منذ القدم وحتى اليوم لا تزال اراء المؤرخين مختلفة حول معنى كلمتي كنعان وفينيقيا. ولكن
البعض يعتقد ان معنى هاتين الكلمتين هو ذو مدلول واحد. فالكنعانين مجموعات سامیة اللغة وابناء
سام سكنوا الصحارى كبقية الدول العربية واليافثيين هم الشعوب الهندو-اوروبية)يمكن تتبع اثارهم في المنطقة الممتدة
من جبل الكرمل في فلسطين جنوبا الى اللاذقية في سوريا شمالا مرورا بكل لبنان،(كما ان
حدود كنعان ما قبل سنة 1200 ق.م. تبدا من خليج اسكندرون ساحلا حتى عريش مصر
وشرقا نحو البحر الميت وتمتد شمالا حتى تصل بمحاذاة نهر الفرات) وهذه المنطقة عرفت باسم
كنعان وربما تعني سكان المنطقة المنخفضة اي السواحل، وبذلك يكون اصل كلمة كنعان هو فعل
“كنع” اي انخفض باللغة السامية، وتعني ايضا كنع الانسان في الارض اي بنى وركع وصلى.
واسم فينيقيا ربما من “فينيكس” حيث اطلقه اليونانيون او المصرين ايضا بمعنى “سكان المنطقة المنخفضة”
كما يعني اللون الاحمر القاتم اي “الارجواني”او التمر والنخيل كما تدل ايضا الى طائر الفينيق
حيث انبعثت اسطورته من هذه الارض.
كنعانيون[عدل]
ينقسم الكنعانيون حسب التصنيف اللغوي الى عدة فروع اشهرها
الفينيقيون: سكنوا على سواحل البحر الابيض المتوسط الشرقي “الشاطئ السوري واللبناني”.
الاموريون: سكنوا في سوريا الداخلية كما امتدوا الى جبال لبنان وجبال فلسطين.
المؤابيون:سكنوا شرقي البحر الميت
العبرانيون:سكنوا جنوبي ووسط فلسطين.
العمونيون:سكنوا شرقي نهر الاردن
مدن فينيقية[عدل]
تقع المدن الفينيقية على الشاطئ الشرقي للبحر المتوسط واهمها:
جبيل “قديما جبال وبيبلوس وذلك في العهدين اليوناني والروماني، من اهم المدن الفينيقية واقدم مدينة
ماهولة في العالم ومصدر الابجدية الفينيقية “.
صور التي تعتبر من اقدم المدن الفينيقية، “يعود تاسيسها الى الالف الثالث ق.م”، وغدت منذ
اواخر الالف الثاني ق.م من اكثر المدن الفينيقية صيتا وشهرة.
بيروت “بيريت”- الدامور- صيدا التي كانت اكبر المدن الفينيقية.
اوغاريت : “راس شمرا حاليا، تقع شمال مدينة اللاذقية وتعتبر من اهم المدن الفينيقية نظرا
لموقعها الجغرافي.
ارواد: وهي الجزيرة الوحيدة الماهولة على الشاطئ الشرقي للمتوسط في سوريا.
طرابلس “تريبولي”. وقد عرفت بهذا الاسم اليوناني الاصل لانها كانت تتالف من 3 مدن صغيرة
او 3 احياء خاصة بالصوريين والارواديين والصيدونيين.
طرطوس من المدن الفنيقية الهامة ولها مينائها الفنيقي المعروف منذ القدم.
صيدا او صيدون وتعتبر من المدن المهمة ايضا.
جبلة ميناء مملكة سيانو٬
هناك عدة مدن اخرى بنوها في لبنان وسوريا وفلسطين، كما لكل مدينة مرفان شمالا وجنوبا
وذلك لتسهيل الاتصالات بين المدن.
اقامت المدن الكنعانية-الفينيقية علاقات تجارية وثقافية مع مصر وبلاد الرافدين، وهذه العلاقات كانت تقوم على
اساس المودة. وبين تابع ومتبوع، فكانت هذه المدن تؤمن للبلاد المقيمة معها علاقات اخشاب الارز
التي تستخدم في البناء وصناعة السفن.
الحضارة الفينيقية[عدل]
مصادر الحضارة الفينيقية[عدل]
ان معظم معلوماتنا في التاريخ الفينيقي هي المصادر الخارجية:
الكتابات المصرية والبابلية والاشورية، لاسيما الرسائل التي تبادلها فراعنة مصر وامراء سوريا والمدن الكنعانية.
المصادر اليونانية “قصائد الشاعر هوميروس في الملحمتين الالياذة والادوسية، وكتابات المؤرخين اليونانيين امثال هيرودت.
المصادر الرومانية “يوستينوس”.
