفت النظر هو ان فن الاطلال كغيره من
فنون الشعر العربي في العصر الجاهلي ينبع من الزام اجتماعي؛ فالشاعر من حيث هو فنان
يوشك ان يكون ملتزما، وياتيه هذا الالتزام من ارتباط غامض بحاجات المجتمع العليا، وكل نابغة
في العصر القديم يشعر ان المجتمع يوجه افكاره الى حيث يريد. ولذلك يجب الا يغيب
عن الذهن ان الاطلال- والشعر الجاهلي كله- يثير التامل في معنى الانتماء وسلطان اللاشعور الجمعي؛
فالشاعر الجاهلي لا يتصور الفن عملا فرديا بل يتصوره نوعا من النبوغ في تمثل احلام
المجتمع ومخاوفه واماله”.[5]

وترتبط بالاطلال فكرة الظعائن التي تشكل لحمة تناسلية وراثية مع البنية السابقة” والذي يبدو ان
الظعائن بالنسبة للطلل مثل الذرية بالنسبة للام. ومن اجل ذلك يصبح الطلل كالام الولود التي
لا يجف خصبها. وهذا الخصب ذو صور متعددة متحركة وساكنة، كالحروف والنقوش والظباء والنساء. ويبدو
الطلل كانه منبت ثقافة؛ منبت الوعي وادراك الماضي في مضيه واستمراره معا، منبت الحاجة الى
تثبيت مركز الانسان وسط الوجود عن طريق الكتابة. منبت ادراك قوة الخلق التي يمكن ان
يتمتع بها الطلل: الطلل هو النبع الثر الذي ولد الظعائن. والظعائن نساء لا يراهن المرء،
شخوصهن مخباة خلف الانماط والاستار. ولكن الشاعر يبحث عنهن وقد سرين في انحاء الجزيرة ينشرن
ما يشبه الود والسلام. ومن ثم تكاد تلك الظعائن تنافس فكرة الاطلال ذاتها. وغالبا ما
تسير الظعائن محفوفة بما يشبه الجلال. ولكنها محفوفة ايضا بما يشبه الغموض”.[6]

اذا، ترتبط الاطلال في الشعر الجاهلي بالظعائن والوشم والكتابة والبحر وركوب السفن والطير والنخيل واللعب.
وتخيل الظعائن في سفن ضرب من الرؤى الجماعية التي تعبر عن مخاوف الجماعة وامالها حين
تفكر في الانتقال من مرحلة الى مرحلة عمرية وحضارية اخرى في الحياة، فالسفن سيكولوجيا تعبر
عن الرغبات اللاواعية الموجودة لدى الانسان والتي يتقاسمها مع الجماعة البشرية. اما ” الهوادج المغطاة
بالثياب الجديدة المنقوشة فهي حجب تحول دون التطلع الى الظعائن ليصبحن اقرب الى الاسرار، فالثياب
من حيث هي زينة تشغل بجمالها او كرمها او رقتها كما يقول الشراح احيانا ولكننا
ما تلبث ان نفطن الى حقيقتها فهي حجب مانعة من ملابسة السر والاقتراب منه.”[7]

وترتبط الظعائن بالطير فحين ” تخف الطير بالظعائن وتضربها لانها تحسبها لحما كما يقول الشراح،
يرى الدكتور ناصف ان للصورة اغوارا بعيدة، ومناوشة الطير لا تخلو من بعض المخاوف والوساوس،
فالثياب غريبة لانها مصنوعة من الدم وفكرة الظعائن لا تتصور بمعزل عن القتال وارادة التغيير
التي تناوش عقلية الشاعر”[8]

ج- الفصل الثالث: البطل

يمتاز الشعر الجاهلي على عكس نظر كثير من الدارسين بترابط مواضيعه واغراضه واجزائه اذا احسنا
قراءة هذا الشعر. وبالتالي، ينفي مصطفى ناصف فكرة تعدد الاغراض وتفكك القصيدة التقليدية ويعترف بالوحدة
الموضوعية والعضوية التي يتسم بها هذا الشعر.