كتاب التناخ الذي ورد فيه اسم كنعان بكثير من السلبية واسماء مدن فينيقية هامة.
اضافة الى هذه المصادر الخارجية: الكتابات الفينيقية التي نقشت على النواويس والانصاب والاكتشافات الاثرية الحديثة
لمدينتي اوغاريت وجبيل، كذلك الحفريات في صور وصيدا والبقاع.
التنظيم السياسي[عدل]
لم يمل الفينيقيون الى اقامة دولة قوية على غرار البابليين والاشوريين والمصريين انما كانوا مقسمين
الى عدة دويلات-مدن، وكان التنافس سائدا بينها، وتعود اسباب عدم ايجاد الوحدة السياسية بينها الى
ما يلي: التنافس التجاري فيما بينهم وصعوبة المواصلات “جبال-غابات-اودية-مسالك وعرة”. وبالرغم من عدم توصل المدن
الفينيقية الى ايجاد الوحدة السياسية، فقد كان التحالف احيانا يتم بين بعضها تحت زعامة احدى
المدن الكبرى بدافع الخوف من اخطار خارجية كانت تهددها.
نظام الحكم[عدل]
كان نظام الحكم عند الفينيقيين ديمقراطيا فكان لكل مدينة حكومة خاصة بها يتراسها حاكم او
ملك يحكمها بالوراثة، سلطته مقيدة، يساعده في ادارة الحكم مجلسان هما: مجلس تمثيلي “هيئة من
المشرعين” مجلس الاشراف “الاغنياء” اضافة الى ذلك الكهنة الذين كان لهم دور كبير في ادارة
دفة الحكم. وقد شكلت مدن صور وجبيل وارواد اتحادا اقتصاديا مركزه طرابلس التي كانت تعقد
فيها المؤتمرات العامة للتداول في الشؤون الاقتصادية والمشاكل المشتركة والعمل على ضبط الاستقرار الداخلي كي
تؤمن مصالح كل منها، وقلما كانوا يناقشون الامور السياسية.
الديانة[عدل]
قامت الديانة الفينيقية على عبادة قوى الطبيعة كالشمس والقمر والارض والسماء والبحر والمطر والبرق والرعد
والعواصف، وجعل الفينيقيون لكل من الحرب والزراعة والملاحة والصيد الها ودعي بالبعل، اضافة الى انهم
الهوا ملوكهم وابطالهم، واعتقدوا بالتثليث الالهي “اب وام وابن”. ايل عناة بعل (عشتروت وادونيس) وفي
مرحلة متقدمة كان الاله ايل في كل شيء حتى اصبح الفينقيين يعتبرون اول شعب امن
بالاله التوحيدي ايل.
اشهر الهتهم[عدل]
ايل سيد الالهة- بعل وهو رب الخصب والنماء “الرب” حيث كان لكل مدينة بعلها وبعلتها
مثال بعلبك “بعل-بك”، بعلشميه “بعل-شميه” بعل بيروت وادونيس اله الشمس والحياة مركز عبادته الرئيسي في
جبيل وعشيقته عشتار الهة الحب والخصب والجمال وكانت عبادتهما منتشرة في جميع المدن الفينيقية واشمون
اله الصحة (صيدا) وملكارت (صور) ملك المدينة. ورشف اله البرق والرعد والنور، وداغون اله الزرع
والنبات وموت اله الموت.
الهياكل[عدل]
اقام الفينيقيون المعابد تمجيدا لالهتهم، وكان اشهرها معبدي ادونيس عشتار في مغارة افقا “منبع نهر
ابراهيم في جبيل” وكان الهيكل يتالف من 3 اقسام هي:
القسم الداخلي موضع الاله وعبادته,
القسم الخارجي وهو المعبر الى الداخل.
الساحة العامة، وكانت مساكن الكهنة والموظفين الى جانبها.
تقديم الاضاحي[عدل]
كان الفينيقيون يقدمون الى الالهة الضحايا البشرية في الاوقات العصيبة، وكان تستبدل بالحيوانات في بعض
الاحيان، التي كانت دماؤها تصب على الانصاب ولحومها تحرق على المذابح، اعتقادا منهم ان دخانها
يشبع الالهة ويرضيها، وكانت الصلوات والدعوات والرقص والترانيم تقام على يد الكهنة.
مواسم الاحتفالات[عدل]
كان لدى الفينيقيين موسمان رئيسان هما:
موسم الفرح والبهجة والسرور الذي كان يقام في فصل الربيع رمزا لولادة الاله ادونيس من
جديد.
موسم الحزن والكابة الذي يقام في الخريف رمزا لموت الاله، ويعود ذلك الى قصة ادونيس
الذي صرعه حيوان بري متوحش في غابات وادي نهر ابراهيم الذي اصبح مقدسا لدى الفينيقيين،
واخذت تتوسل للاله موت “ملك العالم السفلي” لاحيائه من جديد، فكان ما ارادت.
ما بعد الموت[عدل]
لم يعتقد الفينيقيون بالحياة الثانية، انما كانوا يعتقدون ان الروح لا تفنى بعد الممات، انما
تستقر في حالة سكون وهدوء، قريبة من الجسد “اي من صاحبها”. كان الفينيقيون يدفنون ملوكهم
والنبلاء في نواويس حجرية، بينما كانوا يدفنون العامة في توابيت خشبية، وقد وضعت هذه النواويس
والتوابيت في اماكن امنة لا تنالها ايدي اللصوص، حيث كان يوضع مع الميت ما يحتاج
اليه من مؤن واواني خزفية وحلى. وكان اسم الميت ينقش على قبره، وكان ذوو الفقيد
واقاربه يزورونه من حين الى اخر، ويضعون على قبره الورود والطعام والشراب ظنا منهم بان
روحه تسر بذلك.
علوم الفينيقيين وفنونهم وادابهم[عدل]
طرق الكتابة قبل اكتشاف الابجدية الفينيقية: قبل اكتشاف الابجدية الفينيقية في القرن الرابع عشر ق.م،
كان العالم القديم يعتمد في الكتابة طرقا مختلفة، فقد ظهرت الكتابة لاول مرة في كل
من مصر وبلاد ما بين النهرين في اوائل الالف الثالث ق.م. وجاءت هذه الكتابات تصويرية
“هيروغليفية” في مصر ومسمارية في بلاد ما بين النهرين، ثم تطورت كل من الكتابتين الى
مقاطع صوتية ثم الى الصوت حيث وضع له شكل او حرف حتى بلغ عدد هذه
الاحرف الابجدية 24 حرفا في اوائل الالف الثاني ق.م.
الابجدية الفينيقية[عدل]
تعتبر الابجدية الفينيقية اهم المنجزات الحضارية واعظم ما قدمه الفينيقيون من خدمات الى العالم واشهر
الابجديات ابجدية اوغاريت وهي اكمل الابجديات. فقد عرف الفينيقيون بتلك الكتابة المقطعية الصوتية. وكان لا
بد للفينيقين من تطويرها ومن استنباط كتابة جديدة تتفق ومتطلباتهم الحياتية والاجتماعية وخالية من التعقيد
والالتباس، واكثر فهما ووضوحا للجميع، وقد وضعوا لها القواعد الى ان اخرجوها كتابة ابجدية، مؤلفة
من اثنتين وعشرين حرفا فاستعملوها ونشروها في العالم. وكانت قد ظهرت عدة كتابات فينيقية اشهرها
ابجدية اوغاريت التي كتبت باشكال مسمارية “القرن الرابع عشر ق.م” واشتهرت مع المدينة التي وصلت
بشهرتها مناطق واسعة من شرق المتوسط ودمرت على يد الغزاة الانيين الذين اتوا من اليونان
وقد شكلت ابجدية اوغاريت احد اهم واكمل الابجديات على الاطلاق، والابجدية السينائية “كشفت نصوصها في
سيناء” التي تمثل احدى المحاولات التي قام بها الكنعانيون للانتقال من الكتابة التصويرية-المقطعية الى الابجدية،
وابجدية جبيل التي تتالف من 22 حرفا كانت تكتب بالقلم والحبر على ورق البردي، من
اليمين الى اليسار، وكان الاصل الذي اشتقت منه جميع الابجديات السامية الاخرى والابجدية اليونانية، ومنها
اشتقت الابجديات الحديثة.
علوم[عدل]
كان للابجدية والاكتشافات الفينيقية، والرحلات الجغرافية، والصناعات والمستعمرات التي انشاها الفينيقيون في مختلف انحاء البحر
الابيض المتوسط الاثر الهام في تاريخ الشعوب القديمة عامة، فقد اشتهر الفينيقيون خاصة “الصوريون” و”الاوغاريتيون”
بالعلوم لا سيما في علم الفلك والحساب الضروريين في الملاحة والتجارة، وكان القرطاجيون اول من
اصدر اوراق النقد على جلود الحيوانات واستنبطوا خطوط الطول ودوائر العرض ووضعوها على خرائطهم لتحديد
مواقع مستعمراتهم ومحطاتهم التجارية. واكتشفوا النجم القطبي الشمالي لتحديد الجهات. كما ساهموا في تطور علم
الجغرافيا نتيجة رحلاتهم الاستكشافية حول افريقيا وعبورهم مضيق جبل طارق، والبحار والمحيطات والتي اكسبتهم معرفة
باحوال القارة الافريقية من حيث المناخ، والنبات والسكان وانماط معيشتهم وعاداتهم وتقاليدهم. وحسب المؤرخون ان
الفينيقيين وصلوا بسفنهم الى السواحل البريطانية، وربما الى القارة الاميركية قبل ان يكتشفها كريستوفر كولومبوس
لوحة باراابا تثبت ذلك والتي وجدت في البرازيل (نقش پارايبا (Paraíba) او(Parahyba)).