وينتقل الدارس من فكرة الطلل الى الفرس ليبين بان معظم الشعراء الجاهليين وصفوا الفرس ولاسيما
طفيل الغنوي الذي يلقب باسم طفيل الخيل لانه اجاد في وصف الفرس ،وسلامة بن جندل
السعدي في بائيته وهو من فرسان العرب المذكورين فقد احسن ايضا في وصف الفرس وربطه
بصورة الماء كثيرا. ولكن يبقى فريس امرئ القيس اكثر الافراس شهرة في الادب العربي وخاصة
في معلقته اللامية التي يقول فيها:

وقد اغتدي والطير في وكناتها

بمنجرد قيد الاوابد هيكل

مكر مفر مقبل مدبر معا

كجلمود صخر حطه السيل من عل

لقد علم امرؤ القيس الناس كيف يصفون الفرس ويتحدثون عنه. وقد اصبح وصفه مرجعا لجميع
الشعراء العرب. وارتبط الفرس عند هذا الشاعر بالسيل والسرعة والجمال الخارق والمطر المغيث،وبذلك صار هذا
الفرس خالدا في ذاكرة الشعراء اقتباسا وتناصا وتقليدا .

و لايمكن فصل هذه المواضيع( الفرس والسيل والمطر) في الشعر الجاهلي مهما تعددت اغراضه .
ويتخذ الفرس بدلالاته الرمزية في اللاشعور الجمعي طابعا اسطوريا وطقوسيا؛ لان الفرس يرتبط في الذاكرة
الجماعية والشعرية بالخير والقوة والعطاء. ويتحول قبح الفرس حينما تسيل منه الدماء الى جمال عندما
يزين الفرس بالحناء تصويرا وتشبيها، مما يضفي على الفرس بعدا جماليا. وهذا القبح الجميل موجود
بكثرة في الشعر العباسي عند مسلم بن الوليد وبشار بن برد.

ويتجلى البعد الاسطوري على مستوى الفرس /الرمز في كونه يتخذ طابعا انسانيا احيائيا عير مجموعة
من السمات كالقوة والشجاعة والكرم والعطاء والالهام والحيوية والنشاط. ويملك الفرس هنا قدرات جنية وصوفية
وباطنية كما يتبين واضحا في لامية الشاعر الجاهلي المزرد بن ضرار الذبياني الذي اسبغ على
فرسه فضائل خيالية جعلت من الفرس كائنا مقدسا ،و بمثابة قائد ومعلم عظيم يمهد للناس
الطريق. و” الفرس- ذلك الانسان الكامل- صورة لما يتشبث به الشاعر املا في المستقبل ورغبة
في قدر اتم من المناعة والحصانة. ان صورة الفرس هي صورة الرجل النبيل الذي ملاته
العزة والثقة…والحقيقة ان الدور الانساني للفرس دور واضح، ويبدو للقارئ ان الفرس يستطيع بمميزاته البدنية
والسلوكية ان يكشف الامور، ويرتاد المجاهل، وياخذ وظيفة الرائد الذي يتقدم غيره من الناس؛ فالفرس
لكرمه واصراره على ان يبذل ذات نفسه اصبح خليقا بان ياخذ صفة السلطة ويمسك زمام
الامور. ولا يمل القارئ من الاعجاب بصورة( حيوان) يجاهد في سبيل اسعاد البشر. ومن ثم
كان صوت الفرس صوتا كريما مسموعا لانه يضيء الطريق امام الناس. بل ان ما يسمى
الذعر او الجنون قريب من النذر واحساس من يضيء الطريق بمخاطر الظلام.”.[9]

د- الفصل الرابع: الناقة الام:

كثير من الشعراء وصفوا الناقة وربطوها بالاطلال والرحلة والصيد، ولكن مصطفى ناصف ينظر اليها بمنظار
انتروبولوجي اذ يعتبرها ظاهرة جماعية رمزية موروثة في العقل الباطن للانسان العربي في امتداد طفولته
البدائية والفطرية والحضارية. ومن هنا فالشاعر الجاهلي يفكر في ذات المجتمع اكثر مما يفكر في
ذاته الفردية. وهناك الكثير من الشعراء الفحول والمجودين الذين احسنوا وصف الناقة. ومن النماذج التي
نذكرها في هذا المجال قصيدة ثعلبة بن صعير بن خزاعي المازني التي يقول فيها:

واذا خليلك لم يدم لك وصله فاقطع لبانته بحرف ضامر

وتعبر الناقة عن مظهر النمو العقلي والروحي في الشعر الجاهلي.والناقة ماهي الا تعبير عن فكرة
الثبات والقهر والصمود بسبب قوة الناقة وصبرها وتحديها لعوادي الزمن والطبيعة. وقد بذل الشعراء مجهودا
كبير في استقصاء قدسية الناقة الام عبر رصد المشبهات والصور الشعرية لتجسيد امومتها وطابعها القدسي
عند العرب. واذا كان الفرس اشبه بالابوة عند العرب فالناقة اشبه الاشياء بالامومة القوية. لذلك
اقترنت بالنخلة في اذهان العرب. انها امومة صابرة قادرة راغبة يطبعها استمرار الحياة. كما تدل
الناقة الام على السيادة والجمال والذرية والخصوبة وهي اشبه بحاضر مستمر لا يتغير ولا يزول.
ومن ثم تتمتع الناقة بالقوة الخيالية فوق البشرية. وتحضر الناقة بمثابة مفتاح للبركة والخير والرحمة
، بينما يوظفها زهير بن ابي سلمى كمفتاح للعذاب والعقاب من خلال استحضار صورة ناقة
صالح. اذا، عندما تقترن الناقة بالحمار الوحشي تصبح رمزا للصراع والحروب ، وهي ايضا رمز
للهموم المقلقة عند المثقب العبدي، ورمز للعمل والحركة الدائبة عند ابن الطبيب في لاميته المشهورة.
كما تعبر الناقة عن فكرة المحاولة والعمل المتلاحق.

وينكر مصطفى ناصف” فرضية الاستطراد في قصة الناقة، وصلتها بثور الوحش او الحمار الوحشي او
الظليم، فهو يرى ان الصورة التي تتداعى في ذهن الشاعر انما هي جزء من طقوس
جليلة مقدسة.

وفي نهاية حديثه عن الناقة من خلال سينية امرئ القيس يرى الدكتور ناصف انه ليس
هناك شك اذا نظرنا في اساطير العرب في العصر الجاهلي، في ان الناقة لم تكن
مجرد حيوان، فالعالم او المتحضر قد ينظر بعقله ولكن الشعراء خاصة يحتضنون الاشياء بخيالهم وحواسهم،
يعني ان الناقة كانت حيوانا مقدسا في بعض الاحيان”.[10]

ان الناقة في الشعر الجاهلي لتعبير حقيقي عن الصراع الماساوي والتوتر الدرامي الذي يعيشه الانسان
في فترة ما قبل الاسلام بعد ان فقد الانسان الكلية المطلقة و الوحدة الملحمية ليعيش
التمزق الذاتي والموضوعي ويعرف وجوده انشطارا بين الانسان والواقع بكل ابعاده المادية والميتافيزيقية والروحية.

ه – الفصل الخامس: الارض الظامئة

بدات صورة المطر في الشعر العربي مع امرئ القيس ، الا انها ستعمق وتحور مع
الشعراء الاخرين. وياخذ هذا التحوير صفة النمو. وقد كان مطر امرئ القيس من اكثر الاشياء
جاذبية في الشعر العربي. وقد ارتبط المطر بفكرة الراهب المقدس وبفكرة الكرم والنبل والثغر العذب
عند عنترة بن شداد وبالناقة عند سبيع بن الخطيم التيمي في فائيته:

بانت صدوف فقلبه مخطوف ونات بجانبها عليك صدوف

وقد اكد مصطفى ناصف وحدة هذه القصيدة وترابطها البنيوي اتساقا وانسجاما، كما اكد ترابط صورة
الناقة بصورة المطر “فبينهما علاقة وتبادل غريب. ولذلك يمكن ان يقال اولا ان الشعر الجاهلي
ايقاع واحد. حقا ان فيه نغمات داخلية متنوعة، ولكن هذه النغمات تصنع ايقاعا واحدا. هذا
واضح من حيث المبدا، اما من حيث التطبيق فنحن نجد… الناقة تضطرب في سيرها وتقدم
كل نفسها بحثا عن المطر، فالفكرتان متوائمتان متزاوجتان( فكرة المطر وفكرة الناقة). ومن الممكن ان
يتامل القارئ رحلة الناقة- على الدوام- حتى يسقط المطر، وما اشبه شئون الناقة بفكرة الطقوس
او الفرائض التي تعين على الصلة بذلك المطر.”[11]

و يجسد لنا هذا الفصل ظما الارض الى المطر وخصوبته المعطاء من خلال جدلية الماء
والناقة المقدسة.