فنون[عدل]
جاء الفن الفينيقي في الالف الثالث ق.م مقلدا لعدة فنون خارجية، كالقبرصية والمسينية والايجية والمصرية،
والرافدية، الى ان اصبح في الالف الاول ق.م محررا من الاقتباس والتقليد، متخذا طابعا خاصا
به، فقد تجلى فن الاتقان والخلق والابداع عند الفينيقيين في: الصباغ الارجواني الذي استخرج من
الصدف واستخدم في صناعة الاقمشة المطرزة التي نالت شهرة عظيمة في العالم القديم. والخزف الذي
تفننوا في صناعته، فقد شملت الكؤوس التي جاءت بشكل تماثيل راقصات، وقوارير الطيب بشكل تماثيل
صغيرة والابارق والزهريات التي زينت بالالوان والنقوش الجميلة، وصناعة النقود والاختام التي بدت فيهما الدقة
والاتقان، وادوات الزينة التي شملت “الحلى المطعمة بالعاج والذهب والفضة والحجارة الكريمة” والرسم والنقش على
الخزف والخشب والمعادن، والنحت الذي تمثل في “تيجان الاعمدة والمسلات واللوحات الجميلة التي جاءت اية
من الدقة والجمال”. اما في البناء فقد تجلت براعتهم في هندسة القصور والهياكل والسفن التجارية
والحربية فضلا عن اهتمام الفينيقيين بالغناء والموسيقى وتطويرها في الطقوس الدينية، وكان العود احدى الاتهم
الموسيقية التي استعملها شعوب كثيرة.
اداب[عدل]
كان لاكتشافات مدينة اوغاريت “راس شمرا حاليا” في سوريا سنة 1929- الادبية- الدينية اثر هام
في معرفة التراث الادبي الفينيقي، فالملاحم الادبية- الدينية “ملحمة بعل” كارت “اقهات بن دانيال” التي
كتبت في القرن الرابع عشر بالابجدية الاوغاريتية تعتبر انعكاسا للنشاط الادبي في هذه المدينة، اضافة
الى ذلك العديد من الالواح الحجرية التي خططت بالمسمارية والتي وجدت في اوغاريت، وتضمنت علوما
وادابا وفنونا واديانا لمختلف انواع حضارات الشعوب القديمة تعود الى الانتاج الفكري الفينيقي، وهذا دليل
على عكس ما قاله المؤرخون القدماء “اليونان- الرومان- المصريون- البابليون- الاشوريون” في كتاباتهم بان الفينيقيين
شعب تجاري فقط.
للاسف الشديد ان اكثرية الكتابات الفينيقية كانت على ورق البردى وطبعا لم يبق منها شيء.
الاقتصاد[عدل]
الزراعة[عدل]
لم يهمل الفينيقيون ايا من مواردهم الاقتصادية، فقد انبتوا في ارضهم كل ما كان بامكانها
ان تعطيهم. ونوعوا من الصناعات حتى لا يشتروا من الخارج. لكنهم اهتموا بالتجارة لانها المورد
الاساسي.
معطيات الطبيعة[عدل]
لم يكف سكان فينيقيا ما كانت تنتجه ارضهم من غلال. لا لانهم اهملوا الزراعة، بل
لان مساحات البلاد ضيقة. ففينيقيا ساحل مستطيل، تتعاقب على شواطئه السهول الرسوبية والرؤوس الصخرية. وتغطي
الغابات جباله فلا تترك للزراعة الا قدرا ضئيلا من السفوح المطلة على المتوسط. وتتوزع المزروعات
في منطقتين: سهلية تغلب فيها الخضار والحبوب والنخيل، وجبلية تغلب فيها الكرمة والزيتون. ولم يوفر
الفينيقيون اي مساحة، من اي سعة كانت، دون زراعة. لذا جدوا في تمهيد الجلول منعا
لانجراف الاتربة مع الامطار والسيول.
طرق الانتاج[عدل]
واعتمدوا في الحراثة على سكة خشبية مجوفة، تتسع للبذار. تجرها الثيران او الحمير او الانسان
اذا لزم الامر. وحصدوا السنابل بمنجل بدائية مربوطة الى حجر. ودرسوا الحنطة على البيادر تحت
النورج. وذروها على طبق او بالمذراة. وجمعوها في اكوار لفصل الشتاء.