و- الفصل السادس: نحو مبدا عظيم

في هذا الفصل ينطلق الناقد من قصيدة الشاعر الحادرة في عينيته التي مطلعها:

بكرت سمية بكرة فتمتع وغدت غدو مفارق لم يربع

ان هذه القصيدة معدودة من مختار الشعر. بداها الشاعر الحادرة بالغزل والنسيب، ثم انتقل بعد
ذلك الى الفخر بالوفاء والنجدة ومعاناة الحروب، وحفظ الذمار، ويذكر الخمر ومجلسها، وتجشمه الاسفار، و
ينهيها بوصف الناقة. وهذه القصيدة مازالت تثير اشكاليات وصعوبات في القراءة. وحينما” نقرا القصيدة اكثر
من مرة نواجه – يقول مصطفى ناصف- موقفا صعبا. وانني اصدقك الحديث حين اقول ان
شروح القدماء وما يشبهها غير كافية. وقد تكون لدى الحادرة تجارب خاصة. وقد يكون هناك
ما نسميه باسم الصدق. ولكن هذه التجارب في صورتها الساذجة التي نقدمها عن القصائد خليقة
بالشك. والناس يعنون بالشعر من اجل اشياء اولى واثر من الشواغل الفردية والتجارب التي يولع
بها المحروم والجائع.”[12]

و يبدو من خلال القصيدة ان الظاهرة الشعرية ليست فردية بل ظاهرة جماعية. اذ تحضر
سمية في النص رمزا من رموز الذاكرة الجماعية. فالمراة ( سمية) ترتبط بصورة الجلال والجمال
والغزال والسحاب الممطر المخصب. ومن ثم، تتحول سمية الى رمز من رموز المديح لتعلقها على
الخصوص بفكرة الغزال. ويعني هذا ان قصيدة الحادرة تحمل معاني انتروبولوجية واسطورية رمزية عميقة ومعاني
سطحية ظاهرة للناس. اي ان للقصيدة الجاهلية مستويين: مستوى ظاهري يقدم لعامة الناس ومستوى باطني
ينبغي تاويله رمزيا واسطوريا من اجل ستخلاص الثوابت المتعالية المشتركة بين جميع الناس في اشكال
شعائر وفروض طقوسية.

ان سمية رمز طقوسي جماعي يحيل على انجذاب الحياة وسريان فكرة الجمال. وترخيم سمية خير
دليل على قدسية سمية وعظمتها الخارقة التي تتمظهر في الازدواج الجنسي: سمية الانثى وسمية الذكر،
وهذه المفارقة مقبولة في التاويل الانتروبولوجي.

ويدل الفخر في القصيدة على السلوك الجماعي على مستوى المعاملات والشعائر المفروضة، كما يدل مقطع
شرب الفتيان للخمرة على تمثلهم بشرب الالهة ورغبتهم في احياء فكرة البطل وتمثيلها، وحين” يتداخل
شرب الخمر ودم الغزال في البيتين” من عاتق كدم الغزال مشعشع” فهناك محاولة بدائية لشرب
الدم، دم الغزال، دم سمية، وبعبارة اخرى محاولة لتقمص روحها ولاخذ شيء من قوتها السحرية
او لنقل ان الخمر كانت دائما محاولة الانسان ان يرتد الى وعيه الباطن، اي وعي
الشاعر الباطن بوجود سمية، ذلك المبدا الذي يبحث عنه ليكون بمراى من الحياة.

ثم تاتي رحلة الحادرة لتشبه في راي الدكتور ناصف شعيرة من شعائر البحث عن مبدا
في الصحراء بحث المعرض للتيه والضلال، ولكنه لا يقف وانما يظل دائما تواقا الى فكرة
الحج باحثا عن حقيقة عن سمية، وفي ختام هذه الملاحظات يذكر الناقد بان الفن العظيم
يتميز بميزة خاصة فهو ينقل الى كثيرين معنى سطحيا واضحا ويحفظ للقليلين بمجموعة اكمل من
الاعماق وقد كانت هذه الثنائية وستظل سمة الفن العميق

  • قراءة ثانية لشعرنا القديم
  • تلخيص جميع فصول مؤلف قراءة ثانية لشعرنا القديم
  • تلخيص الفصل الاول من مؤلف قراءة ثانية لشعرنا القديم
  • تلخيص قراءة ثانية لشعرنا القديم
  • تلخيص الفصل الاول من قراءة ثانية لشعرنا القديم
  • مؤلف قراءة ثانية لشعرنا القديم
  • قراءة ثانية لشعرنا القديم مصطفى ناصف
  • تلخيص قراءة ثانية لشعرنا القديم لمصطفى ناصف
  • تلخيص الفصل الخامس من مؤلف قراءة ثانية لشعرنا القديم
  • تحليل مؤلف قراءة ثانية لشعرنا القديم
السابق
ماسك الجزر للتجاعيد
التالي
فواصل لتزين المواضيع