الانتاج[عدل]
واشتهرت خمور فينيقيا في الخارج. وقرطاجة بنت صور باعت خمورها اللذيذة من روما. واستبدل الفينيقيون
اغراس الزيتون البري اغراسا جديدة من الخارج. فاستعاضوا بانتاجهم عن الاستيراد. وافتنوا في زراعة الرمان،
ونقلوها الى قرطاجة. وذاع صيت بعض الكتب الزراعية في قرطاجة فنقلت الى اللاتينية.
الغابات[عدل]
وكانت سببا في اثارة اطماع جيران فينيقيا بها. وقد غطت كل الجبل حتى بدت معينا
لا يشح. فاسرف الفينيقيون في قطعها. ومصر كانت اول من اتجر مع جبيل من اجل
اخشابها، حتى اذا تضاءلت امكانات تصدير الاخشاب من جبيل افل نجمها. ولما دانت فينيقيا لسلطة
الاشوريين والكلدانيين والفرس، باهى هؤلاء ببناء قصورهم من خشب الارز في لبنان. وكثيرا ما فرضت
الضريبة على فينيقيا خشبا.
الصناعة[عدل]
الصباغ الارجواني[عدل]
احتكرت صناعته صور وصيدون. وهو كناية عن صدف طبيعي، منشاه صدف “الموريكس”. تكاثر على شواطئ
فينيقيا. فجمعوا منه كميات ضخمة حتى غدا نادرا اليوم. والصدف بعد انتزاعه عن الشاطئ، ينضح
منه سائل اصفر تلون به الانسجة. حتى اذا جف النسيج المصبوغ استحال لونه بنفسجيا. وازداد
رونقا كلما تعرض للنور. وافتن الفينيقيون في جعله قاتما او زاهيا. ويتضح من ذلك ان
الصباغ لم يكن ارجوانيا بل بنفسجيا انما الدعاية صورته احمر قرمزيا. وقد تشهد مصانع الارجوان
بالقرب من مدينتي صيدون وصور. وتشهد على ذلك تلول صدف الموريكس الباقية حتى الان جنوبي
صيدا. ولما كانت الرائحة المنبعثة منه كريهة، اهتم الفينيقيون باقامة المصانع خارج نطاق المدينة. وطوروا
صناعته حتى قضوا على المضاربة الايجية، بعد ان كانت متفوقة في اواخر الالف الثاني قبل
الميلاد.
المصنوعات المعدنية[عدل]
من بين المواد الاولية المعدنية نذكر القصدير والنحاس والحديد والذهب. والقصدير استقدموه في البدء من
اسيا، من بلاد عيلام، ومن اسيا الصغرى. ولما برعوا في الملاحة اتوا به من “اتروريا”
في ايطاليا اليوم، ومن اسبانيا، وانتهى بهم المطاف الى جنوبي انكلترا (بلاد الكورنواي). والنحاس استوردوه
من جبال امانوس، والحديد استخرجوه محليا. وكفاهم من هذه المعادن كميات ضئيلة نظرا للاستعمال المحدود،
لتامين حاجاتهم من السلاح والاواني والتماثيل والكؤوس والنقود، التي تحمل سكتها رسم مركب فينيقي، اما
الذهب فقد خصوا به الحلي وما شابهها من الكماليات.
الزجاج والعاج[عدل]
لم يبتكر الفينيقيون طريقة صناعة الزجاج، بل اخذوه عن المصريين. ولكنهم جعلوه شفافا، ونوعوا من
اصنافه. فصنعوا منه الكؤوس والقناني وقوارير الطيب. وافتنت كل من صور وصيدون في تلوينه. فاخرجتا
منه الابيض والاصفر والاحمر والازرق. وجعلتا من صناعته فنا حتى وصل الاعتداد لديهم الى توقيع
اسمائهم على منتجاتهم الزجاجية (من امثال جاسون وارتاس) وقد غدت الاقراط والاساور والخواتم والعقود مرصعة
باحجار زجاجية، شديدة الشبه بالحجارة الكريمة. والكؤوس الزجاجية الفينيقية كان غالبا جوائز للفائزين في المباريات
الرياضية والجسمانية لدى الاغريق. والالياذة غنية بالشواهد على ذلك. اما العاج، وهو مادة غريبة عن
فينيقيا، فقد استقدم من الهند عن طريق ما بين النهرين، او من افريقيا عن طريق
مصر. صنع منه الفينيقيون صناديق صغيرة، وتماثيل وزخرفوها. ووجدت اعداد ضخمة من مصنوعات العاج في
النواويس والمقابر، لانها كانت تودع مع الميت. ومعظمها موجود اليوم في المتحف البريطاني.
صناعة الخزف[عدل]
برع الفينيقيون في صناعة الخزف. وصنعوا منه كميات ضخمة من الانية والتماثيل الصغيرة. ولما كان
اهتمامهم بالناحية التجارية قبل كل شيء، لم يسهروا على اخراج تحف فنية، بل على اخراج
انية رخيصة، وتماثيل مرغوبة في الاسواق. وتطورت صناعته حتى جبلوا منه النواويس. واكثر الانية الخزفية
وجدت في المقابر، اذ حوت العطور او لوازم معينة تدفن مع الميت. وبعض الانية التي
وجدت في “كفر جره” (بالقرب من صيدا) تدل على انهم توصلوا الى جعل الخزف رقيقا
متماسكا لا بل رنانا وفي ذلك الكمال.
صناعة السفن[عدل]
ان العامل الاساسي لازدهار صناعة السفن، هو توفر المادة الاولية، الا وهي الخشب. واعتماد الفينيقيين
على البحر في تنقلاتهم وتجارتهم اضطرهم الى تطوير هذه الصناعة، فانتهوا الى المراكب الكبيرة. وهذه
تنقسم الى فئتين: مراكب تجارية ومراكب حربية. والمركب التجاري طويل، يجلس في كل جانب منه
صف او اثنان من المقذفين حسب حجم السفينة. مقدمته مرتفعة تنتهي براس حيوان. وفي وسطه
سار يحمل شراعا. اما المركب الحربي فمقدمته حادة معدة للصدام. وتحمل المراكب في مؤخرتها عارضتين
طويلتين تقومان مقام الدفة. وذاع صيت الاساطيل الفينيقية. حتى غدت فينيقيا قوة بحرية تطمع بها
جميع الامبراطوريات المجاورة في مصر وما بين النهرين وفارس. وعن مراكب قرطاجة نقلت روما نماذج
مراكبها فيما بعد.
ميزة الصناعة الفينيقية[عدل]
اذا استثنينا صناعة السفن، نجد ان مجمل المصنوعات الفينيقية تمت بصلة وثيقة الى الكماليات. شان
الزجاج، والصباغ الارجواني، والخزف والعاج. احتكروا بعضها (كالارجوان) وضخموا اسعاره. وحين قصروا حيال براعة غيرهم
في المصنوعات، عمدوا الى اخراج نماذج تجارية غير متقنة ولكنها سهلة التصريف كالمصنوعات الخزفية مثلا.
ومعظم النماذج المعتمدة لديهم كانت صغيرة الحجم، سهلة الحمل، لا خوف من عطبها في المراكب.
وهذا ما يفسر توزع المنتجات الفينيقية في كل انحاء المتوسط، او في البلاد الداخلية التي
اتجرت معهم. وما اعتماد هذه الصناعات واتقانها الا في سبيل تحاشي شرائها من الخارج، لئلا
يحد شراؤها من ارباحهم. فلم يكن الفينيقيون صلة وصل فقط، بل غدوا المنتجين لهذه المصنوعات
الكمالية. والطبيعة بدورها لم تكن لتهيئ فينيقيا لاي دور صناعي، وبالرغم من ذلك استطاع الفينيقيون
ان ياتوا الكثير من المنتجات الصناعية. وحتى في تقليد صناعات غيرهم، اضفوا على انتاجهم مسحة
من الاتقان البارع، مما يدل عليه صفاء زجاجهم وتلوينه واستعماله مكان الحجارة الكريمة. وصناعة السفن
كانت المدى الارحب لابراز براعة الفينيقيين الصناعية، اذ تضافرت لاتقانها جميع العوامل البشرية والطبيعية؛ من
خشب وخبرة ملاحية ومعلومات جغرافية وفلكية وملاءمة الساحل للصيد والسفر.
الملاحة[عدل]
نشطت الملاحة في فينيقيا نتيجة اعتبارات عدة منها: صعوبة التنقل البري، ووفرة الخشب، وملاءمة الموقع
الجغرافي بالنسبة للعالم القديم. وعزز الفينيقيون ملاحتهم بنشاطات خاصة، كتطوير صناعة السفن، وحسن اختيار مواقع
المرافئ، وتسخير المعارف الجغرافية والفلكية، واخيرا انشاء المستعمرات لتكون اداة اتصال.
ظروف الملاحة[عدل]
جهل الفينيقيون استعمال البوصلة. ولكنهم اهتدوا الى الشمال بواسطة النجم القطبي، وقد سماه الاغريق باسمهم
اي “النجم الفينيقي”. وشرعوا في التنقل على طول الشاطئ، لا يغامرون في عرض البحر، وتجنبوا
المغامرة في الليل حتى لا يضيعوا. وجعلوا مدنهم محطات تجارية، بين الواحدة والاخرى مسيرة نهار.
واستفادوا من الجزر المنتشرة في بحر ايجه، ورادوا جميع مناطق الارخبيل الاغريقي. اما الوصول الى
مصر في الجنوب فقد تم على مراحل. لازموا الشاطئ حتى وصلوا الى الدلتا. وهكذا دواليك
حتى انتهى بهم الى خارج المتوسط.
الرحلات[عدل]
وزاد الكسب التجاري من طموح الفينيقيين. فنظموا رحلات استكشافية. وكان احداها لحساب الفرعون “نخاو”. ويخبرنا
هيرودوتس بان هذا الفرعون قد طلب من الفينيقيين، حوالي عام 1600 ق.م، ان يقوموا برحلة
غطى نفقاتها، انطلقت من شواطئ البحر الاحمر. واستمرت 3 سنوات ودارت حول “ليبيا” والمقصود افريقيا.
وعادت عن طريق البحر المتوسط الى مصر. وعندما وصلت مراكب الرحلة العشرة غربي الشاطئ الافريقي،
تمكنت العاصفة من احداها ففصلته عن سائر المراكب. وحملته التيارات المائية والرياح التجارية حتى شرق
البازيل (انظر نقش بارايبا). اما الرحلة الثانية فقد قام بها احد مواطني قرطاجة، واسمه “حنون”
بتكليف من مجلس الشيوخ. والغاية من هذه الرحلة التفتيش عن اسواق جديدة. وقد سار “حنون”
في عكس اتجاه رحلة “نخاو”. وثمة رحلة ثالثة قام بها مواطن اخر من قرطاجة هو
“حملكن”. فعبر مضيق جبل طارق. واستمر في سيره اربعة اشهر وصل في نهايتها الى جنوبي
انكلترا. وقد تمت الرحلتان القرطاجيتان ما بين 450 و350 ق.م.
المستعمرات[عدل]
في اواخر الالف الثاني قبل الميلاد، زالت سيطرة الايجيين على البحر المتوسط. فتنفس الفينيقيون الصعداء.
وتوزعت سفنهم ومن ثم مستعمراتهم في جميع انحاء المتوسط. وتشاء الاساطير ان تنسب الى صور
امر انشاء كل المستعمرات الفينيقية. انما الواقع غير هذا.
في الحوض الشرقي[عدل]
في الحوض الشرقي من المتوسط، احاط الفينيقيون قبرص بعقد من المخازن. وتصدوا للمنافسة الاغريقية التي
اشتدت خلال القرنين الرابع والثالث ق.م والطمع بقبرص عائد لغناها بالنحاس والحجارة الكريمة، ثم لوفرة
حبوبها وخمورها وزيتونها، ولموقعها الوسط بين عالمين. اما في اسيا الصغرى فقد اهتموا بمناطق كيليكيه
و”طرطوس” خاصة. ومن هنالك وصلوا الى “رودس” المواجهة للشاطئ. اذاك ازداد الخطر المحدق بهم، اذ
قربهم من مناطق النفوذ الاغريقية. وبالرغم من ذلك استقروا في “كريت” وجزر “السيكلاد”. ولكنهم لم
يتعدوا “الدردنيل” في انشاء المستعمرات خشية الابتعاد عن البلد الام، وان تكن قوافلهم قد وصلت
الى شواطئ البحر الاسود و”ارمينيا”. وفي الجنوب لم يكن يسيرا انشاء المستعمرات على حساب مناطق
النفوذ المصرية. بل اكتفوا باقامة المخازن في “ممفيس”، حيث تمتعوا بحرية التجارة. وانشئوا حيا خاصا
بالصوريين منذ القرن الثاني عشر قبل الميلاد، واقاموا فيه معبدا لعشتروت.
في الحوض الغربي[عدل]
ولما اشتدت منافسة الاغريقيين، فضل الصوريون ترك المجال مفتوحا امام صيدون. فنقلوا مناطق نفوذهم التجاري
الى الحوض الغربي من المتوسط. فاستقروا في “صقلية”، و”يوتيقا” (المدينة العتيقة) في تونس اليوم، و”مالطة”،
مراعين في اختيارهم لمستعمراتهم البحرية المركز التجاري والموقع الطبيعي انشاء المرافئ. ومن هناك انطلق الفينيقيون
الى جنوبي “سردينيا”، والجزر المجاورة لها “كالباليار”. ومن ثم خطوا نحو “ترشيش” (اسبانيا) حيث حولوا
احدى محطاتهم التجارية الى مستعمرة. ولكن الفينيقيين حين ابتعدوا عن ارض كنعان، لم تعد نقطة
ارتكازهم صور، بل قرطاجة اكبر المستعمرات الفينيقية على الاطلاق.
قرطاجة[عدل]
لم تكن قرطاجة اول مستعمرة انشئت في شمال افريقيا، بل سبقتها مستعمرة “يوتيقا” (سنة 1000
ق.م) على نهر المجردة، و”زارتيس” (بيزرتا).وسميت قرطاجة (المدينة الحديثة) تمييزا لها عن جارتها “يوتيقا” (المدينة
العتيقة). وقد شيدت حوالي 814 ق.م. لتكون صلة الوصل بين صور والمستعمرات الفينيقية. وقد اختار
لها الصوريون موقعا استراتيجيا بين الحوضين الشرقي والغربي للمتوسط. تتصل برا بالقارة الافريقية، وبحرا بمختلف
المحطات والمخازن والمستعمرات الفينيقية في الغرب. ولم يخطر لصور يوما بان هذه المستعمرة التي بنت،
ستنافسها فيما بعد. وبرزت عظمة قرطاجة يوم اخضع الاشوريون فينيقيا. ولما هدم نبوخذ نصر الكلداني
صور البرية، لم يعد لدى الفينيقيين مدينة تفوق قرطاجة بعظمتها. فتبنت هذه المستعمرة العملاقة سياسة
صور وصيدون وكانت استمرارا لهما. وسعت للتوسع في الحوض الغربي للمتوسط حتى اصطدمت بالاغريق. فنشبت
حرب بينهما سنة 550 ق.م واستطاعت قرطاجة ان تكسب الرومان الى جانبها. ولما تنكر لها
الرومان فيما بعد وتاصل العداء قضي على قرطاجة اثر حربين عرفتا باسم الحربين البونيتين.
الطرق التجارية البرية[عدل]
لم يسع الفينيقيون ان يتاجهلوا التجارة مع بلاد “امرو”، وبلاد ما بين النهرين، وما ورائهما
من دول وشعوب. فتشعبت طرق القوافل في كل الاتجاهات حتى شملت بلدانا تتصل بفينيقيا بحرا
كمصر واسيا الصغرى. واهم طرقاتهم البرية هي:
الطرق الساحلية[عدل]
احدها نحو الجنوب، مرورا بكل المدن الفينيقية وساحل المتوسط. وينقسم الطريق الى شعبتين: اولاهما نحو
خليج العقبة وشبه الجزيرة العربية، حيث اشتهرت على الخليج العربي مدن سميت بالمدن الفينيقية. والثانية
تذهب نحو مصر والسودان والحبشة. اما الطريق الساحلي نحو الشمال، فيعبر فينيقيا نحو كيليكيا. وكانت
عاصمة الحثيين “حتوسه” (بوغاز كوي اليوم) نقطة التقاء بين “الطريق الملكي” الفارسي نحو “ساردس” عاصمة
“ليديا” غربي اسيا الصغرى، وبين الطريق الشمالي نحو ارمينيا والبحر الاسود.
الطرق الداخلية[عدل]
ونعني بها طريقين رئيسيين، اولهما يتفرع عن الطريق الساحلي الشمالي (شمال سورية). فيذهب من اوغاريت
نحو حماه، وحلب، و”الرها”، و”كركميش”، و”نصيبين”، فيتصل بوادي الفرات حتى ما بين النهرين والجزيرة السورية،
او يذهب من “حران” الى “نينوى”. والطريق الثاني يعبر جبال لبنان الى الزبداني الى “دمشق”
ثم “تدمر” فبلاد ما بين النهرين. وهذا هو الطريق الاقصر، لكنه الاصعب. وكلتا الجزيرة العربية
وبلاد ما بين النهرين كانت الصلة ما بين فينيقيا والهند.
وفي طرقهم البرية هذه، كان الفينيقيون يقيمون علاقات الود مع شعوب البلدان والمناطق التي يهبرونها.
فيمكنون اواصر التفاهم مع القبائل، ويستعينون ببعضها كسماسرة او مرشدين. وهذا ما يسمح لهم بان
يقيموا المحطات التجارية او يقيموا الاحياء الخاصة بهم. كما تامن قوافلها شر اللصوص المهاجمين في
مناطق نائية منعزلة.
السلع التجارية[عدل]
لا غرحلة التجار الفينيقيين بضع سنوات احيانا. فهم متجولون، يعرضون على الشعوب مصنوعاتهم ومصنوعات غيرهم.
وبلاد كفينيقيا لا يمكنها ان تعطي الكثير، فيما عدا الاخشاب والزيوت والخمور. لذلك اتكلوا على
انتاج غيرهم يشترونه ثم يبيعونه. فاستوردوا الصوف والجلود واللحوم من سوريا، والعسل والحبوب من فلسطين،
والافاويه والتوابل من الشرق الاقصى، والنحاس من قبرص واليونان والقفقاص، والذهب من اسبانيا، والحجارة الكريمة
من مصر وسيناء، والعطور من بلاد الرافدين، والابنوس والعاج من السودان، والكتان والقطن من مصر،
والخيول من ارمينيا.